کفایة الاصول - قسمت دهم
فیختص بما یوجب نفی التکلیف لا إثباته.
نعم ربما یقال (1) : بأن قضیة الاستصحاب فی بعضٍ الصور وجوب الباقی فی حال التعذر أیضاً.
ولکنه لا یکاد یصحّ إلّا بناءً على صحة القسم الثالث من استصحاب الکلیّ ، أو على المسامحة فی تعیین الموضوع فی الاستصحاب ، وکان ما تعذر مما یسامح به عرفاً ، بحیث یصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قیل بوجوب الباقی ، وارتفاعه لو قیل بعدم وجوبه ، ویأتی تحقیق الکلام فیه فی غیر المقام (2).
کما أن وجوب الباقی فی الجملة ربما قیل (3) بکونه مقتضى ما یستفاد من قوله 9 : ( إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم ) (4) وقوله : ( المیسور لا یسقط بالمعسور ) (5) وقوله : ( ما لا یدرک کله لا یترک کله ) (6) ودلالة الأوّل مبنیة على کون کلمة ( من ) تبعیضیة ، لا بیانیة ، ولا بمعنى الباء ، وظهورها فی التبعیض وأنّ کان مما لا یکاد یخفى ، إلّا أن کونه بحسب الأجزاء غیر واضح ، لاحتمال أن یکون بلحاظ الأفراد ، ولو سلّم فلا محیص عن إنّه ـ هاهنا ـ بهذا اللحاظ یراد ، حدیث ورد جواباً عن السؤال عن تکرار الحج بعد أمره به ، فقد روی إنّه خطب رسول الله 9 (7) ، فقال : ( إن الله کتب
__________________
1 ـ راجع فرائد الأصول / 294.
2 ـ سیأتی فی مبحث الاستصحاب / 425.
3 ـ راجع فرائد الأصول / 294.
4 ـ غوالی اللآلی 4 / 58 ، مع اختلاف یسیر.
5 ـ غوالی اللآلی 4 / 58 ، باختلاف یسیر.
6 ـ غوالی اللآلی 4 / 58 ، باختلاف یسیر.
7 ـ راجع مجمع البیان 2 : 250 ، فی ذیل الآیة 101 من سورة المائدة والتفسیر الکبیر للفخر الرازی 12 : 106 وأنوار التنزیل للبیضاوی 1 : 294 ، وفی الأخیر فقام سراقة بن مالک.
علیکم الحج ، فقام عکاشة (1) ـ ویروى سراقة بن مالک (2) ـ فقال : فی کلّ عام یا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتین أو ثلاثاً ، فقال : ویحک ، وما یؤمنک أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم ، لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو ترکتم لکفرتم ، فاترکونی ما تُرکتم ، وإنما هلک من کان قبلکم بکثرة سؤالهم ، واختلافهم إلى أنبیائهم ، فإذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهیتکم عن شیء فاجتنبوه ).
ومن ذلک ظهر الإِشکال فی دلالة الثّانی أیضاً ، حیث لم یظهر فی عدم سقوط المیسور من الإِجزاء بمعسورها ، لاحتمال إرادة عدم سقوط المیسور من أفراد العام بالمعسور منها. هذا.
مضافاً إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوماً ، لعدم اختصاصه بالواجب ، ولا مجال لتوهم دلالته على إنّه بنحو اللزوم ، إلّا أن یکون المراد عدم سقوطه بماله من الحکم وجوباً کان أو ندباً ، بسبب سقوطه عن المعسور ، بأن یکون قضیة المیسور کنایة عن عدم سقوطه بحکمه ، حیث إن الظاهر من مثله هو ذلک ، کما أن الظاهر من مثل ( لا ضرر ولا ضرار ) (3) هو نفی ماله من تکلیف أو وضع ، لا إنّها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المکلف کی لا یکون له دلالة
__________________
1 ـ عکاشة بن محصن بن حُرثان ، شهد بدراً مع النبی 6 ، ثم لم یزل عنده یشهد المشاهد مع رسول الله 6 حتى قتل فی قتال أهل الردة ، کان عمره عند وفاة النبی 6 اربعاً وأربعین سنة. ( تهذیب الأسماء 1 : 338. رقم 418 )
2 ـ سراقة بن مالک بن جعشم الکنانی المدلجی ، کنیته أبو سفیان ، له صحبة ، کان یسکن قدید ، مات بعد عثمان ، روى عنه سعید بن المسیب وأبو رشدین وعبد الرحمن بن مالک. ( الجرح والتعدیل 4 : 308 رقم 1342 ).
3 ـ الکافی 5 / 293 ، کتاب المعیشة باب الضرار ، الحدیث 6.
و : الکافی 5 / 280 ، کتاب المعیشة باب الشفعة ، الحدیث 4.
و : التهذیب 7 / 164 ، باب الشفعة ، الحدیث 4.
على جریان القاعدة فی المستحبات على وجه ، أو لا یکون له دلالة على وجوب المیسور فی الواجبات على آخر ، فافهم.
وأما الثالث ، فبعد تسلیم ظهور کون الکلّ (1) فی المجموعی لا الأفرادی ، لا دلالة له إلّا على رجحان الإِتیان بباقی الفعل المأمور به ـ واجباً کان أو مستحباً ـ عند تعذر بعضٍ أجزائه ، لظهور الموصول فیما یعمهما ، ولیس ظهور ( لا یترک ) فی الوجوب ـ لو سلّم ـ موجباً لتخصیصه بالواجب ، لو لم یکن ظهوره فی الأعم قرینة على إرادة خصوص الکراهة أو مطلق المرجوحیة من النفی ، وکیف کان فلیس ظاهراً فی اللزوم هاهنا ، ولو قیل بظهوره فیه فی غیر المقام.
ثم إنّه حیث کان الملاک فی قاعدة المیسور هو صدق المیسور على الباقی عرفاً ، کانت القاعدة جاریة مع تعذر الشرط أیضاً ، لصدقه حقیقة علیه مع تعذره عرفاً ، کصدقه علیه کذلک مع تعذر الجزء فی الجملة ، وأنّ کان فاقد الشرط مبایناً للواجد عقلاً ، ولأجل ذلک ربما لا یکون الباقی ـ الفاقد لمعظم الإِجزاء أو لرکنها ـ مورداً لها فیما إذا لم یصدق علیه المیسور عرفاً ، وأنّ کان غیر مباین للواجد عقلاً.
نعم ربما یلحق به شرعاً مالا یعد بمیسور عرفاً بتخطئة للعرف ، وأن عدم العد کان لعدم الاطلاع على ما هو علیه الفاقد ، من قیامه فی هذا الحال بتمام ما قام علیه الواجد ، أو بمعظمه فی غیر الحال ، وإلاّ عدّ إنّه میسوره ، کما ربما یقوم الدلیل على سقوط میسور عرفی لذلک ـ أیّ للتخطئة ـ وإنّه لا یقوم بشیء من ذلک.
وبالجملة : ما لم یکن دلیل على الاخراج أو الإلحاق کان المرجع هو الإِطلاق ، ویستکشف منه أن الباقی قائم بما یکون الأمور به قائماً بتمامه ، أو بمقدار یوجب إیجابه فی الواجب واستحبابه فی المستحب ، وإذا قام دلیل على أحدهما فیخرج أو یدرج تخطئة أو تخصیصاً فی الأوّل ، وتشریکاً فی الحکم ، من دون الاندراج فی
__________________
1 ـ فی « ب » : ظهور کون الکل
الموضوع فی الثّانی ، فافهم.
تذنیب : لا یخفى إنّه إذا دار الأمر بین جزئیة شیء أو شرطیته ، وبین مانعیته أو قاطعیته ، لکان من قبیل المتباینین ، ولا یکاد یکون من الدوران بین المحذورین ، لإمکان الاحتیاط بإتیان العمل مرتین ، مع ذاک الشیء مرة وبدونه أُخرى ، کما هو أوضح من أن یخفى.
خاتمة : فی شرائط الأُصول
أما الاحتیاط : فلا یعتبر فی حسنه شیء أصلاً ، بل یحسن على کلّ حال ، إلّا إذا کان موجباً لاختلال النظام ، ولا تفاوت فیه بین المعاملات والعبادات مطلقاً ولو کان موجباً للتکرار فیها ، وتوهمّ (1) کون التکرار عبثاً ولعباً بأمر المولى ـ وهو ینافی قصد الامتثال المعتبر فی العبادة ـ فاسد ، لوضوح أن التکرار ربما یکون بداع صحیح عقلاًئی ، مع إنّه لو لم یکن بهذا الداعی وکان أصل إتیإنّه بداعی أمر مولاه بلا داعٍ له سواه لما ینافی قصد الامتثال ، وأنّ کان لاغیاً فی کیفیة امتثاله ، فافهم.
بل یحسن أیضاً فیما قامت الحجة على البراءة عن التکلیف لئلا یقع فیما کان فی مخالفته على تقدیر ثبوته ، من المفسدة وفوت المصلحة.
وأما البراءة العقلیة : فلا یجوز إجراؤها إلّا بعد الفحص والیأس عن الظفر بالحجة على التکلیف ، لما مرت (2) الإِشارة إلیه من عدم استقلال العقل بها إلّا بعدهما.
وأما البراءة النقلیة : فقضیة إطلاق أدلتها وأنّ کان هو عدم اعتبارٍ
__________________
1 ـ المتوهم هو الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول ، ص 299.
2 ـ فی الاستدلال على البراءة بالدلیل القطعی ، ص 343.
الفحص فی جریإنّها ، کما هو حالها فی الشبهات الموضوعیة ، إلّا إنّه استدل (1) على اعتباره بالإِجماع وبالعقل ، فإنّه لا مجال لها بدونه ، حیث یعلم إجمالاً بثبوت التکلیف بین موارد الشبهات ، بحیث لو تفحص عنه لظفر به.
ولا یخفى أن الاجماع هاهنا غیر حاصل ، ونقله لوهنه بلا طائل ، فإن تحصیله فی مثل هذه المسألة مما للعقل إلیه سبیل صعب لو لم یکن عادةً بمستحیل ، لقوة احتمال أن یکون المستند للجل ـ لولا الکلّ ـ هو ما ذکر من حکم العقل ، وأنّ الکلام فی البراءة فیما لم یکن هناک علم موجب للتنجز ، امّا لانحلال العلم الإِجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإِجمال ، أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا یکون بینها علم بالتکلیف من موارد الشبهات ، ولو لعدم الالتفات إلیها.
