منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت ششم

المقصد الرابع : فی العام والخاص
فصل
قد عرفّ (1) العام بتعاریف ، وقد وقع من الأعلام فیها النقض بعدم الاطراد تارةً والانعکاس أُخرى بما لا یلیق بالمقام ، فإنّها تعاریف لفظیة ، تقع فی جواب السؤال عنه ب‍ ( ما ) (2) الشارحة ، لا واقعة فی جواب السؤال عنه ب‍ ( ما ) (3) الحقیقیة ، کیف؟ وکان المعنى المرکوز منه فی الأذهان أوضح مما عرفّ به مفهوماً و مصداقاً ، ولذا یجعل صدق ذاک المعنى على فرد وعدم صدقه ، المقیاس فی الإِشکال علیها بعدم الاطراد أو الانعکاس بلا ریب فیه ولا شبهة تعتریه من أحد ، والتعریف لابد أن یکون بالاجلى ، کما هو أوضح من أن یخفى.
فالظاهر أن الغرض من تعریفه ، إنّما هو بیان ما یکون بمفهومه جامعاً بین ما لا شبهة فی إنّها أفراد العام ، لیشار به إلیه فی مقام إثبات ما له من الأحکام ، لا بیان ما هو حقیقته (4) وماهیته ، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محلّ الکلام بحسب الأحکام من أفراده ومصادیقه ، حیث لا یکون بمفهومه العام محلاً لحکم من الأًحکام.
__________________
1 ـ راجع معارج الأصول / 81 ، وزبدة الأصول / 95 ، والمستصفى 2 / 32.
2 و 3 ـ فی « أ » : بالما ، وفی « ب » : بالماء.
4 ـ فی « ب » حقیقة.  

 
ثم الظاهر أن ما ذکر له من الأقسام : من الاستغراقی (1) والمجموعی والبدلی إنّما هو باختلاف کیفیة تعلق الأحکام به ، وإلاّ فالعموم فی الجمیع بمعنى واحد ، وهو شمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه ، غایة الأمر أن تعلق الحکم به تارةً بنحو یکون کلّ فرد موضوعاً على حدة للحکم ، وأخرى بنحو یکون الجمیع موضوعاً واحداً ، بحیث لو أخلّ بإکرام واحد فی ( أَکرم کلّ فقیه ) مثلاً ، لما امتثل أصلاً ، بخلاف الصورة الأولى ، فإنّه أطاع وعصى ، وثالثة بنحو یکون کلّ واحد موضوعاً على البدل ، بحیث لو أَکرم واحداً منهم ، لقد أطاع وامتثل ، کما یظهر لمن أمعن النظر وتأمل.
وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغیرها لآحادها المندرجة تحتها لیس من العموم ، لعدم صلاحیتها بمفهومها للانطباق على کلّ واحد منها ، فافهم.
فصل
لا شبهة فی أن للعموم صیغة تخصه ـ لغةً وشرعا ـ کالخصوص کما یکون ما یشترک بینهما ویعمهما ، ضرورة أن مثل لفظ ( کلّ ) وما یرادفه فی أیّ لغةً کان یخصه ، ولا یخص الخصوص ولا یعمه ، ولا ینافی اختصاصه به استعماله فی الخصوص عنایة ، بادعاء إنّه العموم ، أو بعلاقة العموم والخصوص.
ومعه لا یصغى إلى أن إرادة الخصوص متیقنة ، ولو فی ضمنه بخلافه ، وجعل اللفظ حقیقة فی المتیقن أولى ، ولا إلى أن التخصیص قد اشتهر وشاع ، حتى قیل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ، والظاهر یقتضی کونه حقیقة ، لما هو الغالب تقلیلاً للمجاز ؛ مع أن تیقن إرادته لا یوجب اختصاص الوضع به ، مع
__________________
1 ـ إن قلت : کیف ذلک؟ ولکل واحد منها لفظ غیر ما للآخر ، مثل ( أیّ رجل ) للبدلی ، و ( کلّ رجل ) للاستغراقی.
قلت : نعم ، ولکنه لا یقتضی أن تکون هذه الأقسام له بملاحظة إختلاف کیفیة تعلق الأحکام ، لعدم إمکان تطرق هذه الأقسام إلّا بهذه الملاحظة ، فتأمل جیداً منه ( 1 ). 
 
کون العموم کثیراً ، ما یراد ، واشتهار التخصیص لا یوجب کثرة المجاز ، لعدم الملازمة بین التخصیص والمجازیة ، کما یأتی توضیحه ، ولو سلّم فلا محذور فیه أصلاً إذا کان بالقرینة ، کما لا یخفى.
فصل
ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم ، النکرة فی سیاق النفی أو النهی ، ودلالتها علیه لا ینبغی أن تنکر عقلاً ، لضرورة إنّه لا یکاد یکون طبیعة معدومة ، إلّا إذا لم یکن فرد منها بموجود ، وإلاّ کانت موجودة ، لکن لا یخفى إنّها تفیده إذا أخذت مرسلة (1) لا مبهمة قابلة للتقید ، وإلاّ فسلبها لا یقتضی إلّا استیعاب السلب ، لما أُرید منها یقیناً ، لا استیعاب ما یصلح انطباقها علیه من أفرادها. وهذا لا ینافی کون دلالتها علیه عقلیة ، فإنّها بالإضافة إلى أفراد ما یراد منها ، لا الأفراد التی یصلح لانطباقها علیها ، کما لا ینافی دلالة مثل لفظ ( کلّ ) على العموم وضعاً کون عمومه بحسب ما یراد من مدخوله ، ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بقیود کثیرة.
نعم لا یبعد أن یکون ظاهراً عند إطلاقها فی استیعاب جمیع أفرادها ، وهذا هو الحال فی المحلى باللام جمعاً کان أو مفرداً ـ بناءً على إفادته للعموم ـ ولذا لا ینافیه تقیید المدخول بالوصف وغیره ، وإطلاق التخصیص على تقییده ، لیس إلّا من قبیل ( ضیّق فم الرکیة ) ، لکن دلالته على العموم وضعاً محلّ منع ، بل إنّما یفیده فیما إذا اقتضته الحکمة أو قرینة أُخرى ، وذلک لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمرکب منهما ، کما لا یخفى ، وربما یأتی فی المطلق والمقید بعضٍ الکلام مما یناسب المقام.
__________________
1 ـ وإحراز الإرسال فیما اضیفت [ إلیه ] إنّما هو بمقدمات الحکمة ، فلولاها کانت مهملة ، وهی لیست إلّا بحکم الجزئیة ، فلا تفید إلّا نفی هذه الطبیعة فی الجملة ولو فی ضمن صنف منها ، فافهم فإنّه لا یخلو من دقة منه ( 1 ).  

 
فصل
لا شبهة فی أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فیما بقى فیما علم عدم دخوله فی المخصص مطلقاً ولو کان متصلاً ، وما احتمل دخوله فیه أیضاً إذا کان منفصلاً ، کما هو المشهور (1) بین الأصحاب ، بل لا ینسب الخلاف إلّا إلى بعضٍ (2) أهل الخلاف. وربما فصل (3) بین المخصص المتصل فقیل بحجیته فیه ، وبین المنفصل فقیل بعدم حجیته.
واحتج النافی بالإِجمال ، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصیات ، وتعیین (4) الباقی من بینها بلا معیّن ترجیح بلا مرجح.
والتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّه لا یلزم من التخصیص کون العام مجازاً ، امّا فی التخصیص بالمتصل ، فلما عرفت من إنّه لا تخصیص أصلاً ، وأنّ أدوات العموم قد استعملت فیه ، وأنّ کان دائرته سعة وضیقاً تختلف باختلاف ذوی الأدوات ، فلفظة ( کلّ ) فی مثل ( کلّ رجل ) و ( کلّ رجل عالم ) قد استعملت فی العموم ، وأنّ کان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل فی نفسها فی غایة القلة.
واما فی المنفصل ، فلان إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فیه وکون الخاص قرینة علیه ، بل من الممکن قطعاً استعماله معه فی العموم قاعدة ، وکون الخاص مانعاً عن حجیة ظهوره تحکیما للنص ، أو الأظهر على الظاهر ، لامصادما لاصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصیر إلى إنّه قد استعمل فیه مجازاً ، کی یلزم الإِجمال.
__________________
1 ـ أنظر مطارح الأنظار / 192.
2 ـ کأبی ثور وعیسى بن أبان ، راجع الإِحکام فی أصول الأحکام ، الجزء الثّانی / 443.
3 ـ کالبلخی ، راجع المصدر المتقدم / 444.
4 ـ فی « ب » تعیّن. 
 
لا یقال : هذا مجرد احتمال ، ولا یرتفع به الإِجمال ، لاحتمال الاستعمال فی خصوص مرتبة من مراتبه.
فإنّه یقال : مجرد احتمال استعماله فیه لا یوجب إجماله بعد استقرار ظهوره فی العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجیة تحکیما لما هو الأقوى ، کما أشرنا إلیه آنفا.
وبالجملة : الفرق بین المتصل والمنفصل ، وأنّ کان بعدم انعقاد الظهور فی الأوّل إلّا فی الخصوص ، وفی الثّانی إلّا فی العموم ، إلّا إنّه لا وجه لتوهم استعماله مجازاً فی واحد منهما أصلاً ، وإنما اللازم الالتزام بحجیة الظهور فی الخصوص فی الأوّل ، وعدم حجیة ظهوره فی خصوص ما کان الخاص حجة فیه فی الثّانی ، فتفطن.
وقد أجیب عن الاحتجاج (1) ، بأن الباقی أقرب المجازات.
وفیه : لا اعتبارٍ فی الاقربیة بحسب المقدار ، وإنما المدار على الاقربیة بحسب زیادة الانس الناشئة من کثرة الاستعمال.
وفی تقریرات بحث شیخنا الأستاذ (2) 1 فی مقام الجواب عن الاحتجاج ، ما هذا لفظه : ( والاُولى أن یجاب بعد تسلیم مجازیة الباقی ، بأن دلالة العام على کلّ فرد من أفراده غیر منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ، ولو کانت دلالة مجازیة ، إذ هی بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غیرها فی مدلوله ، فالمقتضی للحمل على الباقی موجود والمانع مفقود ، لأن المانع فی مثل المقام إنّما هو ما یوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقی لاختصاص المخصص بغیره ، فلو شک فالأصل عدمه ) ، انتهى موضع الحاجة.
__________________
1 ـ الجواب للمحقق القمی والمحقق الحائری ، القوانین 1 / 266 الفصول / 200
2 ـ مطارح الأنظار / 192 ، فی العموم والخصوص.  