فالأولى الاستدلال للوجوب بما دلّ من الآیات (2) والأخبار (3) على وجوب التفقة والتعلم ، والمؤاخذة على ترک التعلم فی مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم ، بقوله تعالى کما فی الخبر (4) : ( هلا تعلمت ) فیقید بها أخبار البراءة ، لقوة ظهورها فی أن المؤاخذة والاحتجاج بترک التعلم فیما لم یعلم ، لا بترک العمل فیما علم وجوبه ولو إجمالاً ، فلا مجال للتوفیق بحمل هذه الإخبار على ما إذا علم إجمالاً ، فافهم.
ولا یخفى اعتبارٍ الفحص فی التخییر العقلی أیضاً بعین ما ذکر فی البراءة ، فلا تغفل.
ولا بأس بصرف الکلام فی بیان بعضٍ ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من
__________________
1 ـ راجع فرائد الأصول / 300 و 301.
2 ـ التوبة : 122 والنحل : 43.
3 ـ الفقیه 6 / 277 ، الباب 176 ذیل الحدیث 10 ـ الکافی 1 / کتاب 2 / احادیث الباب 1.
4 ـ الامالی للشیخ / 9 ـ الصافی / 555.
التبعة والأحکام.
أما التبعة ، فلا شبهة فی استحقاق العقوبة على المخالفة فیما إذا کان ترک التعلم والفحص مؤدیاً إلیها ، فإنّها وأنّ کانت مغفولة حینها وبلا اختیار ، إلّا إنّها منتهیة إلى الاختیار ، وهو کافٍ فی صحة العقوبة ، بل مجرد ترکهما کافٍ فی صحتها ، وأنّ لم یکن مؤدیاً إلى المخالفة ، مع احتماله ، لأجل التجری وعدم المبالاة بها.
نعم یشکل فی الواجب المشروط والمؤقت ، لو أدى ترکهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما ، فضلاً عما إذا لم یؤد إلیها ، حیث لا یکون حینئذ تکلیف فعلّی أصلاً ، لا قبلهما وهو واضح ، ولا بعدهما وهو کذلک ، لعدم (1) التمکن منه بسبب الغفلة ، ولذا التجأ المحقق الأردبیلی (2) وصاحب المدارک (3) ( قدس سرهما ) إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسیاً تهیئیاً ، فتکون العقوبة على ترک التعلم نفسه لا على ما أدى إلیه من المخالفة. فلا إشکال حینئذ فی المشروط والمؤقت ، ویسهل بذلک الأمر فی غیرهما لو صعب على أحد ، ولم تصدق کفایة الانتهاء إلى الاختیار فی استحقاق العقوبة على ما کان فعلاً مغفولاً عنه ولیس بالإختیار ، ولا یخفى إنّه لا یکاد ینحل هذا الإِشکال إلّا بذلک ، أو الالتزام بکون المشروط أو المؤقت مطلقاً معلّقاً ، لکنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودیة عقلاً بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غیر التعلم ،
__________________
1 ـ إلّا أن یقال بصحة المؤاخذة على ترک المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمکن منهما فی الجملة ، ولو بأن تعلم وتفحص إذا التفت ، وعدم لزوم التمکن منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقاً ، کما یظهر ذلک من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبید على ترک الواجبات المشروطة أو المؤقتة ، بترک تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدی إلى ترکها بعد حصوله أو دخوله ، فتأمل منه ( 1 ).
2 ـ راجع کلامه 1 فی مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان 2 / 110 ، عند قوله : واعلم أیضاً أن سبب بطلان الصلاة ... الخ.
3 ـ راجع مدارک الأحکام / 123 ، فی مسألة إخلال المصلی بإزالة النجاسة عن بدنه أو ثوبه.
فیکون الإِیجاب حالیّاً ، وأنّ کان الواجب استقبالیّاً قد أخذ على نحو لا یکاد یتصف بالوجوب شرطه ، ولا غیر التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته.
وأما لو قیل بعدم الإِیجاب إلّا بعد الشرط والوقت ، کما هو ظاهر الأدلة وفتاوى المشهور ، فلا محیص عن الالتزام یکون وجوب التعلم نفسیّاً ، لتکون العقوبة ـ لو قیل بها ـ على ترکه لا على ما أدى إلیه من المخالفة ، ولا بأس به کما لا یخفى ، ولا ینافیه ما یظهر من الإخبار من کون وجوب التعلم إنّما هو لغیره لا لنفسه ، حیث أن وجوبه لغیره لا یوجب کونه واجباً غیریاً یترشح وجوبه من وجوب غیره فیکون مقدّمیاً ، بل للتهیّؤ لایجابه ، فافهم.
وأما الأحکام ، فلا إشکال فی وجوب الإِعادة فی صورة المخالفة ، بل فی صورة الموافقة أیضاً فی العبادة ، فیما لا یتأّتى منه قصد القربة وذلک لعدم الإِتیان بالمأمور به ، مع عدم دلیل على الصحة والإجزاء ، إلّا فی الإتمام فی موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات فی موضع الآخر ، فورد فی الصحیح (1) ـ وقد أفتى به المشهور ـ صحة الصلاة وتمامیتها فی الموضعین مع الجهل مطلقاً ، ولو کان عن تقصیر موجب لاستحقاق العقوبة على ترک الصلاة المأمور بها ؛ لأن ما أتى بها وأنّ صحت وتمت إلّا إنّها لیست بمأمور بها.
إن قلت : کیف یحکم بصحتها مع عدم الأمر بها؟ وکیف یصحّ الحکم باستحقاق العقوبة على ترک الصلاة التی أُمر بها ، حتى فیما إذا تمکن مما أمر بها؟ کما هو ظاهر إطلاقاًتهم ، بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام والإِخفات وقد بقی من الوقت مقدار إعادتها قصراً أو جهرا ، ضرورة إنّه لا تقصیر هاهنا یوجب
__________________
1 ـ التهذیب 3 / 226 ، الباب 23 الصلاة فی السفر ، الحدیث / 80 ، وسائل الشیعة 5 / 531 الباب : 17 من أبواب صلاة المسافر الحدیث 4.
التهذیب 2 / 162 الباب 9 تفصیل ما تقدم ذکره فی الصلاة من المفروض والمسنون ، الحدیث 93.
ووسائل الشیعة 4 / 766 الباب 26 من أبواب القراءة فی الصلاة ، الحدیث 1.
استحقاق العقوبة ، وبالجملة کیف یحکم بالصحة بدون الأمر؟ وکیف یحکم باستحقاق العقوبة مع التمکن من الإِعادة؟ لولا الحکم شرعاً بسقوطها وصحة ما أتى بها؟
قلت : إنّما حکم بالصحة لأجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستیفاء فی نفسها مهمة فی حد ذاتها ، وأنّ کانت دون مصلحة الجهر والقصر ، وإنما لم یؤمر بها لأجل إنّه أمر بما کانت واجدة لتلک المصلحة على النحو الأکمل والأتم.
وأما الحکم باستحقاق العقوبة مع التمکن من الإِعادة فإنّها بلا فائدة ، إذ مع استیفاء تلک المصلحة لا یبقى مجال لاستیفاء المصلحة التی کانت فی المأمور بها ، ولذا لو أتى بها فی موضع الآخر جهلاً ـ مع تمکنه من التعلم ـ فقد قصر ، ولو علم بعده وقد وسع الوقت.
فانقدح إنّه لا یتمکن من صلاة القصر صحیحة بعد فعل صلاة الإتمام ، ولا من الجهر کذلک بعد فعل صلاة الاخفات ، وأنّ کان الوقت باقیاً.
إن قلت : على هذا یکون کلّ منهما فی موضع الآخر سبباً لتفویت الواجب فعلاً ، وما هو سبب لتفویت الواجب کذلک حرام ، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا کلام.
قلت : لیس سبباً لذلک ، غایته إنّه یکون مضاداً له ، وقد حققنا فی محله (1) أن الضد وعدم ضدّه متلازمان لیس بینهما توقف أصلاً.
لا یقال : على هذا فلو صلّى تماما أو صلّى إخفاتاً ـ فی موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما فی موضعهما ـ لکانت صلاته صحیحة ، وأنّ عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.
فإنّه یقال : لا بأس بالقول به لو دلّ دلیل على إنّها تکون مشتملة على المصلحة
__________________
1 ـ مبحث الضد ، فی الأمر الثّانی ، عند دفع توهّم المقدمیة بین الضدین ص 130.
ولو مع العلم ، لاحتمال اختصاص أن یکون کذلک فی صورة الجهل ، ولا بعد أصلاً فی اختلاف الحال فیها باختلاف حالتی العلم بوجوب شیء والجهل به ، کما لا یخفى. وقد صار بعضٍ الفحول (1) بصدد بیان إمکان کون المأتیّ به فی غیر موضعه مأموراً به بنحو الترتب ، وقد حققناه فی محبث الضد امتناع الأمر بالضدین مطلقاً ، ولو بنحو الترتب ، بما لا مزید علیه فلا نعید.
ثم إنّه ذکر (2) لأصل البراءة شرطان آخران :
أحدهما : أن لا یکون موجباً لثبوت حکم شرعی من جهة أُخرى.
ثانیهما : أن لا یکون موجباً للضرر على آخر.
ولا یخفى أن أصالة البراءة عقلاً ونقلاً فی الشبهة البدویة بعد الفحص لا محالة تکون جاریة ، وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلیة والإباحة أو رفع التکلیف الثابت بالبراءة النقلیة ، لو کان موضوعاً لحکم شرعی أو ملازماً له فلا محیص عن ترتبه علیه بعد إحرازه ، فإن لم یکن مترتباً علیه بل على نفی التکلیف واقعاً ، فهی وأنّ کانت جاریة إلّا أن ذاک الحکم لا یترتب ، لعدم ثبوت ما یترتب علیه بها ، وهذا لیس بالاشتراط.
وأما اعتبارٍ أن لا یکون موجباً للضرر ، فکل مقام تعمه قاعدة نفی الضرر وأنّ لم یکن مجال فیه لأصالة البراءة ، کما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادیة ، إلّا إنّه حقیقة لا یبقى لها مورد ، بداهة أن الدلیل الاجتهادی یکون بیاناً وموجباً للعلم بالتکلیف ولو ظاهراً ، فإن کان المراد من الاشتراط ذلک ، فلابد من اشتراط أن لا یکون على خلافها دلیل اجتهادی ، لا خصوص قاعدة الضرر ، فتدبرّ ، والحمد لله على کلّ حال.
__________________
1 ـ وهو کاشف الغطاء 1 کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء / 27 فی البحث الثامن عشر.
2 ـ ذکرهما الفاضل التونی ( قده ) فی الوافیة / 79 ، فی شروط التمسّک بأصالة البراءة.
ثم إنّه لا بأس بصرف الکلام إلى بیان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار ، وتوضیح مدرکها وشرح مفادها ، وأیضاًح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحکام الثابتة للموضوعاًت بعناوینها الأولیة أو الثانویة ، وأنّ کانت اجنبیة عن مقاصد الرسالة ، إجابة لالتماس بعضٍ الأحبّة ، فأقول وبه أستعین :
إنّه قد استدل علیها بأخبار کثیرة :
منها : موثقة زرارة (1) ، عن أبی جعفر 7 : ( إن سمرة بن جندب کان له عذق فی حائط لرجل من الأنصار ، وکان منزل الانصاری بباب البستان ، وکان سمرة یمرّ إلى نخلته ولا یستأذن ، فکلمه الانصاری أن یستأذن إذا جاء فأبى سمرة ، فجاء الأنصاری إلى النبی 9 فشکا إلیه ، فأخبر بالخبر ، فأرسل رسول الله وأخبره بقول الانصاری وما شکاه ، فقال : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن یبیعه ، فقال : لک بها عذق فی الجنة ، فأبى أن یقبل ، فقال رسول الله 9 للأنصاری : اذهب فاقلعها وارم بها إلیه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار ).
وفی روایة الحذّاء (2) عن أبی جعفر 7 مثل ذلک ، إلّا إنّه فیها بعد الاباء ( ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً ، إذهب یا فلان فاقلعها وارم بها وجهه ) إلى غیر ذلک من الروایات الواردة فی قصة سمرة وغیرها (3). وهی کثیرة وقد ادعی (4) تواترها ، مع اختلافها لفظاً ومورداً ، فلیکن المراد به تواترها إجمالاً ، بمعنى
__________________
1 ـ التهذیب 7 : 146 ، الحدیث 36 من باب بیع الماء ، مع اختلاف لا یخل بالمقصود.
الکافی 5 : 292 ، الحدیث 2 من باب الضرار.
الفقیه 3 : 147 الحدیث 18 من باب المضاربة.
2 ـ الفقیه 3 : 59 الحدیث 9 الباب 44 حکم الحریم.
3 ـ الفقیه 3 : 45 الحدیث 2 الباب 36 الشفعة.
الکافی 5 : 280 الحدیث 4 باب الشفعة.
التهذیب 7 : 164 ، 727.
4 ـ أیضاًح الفوائد : فخر المحققین 2 : 48 کتاب الدین ، فصل التنازع.
القطع بصدور بعضها ، والانصاف إنّه لیس فی دعوى التواتر کذلک جزاف ، وهذا مع استناد المشهور إلیها موجب لکمال الوثوق بها وانجبار ضعفها ، مع أن بعضها موثقة ، فلا مجال للإشکال فیها من جهة سندها ، کما لا یخفى.
وأما دلالتها ، فالظاهر أن الضرر هو ما یقابل النفع ، من النقص فی النفس أو الطرف أو العرض أو المال ، تقابل العدم والملکة ، کما أن الأظهر أن یکون الضرار معنى الضرر جیء به تأکیداً ، کما یشهد به إطلاق المُضارّ على سمرة ، وحکی عن النهایة (1) لا فعل الاثنین ، وأنّ کان هو الأصل فی باب المفاعلة ، ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة ، وبالجملة لم یثبت له معنى آخر غیر الضرر.
کما أن الظاهر أن یکون ( لا ) لنفی الحقیقة ، کما هو الأصل فی هذا الترکیب حقیقةً أو ادعاءً ، کنایة عن نفی الآثار ، کما هو الظاهر من مثل : ( لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد ) (2) و ( یا أشباه الرجال ولا رجال ) (3) فإن قضیة البلاغة فی الکلام هو إرادة نفی الحقیقة ادعاء ، لا نفی الحکم أو الصفة ، کما لا یخفى.
ونفی الحقیقة ادعاءً بلحاظ الحکم أو الصفة غیر نفی أحدهما ابتداءً مجازاً فی التقدیر أو فی الکلمة ، مما لا یخفى على من له معرفة بالبلاغة.
وقد انقدح بذلک بُعد إرادة نفی الحکم الضرری (4) ، أو الضرر الغیر المتدارک (5) ، أو إرادة النهی من النفی جداً (6) ، ضرورة بشاعة استعمال الضرر
__________________
1 ـ النهایة لابن الاثیر 3 : 81 مادة ضرر. وفیها « الضرار : فعل الاثنین .... وقیل هما بمعنى ، وتکرارهما للتأکید ».
2 ـ دعائم الإسلام 1 : 148 فی ذکر المساجد.
3 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 27.
4 ـ التزم به الشیخ فی فرائد الأُصول / 314 فی الشرط الثّانی المحکی عن الفاضل التونی من شروط اصالة البراءة ، وکذا فی رسالة قاعدة لا ضرر المطبوعة فی المکاسب 373.
5 ـ ذهب إلیه الفاضل التونی (ره) ، الوافیة / 79 ، فی شروط التمسک بأصالة البراءة.
6 ـ اختاره السید میر فتاح ، العناوین / 198 ، العنوان العاشر. ومال إلیه شیخ الشریعة الاصفهانی ،
وإرادة خصوص سبب من أسبابه ، أو خصوص الغیر المتدارک منه ، ومثله لو أُرید ذاک بنحو التقیید ، فإنّه وأنّ لم یکن ببعید ، إلّا إنّه بلا دلالة علیه غیر سدید ، وإرادة النهی من النفی وأنّ کان لیس بعزیز ، إلّا إنّه لم یعهد من مثل هذا الترکیب ، وعدم إمکان إرادة نفی الحقیقة حقیقة لا یکاد یکون قرینة على إرادة واحد منها ، بعد إمکان حمله على نفیها إدعاءً ، بل کان هو الغالب فی موارد استعماله.
ثم الحکم الذی أُرید نفیه بنفی الضرر هو الحکم الثابت للأفعال بعناوینها ، أو المتوهّم ثبوته لها کذلک فی حال الضرر لا الثابت له بعنوإنّه ، لوضوح إنّه العلّة للنفی ، ولا یکاد یکون الموضوع یمنع عن حکمه وینفیه بل یثبته ویقتضیه.
ومن هنا لا یلاحظ النسبة بین أدلّة نفیه وأدلّة الأحکام ، وتقدم أدلّته على أدلّتها ـ مع إنّها عموم من وجه ـ حیث إنّه یوفّق بینهما عرفاً ، بأن الثابت للعناوین الأولیّة إقتضائی ، یمنع عنه فعلاً ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلّته ، کما هو الحال فی التوفیق بین سائر الادلة المثبتة أو النافیة لحکم الأفعال بعناوینها الثانویة ، والادلة المتکفّلة لحکمها بعناوینها الأوّلیة.
نعم ربما یعکس الأمر فیما أحرز بوجه معتبر أن الحکم فی المورد لیس بنحو الاقتضاء ، بل بنحو العلّیة التامة.
وبالجملة الحکم الثابت بعنوان أوّلی :
تارة یکون بنحو الفعلیة مطلقاً ، أو بالإضافة إلى عارض دون عارض ، بدلالة لا یجوز الإغماض عنها بسبب دلیل حکم العارض المخالف له ، فیقدّم دلیل ذاک العنوان على دلیله.
وأُخرى یکون على نحو لو کانت هناک دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفاً ، حیث کان اجتماعهما قرینة على إنّه بمجرد المقتضی ، وأنّ العارض مانع فعلّی. هذا
__________________
قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، 44.
ولو لم نقل بحکومة دلیله على دلیله ، لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله ، کما قیل (1).
ثم انقدح بذلک حال توارد دلیلی العارضین ، کدلیل نفی العسر ودلیل نفی الضرر مثلاً ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین لو لم یکن من باب تزاحم المقتضیین ، وإلاّ فیقدّم ما کان مقتضیه أقوى وأنّ کان دلیل الآخر أرجح وأولى ، ولا یبعد أن الغالب فی توارد العارضین أن یکون من ذاک الباب ، بثبوت المقتضی فیهما مع تواردهما ، لا من باب التعارض ، لعدم ثبوته إلّا فی أحدهما ، کما لا یخفى ، هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أولی أو ثانوی آخر.
وأما لو تعارض مع ضرر آخر ، فمجمل القول فیه أن الدوران إن کان بین ضرری شخص واحد أو إثنین ، فلا مسرح إلّا لاختیار أقلهما لو کان ، وإلاّ فهو مختار.
وأما لو کان بین ضرر نفسه وضرر غیره ، فالاظهر عدم لزوم تحمله الضرر ، ولو کان ضرر الآخر أکثر ، فإن نفیه یکون للمنة على الامة ، ولا منة على تحمّل الضرر ، لدفعه عن الآخر وأنّ کان أکثر.
نعم لو کان الضرر متوجهاً إلیه ، لیس له دفعه عن نفسه بإیراده على الآخر ، اللّهم إلّا أن یقال : إن نفی الضرر وأنّ کان للمنة ، إلّا إنّه بلحاظ نوع الأمة ، واختیار الأقلّ بلحاظ النوع منّة ، فتأمل.
__________________
1 ـ التزم الشیخ ( قده ) بحکومة دلیل لا ضرر على أدلة العناوین الأولیة ، فرائد الأُصول 315 ، فی الشرط الثّانی مما ذکره عن الفاضل التونی من شروط البراءة.
فصل
فی الاستصحاب : وفی حجیته إثباتاً ونفیاً أقوال للاصحاب.
ولا یخفى أن عباراتهم فی تعریفه وأنّ کانت شتى ، إلّا إنّه تشیر إلى مفهوم واحد ومعنى فارد ، وهو الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شک فی بقائه :
إما من جهة بناءً العقلاء على ذلک فی أحکامهم العرفیة مطلقاً ، أو فی الجملة تعبداً ، أو للظن به الناشىء عن ملاحظة ثبوته سابقا.
وإما من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع علیه کذلک ، حسبما تأتی الإِشارة إلى ذلک مفصلاً.
ولا یخفى أن هذا المعنى هو القابل لأن یقع فیه النزاع والخلاف فی نفیه وإثباته مطلقاً أو فی الجملة ، وفی وجه ثبوته ، على أقوال.