 
قلت : لا یخفى أن دلالته على کلّ فرد إنّما کانت لأجل دلالته على العموم والشمول ، فإذا لم یستعمل فیه واستعمل فی الخصوص ـ کما هو المفروض ـ مجازاً ، وکان إرادة کلّ واحد من مراتب الخصوصیات مما جاز انتهاء التخصیص إلیه ، واستعمال العام فیه مجازاً ممکناً ، کان تعیّن (1) بعضها بلا معیّن ترجیحاً بلا مرجح ، ولا مقتضی لظهوره فیه ، ضرورة أن الظهور امّا بالوضع وإما بالقرینة ، والمفروض إنّه لیس بموضوع له ، ولم یکن هناک قرینة ، ولیس له موجب آخر ، ودلالته على کلّ فرد على حدة حیث کانت فی ضمن دلالته على العموم ، لا یوجب ظهوره فی تمام الباقی بعد عدم استعماله فی العموم ، إذا لم تکن هناک قرینة على تعیینه ، فالمانع عنه وأنّ کان مدفوعاً بالأصل ، إلّا إنّه لا مقتضی له بعد رفع الید عن الوضع ، نعم إنّما یجدی إذا لم یکن مستعملاً إلّا فی العموم ، کما فیما حققناه فی الجواب ، فتأمل جیداً.
فصل
إذا کان الخاص بحسب المفهوم مجملاً ، بأن کان دائراً بین الأقلّ والأکثر وکان منفصلاً ، فلا یسری إجماله إلى العام ، لا حقیقة ولا حکماً ، بل کان العام متّبعاً فیما لا یتبع فیه الخاص ، لوضوح إنّه حجة فیه بلا مزاحم أصلاً ، ضرورة أن الخاص إنّما یزاحمه فیما هو حجة على خلافه ، تحکیما للنص أو الأظهر على الظاهر ، لا فیما لا یکون کذلک ، کما لا یخفى.
وإن لم یکن کذلک بأن کان دائراً بین المتباینین مطلقاً ، أو بین الأقلّ والأکثر فیما کان متصلاً ، فیسری إجماله إلیه حکماً فی المنفصل المردّد بین المتباینین ، وحقیقة فی غیره :
__________________
1 ـ فی « أ » : تعیین. 
 
أما الأوّل : فلان العام ـ على ما حققناه (1) ـ کان ظاهراً فی عمومه ، إلّا إنّه یتبع ظهوره فی واحد من المتباینین اللذین علم تخصیصه بأحدهما.
وأما الثّانی : فلعدم (2) انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف الکلام بما یوجب احتماله لکلّ واحد من الأقل والأکثر ، أو لکلّ واحد من المتباینین ، لکنه حجة فی الأقل ، لإنّه المتیقن فی البین.
فانقدح بذلک الفرق بین المتصل والمنفصل ، وکذا فی المجمل بین المتباینین والأکثر والاقل ، فلا تغفل.
وأما إذا کان مجملاً بحسب المصداق ، بأن اشتبه فرد وتردد بین أن یکون فرداً له أو باقیا تحت العام ، فلا کلام فی عدم جواز التمسک بالعام لو کان متصلاً به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للکلام إلّا فی الخصوص ، کما عرفت.
وأما إذا کان منفصلاً عنه ، ففی جواز التمسک به خلاف ، والتحقیق عدم جوازه ، إذ غایة ما یمکن أن یقال فی وجه جوازه ، أن الخاص إنّما یزاحم العام فیما کان فعلاً حجة ، ولا یکون حجة فیما اشتبه إنّه من أفراده ، فخطاب ( لا تکرم فساق العلماء ) لا یکون دلیلاً على حرمة إکرام من شک فی فسقه من العلماء ، فلا یزاحم مثل ( أَکرم العلماء ) ولا یعارضه ، فإنّه یکون من قبیل مزاحمة الحجة بغیر الحجة ، وهو فی غایة الفساد ، فإن الخاص وأنّ لم یکن دلیلاً فی الفرد المشتبه فعلاً ، إلّا إنّه یوجب اختصاص حجیة العام فی غیر عنوإنّه من الأفراد ، فیکون ( أَکرم العلماء ) دلیلاً وحجة فی العالم الغیر الفاسق ، فالمصداق المشتبه وأنّ کان مصداقاً للعام بلا کلام ، إلّا إنّه لم یعلم إنّه من مصادیقه بما هو حجة ، لاختصاص حجیته بغیر الفاسق.
وبالجملة العام المخصص بالمنفصل ، وأنّ کان ظهوره فی العموم ، کما إذا
__________________
1 ـ فی صفحة 219.
2 ـ فی « ب » : ولعدم. 
 
لم یکن مخصصاً ، بخلاف المخصص بالمتصل کما عرفت ، إلّا إنّه فی عدم الحجیة إلّا فی غیر عنوان الخاص مثله ، فحینئذ یکون الفرد المشتبه غیر معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتین ، فلابد من الرجوع إلى ما هو الأصل فی البین ، هذا إذا کان المخصص لفظیاً.
وأما إذا کان لبیّاً ، فإن کان مما یصحّ أن یتّکل علیه المتکلم ، إذا کان بصدد البیان فی مقام التخاطب ، فهو کالمتصل ، حیث لا یکاد ینعقد معه ظهور للعام إلّا فی الخصوص ، وأنّ لم یکن کذلک ، فالظاهر بقاء العام فی المصداق المشتبه على حجیته کظهوره فیه.
والسّر فی ذلک ، أن الکلام الملقى من السید حجة ، لیس إلّا ما اشتمل على العام الکاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلابد من اتباعه ما لم یقطع بخلافه ، مثلاً إذا قال المولى : ( أَکرم جیرانی ) وقطع بإنّه لا یرید إکرام من کان عدوّاً له منهم ، کان أصالة العموم باقیة على الحجیة بالنسبة إلى من لم یعلم بخروجه عن عموم الکلام ، للعلم بعدواته ، لعدم حجة أُخرى بدون ذلک على خلافه ، بخلاف ما إذا کان المخصص لفظیاً ، فإن قضیة تقدیمه علیه ، هو کون الملقى إلیه کإنّه کان من رأس لا یعم الخاص ، کما کان کذلک حقیقة فیما کان الخاص متصلاً ، والقطع بعدم إرادة العدوّ لا یوجب انقطاع حجیته ، إلّا فیما قطع إنّه عدّوه ، لا فیما شک فیه ، کما یظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى له لو لم یکرم واحداً من جیرإنّه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة ، کما لا یخفى على من راجع الطریقة المعروفة ، والسیرة المستمرة المألوفة بین العقلاء التی هی ملاک حجیة أصالة الظهور.
وبالجملة :کان بناءً العقلاء على حجیتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناک ، ولعله لما أشرنا إلیه من التفاوت بینهما ، بإلقاء حجتین هناک ، تکون قضیتهما بعد تحکیم الخاص وتقدیمه على العام ، کإنّه لم یعمه حکماً من رأس ، 
 
وکأنه لم یکن بعام ، بخلاف هاهنا ، فإن الحجة الملقاة لیست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إکرام العدوّ فی ( أَکرم جیرانی ) مثلاً ، لا یوجب رفع الید عن عمومه إلّا فیما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه على الحکیم إلقاء کلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه.
بل یمکن أن یقال : إن قضیة عمومه للمشکوک ، إنّه لیس فرداً لما علم بخروجه من حکمه بمفهومه ، فیقال فی مثل ( لعن الله بنی أمیة قاطبة ) (1) : إن فلاناً وأنّ شک فی إیمإنّه یجوز لعنه لمکان العموم ، وکل من جاز لعنه لا یکون مؤمناً ، فینتج إنّه لیس بمؤمن ، فتأمل جیداً.
إیقاظ : لا یخفى أن الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل ، لما کان غیر معنون بعنوان خاص ، بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص ، کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد ـ إلّا ما شذ ـ ممکناً ، فبذلک یحکم علیه بحکم العام وأنّ لم یجز التمسک به بلا کلام ، ضرورة إنّه قلَّما لا یوجد (2) عنوان یجری فیه أصل ینقح به أنّه مما بقی تحته ، مثلاً إذا شک أن أمراًة تکون قرشیة ، فهی وأنّ کانت وجدت امّا قرشیة أو غیرها ، فلا أصل یحرز إنّها قرشیة أو غیرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بینها وبین قریش (3) تجدی فی تنقیح إنّها ممن لا تحیض إلّا إلى خمسین ، لأن المرأة التی لا یکون بینها وبین قریش (4) انتساب أیضاً باقیة تحت ما دلّ على أن المرأة إنّما ترى الحمرة إلى خمسین ، والخارج عن تحته هی القرشیة ، فتأمل تعرف.
وهم وإزاحة : ربما یظهر عن بعضهم التمسک بالعمومات فیما إذا شک
__________________
1 ـ کامل الزیارات / 176 ، الباب 71.
2 ـ فی « ب » : لم یوجد.
3 و 4 ـ فی « أ و ب » القریش. 
 
فی فرد ، لا من جهة احتمال التخصیص ، بل من جهة أُخرى ، کما إذا شک فی صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فیستکشف صحته بعموم مثل ( أوفوا بالنذور ) فیما إذا وقع متعلقاً للنذر ، بأن یقال : وجب الإِتیان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم ، وکل ما یجب الوفاء به لا محالة یکون صحیحاً ، للقطع بإنّه لولا صحته لما وجب الوفاء به ، وربما یؤید ذلک بما ورد من صحة الإِحرام والصیام قبل المیقات (1) وفی السفر (2) إذا تعلق بهما النذر کذلک.
والتحقیق أن یقال : إنّه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتکلفة لأَحکام العناوین الثانویة فیما شک من غیر جهة تخصیصها ، إذا أخذ فی موضوعاًتها أحد الأحکام المتعلقة بالافعال بعناوینها الأولیة (3) ، کما هو الحال فی وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه فی الأمور المباحة أو الراجحة ، ضرورة إنّه معه لا یکاد یتوهم عاقل إنّه إذا شک فی رجحان شیء أو حلیته جواز التمسک بعموم دلیل وجوب الإطاعة أو الوفاء فی رجحإنّه أو حلیته.
نعم لا بأس بالتمسک به فی جوازه بعد إحراز التمکن منه والقدرة علیه _ فیما لم یؤخذ فی موضوعاًتها حکم أصلاً ، فإذا شک فی جوازه صحّ (4) التمسک بعموم دلیلها فی الحکم بجوازها ، وإذا کانت محکومة بعناوینها الأولیة بغیر حکمها بعناوینها الثانویة ، وقع (5) المزاحمة بین المقتضیین ، ویؤثر الأقوى منهما لو
__________________
1 ـ التهذیب 5 / 53 ، الأحادیث 8 إلى 10 من باب 6 المواقیت.
الاستبصار 2 / 161 الأحادیث 8 إلى 10 من باب 93 من أحرم قبل المیقات ، وللمزید راجع وسائل الشیعة 8 / 236 الباب 13 من ابواب المواقیت.
2 ـ التهذیب 4 / 235 الحدیث 63 و 64 من باب 57 حکم المسافر والمریض فی الصیام وللمزید راجع وسائل الشیعة 7 / 139 الباب 10 من ابواب من یصحّ منه الصوم الحدیث 1 و 7.
3 ـ فی « أ » : الأولویة.
4 ـ فی « أ » : فصح.
5 ـ فی « أ » : فتقع. 
 
کان فی البین ، وإلاّ لم یؤثر أحدهما ، وإلاّ لزم الترجیح بلا مرجح ، فلیحکم علیه حینئذ بحکم آخر ، کالاباحة إذا کان أحدهما مقتضیاً للوجوب والآخر للحرمة مثلاً.
وأما صحة الصوم فی السفر بنذره فیه ـ بناءً على عدم صحته فیه بدونه ـ وکذا الإِحرام قبل المیقات ، فإنما هو لدلیل خاص ، کاشف عن رجحإنّهما ذاتاً فی السفر وقبل المیقات ، وإنما لم یأمر بهما استحباباً أو وجوباً لمانع یرتفع مع النذر ، وإما لصیرورتهما راجحین بتعلق النذر بهما بعد ما لم یکونا کذلک ، کما ربما یدلّ علیه ما فی الخبر من کون الإِحرام قبل المیقات کالصلاة قبل الوقت (1).
لا یقال : لا یجدی صیرورتهما راجحین بذلک فی عبادیتهما ، ضرورة کون وجوب الوفاء توصلیاً لا یعتبر فی سقوطه إلّا الإِتیان بالمنذور بأی داع کان.
فإنّه یقال : عبادیتهما إنّما تکون لأجل کشف دلیل صحتهما عن عروض عنوان راجح علیهما ، ملازم لتعلق النذر بهما ، هذا لو لم نقل بتخصیص عموم دلیل اعتبارٍ الرجحان فی متعلق النذر بهذا الدلیل ، وإلاّ أمکن أن یقال بکفایة الرجحان الطارىء علیهما من قبل النذر فی عبادیتهما ، بعد تعلق النذر بإتیإنّهما عبادیاً ومتقرباً بهما منه تعالى ، فإنّه وأنّ لم یتمکن من إتیإنّهما کذلک قبله ، إلّا إنّه یتمکن منه بعده ، ولا یعتبر فی حصة النذر إلّا التمکن من الوفاء ولو بسببه ، فتأمل جیداً.
بقی شیء ، وهو إنّه هل یجوز التمسک بأصالة عدم التخصیص؟ فی إحراز عدم کون ما شک فی إنّه من مصادیق العام ، مع العلم بعدم کونه محکوماً
__________________
1 ـ لم نعثر على الخبر المشار إلیه فی المتن ، ولکن ورد إنّه کمن صلّى فی السفر اربعاً وترک الثنتین.
راجع الکافی 4 / 321 الحدیث 2 ، 6 من باب من احرم دون الوقت.  

 
بحکمه ، مصداقاً له؟ مثل ما إذا علم أن زیداً یحرم إکرامه ، وشک فی إنّه عالم ، فیحکم علیه بأصالة عدم تخصیص ( أَکرم العلماء ) إنّه لیس بعالم ، بحیث یحکم علیه بسائر ما لغیر العالم من الأًحکام.
فیه إشکال ، لاحتمال اختصاص حجیتها بما إذا شک فی کون فرد العام محکوماً بحکمه ، کما هو قضیة عمومه ، والمثبت من الأصول اللفظیة وأنّ کان حجة ، إلّا إنّه لابد من الاقتصار على ما یساعد علیه الدلیل ، ولا دلیل هاهنا إلّا السیرة وبناء العقلاء ، ولم یعلم استقرار بنائهم على ذلک ، فلا تغفل.
فصل
هل یجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص؟ فیه خلاف ، وربما نفی (1) الخلاف عن عدم جوازه ، بل ادعی الاجماع (2) علیه ، والذی ینبغی أن یکون محلّ الکلام فی المقام ، إنّه هل یکون أصالة العموم متبعة مطلقاً؟ أو بعد الفحص عن المخصص والیأس عن الظفر به؟ بعد الفراغ عن (3) اعتبارها بالخصوص فی الجملة ، من باب الظن النوعی للمشافه وغیره ، ما لم یعلم بتخصیصه تفصیلا ، ولم یکن من أطراف ما علم تخصیصه إجمالاً ، وعلیه فلا مجال لغیر واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص والیاس.
فالتحقیق عدم جواز التمسک به قبل الفحص ، فیما إذا کان فی معرض التخصیص کما هو الحال فی عمومات الکتاب والسنة ، وذلک لأجل إنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء على عدم العمل به قبله ، فلا أقل من الشک ،
__________________
1 ـ الغزالی فی المستصفى 2 / 157.
2 ـ مطارح الأنظار / 197 ، قال : « بل ادعى علیه الاجماع کما عن النهایة » ولم نعثر علیه فی مظإنّه من النهایة ، راجع نهایة الأصول / 139. ونقل الاجماع عن الغزالی والامدی ، راجع فواتح الرحموت 1 / 267.
3 ـ فی « ب » : من. 
 
کیف؟ وقد ادعی الاجماع على عدم جوازه ، فضلاً عن نفی الخلاف عنه ، وهو کافٍ فی عدم الجواز ، کما لا یخفى.
وأما إذا لم یکن العام کذلک ، کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی السنة أهل المحاورات ، فلا شبهة فی أن السیرة على العمل به بلا فحص عن مخصص ، وقد ظهر لک بذلک أن مقدار الفحص اللازم ما به یخرج عن المعرضیة له ، کما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التی استدل بها من العلم الإِجمالی به (1) أو حصول الظن بما هو التکلیف (2) ، أو غیر ذلک رعایتها ، فیختلف مقداره بحسبها ، کما لا یخفى.
ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل ، باحتمال إنّه کان ولم یصل ، بل حاله حال احتمال قرینة المجاز ، وقد اتفقت کلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقاً ، ولو قبل الفحص عنها ، کما لا یخفى.
إیقاظ : لا یذهب علیک الفرق بین الفحص هاهنا ، وبینه فی الأصول العملیة ، حیث إنه هاهنا عما یزاحم الحجة (3) ، بخلافه هناک ، فإنّه بدونه لا حجة ، ضرورة أن العقل بدونه یستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة ، فلا یکون العقاب بدونه بلا بیان والمؤاخذة علیها من غیر برهان ، والنقل وأنّ دلّ على البراءة أو الاستصحاب فی موردهما مطلقاً ، إلّا أن الاجماع بقسمیه على تقییده به ، فافهم.
فصل
هل الخطابات الشفاهیة مثل : ( یا أیها المؤمنون ) تختص بالحاضر مجلس التخاطب ، أو تعم غیره من الغائبین ، بل المعدومین؟
__________________
1 ـ استدل بهذا الوجه الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 202 ، رابعها.
2 ـ راجع زبدة الأصول / 97.
3 ـ فی « ب » : الحجیة.  