ضرورة إنّه لو کان الاستصحاب هو نفس بناءً العقلاء على البقاء أو الظن به الناشىء مع العلم بثبوته ، لما تقابل فیه الأقوال ، ولما کان النفی والإِثبات واردین على مورد واحد بل موردین ، وتعریفه بما ینطبق على بعضها ، وأنّ کان ربما یوهم أن لا یکون هو الحکم بالبقاء بل ذاک الوجه ، إلّا إنّه حیث لم یکن بحد ولا برسم بل من قبیل شرح الاسم ، کما هو الحال فی التعریفات غالباً ، لم یکن له دلالة على إنّه نفس
الوجه ، بل للاشارة إلیه من هذا الوجه ، ولذا لا وقع للاشکال على ما ذکر فی تعریفه بعدم الطرد أو العکس ، فإنّه لم یکن به إذا لم یکن بالحد أو الرسم بأس.
فانقدح أن ذکر تعریفات القوم له ، وما ذکر فیها من الإِشکال ، بلا حاصل وطول بلا طائل.
ثم لا یخفى أن البحث فی حجّیته (1) مسألة أصولیة ، حیث یبحث فیها لتمهید قاعدة تقع فی طریق استنباط الأحکام الفرعیة ، ولیس مفادها حکم العقل بلا واسطة ، وأنّ کان ینتهی إلیه ، کیف؟ وربما لا یکون مجرى الاستصحاب إلّا حکماً أصولیاً کالحجیة مثلاً ، هذا لو کان الاستصحاب عبارة عما ذکرنا.
وأما لو کان عبارة عن بناءً العقلاء على بقاء ما علم ثبوته ، أو الظن به الناشىء من ملاحظة ثبوته ، فلا إشکال فی کونه مسألة أُصولیة.
وکیف کان ، فقد ظهر مما ذکرنا فی تعریف اعتبارٍ أمرین فی مورده : القطع بثبوت شیء ، والشک فی بقائه ، ولا یکاد یکون الشک فی البقاء إلّا مع اتحاد القضیة المشکوکة والمتیقنة بحسب الموضوع والمحمول ، وهذا مما لا غبار علیه فی الموضوعاًت الخارجیة فی الجملة.
وأما الأحکام الشرعیة سواء کان مدرکها العقل أم النقل ، فیشکل حصوله فیها ، لإنّه لا یکاد یشک فی بقاء الحکم إلّا من جهة الشک فی بقاء موضوعه ، بسبب تغیر بعضٍ ما هو علیه مما احتمل دخله فیه حدوثاً أو بقاءً ، وإلاّ لما تخلف (2) الحکم عن موضوعه إلّا بنحو البداء بالمعنى المستحیل فی حقه تعالى ، ولذا کان النسخ بحسب الحقیقة دفعاً لا رفعاً.
__________________
1 ـ فی « ب » : حجیة.
2 ـ فی « ب » : لا یتخلف.
ویندفع هذا الإِشکال ، بأن الاتحاد فی القضیتین بحسبهما ، وأنّ کان مما لا محیص عنه فی جریإنّه ، إلّا إنّه لما کان الاتحاد بحسب نظر العرف کافیاً فی تحققه وفی صدق الحکم ببقاء ما شک فی بقائه ، وکان بعضٍ ما علیه الموضوع من الخصوصیات التی یقطع معها بثبوت الحکم له ، مما یعد بالنظر العرفی من حالاته ـ وأنّ کان واقعاً من قیوده ومقوماته ـ کان جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة الثابتة لموضوعاًتها عند الشک فیها ـ لأجل طروء انتفاء بعضٍ ما احتمل دخله فیها ، مما عد من حالاتها لا من مقوماتها ، بمکان من الإِمکان ، ضرورة [ صحة ] (1) إمکان دعوى بناءً العقلاء على البقاء تعبداً ، أو لکونه مظنوناً ولو نوعاً ، أو دعوى دلالة النص أو قیام الإجماع علیه قطعاً ، بلا تفاوت (2) فی ذلک بین کون دلیل الحکم نقلاً أو عقلاً.
أما الأوّل فواضح ، وأما الثّانی ، فلان الحکم الشرعی المستکشف به عند طروء انتفاء ما احتمل دخله فی موضوعه ، مما لا یرى مقوماً له ، کان مشکوک البقاء عرفاً ، لاحتمال عدم دخله فیه واقعاً ، وأنّ کان لا حکم للعقل بدونه قطعاً.
إن قلت : کیف هذا؟ مع الملازمة بین الحکمین.
قلت : ذلک لأن الملازمة إنّما تکون فی مقام الإِثبات والاستکشاف لا فی مقام الثبوت ، فعدم استقلال العقل إلّا فی حال غیر ملازم لعدم حکم الشرع فی غیر تلک الحال ، وذلک لاحتمال أن یکون ما هو ملاک حکم الشرع من المصلحة أو المفسدة التی هی ملاک حکم العقل ، کان على حاله فی کلتا الحالتین ، وأنّ لم یدرکه إلّا فی إحداهما ؛ لاحتمال عدم دخل تلک الحالة فیه ، أو احتمال أن یکون معه ملاک آخر بلا دخل لها فیه أصلاً ، وأنّ کان لها دخل فیما اطلع علیه من الملاک.
وبالجملة : حکم الشرع إنّما یتبع ما هو ملاک حکم العقل واقعاً ، لا ما هو
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ إشارة إلى تضعیف تفصیل الشیخ ( قده ) ، فرائد الأصول / 325.
مناط حکمه فعلاً ، وموضوع حکمه کذلک مما لا یکاد یتطرق إلیه الإِهمال والإِجمال ، مع تطرقه إلى ما هو موضوع حکمه شأناً ، وهو ما قام به ملاک حکمه واقعاً ، فرب خصوصیة لها دخل فی استقلاله مع احتمال عدم دخله ، فبدونها لا استقلال له بشیء قطعاً ، مع احتمال بقاء ملاکه واقعا. ومعه یحتمل بقاء حکم الشرع جداً لدورإنّه معه وجوداً و عدماً ، فافهم وتأملّ جیداً.
ثم إنّه لا یخفى اختلاف آراء الأصحاب فی حجیة الاستصحاب مطلقاً ، وعدم حجیته کذلک ، والتفصیل بین الموضوعاًت والأحکام ، أو بین ما کان الشک فی الرافع وما کان فی المقتضی ، إلى غیر ذلک من التفاصیل الکثیرة ، على أقوال شتى لا یهمنا نقلها ونقل ما ذکر من الاستدلال علیها. وإنما المهمّ الاستدلال على ما هو المختار منها ، وهو الحجیة مطلقاً ، على نحو یظهر بطلان سائرها ، فقد استدل علیه بوجوه :
الوجه الأوّل : استقرار بناءً العقلاء من الإانسان بل ذوی الشعور من کافة أنواع الحیوان على العمل على طبق الحالة السابقة ، وحیث لم یردع عنه الشارع کان ماضیاً.
وفیه : أولاً منع استقرار بنائهم على ذلک تعبداً ، بل امّا رجاءً واحتیاطاً ، أو اطمئناناً بالبقاء ، أو ظنا ولو نوعا ، أو غفلةً کما هو الحال فی سائر الحیوانات دائماً وفی الإانسان أحیاناً.
وثانیاً : سلمنا ذلک ، لکنه لم یعلم أن الشارع به راضٍ وهو عنده ماضٍ ، ویکفی فی الردع عن مثله ما دلّ من الکتاب والسنة على النهی عن اتباع غیر العلم ، وما دلّ على البراءة أو الاحتیاط فی الشبهات ، فلا وجه لاتباع هذا البناء فیما لابد فی اتباعه من الدلالة على إمضائه ، فتأمل جیداً.
الوجه الثّانی (1) : إن الثبوت فی السابق موجب للظن به فی اللاحق.
وفیه : منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلاً ولا نوعاً ، فإنّه لا وجه له أصلاً إلّا کون الغالب فیما ثبت أن یدوم مع إمکان أن لا یدوم ، وهو غیر معلوم ، ولو سلّم ، فلا دلیل على اعتباره بالخصوص ، مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم. الوجه الثالث : دعوى الإجماع علیه ، کما عن المبادیء (2) حیث قال :
( الاستصحاب حجة ، لاجماع الفقهاء على إنّه متى حصل حکم ، ثم وقع الشک فی إنّه طرأ ما یزیله أم لا؟ وجب الحکم ببقائه على ما کان أولاً ، ولو لا القول بأن الاستصحاب حجة ، لکان ترجیحاً لاحد طرفی الممکن من غیر ) مرجح ، انتهى. وقد نقل عن غیره (3) أیضاً.
وفیه : إن تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة فی غایة الإِشکال ، ولو مع الاتفاق ، فضلاً عما إذا لم یکن وکان مع الخلاف من المعظم ، حیث ذهبوا إلى عدم حجیته مطلقاً أو فی الجملة ، ونقله موهون جداً لذلک ، ولو قیل بحجیته لولا ذلک. الوجه الرابع : وهو العمدة فی الباب ، الإخبار المستفیضة.
منها : صحیحة زرارة (4) ( قال : قلت له : الرجل ینام وهو على وضوء ،
__________________
1 ـ راجع شرح مختصر الأصول / 453.
2 ـ مبادىء الأصول / 250 ، ونظیر هذا ما عن النهایة على ما حکاه الشیخ ـ 1 ـ فرائد الأصول / 329.
3 ـ راجع معالم الأُصول / 231 ، الدلیل الرابع.
4 ـ التهذیب 1 / 8 الباب 1 ح 11 ، باختلاف یسیر فی اللفظ.
أیوجب الخفقة والخفقتان علیه الوضوء؟ قال : یا زرارة ، قد تنام العین ولا ینام القلب والأُذن ، وإذا نامت العین والاذن والقلب فقد وجب الوضوء ، قلت : فإن حُرّک فی جنبه شیء وهو لا یعلم ، قال : لا ، حتى یستیقن إنّه قد نام ، حتى یجیء من ذلک أمر بین ، وإلاّ فإنّه على یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین أبداً بالشک ، ولکنه ینقضه بیقین آخر ).
وهذه الروایة وأنّ کانت مضمرة إلّا أن إضمارها لا یضر باعتبارها ، حیث کان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا یکاد یستفتی من غیر الامام ـ 7 ـ لا سیما مع هذا الاهتمام.
وتقریب الاستدلال بها إنّه لا ریب فی ظهور قوله 7 : ( وإلاّ فإنّه على یقین .. إلى آخره ) عرفاً فی النهی عن نقض الیقین بشیء بالشک فیه ، وإنّه 7 بصدد بیان ما هو علّة الجزاء المستفاد من قوله 7 : ( لا ) فی جواب : ( فإن حرک فی جنبه ... إلى آخره ) ، وهو اندراج الیقین والشک فی مورد السؤال فی القضیة الکلیة الارتکازیة الغیر المختصة بباب دون باب ؛ واحتمال أن یکون الجزاء هو قوله : ( فإنّه على یقین ... إلى آخره ) غیر سدید ، فإنّه لا یصحّ إلّا بارادة لزوم العمل على طبق یقینه ، وهو إلى الغایة بعید ، وأبعد منه کون الجزاء قوله : ( لا ینقض .. إلى آخره ) وقد ذکر : ( فإنّه على یقین ) للتمهید.