 
فیه خلاف ، ولابد قبل الخوض فی تحقیق المقام ، من بیان ما یمکن أن یکون محلاً للنقض والأبرام بین الأعلام.
فاعلم إنّه یمکن أن یکون النزاع فی أن التکلیف المتکفل له الخطاب هل یصحّ تعلقه بالمعدومین ، کما صحّ تعلقه بالموجودین ، أم لا؟ أو فی صحة المخاطبة معهم ، بل مع الغائبین عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام إلیهم ، وعدم صحتها ، أو فی عموم الألفاظ الواقعة عقیب أداة الخطاب ، للغائبین بل المعدومین ، وعدم عمومها لهما ، بقرینة تلک الاداة.
ولا یخفى أن النزاع على الوجهین الأولین یکون عقلّیاً ، وعلى الوجه الأخیر لغویاً.
إذا عرفت هذا ، فلا ریب فی عدم صحة تکلیف المعدوم عقلاً ، بمعنى بعثه أو زجره فعلاً ، ضرورة إنّه بهذا المعنى یستلزم الطلب منه حقیقة ، ولا یکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة ، نعم هو بمعنى إنشاءً الطلب بلا بعث ولا زجر ، لا استحالة فیه أصلاً ، فإن الانشاء خفیف المؤونة ، فالحکیم تبارک وتعالى نیشىء على وفق الحکمة والمصلحة ، طلب شیء قانوناً من الموجود والمعدوم حین الخطاب ، لیصیر فعلّیاً بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاءً آخر ، فتدبر.
ونظیره من غیر الطلب إنشاءً التملیک فی الوقف على البطون ، فإن المعدوم منهم یصیر مالکا للعین الموقوفة ، بعد وجوده بإنشائه ، ویتلقى لها من الواقف بعقده ، فیؤثر فی حق الموجود منهم الملکیة الفعلیة ، ولا یؤثر فی حق المعدوم فعلاً ، إلّا استعدادها لأن تصیر ملکا له بعد وجوده ، هذا إذا اُنشىء الطلب مطلقاً.
وأما إذا اُنشىء مقیداً بوجود المکلف ووجد إنّه الشرائط ، فإمکإنّه بمکان 
 
من الإِمکان.
وکذلک لا ریب فی عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقیقة ، وعدم إمکانه ، ضرورة عدم تحقق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقة إلّا إذا کان موجوداً ، وکان بحیث یتوجه إلى الکلام ، ویلتفت إلیه.
ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب ، مثل أدوات النداء ، لو کان موضوعاً للخطاب الحقیقی ، لأوجب استعماله فیه تخصیص ما یقع فی تلوه بالحاضرین ، کما أن قضیة إرادة العموم منه لغیرهم استعماله فی غیره ، لکن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم یکن موضوعاً لذلک ، بل للخطاب الإِیقاعی الإنشائی ، فالمتکلم ربما یوقع الخطاب بها تحسّراً وتأسفاً وحزناً مثل :
یا کوکباً ما کان أقصر عمره (1)
         .................
 
أو شوقاً ، ونحو ذلک ، کما یوقعه مخاطباً لمن ینادیه حقیقة ، فلا یوجب استعماله فی معناه الحقیقی ـ حینئذ ـ التخصیص بمن یصحّ مخاطبته ، نعم لا یبعد دعوى الظهور ، انصرافاً فی الخطاب الحقیقی ، کما هو الحال فی حروف الاستفهام والترجی والتمنی وغیرها ، على ما حققناه فی بعضٍ المباحث السابقة (2) ، من کونها موضوعة للإِیقاعی منها بدواع مختلفة مع ظهورها فی
__________________
1 ـ وعجزه .... وکذاک عمر کواکب الاسحار.
وهو من رائیة ابو الحسن التهامی فی رثاء ولده الذی مات صغیرا ، وهی فی غایة الحسن والجزالة وفخامة المعنى وجودة السرد وصدرها :
حکم المنیة فی البریة جاری
         ما هذه الدنیا بدار قرار
 
سجن بالقاهرة سنة 416 ثم قتل سرا. رأه بعضٍ اصحابه بعد موته فی المنام وساله عن حاله قال : غفر لی ربی ، فقال : بای الأعمال. قال : بقولی فی مرثیة ولدی الصغیر :
جاورت اعدائی وجاور ربه
         شتان بین جواره وجواری
 
( شهداء الفضیلة : 24 )
2 ـ فی مبحث الأوامر / 64.
 
الواقعی منها انصرافاً ، إذا لم یکن هناک ما یمنع عنه ، کما یمکن دعوى وجوده غالباً فی کلام الشارع ، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحکم فی مثل : ( یا أیها الناس اتقوا ) و ( یا أیها المؤمنون ) بمن حضر مجلس الخطاب ، بلا شبهة ولا ارتیاب.
ویشهد لما ذکرنا صحة النداء بالأدوات ، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عنایة ، ولا للتنزیل والعلاقة رعایة.
وتوهمّ کونه ارتکازیاً ، یدفعه عدم العلم به مع الالتفات إلیه ، والتفتیش عن حاله مع حصوله بذلک لو کان مرتکزاً ، وإلاّ فمن أین یعلم بثبوته کذلک؟ کما هو واضح.
وإن أبیت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقیقی ، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهیة بأداة الخطاب ، أو بنفس توجیه الکلام بدون الاداة کغیرها بالمشافهین ، فیما لم یکن هناک قرینة على التعمیم.
وتوهمّ صحة التزام التعمیم فی خطاباته تعالى لغیر الموجودین ، فضلاً عن الغائبین ، لإِحاطته بالموجود فی الحال والموجود فی الاستقبال ، فاسد ، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحیة المعدوم بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا یوجب نقصا فی ناحیته تعالى ، کما لا یخفى ، کما أن خطابه اللفظی لکونه تدریجیاً ومتصرم الوجود ، کان قاصراً عن أن یکون موجهاً نحو غیر من کان بمسمع منه ضرورة ، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل یا ( أیها الناس اتقوا ) فی الکتاب حقیقة إلى غیر النبی 9 بلسإنّه.
وأما إذا قیل بإنّه المخاطب والموجه إلیه الکلام حقیقة وحیاً أو الهاماً ، فلا محیص إلّا عن کون الاداة فی مثله للخطاب الإِیقاعی ولو مجازاً ، وعلیه لا مجال لتوهم اختصاص الحکم المتکفل له الخطاب بالحاضرین ، بل یعم المعدومین ، فضلاً عن الغائبین. 
 
فصل
ربما قیل : إنّه یظهر لعموم الخطابات الشفاهیة للمعدومین ثمرتان :
الأولى (1) : حجیة ظهور خطابات (2) الکتاب لهم کالمشافهین.
وفیه : إنّه مبنی على اختصاص حجیة الظواهر بالمقصودین بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص بهم. ولو سلّم ، فاختصاص المشافهین بکونهم مقصودین بذلک ممنوع ، بل الظاهر أن الناس کلهم إلى یوم القیامة یکونون کذلک ، وأنّ لم یعمهم الخطاب ، کما یومئ إلیه غیر واحد من الإخبار.
الثانیة (3) : صحة التمسک بإطلاقاًت الخطابات القرآنیّة بناءً على التعمیم ، لثبوت الأحکام لمن وجد وبلغ من المعدومین ، وأنّ لم یکن متحداً مع المشافهین فی الصنف ، وعدم صحته على عدمه ، لعدم کونها حینئذ متکفلة لأَحکام غیر المشافهین ، فلابد من إثبات اتحاده معهم فی الصنف ، حتى یحکم بالاشتراک مع المشافهین فی الأحکام ، وحیث لا دلیل علیه حینئذ إلّا الاجماع ، ولا إجماع علیه إلّا فیما اتحد الصنف ، کما لا یخفى.
ولا یذهب علیک ، إنّه یمکن إثبات الاتحاد ، وعدم دخل ما کان البالغ الآن فاقداً له مما کان المشافهون واجدین له ، بإطلاق الخطاب إلیهم من دون التقیید به ، وکونهم کذلک لا یوجب صحة الإِطلاق ، مع إرادة المقید معه فیما یمکن أن یتطرق الفقدان ، وأنّ صحّ فیما لا یتطرق إلیه ذلک. ولیس المراد بالاتحاد فی الصنف إلّا الاتحاد فیما اعتبر قیداً فی الأحکام ، لا الاتحاد فیما کثر
__________________
1 ـ ذکرها المحقق القمی (ره) فی القوانین 1 / 233 ، فی الخطابات المشافهة.
2 ـ فی « ب » : الخطابات.
3 ـ راجع کلام المحقق الوحید البهبهانی ( قده ) فی کتاب ملاحظات الفرید على فوائد الوحید / 55. 
 
 
الاختلاف بحسبه ، والتفاوت بسببه بین الأنام ، بل فی شخص واحد بمرور الدهور والایام ، وإلاّ لما ثبت بقاعدة الاشتراک للغائبین ـ فضلاً عن المعدومین ـ حکم من الأًحکام.
ودلیل الاشتراک إنّما یجدی فی عدم اختصاص التکالیف بأشخاص المشافهین ، فیما لم یکونوا مختصین بخصوص عنوان ، لو [ لم ] (1) یکونوا معنونین به لشک فی شمولها لهم أیضاً ، فلولا الإِطلاق وإثبات عدم دخل ذاک العنوان فی الحکم ، لما أفاد دلیل الاشتراک ، ومعه کان الحکم یعم غیر المشافهین ولو قیل باختصاص الخطابات بهم ، فتأمل جیداً.
فتلخص : إنّه لا یکاد تظهر الثمرة إلّا على القول باختصاص حجیة الظواهر لمن قصد إفهامه ، مع کون غیر المشافهین غیر مقصودین بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص به فی غیر المقام ، وأُشیر (2) إلى منع کونهم غیر مقصودین به فی خطاباته تبارک وتعالى فی المقام.
فصل
هل تعقب العام بضمیر یرجع إلى بعضٍ أفراده ، یوجب تخصیصه به أو لا؟ فیه خلاف بین الأعلام.
ولیکن محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین ، أو فی کلام واحد مع استقلال العام بما حکم علیه فی الکلام ، کما فی قوله تبارک وتعالى : ( والمطلقات یتربصن ) إلى قوله ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (3) وأما ما إذا کان مثل : والمطلقات ازواجهن احق بردهن ، فلا شبهة فی تخصیصه به.
__________________
1 ـ اثبتناه من « ب ».
2 ـ فی رده للثمرة الأولى / 231.
3 ـ البقرة : 228. 
 
والتحقیق أن یقال : إنّه حیث دار الأمر بین التصرف فی العام ، بإرادة خصوص ما أُرید من الضمیر الراجع إلیه ، أو التصرف فی ناحیة الضمیر : امّا بإرجاعه إلى بعضٍ ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه مع التوسع فی الإِسناد ، بإسناد الحکم المسند إلى البعض حقیقة إلى الکلّ توسعاً وتجوزاً ؛ کانت أصالة الظهور فی طرف العام سالمة عنها فی جانب الضمیر ، وذلک لأن المتیقن من بناءً العقلاء هو اتباع الظهور فی تعیین المراد ، لا فی تعیین کیفیة الاستعمال ، وأنه على نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإِسناد مع القطع بما یراد ، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر.
وبالجملة : أصالة الظهور إنّما یکون حجة فیما إذا شک فیما أُرید ، لا فیما إذا شک فی إنّه کیف أُرید ، فافهم ، لکنه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم ، بأن لا یعد ما اشتمل على الضمیر مما یکتنف به عرفاً ، وإلاّ فیحکم علیه بالإِجمال ، ویرجع إلى ما یقتضیه الأصول ، إلّا أن یقال باعتبار اصالة الحقیقة تعبداً ، حتى فیما إذا احتفّ بالکلام ما لا یکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعضٍ الفحول.
فصل
قد اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف ، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ، على قولین ، وقد استدل لکلّ منهما بما لا یخلو عن قصور.
وتحقیق المقام : إنّه إذا ورد العام وما له المفهوم فی کلام أو کلامین ، ولکن على نحو یصلح أن یکون کلّ منهما قرینة متصلة للتصرف فی الآخر ، ودار الأمر بین تخصیص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة على کلّ منهما إن کانت  

 
بالإِطلاق بمعونة مقدمات الحکمة ، أو بالوضع ، فلا یکون هناک عموم ، ولا مفهوم ، لعدم تمامیة مقدمات الحکمة فی واحد منهما لأجل المزاحمة ، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر کذلک ، فلا بدّ من العمل ب الأصول العملیة فیما دار فیه بین العموم والمفهوم ، إذا لم یکن مع ذلک أحدهما أظهر ، وإلاّ کان مانعاً عن انعقاد الظهور ، أو استقراره فی الآخر.
ومنه قد انقدح الحال فیما إذا لم یکن بین ما دلّ على العموم وما له المفهوم ، ذاک الارتباط والاتصال ، وإنّه لا بدّ أن یعامل مع کلّ منهما معاملة المجمل ، لو لم یکن فی البین أظهر ، وإلاّ فهو المعول ، والقرینة على التصرف فی الآخر بما لا یخالفه بحسب العمل.
فصل
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، هل الظاهر هو رجوعه إلى الکلّ (1) أو خصوص الأخیرة (2) ، أو لا ظهور له فی واحد منهما (3) ، بل لابد فی التعیین من قرینة؟ أقوال.
والظاهر إنّه لا خلاف ولا إشکال فی رجوعه إلى الأخیرة على أیّ حال ، ضرورة أن رجوعه إلى غیرها بلا قرینة خارج عن طریقة أهل المحاورة ، وکذا فی صحة رجوعه إلى الکلّ ، وأنّ کان المتراءى من کلام صاحب المعالم (4) ; حیث مهّد مقدّمة لصحة رجوعه إلیه ، إنّه محلّ الإِشکال والتأمل.
__________________
1 ـ نسبه السید المرتضى (ره) إلى مذهب الشافعی وأصحابه ، الذریعة إلى أصول الشریعة : 1 / 249 ، راجع المعتمد فی أصول الفقه : 1 / 245 ، وشرح المختصر للعضدی : 1 / 260.
2 ـ فی المصدرین المتقدّمین إنّه مذهب أبی حنیفة وأصحابه.
3 ـ الذریعة إلى اصول الشریعة 1 / 249.
4 ـ معالم الدین / 127 ، حیث قال : ولنقدم على توجیه المختار مقدّمة ... الخ. 
 
وذلک ضرورة أن تعدَّد المستثنى منه ، کتعدد المستثنى ، لا یوجب تفاوتاً أصلاً فی ناحیة الاداة بحسب المعنى ، کان الموضوع له فی الحروف عاماً أو خاصاً ، وکان المستعمل فیه الاداة فیما کان المستثنى منه متعدداً هو المستعمل فیه فیما کان واحداً ، کما هو الحال فی المستثنى بلا ریب ولا إشکال ، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجاً لا یوجب تعدَّد ما استعمل فیه أداة الاخراج مفهوماً.
وبذلک یظهر إنّه لا ظهور لها فی الرجوع إلى الجمیع ، أو خصوص الأخیرة ، وأنّ کان الرجوع إلیها متیقنا على کلّ تقدیر ، نعم غیر الأخیرة أیضاً من الجمل لا یکون ظاهراً فی العموم لاکتنافه بما لا یکون معه ظاهراً فیه ، فلابد فی مورد الاستثناء فیه من الرجوع إلى الأصول.
اللهم إلّا أن یقال بحجیة أصالة الحقیقة تعبداً ، لا من باب الظهور ، فیکون المرجع (1) علیه أصالة العموم إذا کان وضعیا ، لا ما إذا کان بالإِطلاق ومقدمات الحکمة ، فإنّه لا یکاد یتم تلک المقدّمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجمیع ، فتأمل (2).
فصل
الحق جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص کما جاز بالکتاب ، أو بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرینة القطعیة من خبر الواحد ، بلا ارتیاب ، لما هو الواضح من سیرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب إلى زمن الأئمة : ، واحتمال أن یکون ذلک
__________________
1 ـ فی « ب » : مرجع.
2 ـ إشارة إلى إنّه یکفی فی منع جریان المقدّمات ، صلوح الاستثناء لذلک ، لاحتمال اعتماد المطلق حینئذ فی التقیید علیه ، لاعتقاد إنّه کافٍ فیه ، اللهم إلّا أن یقال : إن مجرد صلوحه لذلک بدون قرینة علیه ، غیر صالح للاعتماد ما لم یکن بحسب متفاهم العرف ظاهراً فی الرجوع إلى الجمیع ، فأصالة الإِطلاق مع عدم القرینة محکمة ، لتمامیة مقدمات الحکمة ، فافهم منه ( 1 ).  

 
بواسطة القرینة واضح البطلان.
مع إنّه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحکمه ، ضرورة ندرة خبر لم یکن على خلافه عموم الکتاب ، لو سلّم وجود ما لم یکن کذلک.
وکون العام الکتابیّ قطعیاً صدوراً ، وخبر الواحد ظنیا سنداً (1) ، لا یمنع عن التصرف فی دلالته الغیر القطعیة قطعاً ، وإلاّ لما جاز تخصیص المتواتر به أیضاً ، مع إنّه جائ جزماً.
والسّر : أن الدوران فی الحقیقة بین أصالة العموم ودلیل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرینیة (2) على التصرف فیها ، بخلافها ، فإنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتباره ، ولا ینحصر (3) الدلیل على الخبر بالإِجماع ، کی یقال بإنّه فیما لا یوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنیّة (4) یسقط وجوب العمل به. کیف؟ وقد عرفت أن سیرتهم مستمرة على العمل به فی قبال العمومات الکتابیة.
والإخبار الدالة على أن الإخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها (5) أو ضربها على الجدار ، أو إنّها زخرف (6) ، أو إنّها مما لم یقل به الامام 7 (7) ، وأنّ کانت کثیرة جداً ، وصریحة الدلالة على طرح المخالف ، إلّا
__________________
1 ـ انظر معالم الدین / 147 ، فی جواز تخصیص الکتاب بالخبر ..
2 ـ فی « ب » : للقرینة.
3 ـ ردّ على ما أجاب به المحقق عن استدلال المجّوزین لتخصیص الکتاب بالخبر الواحد ، معارج الأصول / 96.
4 ـ فی « ب » دلالة القرائنة.
5 ـ أصول الکافی : 1 / 69 باب الأخذ بالسنة وشواهد الکتاب. وسائل الشیعة 18 / 78 الباب 9 من أبواب صفات القاضی الحدیث 10.
6 ـ اصول الکافی : 1 / 69 الحدیث 3 ، 4 ، وسائل الشیعة 18 / 78 الحدیث 12 و 14.
7 ـ اصول الکافی 1 / 69 الحدیث 5 ، وسائل الشیعة 18 / 79 الحدیث 15. 
 
إنّه لا محیص عن أن یکون المراد من المخالفة فی هذه الإخبار غیر مخالفة العموم ، إن لم نقل بإنّها لیست من المخالفة عرفاً ، کیف؟ وصدور الأخبار المخالفة للکتاب بهذه المخالفة منهم : کثیرة جداً ، مع قوة احتمال أن یکون المراد إنّهم لا یقولون بغیر ما هو قول الله تبارک وتعالى واقعاً ـ وأنّ کان هو على خلافه ظاهراً ـ شرحاً لمرامه تعالى وبیاناً لمراده من کلامه ، فافهم.
والملازمة بین جواز التخصیص وجواز النسخ به ممنوعة ، وأنّ کان مقتضى القاعدة جوازهما ، لاختصاص النسخ بالإِجماع على المنع ، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعی إلى ضبطه ، ولذا قل الخلاف فی تعیین موارده ، بخلاف التخصیص.
فصل
لا یخفى أن الخاص والعام المتخالفین ، یختلف حالهما ناسخاً ومخصصاً ومنسوخاً ، فیکون الخاص : مخصصاً تارةً ، وناسخاً مرة ، ومنسوخاً أُخرى.
وذلک لأن الخاص إن کان مقارناً مع العام ، أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به ، فلا محیص عن کونه مخصصاً وبیاناً له.
وإن کان بعد حضوره کان ناسخاً لا مخصصاً ، لئلا یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة فیما إذا کان العام وارداً لبیان الحکم الواقعی ، وإلاّ لکان الخاص أیضاً مخصصاً له ، کما هو الحال فی غالب العمومات والخصوصات فی الآیات والروایات.
وإن کان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فکما یحتمل أن یکون الخاص مخصصاً للعام ، یحتمل أن یکون العام ناسخاً له ، وأنّ کان الأظهر أن یکون الخاص مخصصاً ، کثرة التخصیص ، حتى اشتهر ( ما من عام إلّا وقد خص ) مع قلة النسخ فی الأحکام جداً ، وبذلک یصیر ظهور الخاص فی 
 