وقد انقدح بما ذکرنا ضعف احتمال اختصاص قضیة : ( لا تنقض ... إلى آخره ) بالیقین والشک بباب الوضوء جداً ، فإنّه ینافیه ظهور التعلیل فی إنّه بأمر ارتکازی لا تعبدی قطعاً ، ویؤیده تعلیل الحکم بالمضی مع الشک فی غیر الوضوء فی غیر هذه الروایة بهذه القضیة أو ما یرادفها ، فتأمل جیداً. هذا.
مع إنّه لا موجب لاحتماله إلّا احتمال کون اللام فی الیقین للعهد ، إشارة إلى الیقین فی ( فإنّه على یقین من وضوئه ) مع أن الظاهر إنّه للجنس ، کما هو
الأصل فیه ، وسبق : ( فإنّه على یقین ... إلى آخره ) لا یکون قرینة علیه ، مع کمال الملاءمة مع الجنس أیضاً ، فافهم.
مع إنّه غیر ظاهر فی الیقین بالوضوء ، لقوة احتمال أن یکون ( من وضوئه ) متعلقاً بالظرف لا ب ( یقین ) ، وکان المعنى : فإنّه کان من طرف وضوئه على یقین ، وعلیه لا یکون الاوسط (1) إلّا الیقین ، لا الیقین بالوضوء ، کما لا یخفى على المتأمل.
وبالجملة : لا یکاد یشک فی ظهور القضیة فی عموم الیقین والشک ، خصوصاً بعد ملاحظة تطبیقها فی الإخبار على غیر الوضوء أیضاً.
ثم لا یخفى حسن اسناد النقض ـ وهو ضد الإبرام ـ إلى الیقین ، ولو کان متعلقاً بما لیس فیه اقتضاء للبقاء والاستمرار ، لما یتخیل فیه من الاستحکام بخلاف الظن ، فإنّه یظن إنّه لیس فیه إبرام واستحکام وأنّ کان متعلقاً بما فیه اقتضاء ذلک ، وإلاّ لصحّ أن یسند إلى نفس ما فیه المقتضی له ، مع رکاکة مثل ( نقضت الحجر من مکإنّه ) ولما صحّ أن یقال : ( انتقض الیقین باشتعال السراج ) فیما إذا شک فی بقائه للشک فی استعداده ، مع بداهة صحته وحسنه.
وبالجملة : لا یکاد یشک فی أن الیقین کالبیعة والعهد إنّما یکون حسن إسناد النقض إلیه بملاحظته لا بملاحظة متعلقة ، فلا موجب لارادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم ، أو أشبه بالمتین المستحکم مما فیه اقتضاء البقاء لقاعدة ( إذا تعذرت الحقیقة فأقرب المجازات ) بعد تعذر إرادة مثل ذاک الأمر مما یصحّ إسناد النقض إلیه حقیقة.
فإن قلت : نعم ، ولکنه حیث لا انتقاض للیقین فی باب الاستصحاب حقیقة ، فلو لم یکن هناک اقتضاء البقاء فی المتیقن لما صحّ إسناد الانتقاض إلیه بوجهٍ
__________________
1 ـ کذا صححه فی « ب » وفی « أ » : الأصغر.
ولو مجازاً ، بخلاف ما إذا کان هناک ، فإنّه وأنّ لم یکن معه أیضاً انتقاض حقیقة إلّا إنّه صحّ إسناده إلیه مجازاً ، فإن الیقین معه کإنّه تعلق بأمر مستمّر مستحکم قد انحلَّ وانفصم بسبب الشک فیه ، من جهة الشک فی رافعه.
قلت : الظاهر أن وجه الإِسناد هو لحاظ اتحاد متعلقی الیقین والشک ذاتاً ، وعدم ملاحظة تعددهما زماناً ، وهو کافٍ عرفاً فی صحة إسناد النقض إلیه واستعارته له ، بلا تفاوت فی ذلک أصلاً فی نظر أهل العرف ، بین ما کان هناک اقتضاء البقاء وما لم یکن ، وکونه مع المقتضی أقرب بالانتقاض وأشبه لا یقتضی تعیینه لأجل قاعدة ( إذا تعذرت الحقیقة ) ، فإن الاعتبار فی الاقربیة إنّما هو بنظر العرف لا الاعتبار ، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله ، هذا کله فی المادة.
وأما الهیئة ، فلا محالة یکون المراد منها النهی عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقیقة ، لعدم کون الانتقاض بحسبها تحت الاختیار ، سواء کان متعلقاً بالیقین ـ کما هو ظاهر القضیة ـ أو بالمتیقن ، أو بآثار الیقین بناءً على التصرف فیها بالتجوز أو الاضمار ، بداهة إنّه کما لا یتعلق النقض الاختیاری القابل لورود النهی علیه بنفس الیقین ، کذلک لا یتعلق بما کان على یقین منه أو أحکام الیقین ، فلا یکاد (1) یجدی التصرف بذلک فی بقاء الصیغة على حقیقتها ، فلا مجوّز له فضلاً عن الملزِم ، کما توهّم.
لا یقال : لا محیص عنه ، فإن النهی عن النقض بحسب العمل لا یکاد یراد بالنسبة إلى الیقین وآثاره ، لمنافاته مع المورد.
فإنّه یقال : إنّما یلزم لو کان الیقین ملحوظاً بنفسه وبالنظر الاستقلالی ،
__________________
1 ـ فیه تعریض بالشیخ 1 فرائد الأُصول / 336 ، عند قوله : ثم لا یتوهم الاحتیاج ... الخ.
لا ما إذا کان ملحوظاً بنحو المرآتیة بالنظر الآلی ، کما هو الظاهر فی مثل قضیة ( لا تنقض الیقین ) حیث تکون ظاهرة عرفاً فی إنّها کنایة عن لزوم البناء والعمل ، بالتزام حکم مماثل للمتیقن تعبداً إذا کان حکماً ، ولحکمه إذا کان موضوعاً ، لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس الیقین بالالتزام بحکم مماثل لحکمه شرعاً ، وذلک لسرایة الآلیة والمرآتیة من الیقین الخارجی إلى مفهومه الکلّی ، فیؤخذ فی موضوع الحکم فی مقام بیان حکمه ، مع عدم دخله فیه أصلاً ، کما ربما یؤخذ فیما له دخل فیه ، أو تمام الدخل ، فافهم.
ثم إنّه حیث کان کلّ من الحکم الشرعی وموضوعه مع الشک قابلاً للتنزیل بلا تصرف وتأویل ، غایة الأمر تنزیل الموضوع بجعل مماثل حکمه ، وتنزیل الحکم بجعل مثله ـ کما أشیر إلیه آنفاً ـ کان قضیة ( لا تنقض ) ظاهرة فی اعتبارٍ الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة والموضوعیة ، واختصاص المورد بالاخیرة لا یوجب تخصیصها بها ، خصوصاً بعد ملاحظة إنّها قضیة کلیّة ارتکازیة ، قد أتی بها فی غیر مورد لأجل الاستدلال بها على حکم المورد ، فتأمّل.
ومنها : صحیحة أُخرى لزرارة (1) : ( قال : قلت له : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شیء من المنی ، فعلَّمت أثره إلى أن أصیب له الماء ، فحضرت الصلاة ، ونسیت أن بثوبی شیئاً وصلّیت ، ثم إنی ذکرت بعد ذلک ، قال : تعید الصلاة وتغسله ، قلت : فإن لم أکن رأیت موضعه ، وعلمت إنّه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر علیه ، فلما صلیت وجدته ، قال 7 : تغسله وتعید ، قلت : فإن ظننت إنّه قد أصابه ولم أتیقن ذلک ، فنظرت فلم أر شیئاً فصلیت ، فرأیت فیه ، قال : تغسله ولا تعید الصلاة ، قلت : لم ذلک؟
__________________
1 ـ تهذیب الأحکام 1 : 421 الباب 22 ، الحدیث 8.
قال : لانک کنت على یقین من طهارتک فشککت ، فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً ، قلت : فإنی قد علمت إنّه قد أصابه ، ولم أدر أین هو ، فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبک الناحیة التی ترى إنّه قد أصابها ، حتى تکون على یقین من طهارتک ، قلت : فهل علی إن شککت فی إنّه أصابه شیء أن أنظر فیه؟ قال : لا ولکنک إنّما ترید أن تذهب الشک الذی وقع فی نفسک ، قلت : إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعید ، إذا شککت فی موضع منه ثم رأیته ، وأنّ لم تشک ثم رأیته رطباً ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنیت على الصلاة ؛ لانک لا تدری لعله شیء أوقع علیک ، فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک.
وقد ظهر مما ذکرنا فی الصحیحة الأولى تقریب الاستدلال بقوله : ( فلیس ینبغی أن تنقض الیقین بالشک ) فی کلاّ الموردین ، ولا نُعید.
نعم دلالته فی المورد الأوّل على الاستصحاب مبنی على أن یکون المراد من الیقین فی قوله 7 : ( لانک کنت على یقین من طهارتک ) الیقین بالطهارة قبل ظن الإصابة کما هو الظاهر ، فإنّه لو کان المراد منه الیقین الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤیة بعد الصلاة ، کان مفاد قاعدة الیقین ، کما لا یخفى.
ثم إنّه أشکل على الروایة ، بأن الإِعادة بعد انکشاف وقوع الصلاة [ فی النجاسة ] (1) لیست نقضاً للیقین بالطهارة بالشک فیها ، بل بالیقین بارتفاعها ، فکیف یصحّ أن یعلل عدم الإِعادة بإنّها نقض الیقین بالشک؟
نعم إنّما یصحّ أن یعلل به جواز الدخول فی الصلاة ، کما لا یخفى.
ولا یکاد یمکن التفصی عن هذا الإِشکال إلّا بأن یقال : إن الشرط فی الصلاة فعلاً
__________________
1 ـ اثبتنا الزیادة من « ب ».
حین الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ، ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها ، فیکون قضیة استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انکشف وقوعها فی النجاسة بعدها ، کما أن إعادتها بعد الکشف یکشف عن جواز النقض وعدم حجیة الاستصحاب حالها ، کما لا یخفى ، فتأمل جیداً.
لا یقال : لا مجال حینئذ لاستصحاب الطهارة فإنّها إذا لم تکن شرطاً لم تکن موضوعة لحکم مع إنّها لیست بحکم (1) ، ولا محیص فی الاستصحاب عن کون المستصحب حکماً أو موضوعاً لحکم.
فإنّه یقال : إن الطهارة وأنّ لم تکن شرطاً فعلاً ، إلّا إنّه غیر منعزلة عن الشرطیّة رأساً ، بل هی شرط واقعی اقتضائی ، کما هو قضیة التوفیق بین بعضٍ الإطلاقاًت ومثل هذا الخطاب ، هذا مع کفایة کونها من قیود الشرط ، حیث إنّه کان إحرازها بخصوصها لا غیرها شرطاً.
لا یقال : سلمنا ذلک ، لکن قضیته أن یکون علّة عدم الإِعادة حینئذ ، بعد انکشاف وقوع الصلاة فی النجاسة ، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع أن قضیة التعلیل أن تکون العلة له هی نفسها لا إحرازها ، ضرورة أن نتیجة قوله : ( لأنک کنت على یقین ... إلى آخره ) ، إنّه على الطهارة لا إنّه مستصحبها ، کما لا یخفى.
فإنّه یقال : نعم ، ولکن التعلیل إنّما هو بلحاظ حال قبل انکشاف الحال ، لنکتة التنبیه على حجیة الاستصحاب ، وإنّه کان هناک استصحاب مع وضوح استلزام ذلک لأن یکون المجدی بعد الانکشاف ، هو ذاک الاستصحاب لا الطهارة ، وإلاّ لما کانت الإِعادة نقضاً ، کما عرفت فی الإشکال.
__________________
1 ـ هذا ما أثبتاه من « ب » المصححة ، وفی « أ » : الضمائر کلها مذکرة.
ثم إنّه لا یکاد یصحّ التعلیل ، لو قیل باقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء ، کما قیل (1) ، ضرورة أن العلة علیه إنّما هو اقتضاء ذاک الخطاب الظاهری حال الصلاة للإِجزاء وعدم إعادتها ، لا لزوم النقض من الإِعادة کما لا یخفى ، اللهم إلّا أن یقال : إن التعلیل به إنّما هو بملاحظة ضمیمة اقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء ، بتقریب أن الإِعادة لو قیل بوجوبها کانت موجبة لنقض الیقین بالشک فی الطهارة قبل الانکشاف وعدم حرمته شرعاً ، وإلاّ للزم عدم اقتضاء ذاک الأمر له ، کما لا یخفى ، مع اقتضائه شرعاً أو عقلاً ، فتأمل (2).
ولعل ذلک مراد من قال (3) بدلالة الروایة على إجزاء الأمر الظاهری.
هذا غایة ما یمکن أن یقال فی توجیه التعلیل ، مع إنّه لا یکاد یوجب الإِشکال فیه والعجزُ عن التفصی عنه ـ إشکالاً فی دلالة الروایة على الاستصحاب ، فإن لازم على کلّ حال ، کان مفاده قاعدته أو قاعدة الیقین ، مع بداهة عدم خروجه منهما ، فتأمل جیداً.
ومنها : صحیحة ثالثة لزرارة (4) : ( وإذا لم یدر فی ثلاثٍ هو أو فی أربع ، وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إلیها أُخرى ولا شیء علیه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولا یدخل الشک فی الیقین ، ولا یخلط أحدهما بالآخر ، ولکنه ینقض الشک بالیقین ، ویتمّ على الیقین فیبنى علیه ، ولا یعتدّ بالشک فی حال من الحالات ).
والاستدلال بها على الاستصحاب مبنیٌّ على إرادة الیقین بعدم الإِتیان
__________________
1 ـ راجع فرائد الأصول / 331.
2 ـ وجه التأمل أن اقتضاء الأمر الظاهری للإِجزاء لیس بذاک الوضوح ، کی یحسن بملاحظته التعلیل بلزوم النقض من الإِعادة ، کما لا یخفى ، منه ( 1 ) ، أثبتنا هذه التعلیقة من « أ و ب ».
3 ـ کما عن بعضٍ مشایخ الشیخ الانصاری.
4 ـ الکافی : 3 / 352 ، الحدیث 3.
بالرکعة الرابعة سابقاً والشک فی إتیإنّها.
وقد أشکل (1) بعدم إمکان إرادة ذلک على مذهب الخاصة ، ضرورة أنّ قضیته إضافة رکعة أُخرى موصولة ، والمذهب قد استقرّ على إضافة رکعة بعد التسلیم مفصولة ، وعلى هذا یکون المراد بالیقین الیقین بالفراغ ، بما علّمه الإمام 7 من الاحتیاط بالبناء على الأکثر ، والإِتیان بالمشکوک بعد التسلیم مفصولة.
ویمکن ذبه (2) بأنَّ الاحتیاط کذلک لا یأبى عن إرادة الیقین بعدم الرکعة المشکوکة ، بل کان أصل الإِتیان بها باقتضائه ، غایة الأمر إتیإنّها مفصولة ینافی إطلاق النقض ، وقد قام الدلیل على التقیید فی الشک فی الرابعة وغیره ، وأنّ المشکوکة لا بدّ أن یؤتى بها مفصولةً ، فافهم.
وربّما أُشکل أیضاً ، بإنّه لو سلّم دلالتها على الاستصحاب کانت من الأخبار الخاصة الدالة علیه فی خصوص المورد ، لا العامة لغیر مورد ، ضرورة ظهور الفقرات فی کونها مبنیّة للفاعل ، ومرجع الضمیر فیها هو المصلّی الشاک.
وإلغاء خصوصیة المورد لیس بذاک الوضوح ، وأنّ کان یؤیّده تطبیق قضیّة ( لا تنقض الیقین ) وما یقاربها على غیر مورد.
بل دعوى أن الظاهر من نفس القضیة هو أنّ مناط حرمة النقض إنّما یکون لأجل ما فی الیقین والشک ، لا لما فی المورد من الخصوصیّة ، وأنّ مثل الیقین لا ینقض بمثل الشک ، غیر بعیدة.
ومنها قوله (3) : ( من کان على یقین فأصابه شک فلیمض على
__________________
1 ـ المستشکل هو الشیخ الانصاری 1 فرائد الأصول 331.
2 ـ الصحیح ما أثبتناه خلافاً لما فی النسخ.
3 ـ الخصال ، 619.
یقینه ، فإن الشک لا ینقض الیقین ) أو ( فإن الیقین لا یدفع بالشک ) (1).
وهو وأنّ کان یحتمل قاعدة الیقین لظهوره فی اختلاف زمان الوصفین ، وإنما یکون ذلک فی القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمکان اتّحاد زمانهما ، إلّا أن المتداول فی التعبیر عن مورده هو مثل هذه العبارة ، ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفین وسرایته إلى الوصفین ، لما بین الیقین والمتیقن من نحوٍ من الاتّحاد ، فافهم.
هذا مع وضوح أن قوله : ( فإن الشک لا ینقض ... إلى آخره ). هی القضیة المرتکزة الواردة مورد الاستصحاب فی غیر واحدٍ من أخبار الباب (2).
ومنها : خبر الصفار (3) ، عن علی بن محمد القاسانی ، ( قال : کتبت إلیه ـ وأنا بالمدینة ـ عن الیوم الذی یشک فیه من رمضان ، هل یصام أم لا؟ فکتب : الیقین لا یدخل فیه الشک ، صم للرؤیة وأفطر للرؤیة ) حیث دلّ على أن الیقین ب ( شعبان ) (4) لا یکون مدخولاً بالشک فی بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ، ویتفرع [ علیه ] (5) عدم وجوب الصوم إلّا بدخول شهر رمضان.
وربما یقال : إن مراجعة الأخبار الواردة فی یوم الشک یشرف القطع بأن المراد بالیقین هو الیقین بدخول شهر رمضان ، وإنّه لابد فی وجوب الصوم ووجوب الافطار من الیقین بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأین هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد فی الوسائل (6) لذلک من الباب تجده شاهداً
__________________
1 ـ الإِرشاد ، 159.
2 ـ جامع أحادیث الشیعة 2 / 384 ، الباب 12 من أبواب ما ینقض الوضوء وما لا ینقض.
3 ـ تهذیب الأحکام 4 / 159 ، الباب 41 علامة اول شهر رمضان وآخره.
4 ـ فی نسختی « أ » و « ب » بالشعبان.
5 ـ زیادة تقتضیها العبارة.
6 ـ وسائل الشیعة 7 / 182 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان.
علیه.
ومنها : قوله 7 : ( کلّ شیء طاهر حتى تعلم إنّه قذر ) (1) وقوله 7 : ( الماء کله طاهر حتى تعلم إنّه نجس ) (2) وقوله 7 : ( کلّ شیء حلال حتى تعرف إنّه حرام ) (3).
وتقریب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن یقال : إنّ الغایة فیها إنّما هو لبیان استمرار ما حکم على الموضوع واقعاً من الطهارة والحلیة ظاهراً ، ما لم یعلم بطروء ضدّه أو نقیضه ، لا لتحدید الموضوع ، کی یکون الحکم بهما قاعدة مضروبة لما شک فی طهارته أو حلّیته ، وذلک لظهور المغیّا فیها فی بیان الحکم للأشیاء بعناوینها ، لا بما هی مشکوکة الحکم ، کما لا یخفى ؛ فهو وأنّ لم یکن له بنفسه مساسٌ بذیل القاعدة ولا الاستصحاب إلّا إنّه بغایته دلّ على الاستصحاب ، حیث إنّها ظاهرة فی استمرار ذاک الحکم الواقعی ظاهراً ما لم یعلم (4) بطروء ضدّه أو نقیضه ، کما إنّه لو صار مغیّاً لغایة ، مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما یوجب الحرمة ، لدلّ على استمرار ذاک الحکم واقعاً ، ولم یکن له حینئذ بنفسه ولا بغایته دلالة على الاستصحاب.
ولا یخفى إنّه لا یلزم على ذلک استعمال اللفظ فی معنیین أصلاً ، وإنما یلزم لو جعلت الغایة مع کونها من حدود الموضوع وقیوده غایة لاستمرار حکمه ، لیدل على القاعدة والاستصحاب من غیر تعرض لبیان الحکم الواقعی للاشیاء أصلاً ، مع وضوح ظهور مثل ( کلّ شیء حلال ، أو طاهرٌ ) فی إنّه لبیان حکم الأشیاء بعناوینها الأولّیة ، وهکذا ( الماء کله طاهر ) ، وظهور الغایة فی کونها حداً للحکم لا لموضوعه ، کما لا یخفى ، فتأمل جیّداً.
__________________
1 ـ المقنع / 5 ، الهدایة ، 13 ، الباب 11 ، مع اختلاف فی الالفاظ.
2 ـ الکافی 3 / ص 1 وفیه الماء کله طاهر حتى یعلم إنّه قذر.
3 ـ الکافی : 5 / 313 الحدیث 40 باب النوادر من کتاب المعیشة مع اختلاف یسیر.
4 ـ فی « أ » : ما لم یعلم بارتفاعه لطروء ضده.
ولا یذهب علیک أنّه بضمیمة عدم القول بالفصل قطعاً بین الحلّیة والطهارة وبین سائر الأحکام ، لعم الدلیل وتمّ.
ثم لا یخفى أن ذیل موثقة عمار (1) : ( فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فلیس علیک ) یؤید ما استظهرنا منها ، من کون الحکم المغیّا واقعیاً ثابتاً للشیء بعنوإنّه ، لا ظاهریاً ثابتاً له بما هو مشتبه ، لظهوره فی إنّه متفرع على الغایة وحدها ، وإنّه بیان لها وحدها ، منطوقها ومفهومها ، لا لها مع المغیّا ، کما لا یخفى على المتأمل.
ثم إنک إذا حقّقت ما تلونا علیک مما هو مفاد الأخبار ، فلا حاجة فی إطالة الکلام فی بیان سائر الأقوال ، والنقض والإبرام فیما ذکر لها من الاستدلال.
ولا بأس بصرفه إلى تحقیق حال الوضع ، وإنّه حکم مستقل بالجعل کالتکلیف ، أو منتزع عنه وتابع له فی الجعل ، أو فیه تفصیل ، حتى یظهر حال ما ذکر ها هنا بین التکلیف والوضع من التفصیل.
فنقول وبالله الاستعانة :
لا خلاف کما لا إشکال فی اختلاف التکلیف والوضع مفهوماً ، واختلافهما فی الجملة مورداً ، لبداهة ما بین مفهوم السببیة أو الشرطیّة ومفهوم مثل الإِیجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباینة.
کما لا ینبغی النزاع فی صحة تقسیم الحکم الشرعی إلى التکلیفی والوضعی ، بداهة أن الحکم وأنّ لم یصحّ تقسیمه إلیهما ببعض معانیه ولم یکد یصحّ إطلاقه على الوضع ، إلّا أن صحة تقسیمه بالبعض الآخر إلیهما وصحة إطلاقه علیه بهذا المعنى ، مما (2) لا یکاد ینکر ، کما لا یخفى ، ویشهد به کثرة
__________________
1 ـ التهذیب 1 / 285 : الباب 12 ، الحدیث 119.
2 ـ فی « أ » : کان مما لا یکاد ینکر.
إطلاق الحکم علیه فی کلماتهم ، والالتزام بالتجوز فیه ، کما ترى.
وکذا لا وقع للنزاع فی إنّه محصور فی أُمور مخصوصة ، کالشرطیة والسببیة والمانعیة ـ کما هو المحکی عن العلامة ـ أو مع زیادة العلّیة والعلامیة ، أو مع زیادة الصحة والبطلان ، والعزیمة والرخصة ، أو زیادة غیر ذلک ـ کما هو المحکی عن غیره (1) ـ أو لیس بمحصور ، بل کلما لیس بتکلیف مما له دخل فیه أو فی متعلقه وموضوعه ، أو لم یکن له دخل مما أطلق علیه الحکم فی کلماتهم ؛ ضرورة إنّه لا وجه للتخصیص بها بعد کثرة إطلاق الحکم فی الکلمات على غیرها ، مع إنّه لا تکاد تظهر ثمرة مهمة علمیة أو عملیة للنزاع فی ذلک ، وإنما المهمّ فی النزاع هو أن الوضع کالتکلیف فی إنّه مجعول تشریعاً بحیث یصحّ انتزاعه بمجرد إنشائه ، أو غیر مجعول کذلک ، بل إنّما هو منتزع عن التکلیف ومجعول بتبعه وبجعله.
والتحقیق أن ما عُدّ من الوضع على أنحاء.
منها : ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً ، لا استقلالاً ولا تبعاً ، وأنّ کان مجعولاً تکویناً عرضاً بعین جعل موضوعه کذلک.
ومنها : ما لا یکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف.
ومنها : ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه ، وتبعاً للتکلیف بکونه منشأً لانتزاعه ، وأنّ کان الصحیح انتزاعه من إنشائه وجعله ، وکون التکلیف من آثاره وأحکامه ، على ما یأتی الإِشارة إلیه.
أما النحو الأوّل : فهو کالسببیّة والشرطیّة والمانعیّة والرافعیة لما هو
__________________
1 ـ الآمدی ، الأحکام فی أُصول الأحکام / 85 ، فی حقیقة الحکم الشرعی وأقسامه.
سبب التکلیف وشرطه ومانعه ورافعه ، حیث إنّه لا یکاد یعقل انتزاع هذه العناوین لها من التکلیف المتأخّر عنها ذاتاً ، حدوثاً أو ارتفاعاً ، کما أنّ اتصافها بها لیس إلّا لأجل ما علیها من الخصوصیة المستدعیة لذلک تکویناً ، للزوم أن یکون فی العلّة بأجزائها من ربط (1) خاص ، به کانت مؤثرة (2) فی معلولها ، لا فی غیره ، ولا غیرها فیه ، وإلاّ لزم أن یکون کلّ شیء مؤثراً فی کلّ شیء ، وتلک الخصوصیة لا یکاد یوجد فیها بمجرد إنشاءً مفاهیم العناوین ، ومثل قول : دلوک الشّمس سبب لوجوب الصلاة إنشاءً لا إخباراً ، ضرورة بقاء الدلوک على ما هو علیه قبل إنشاءً السببیّة له ، من کونه واجداً لخصوصیةٍ مقتضیة لوجوبها أو فاقداً لها ، وأنّ الصلاة لا تکاد تکون واجبةً عند الدلوک ما لم یکن هناک ما یدعو إلى وجوبها ، ومعه تکون واجبة لا محالة وأنّ لم ینشأ السببیة للدُّلوک أصلاً.
ومنه انقدح أیضاً ، عدم صحة انتزاع السببیّة له حقیقة من إیجاب الصلاة عنده ، لعدم اتصافه بها بذلک ضرورة.
نعم لا بأس باتّصافه بها عنایة ، واطلاق السبب علیه مجازاً ، کما لا بأس بأن یُعَبِّر عن إنشاءً وجوب الصّلاة عند الدلوک ـ مثلاً ـ بإنَّه سبب لوجوبها فکنّی به عن الوجوب عنده.
فظهر بذلک إنّه لا منشأ لانتزاع السببیة وسائر ما لأجزاء العلة للتکلیف ، إلّا ما هی علیها من الخصوصیة الموجبة لدخل کلّ فیه على نحو غیر دخل الآخر ، فتدبرّ جیداً.
وأما النحو الثّانی : فهو کالجزئیة والشرطیة والمانعیة والقاطعیة ، لما هو جزء المکلف به وشرطه ومانعه وقاطعه ، حیث إنَّ اتصاف شیء بجزئیة المأمور به أو شرطیته أو غیرهما لا یکاد یکون إلّا بالأمر بجملة أمور مقیدة بأمر وجودی أو عدمی ، ولا یکاد یتصف شیء بذلک ـ أیّ کونه جزءاً أو شرطاً
__________________
1 ـ فی « أ » : من ربط.
2 ـ فی « أ » : کان مؤثراً ، وفی « ب » : کانت مؤثراً.
للمأمور به ـ إلّا بتبع ملاحظة الأمر بما یشتمل علیه مقیداً بأمر آخر ، وما لم یتعلق بها الأمر کذلک لما کاد اتصف بالجزئیة أو الشرطیّة ، وأنّ أنشأ الشارع له الجزئیة أو الشرطیّة ، وجعل الماهیة واختراعها لیس إلّا تصویر ما فیه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها ، فتصورها بأجزائها وقیودها لا یوجب اتصاف شیء منها بجزئیة المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها. فالجزئیة للمأمور به أو الشرطیّة له إنّما ینتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به ، بلا حاجة إلى جعلها له ، وبدون الأمر به لا اتصاف بها أصلاً ، وأنّ اتصف بالجزئیة أو الشرطیّة للمتصور أو لذی المصلحة ، کما لا یخفى.
وأما النحو الثالث : فهو کالحجیة والقضاوة والولایة والنیابة والحریة والرقیّة والزوجیة والملکیة إلى غیر ذلک ، حیث إنّها وأنّ کان من الممکن انتزاعها من الأحکام التکلیفیة التی تکون فی مواردها ـ کما قیل ـ ومن جعلها بإنشاء أنفسها ، إلّا إنّه لا یکاد یشک فی صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى ، أو من بیده الأمر من قبله ـ جل وعلا ـ لها بإنشائها ، بحیث یترتب علیها آثارها ، کما یشهد به ضرورة صحة انتزاع الملکیة والزوجیة والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الایقاع ممن بیده الاختیار بلا ملاحظة التکالیف والآثار ، ولو کانت منتزعة عنها لما کاد یصحّ إعتبارها إلّا بملاحظتها ، وللزم أن لا یقع ما قصد ، ووقع ما لم یقصد.
کما لا ینبغی أن یشک فی عدم صحة انتزاعها عن مجرد التکلیف فی موردها ، فلا ینتزع الملکیّة عن إباحة التصرفات ، ولا الزوجیة من جواز الوطئ ، وهکذا سائر الاعتبارات فی أبواب العقود والإیقاعات.
فانقدح بذلک أن مثل هذه الاعتبارات إنّما تکون مجعولة بنفسها ، یصحّ انتزاعها بمجرد إنشائها کالتکلیف ، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه.
وهم ودفع : امّا الوهم (1) : فهو أن الملکیة کیف جعلت من الاعتبارات
__________________
1 ـ انظر شرح التجرید 216 ، المسألة الثامنة فی الملک.
الحاصلة بمجرد الجعل والإنشاء التی تکون من خارج المحمول ، حیث لیس بحذائها فی الخارج شیء ، وهی إحدى المقولات المحمولات بالضمیمة التی لا تکاد تکون بهذا السبب ، بل بأسباب أخر کالتَّعَمُّم والتَّقَمُّص والتَّنَعُّل ، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملک ، وأین هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟
وأما الدفع : فهو أن الملک یقال بالاشتراک على ذلک ، ویسمى بالجدة أیضاً ، واختصاص شیء بشیء خاص ، وهو ناشىء امّا من جهة إسناد وجوده إلیه ، ککون العالم ملکاً للباری جل ذکره ، أو من جهة الاستعمال والتصرف فیه ، ککون الفرس لزید برکوبه له وسائر تصرفاته فیه ، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختیاره بیده ، کملک الأراضی والعقار البعیدة للمشتری بمجرد عقد البیع شرعاً وعرفاً.
فالملک الذی یسمى بالجدة أیضاً ، غیر الملک الذی هو اختصاص خاص ناشىء من سبب اختیاریّ کالعقد ، أو غیر اختیاری کالإرث ، ونحوهما من الأسباب الاختیاریّة وغیرها ـ فالتوهّم إنّما نشأ من إطلاق الملک على مقولة الجدة أیضاً ، والغفلة عن أنّه بالاشتراک بینه وبین الاختصاص الخاص والإضافة الخاصة الإشراقیّة کملکه تعالى للعالم ، أو المقولیة کملک غیره لشیء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غیرها (1) من الأعمال ، فیکون شیء ملکاً لاحد بمعنى ، ولآخر بالمعنى الآخر ، فتدبر.
إذا عرفت اختلاف الوضع فی الجعل ، فقد عرفت إنّه لا مجال لاستصحاب دخل ماله الدخل فی التکلیف إذا شک فی بقائه على ما کان علیه من الدخل ، لعدم کونه حکماً شرعیاً ، ولا یترتب علیه أثر شرعیّ ، والتکلیف وأنّ کان مترتباً علیه إلّا إنّه لیس بترتب شرعی ، فافهم.
__________________
1 ـ فی « أ » : غیرهما.
وأنّه لا إشکال فی جریان الاستصحاب فی الوضع المستقلّ بالجعل ، حیث إنّه کالتکلیف ، وکذا ما کان مجعولاً بالتبع ، فإن أمر وضعه ورفعه بید الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه ، وعدم تسمیته حکماً شرعیاً لو سلّم غیر ضائر بعد کونه مما تناله ید التصرف شرعاً ، نعم لا مجال لاستصحابه ، لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه ، فافهم.
ثم إن هاهنا تنبیهات :
الأول : إنّه یعتبر فی الاستصحاب فعلیّة الشک والیقین ، فلا استصحاب مع الغفلة ، لعدم الشک فعلاً ولو فرض إنّه یشک لو التفت ؛ ضرورة أن الاستصحاب وظیفة الشاک ، ولا شک مع الغفلة أصلاً ، فیحکم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلّى ثم شک فی إنّه تطهّر قبل الصلاة ، لقاعدة الفراغ ، بخلاف من ألتفت قبلها وشک ثم غفل وصلّى ، فیحکم بفساد صلاته فیما إذا قطع بعدم تطهیره بعد الشک ، لکونه محدثاً قبلها بحکم الاستصحاب ، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابی.
لا یقال : نعمٍ ، ولکن استصحاب الحدث فی حال الصلاة بعد ما ألتفت بعدها یقتضی أیضاً فسادها.
فإنّه یقال : نعم ، لولا قاعدة الفراغ المقتضیة لصحتها المقدمة على أصالة فسادها.
الثانی : إنّه هل یکفی فی صحّة الاستصحاب الشک فی بقاء شیء على تقدیر ثبوته ، وأنّ لم یحرز ثبوته فیما رتب علیه أثر شرعاً أو عقلاً؟ إشکال ، من عدم إحراز الثبوت فلا یقین ، ولابدّ منه ، بل ولا شک ، فإنّه على تقدیرٍ لم یثبت ، ومن أن اعتبارٍ الیقین إنّما هو لأجل أن التعبّد والتنزیل شرعاً إنّما هو فی
البقاء لا فی الحدوث ، فیکفی الشک فیه على تقدیر الثبوت ، فیتعبّد به على هذا التقدیر ، فیترتب علیه الأثر فعلاً فیما کان هناک أثر ، وهذا هو الأظهر ، وبه یمکن أن یذبّ عمّا فی استصحاب الأحکام التی قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها ، وقد شک فی بقائها على تقدیر ثبوتها ، من الإِشکال بإنّه لا یقین بالحکم الواقعی ، ولا یکون هناک حکم آخر فعلّی ، بناءً على ما هو التحقیق (1) ، من أن قضیّة حجیة الامارة لیست إلّا تنجّز التکالیف مع الإصابة والعذر مع المخالفة ، کما هو قضیّة الحجة المعتبرة عقلاً ، کالقطع والظن فی حال الانسداد على الحکومة ، لا إنشاءً أحکام فعلیة شرعیة ظاهریة ، کما هو ظاهر الأصحاب.
ووجه الذبّ بذلک ، أنّ الحکم الواقعی الذی هو مؤدّى الطریق حینئذ محکوم بالبقاء ، فتکون الحجة على ثبوت حجة على بقائه تعبّداً ؛ للملازمة بینه وبین ثبوته واقعاً.
إن قلت : کیف؟ وقد أخذ الیقین بالشیء فی التعبّد ببقائه فی الأخبار ، ولا یقین فی فرض تقدیر الثبوت.
قلت : نعم ، ولکن الظاهر إنّه أُخذ کشفا عنه ومرآةً لثبوته لیکون التعبّد فی بقائه ، والتعبد مع فرض ثبوته إنّما یکون فی بقائه ، فافهم.
الثالث : إنّه لا فرق فی المتیقّن السابق بین أن یکون خصوص أحد
__________________
1 ـ وأمّا بناءً على ما هو المشهور من کون مؤدیات الأمارات أحکاماً ظاهریة شرعیة ، کما اشتهر أن ظنیّة الطریق لا ینافی قطعیة الحکم ، فالاستصحاب جار ، لأن الحکم الذی أدّت إلیه الامارة محتمل البقاء لإمکان إصابتها الواقع ، وکان مما یبقى ، والقطع بعدم فعلیته ـ حینئذ ـ مع احتمال بقائه لکونها بسبب دلالة الامارة ، والمفروض عدم دلالتها إلّا على ثبوته ، لا على بقائه ، غیر ضائر بفعلیته الناشئة باستصحابه ، فلا تغفل ( منه 1 ).
الأحکام ، أو ما یشترک بین الاثنین منها ، أو الأزید من أمر عام.
فإن کان الشک فی بقاء ذاک العام من جهة الشک فی بقاء الخاص الذی کان فی ضمنه وارتفاعه ، کان استصحابه کاستصحابه بلا کلام.
وإن کان الشکُّ فیه من جهة تردد الخاص الذی فی ضمنه ، بین ما هو باق أو مرتفع قطعاً ، فکذا لا إشکال فی استصحابه ، فیترتّب علیه کافة ما یترتب علیه عقلاً أو شرعاً من أحکامه ولوازمه ، وتردد ذاک الخاص ـ الذی یکون الکلیّ موجوداً فی ضمنه ویکون وجوده بعین وجوده ـ بین متیقّن الارتفاع ومشکوک الحدوث المحکوم بعدم حدوثه ، غیر ضائرٍ باستصحاب الکلی المتحقق فی ضمنه ، مع عدم إخلاله بالیقین والشک فی حدوثه وبقائه ؛ وإنما کان التردد بین الفردین ضائراً باستصحاب أحد الخاصین اللذین کان أمره مردداً بینهما ، لإخلاله بالیقین الذی هو أحد رکنی الاستصحاب ، کما لا یخفى. نعم ، یجب رعایة التکالیف المعلومة إجمالاً المترتبة على الخاصین ، فیما علم تکلیف فی البین.
وتوهمّ کون الشک فی بقاء الکلی الذی فی ضمن ذاک المردّد مسبباً عن الشک فی حدوث الخاص المشکوک حدوثه المحکوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه ؛ فاسد قطعاً ، لعدم کون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه ، بل من لوازم کون الحادث المتیقن ذاک المتیقن الارتفاع أو البقاء ، مع أن بقاء القدر المشترک إنّما هو بعین بقاء الخاص الذی فی ضمنه لا إنّه من لوازمه ، على إنّه لو سلّم إنّه من لوازم حدوث المشکوک فلا شبهة فی کون اللزوم عقلّیاً ، ولا یکاد یترتب بأصالة عدم الحدوث إلّا ما هو من لوازمه وأحکامه شرعاً.
وأما إذا کان الشک فی بقائه ، من جهة الشک فی قیام خاص آخر فی مقام ذاک الخاص الذی کان فی ضمنه بعد القطع بارتفاعه ، ففی استصحابه إشکال ، أظهره عدم جریإنّه ، فإن وجود الطبیعی وأنّ کان بوجود فرده ، إلّا
أن وجوده فی ضمن المتعدد من أفراده لیس من نحو وجود واحد له ، بل متعدد حسب تعددها ، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها ، لقطع بارتفاع وجوده ، وأنّ شک فی وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاک الفرد ، أو لارتفاعه بنفسه أو بملاکه ، کما إذا شک فی الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإِیجاب بملاک مقارن أو حادث.
لا یقال : الأمر وأنّ کان کما ذکر ، إلّا إنّه حیث کان التفاوت بین الإِیجاب والاستحباب وهکذا بین الکراهة والحرمة ، لیس إلّا بشدة الطلب بینهما وضعفه ، کان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غیر موجب لتعدد وجود الطبیعی بینهما ، لمساوقة الاتصال مع الوحدة ، فالشک فی التبدل حقیقة شک فی بقاء الطلب وارتفاعه ، لا فی حدوث وجود آخر.
فإنّه یقال : الأمر وأنّ کان کذلک ، إلّا أن العرف حیث یرى الإِیجاب والاستحباب المتبادلین فردین متباینین ، لا واحداً مختلف الوصف فی زمانین ، لم یکن مجال للاستصحاب ، لما مرت (1) الإِشارة إلیه وتأتی (2) ، من أن قضیة إطلاق أخبار الباب ، أن العبرة فیه بما یکون رفع الید عنه مع الشک بنظر العرف نقضاً ، وأنّ لم یکن بنقض بحسب الدقة ، ولذا لو انعکس الأمر ولم یکن نقض عرفاً ، لم یکن الاستصحاب جاریاً وأنّ کان هناک نقض عقلاً.
ومما ذکرنا فی المقام ، یظهر ـ أیضاً ـ حال الاستصحاب فی متعلقات الأحکام فی الشبهات الحکمیة والموضوعیة ، فلا تغفل.
الرابع : إنّه لا فرق فی المتیقن بین أن یکون من الأمور القارّة أو التدریجیة الغیر القارة ، فإن الأمور الغیر القارة وأنّ کان وجودها ینصرم ولا یتحقق
__________________
1 ـ ص 386.
2 ـ ص 427.