الدوام ـ ولو کان بالإِطلاق ـ أقوى من ظهور العام ولو کان بالوضع ، کما لا یخفى ، هذا فیما علم تاریخهما.
وأما لو جهل وتردد بین أن یکون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره ، فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملیة.
وکثرة التخصیص وندرة النسخ هاهنا ، وأنّ کانا یوجبان الظن بالتخصیص أیضاً ، وإنّه واجد لشرطه إلحاقاً له بالغالب ، إلّا إنّه لا دلیل على اعتباره ، وإنما یوجبان الحمل علیه فیما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، لصیرورة الخاص لذلک فی الدوام اظهر من العام ، کما أشیر إلیه ، فتدبرّ جیداً.
ثم إن تعیّن الخاص للتخصیص ، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام ، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به ، إنّما یکون مبنیا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ فلا یتعین له ، بل یدور بین کونه مخصصاً (1) وناسخاً فی الأول ، ومخصصاً ومنسوخاً فی الثّانی ، إلّا أن الأظهر کونه مخصصاً ، وأنّ کان ظهور العام فی عموم الأفراد أقوى من ظهوره وظهور الخاص فی الدوام (2) ، لما أشیر إلیه من تعارف التخصیص وشیوعه ، وندرة النسخ جداً فی الأًحکام.
ولا بأس بصرف (3) الکلام إلى ما هو نخبة القول فی النسخ ، فاعلم أن
__________________
1 ـ لا یخفى أن کونه مخصصاً بمعنى کونه مبیناًبمقدار المرام عن العام ، وناسخاً بمعنى کون حکم العام غیر ثابت فی نفس الأمر فی مورد الخاص ، مع کونه مراداً ومقصوداً بالإِفهام فی مورده بالعام کسائر الأفراد ، وإلاّ فلا تفاوت بینهما عملاً أصلاً ، کما هو واضح لا یکاد یخفى ( منه 1 ).
2 ـ فی « ب » : ولو فیما کان ظهور العام فی عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاص فی الخصوص.
3 ـ فی « ب » : لصرف. 
 
النسخ وأنّ کان رفع الحکم الثابت إثباتاً ، إلا إنه فی الحقیقة دفع الحکم ثبوتاً ، وإنما اقتضت الحکمة إظهار دوام الحکم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ، مع إنّه بحسب الواقع لیس له قرار ، أو لیس له دوام واستمرار ، وذلک لأن النبی 9 الصادع للشرع ، ربما یلهم أو یوحى إلیه أن یظهر الحکم أو استمراره مع اطلاعه على حقیقة الحال ، وإنّه ینسخ فی الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه على ذلک ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى فی علمه تبارک وتعالى ، ومن هذا القبیل لعله یکون أمر إبراهیم بذبح إسماعیل.
وحیث عرفت أن النسخ بحسب الحقیقة یکون دفعا ، وأنّ کان بحسب الظاهر رفعا ، فلا بأس به مطلقاً ولو کان قبل حضور وقت العلم ، لعدم لزوم البداء المحال فی حقه تبارک وتعالى ، بالمعنى المستلزم لتغیر إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتاً وجهة ، ولا لزوم (1) امتناع النسخ أو الحکم المنسوخ ، فإن الفعل إن کان مشتملاً على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهی عنه ، وإلاّ امتنع الأمر به ، وذلک لأن الفعل أو دوامه لم یکن متعلقاً لإِرادته ، فلا یستلزم نسخ أمره بالنهی تغییر إرادته ، ولم یکن الأمر بالفعل من جهة کونه مشتملاً على مصلحة ، وإنما کان إنشاءً الأمر به أو إظهار دوامه عن حکمة ومصلحة.
وأما البداء فی التکوینیات (2) بغى ذاک المعنى ، فهو مما دلّ علیه الروایات المتواترات (3) ، کما لا یخفى. ومجمله أن الله تبارک وتعالى إذا تعلقت مشیته تعالى بإظهار ثبوت ما یمحوه ، لحکمة داعیة إلى إظهاره ، ألهم أو أوحى إلى نبیه أو ولیه أن یخبر به ، مع علمه بإنّه یمحوه ، أو مع عدم علمه به ، لما أشیر إلیه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى فی علمه ، وإنما یخبر به لأنه حال الوحی أو الالهام لارتقاء نفسه الزکیة ، واتصاله بعالم لوح المحو والإِثبات اطلع على
__________________
1 ـ فی بعضٍ النسخ المطبوعة : وإلاّ لزم.
2 ـ فی « ب » : التکوینات.
3 ـ الوافی : 1 / 112 ، باب البداء.  

 
ثبوته ، ولم یطلع على کونه معلقاً على [ أمر ] (1) غیر واقع ، أو عدم الموانع ، قال الله تبارک وتعالى : ( یَمْحُو اللَّهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ ) (2) الآیة ، نعم من شملته العنایة الإلهیة ، واتصلت نفسه الزکیة بعالم اللوح المحفوظ الذی [ هو ] من أعظم العوالم الربوبیة ، وهو أُم الکتاب ، یکشف عنده الواقعیات على ما هی علیها ، کما ربما یتفق لخاتم الأنبیاء ، ولبعض الاوصیاء ، کان عارفا بالکائنات (3) کما کانت وتکون.
نعم مع ذلک ، ربما یوحى إلیه حکم من الأحکام ، تارةً بما یکون ظاهراً فی الاستمرار والدوام ، معه إنّه فی الواقع له غایة وأمد یعینها (4) بخطاب آخر ، وأخرى بما یکون ظاهراً فی الجد ، مع إنّه لا یکون واقعاً بجد ، بل لمجرد الابتلاء والاختبار ، کما إنّه یؤمر وحیاً أو الهاماً بالإخبار بوقوع عذاب أو غیره مما لا یقع ، لأجل حکمة فی هذا الإخبار أو ذاک الإِظهار ، فبدا له تعالى بمعنى إنّه یظهر ما أمر نبیه أو ولیه بعدم إظهاره أولاً ، ویبدی ما خفی ثانیاً.
وإنما نسب إلیه تعالى البداء ، مع إنّه فی الحقیقة الابداء ، لکمال شباهة إبدائه تعالى کذلک بالبداء فی غیره ، وفیما ذکرنا کفایة فیما هو المهمّ فی باب النسخ ، ولا داعی بذکر تمام ما ذکروه فی ذاک الباب کما لا یخفى على أولی الالباب.
ثم لا یخفى ثبوت الثمرة بین التخصیص والنسخ ، ضرورة إنّه على التخصیص یبنى على خروج الخاص عن حکم العام رأساً ، وعلى النسخ ، على ارتفاع حکمه عنه من حینه ، فیما دار الأمر بینهما فی المخصص ، وأما إذا دار بینهما فی الخاص والعام ، فالخاص على التخصیص غیر محکوم بحکم العام أصلاً ، وعلى النسخ کان محکوماً به من حین صدور دلیله ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ الرعد : 39.
3 ـ فی « ب » : على الکائنات.
4 ـ فی « ب » : یتعینها.  

 
 

 
 
 
المقصد الخامس : فی المطلق والمقید والمجمل والمبین
فصل
عرف (1) المطلق بإنّه : ما دلّ على شائع فی جنسه ، وقد أشکل علیه بعضٍ الأعلام (2) ، بعدم الاطراد أو الانعکاس ، وأطال الکلام فی النقض والأبرام ، وقد نبهنا فی غیر مقام على أن مثله شرح الاسم ، وهو مما یجوز أن لا یکون بمطرد ولا بمنعکس ، فالأولى الاعراض عن ذلک ، ببیان ما وضع له بعضٍ الألفاظ التی یطلق علیها المطلق ، أو من غیرها مما یناسب المقام.
فمنها : اسم الجنس ، کإنسان ورجل وفرس وحیوان وسواد وبیاض إلى غیر ذلک من أسماء الکلیات من الجواهر والاعراض بل العرضیات ، ولا ریب إنّها موضوعة لمفاهیمها بما هی هی مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلاً ملحوظٍ معها ، حتى لحاظ إنّها کذلک.
وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شیء أصلاً الذی هو المعنى بشرط شیء ، ولو کان ذاک الشیء هو الإرسال والعموم البدلی ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شیء معه الذی هو
__________________
1 ـ هذا التعریف لأکثر الأصولیین على ما ذکره المحقق القمی ، القوانین 1 / 321 ، المطلق والمقید.
2 ـ المستشکل هو صاحب الفصول ، قال فی الفصول / 218 ، فی فصل ( المطلق ) : ویخرج بقولنا شیوعاً حکمیاً ... إلى أن قال : وقد أهملوا هذا القید فیرد ذلک على طردهم ... الخ.  

 
الماهیة اللابشرط القسمی ، وذلک لوضوح صدقها بما لها من المعنى ، بلا عنایة التجرید عما هو قضیة الاشتراط والتقیید فیها ، کما لا یخفى ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد ، وإن کان یعم کلّ واحد منها بدلاً أو استیعاباً ، وکذا المفهوم اللابشرط (1) القسمی ، فإنّه کلّی عقلی لا موطن له إلّا الذهن لا یکاد یمکن صدقه وانطباقه علیها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً ، فکیف یمکن أن یتحد معها ما لا وجود له إلّا ذهناً؟
ومنها : علم الجنس (2) کأُسامة ، والمشهور بین أهل العربیة إنّه موضوع للطبیعة لا بما هی هی ، بل بما هی متعینة بالتعین (3) الذهنی ولذا یعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعریف.
لکن التحقیق إنّه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شیء معه أصلاً کاسم الجنس ، والتعریف فیه لفظی ، کما هو الحال فی التأنیث اللفظی ، وإلاّ لما صحّ حمله على الأفراد بلا تصرف وتأویل ، لإنّه على المشهور کلی عقلی ، وقد عرفت إنّه لا یکاد صدقه علیها مع صحة حمله علیها بدون ذلک ، کما لا یخفى ، ضرورة أن التصرف فی المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قیده تعسف ، لا یکاد یکون بناءً القضایا المتعارفة علیه ، مع أن وضعه لخصوص معنى یحتاج إلى تجریده عن خصوصیته عند الاستعمال ، لا یکاد یصدر عن جاهل ، فضلاً عن الواضع الحکیم.
ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور إنّه على أقسام : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، على نحو الاشتراک بینها لفظاً أو معنى ، والظاهر أن الخصوصیة فی کلّ واحد من الأقسام من قبل خصوص
__________________
1 ـ فی ( أ ) : لا بالشرط.
2 ـ فی « ب » : للجنس.
3 ـ فی « ب » : بالتعیین. 
 
اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدَّد الدالّ والمدلول ، لا باستعمال المدخول لیلزم فیه المجاز أو الاشتراک ، فکان المدخول على کلّ حال مستعملاً فیما یستعمل فیه الغیر المدخول.
والمعروف أن اللام تکون موضوعة للتعریف ، ومفیدة للتعیین فی غیر العهد الذهنی ، وأنت خبیر بإنّه لا تعیّن فی تعریف الجنس إلّا الإِشارة إلى المعنى المتمیز بنفسه من بین المعانی ذهنا ، ولازمه أن لا یصحّ حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجرید ، ومعه لا فائدة فی التقیید ، مع أن التأویل والتصرف فی القضایا المتداولة فی العرف غیر خال عن التعسف. هذا.
مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إلیه ، بل لا بدّ من التجرید عنه وإلغائه فی الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل علیه ، کان لغوا ، کما أشرنا إلیه. فالظاهر أن اللام مطلقاً یکون للتزیین ، کما فی الحسن والحسین ، واستفادة الخصوصیات إنّما تکون بالقرائن التی لابد منها لتعینها على کلّ حال ، ولو قیل بإفادة اللام للاشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة علیه بتلک الخصوصیات لا حاجة إلى تلک الإِشارة ، لو لم تکن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جیداً.
وأما دلالة الجمع (1) المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول علیه ، فلا دلالة فیها على إنّها تکون لأجل دلالة اللام على التعین (2) ، حیث لا تعیّن إلّا للمرتبة المستغرقة لجمیع الأفراد ، وذلک لتعین المرتبة الأخرى ، وهی أقل مراتب الجمع ، کما لا یخفى.
فلا بدّ أن یکون دلالته علیه مستندة إلى وضعه کذلک لذلک ، لا إلى دلالة
__________________
1 ـ ردّ على صاحب الفصول ، الفصول / 169. التنبیه الأول.
2 ـ فی « ب » : التعیین. 

 
اللام على الإِشارة إلى المعین ، لیکون به التعریف ، وأنّ أبیت إلّا عن استناد الدلالة علیه إلیه ، فلا محیص عن دلالته على الاستغراق بلا توسیط الدلالة على التعیین ، فلا یکون بسببه تعریف إلّا لفظاً ، فتأمل جیداً.
ومنها : النکرة مثل ( رجل ) فی ( وجاء رجل من أقصى المدینة ) أو فی ( جئنی برجل ) ولا إشکال أن المفهوم منها فی الأوّل ، ولو بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، هو الفرد المعینّ فی الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غیر واحد من أفراد الرجل.
کما إنّه فی الثّانی ، هی الطبیعة المأخوذة مع قید الوحدة ، فیکون حصة من الرجل ، ویکون کلیاً ینطبق على کثیرین ، لا فرداً مرددا بین الأفراد (1).
وبالجملة : النکرة ـ أیّ [ ما ] بالحمل الشائع یکون نکرة عندهم ـ امّا هو فرد معیّن فی الواقع غیر معیّن للمخاطب ، أو حصة کلیة ، لا الفرد المردّد بین الأفراد ، وذلک لبداهة کون لفظ ( رجل ) فی ( جئنی برجل ) نکرة ، مع إنّه یصدق على کلّ من جیء به من الأفراد ولا یکاد یکون واحد منها هذا أو غیره ، کما هو قضیة الفرد المردّد ، لو کان هو المراد منها ، ضرورة أن کلّ واحد هو هو ، لا هو أو غیره ، فلابد أن تکون النکرة الواقعة فی متعلق الأمر ، هو الطبیعی المقید بمثل مفهوم الوحدة ، فیکون کلیاً قابلاً للانطباق ، فتأمل جیداً.
إذا عرفت ذلک ، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقیقة على اسم الجنس والنکرة بالمعنى الثّانی ، کما یصحّ لغة. وغیر بعید أن یکون جریهم فی هذا الإِطلاق على وفق اللغة ، من دون أن یکون لهم فیه اصطلاح على خلافها ، کما لا یخفى.
نعم لو صحّ ما نسب إلى المشهور ، من کون المطلق عندهم موضوعاً لما
__________________
1 ـ قال به صاحب الفصول ، الفصول / 163 ، فی صیغة العموم ، عند قوله : ومدلولها فرد من الجنس لا بعینه ... الخ. 
 
قید بالارسال والشمول البدلی ، لما کان ما أُرید منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق ، إلّا أن الکلام فی صدق النسبة ، ولا یخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القید غیر قابل ، فإن ماله من الخصوصیة ینافیه ویعانده ، بل (1) وهذا بخلافه بالمعنیین ، فإن کلاّ منهما له قابل ، لعدم انثلامهما بسببه أصلاً ، کما لا یخفى.
وعلیه لا یستلزم التقیید تجوزاً فی المطلق ، لإمکان إرادة معنى لفظه منه ، وإرادة قیده من قرینة حال أو مقال ، وإنما استلزمه لو کان بذاک المعنى ، نعم لو أُرید من لفظه المعنى المقید ، کان مجازاً مطلقاً ، کان التقیید بمتصل أو منفصل.
فصل
قد ظهر (2) لک إنّه لا دلالة لمثل ( رجل ) إلّا على الماهیة المبهمة وضعاً ، وأنّ الشیاع والسریان کسائر الطوارىء یکون خارجاً عما وضع له ، فلا بدّ فی الدلالة علیه من قرینة حال أو مقال أو حکمة ، وهی تتوقف على مقدمات :
أحدها : کون المتکلم فی مقام بیان تمام المراد ، لا الإِهمال أو الإِجمال.
ثانیتها : انتفاء ما یوجب التعیین.
ثالثتها : انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب ، ولو کان المتیقن بملاحظة الخارج عن ذاک المقام فی البین ، فإنّه غیر مؤثر فی رفع الإِخلال بالغرض ، لو کان بصدد البیان ، کما هو الفرض ، فإنّه فیما تحققت لو لم یرد الشیاع لأخلّ بغرضه ، حیث إنّه لم ینبه مع إنّه بصدده ، وبدونها لا یکاد یکون هناک إخلال به ، حیث لم یکن مع انتفاء الأُولى ، إلّا فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، ومع انتفاء الثانیة ، کان البیان بالقرینة ، ومع انتفاء الثالثة ،
__________________
1 ـ أثبتناها من « أ ».
2 ـ تقدم فی المقصد الخامس ، الفصل الأوّل / 243.  

 
لا إخلال بالغرض لو کان المتیقن تمام مراده ، فإن الفرض إنّه بصدد بیان تمامه ، وقد بینه ، لا بصدد بیان إنّه تمامه ، کی أخلّ ببیإنّه ، فافهم (1).
ثم لا یخفى علیک أن المراد بکونه فی مقام بیان تمام مراده ، مجرد بیان ذلک وإظهاره وإفهامه ، ولو لم یکن عن جد ، بل قاعدة وقانوناً ، لتکون حجة فیما لم تکن حجة أقوى على خلافه ، لا البیان فی قاعدة قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، فلا یکون الظفر بالمقید ـ ولو کان مخالفا ـ کاشفاً عن عدم کون المتکلم فی مقام البیان ، ولذا لا ینثلم به إطلاقه وصحة التمسک به أصلاً ، فتأمل جیداً.
وقد انقدح بما ذکرنا (2) أن النکرة فی دلالتها على الشیاع والسریان ـ أیضاً ـ تحتاج فیما لا یکون هناک دلالة حال أو مقال إلى (3) من مقدمات الحکمة ، فلا تغفل.
بقى شیء : وهو إنّه لا یبعد أن یکون الأصل فیما إذا شک فی کون المتکلم فی مقام بیان تمام المراد ، هو کونه بصدد بیإنّه ، وذلک لما جرت علیه سیرة أهل المحاورات من التمسک بالإطلاقات فیما إذا لم یکن هناک ما یوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ، ولذا ترى أن المشهور لا یزالون یتمسکون بها ، مع عدم إحراز کون مطلقها بصدد البیان ، وبُعد کونه لأجل ذهابهم إلى إنّها موضوعة للشیاع والسریان ، وأنّ کان ربما نسب ذلک إلیهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة إنّه لا وجه للتمسک بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه ، فتأمل جیداً.
__________________
1 ـ إشارة إلى إنّه لو کان بصدد بیان إنّه تمامه ما أخلّ ببیإنّه ، بعد عدم نصب قرینة على إرادة تمام الأفراد ، فإنّه بملاحظته یفهم أن المتیقن تمام المراد ، وإلاّ کان علیه نصب القرینة على إرادة تمامها ، وإلاّ قد أخلّ بغرضه ، نعم لا یفهم ذلک إذا لم یکن إلّا بصدد بیان أن المتیقن مراد ، لا بصدد بیان أن غیره مراد أو لیس بمراد ، قبالاً للاجمال والاهمال المطلقین ، فافهم فإنّه لا یخلو عن دقة ( منه أعلى الله مقامه ).
2 ـ فی صفحة 247 من هذا الکتاب.
3 ـ فی « أ » و « ب » : من.
 
ثم إنّه قد انقدح بما عرفت ـ من توقف حمل المطلق على الإِطلاق ، فیما لم یکن هناک قرینة حالیة أو مقالیة على قرینة الحکمة المتوقفة على المقدّمات المذکورة ـ إنّه لا إطلاق له فیما کان له الانصراف إلى خصوص بعضٍ الأفراد أو الأصناف ، لظهوره فیه ، أو کونه متیقنا منه ، ولو لم یکن ظاهراً فیه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب الانصراف ، کما إنّه منها ما لا یوجب ذا ولا ذاک ، بل یکون بدویاً زائلاً بالتأمل ، کما إنّه منها ما یوجب الاشتراک أو النقل.
لا یقال : کیف یکون ذلک ، وقد تقدم أن التقیید لا یوجب التجوز فی المطلق أصلاً؟
فإنّه یقال : مضافاً إلى إنّه إنّما قیل لعدم استلزامه له ، لا عدم إمکانه ، فإن استعمال المطلق فی المقید بمکان من الإِمکان ، إن کثرة إرادة المقید لدى إطلاق المطلق ولو بدالّ آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزیة أنس ، کما فی المجاز المشهور ، أو تعیناً (1) واختصاصاً به ، کما فی المنقول بالغلبة ، فافهم.
تنبیه : وهو إنّه یمکن أن یکون للمطلق جهات عدیدة ، کان وارداً فی مقام البیان من جهة منها ، وفی مقام الإِهمال أو الإِجمال من أُخرى ، فلابدّ فی حمله على الإِطلاق بالنسبة إلى جهة من کونه بصدد البیان من تلک الجهة ، ولا یکفی کونه بصدده من جهة أُخرى ، إلّا إذا کان بینهما ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادةً ، کما لا یخفى.
فصل
إذا ورد مطلق ومقید متنافیین ، فإمّا یکونان مختلفین فی الإِثبات والنفی ، وإمّا یکونان متوافقین ، فإن کانا مختلفین مثل ( أَعتق رقبة ) و ( لا
__________________
1 ـ فی « ب » : تعییناً.
 
تعتق رقبة کافرة ) فلا إشکال فی التقیید ، وأنّ کانا متوافقین ، فالمشهور فیهما الحمل والتقیید ، وقد استدل بإنّه جمع بین الدلیلین وهو أولى.
وقد أُورد علیه بإمکان الجمع على وجه آخر ، مثل حمل الأمر فی المقید على الاستحباب.
وأورد علیه بأن التقیید لیس تصرفاً فی معنى اللفظ ، وإنما هو تصرف فی وجه من وجوه المعنى ، اقتضاه تجرده عن القید ، مع تخیل وروده فی مقام بیان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على ما یصلح للتقیید نعلم وجوده على وجه الإِجمال ، فلا إطلاق فیه حتى یستلزم تصرفاً ، فلا یعارض ذلک بالتصرف فی المقید ، بحمل أمره على الاستحباب.
وأنت (1) خبیر بأن التقیید أیضاً یکون تصرفاً فی المطلق ، لما عرفت من أن الظفر بالمقید لا یکون کاشفاً عن عدم ورود المطلق فی مقام البیان ، بل عن عدم کون الإِطلاق الذی هو ظاهره بمعونة الحکمة ، بمراد جدّی ، غایة الأمر أن التصرف فیه بذلک لا یوجب التجوز فیه ، مع أن حمل الأمر فی المقید على الاستحباب لا یوجب تجوزاً فیه ، فإنّه فی الحقیقة مستعمل فی الإِیجاب ، فإن المقید إذا کان فیه ملاک الاستحباب ، کان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحباً فعلاً ، ضرورة أن ملاکه لا یقتضی استحبابه إذا اجتمع مع ما یقتضی وجوبه.
نعم ، فیما إذا کان إحراز کون المطلق فی مقام البیان بالأصل ، کان من التوفیق بینهما ، حمله على إنّه سیق فی مقام الإِهمال على خلاف مقتضى الأصل ، فافهم. ولعل وجه التقیید کون ظهور إطلاق الصیغة فی الإِیجاب التعیینی أقوى من ظهور المطلق فی الإِطلاق.
__________________
1 ـ ردّ على الشیخ ( قده ) فی انتصاره لدلیل المشهور ، مطارح الأنظار / 220. 
 
وربما یشکل بإنّه یقتضی التقیید فی باب المستحبات ، مع أن بناءً المشهور على حمل الأمر بالمقید فیها على تأکدّ الاستحباب ، اللهم إلّا أن یکون الغالب فی هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب (1) المحبوبیة ، فتأمل.
أو إنّه کان بملاحظة التسامح فی أدلة المستحبات ، وکان عدم رفع الید من دلیل استحباب المطلق بعد مجیء دلیل المقید ، وحمله على تأکدّ استحبابه ، من التسامح (2) فیها.
ثم إن الظاهر إنّه لا یتفاوت فیما ذکرنا بین المثبتین والمنفیین بعد فرض کونهما متنافیین ، کما لا یتفاوتان فی استظهار التنافی بینهما من استظهار اتحاد التکلیف ، من وحدة السبب وغیره (3) ، من قرینة حال أو مقال حسبما یقتضیه النظر ، فلیتدبر.
تنبیه : لا فرق فیما ذکر من الحمل فی المتنافیین ، بین کونهما فی بیان الحکم التکلیفی ، وفی بیان الحکم الوضعی ، فإذا ورد مثلاً : إن البیع سبب ، وأنّ البیع الکذائی سبب ، وعلم أن مراده امّا البیع على إطلاقه ، أو البیع الخاص ، فلابد من التقیید لو کان ظهور دلیله فی دخل القید أقوى من ظهور دلیل الإِطلاق فیه ، کما هو لیس ببعید ، ضرورة تعارف ذکر المطلق وإرادة المقید بخلاف العکس بالغاء القید ، وحمله على إنّه غالبی ، أو على وجه آخر ، فإنّه على خلاف المتعارف.
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : المراتب ، والصواب ما أثبتناه.
2 ـ ولا یخفى إنّه لو کان حمل المطلق على المقید جمعاً عرفیاً ، کان قضیته عدم الاستحباب إلّا للمقید ، وحینئذ إن کان بلوغ الثواب صادقا على المطلق کان استحبابه تسامحیاً ، وإلاّ فلا استحباب له أصلاً ، کما لا وجه ـ بناءً على هذا الحمل وصدق البلوغ ـ یؤکد الاستحباب فی المقید ، فافهم ( منه 1 ).
3 ـ تعریض بصاحب المعالم والمحقق القمی ، حیث اعتبرا وحدة السبب فی عنوان البحث ، معالم الدین / 155 ، القوانین 1 / 322. 
 
 
تبصرة لا تخلو من تذکرة ، وهی : إن قضیة مقدمات الحکمة فی المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات ، فإنّها تارةً یکون حملها على العموم البدلی ، وأخرى على العموم الاستیعابی ، وثالثة على نوع خاص مما ینطبق علیه حسب اقتضاء خصوص المقام ، واختلاف الآثار والاحکام ، کما هو الحال فی سائر القرائن بلا کلام.
فالحکمة فی إطلاق صیغة الأمر تقتضی أن یکون المراد خصوص الوجوب التعیینی العینی النفسی ، فإن إرادة غیره تحتاج إلى مزید بیان ، ولا معنى لارادة الشیاع فیه ، فلا محیص عن الحمل علیه فیما إذا کان بصدد البیان ، کما إنّها قد تقتضی العموم الاستیعابی ، کما فی ( أحل الله البیع ) إذ إرادة البیع مهملاً أو مجملاً ، تنافی ما هو المفروض من کونه بصدد البیان ، وإرادة العموم البدلی لا یناسب المقام ، ولا مجال لاحتمال إرادة بیع اختاره المکلف ، أیّ بیع کان ، مع إنّها تحتاج إلى نصب دلالة علیها ، لا یکاد یفهم بدونها من الإِطلاق ، ولا یصحّ قیاسه على ما إذا أخذ فی متعلق الأمر ، فإن العموم الاستیعابی لا یکاد یمکن إرادته ، وإرادة غیر العموم البدلی ، وأنّ کانت ممکنة ، إلّا إنّها منافیة للحکمة ، وکون المطلق بصدد البیان.
فصل
فی المجمل والمبینّ
والظاهر أن المراد من المبینّ فی موارد إطلاقه ، الکلام الذی له ظاهر ، ویکون بحسب متفاهم العرف قالباً لخصوص معنى ، والمجمل بخلافه ، فما لیس له ظهور مجمل وأنّ علم بقرینة خارجیة ما أُرید منه ، کما أن ماله الظهور مبین وإن علم بالقرینة الخارجیة إنّه ما أُرید ظهوره وإنّه مؤول ، ولکل منهما فی الآیات والروایات ، وإن کان أفراد کثیرة لا تکاد تخفى ، إلّا أن لهما أفراد مشتبهة وقعت محلّ البحث والکلام للأعلام ، فی إنّها من أفراد أیهما؟ کآیة
 
 
السرقة (1) ، ومثل ( حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهَاتُکُمْ ) (2) و ( أُحِلَّتْ لَکُم بَهِیمَةُ الْأَنْعَامِ ) (3) مما أُضیف التحلیل إلى الاعیان ومثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) (4).
ولا یذهب علیک أن إثبات الإِجمال أو البیان لا یکاد یکون بالبرهان ، لما عرفت من أن ملاکهما أن یکون للکلام ظهور ، ویکون قالباً لمعنى ، وهو مما یظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمل.
ثم لا یخفى إنّهما وصفان إضافیان ، ربما یکون مجملاً عند واحد ، لعدم معرفته بالوضع ، أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لدیه ، ومبیّناً لدى الآخر ، لمعرفته وعدم التصادم بنظره ، فلا یهمنا التعرض لموارد الخلاف والکلام والنقض والأبرام فی المقام ، وعلى الله التوکل وبه الاعتصام.
__________________
1 ـ المائدة : 38.
2 ـ النساء : 23.
3 ـ المائدة : 1.
4 ـ الفقیة : 1 / 35 الباب 14 فی من ترک الوضوء أو بعضه أو شک فیه.
 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی