منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت سوم

القضاء بطریق أولى ، نعم لو دلّ دلیله على أن سببه فوت الواقع ، ولو لم یکن هو فریضة ، کان القضاء واجباً علیه ، لتحقق سببه ، وأنّ أتى بالفرض لکنه مجرد الفرض.
المقام الثّانی : فی إجزاء الإِتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری وعدمه.
والتحقیق : أن ما کان منه یجری فی تنقیح ما هو موضوع التکلیف وتحقیق متعلقه ، وکان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره ، کقاعدة الطهارة أو الحلیة ، بل واستصحابهما فی وجه قوی ، ونحوها بالنسبة إلى کلّ ما اشترط بالطهارة أو الحلیة یجری ، فإن دلیله یکون حاکماً على دلیل الاشتراط ، ومبیّناً لدائرة الشرط ، وإنّه أعم من الطهارة الواقعیة والظاهریة ، فانکشاف الخلاف فیه لا یکون موجباً لانکشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إلیه یکون من قبیل ارتفاعه من حین ارتفاع الجهل ، وهذا بخلاف ما کان منها بلسان إنّه ما هو الشرط واقعاً ، کما هو لسان الأمارات ، فلا یجزئ ، فإن دلیل حجیته حیث کان بلسان إنّه واجد لما هو شرطه الواقعی ، فبارتفاع الجهل ینکشف إنّه لم یکن کذلک ، بل کان لشرطه فاقداً (1). هذا على ما هو الأظهر الأقوى فی الطرق والامارات ، من أن حجیتها لیست بنحو السببیة.
وأما بناءً علیها ، وأنّ العمل بسبب أداءً أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره ، یصیر حقیقة صحیحاً کإنّه واجد له ، مع کونه فاقده ، فیجزئ لو کان الفاقد معه ـ فی هذا الحال ـ کالواجد فی کونه وافیاً بتمام الغرض ، ولا یجزئ لو لم یکن کذلک ، ویجب الإِتیان بالواجد لاستیفاء الباقی ـ إن وجب ـ وإلاّ لاستحب. هذا مع إمکان استیفائه ، وإلاّ فلا مجال لاتیإنّه ، کما عرفت فی الأمر الاضطراری.
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : فاقد. 
 
ولا یخفى أن قضیة إطلاق دلیل الحجیة ـ على هذا ـ هو الاجتزاء بموافقته أیضاً ، هذا فیما إذا أحرز أن الحجیة بنحو الکشف والطریقیة ، أیّ بنحو الموضوعیة والسببیة.
وأما إذا شک [ فیها ] (1) ولم یحرز إنّها على أیّ الوجهین ، فأصالة عدم الإِتیان بما یسقط معه التکلیف مقتضیة للاعادة فی الوقت ، واستصحاب عدم کون التکلیف بالواقع فعلّیاً فی الوقت لا یجدی ، ولا یثبت کون ما أتى به مسقطاً ، إلّا على القول بالأصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما یشک فی فراغها عنه بذلک المأتی.
وهذا بخلاف ما إذا علم إنّه مأمور به واقعاً ، وشک فی إنّه یجزئ عما هو المأمور به الواقعی الأولی ، کما فی الأوامر الاضطراریة أو الظاهریة ، بناءً على أن یکون الحجیة على نحو السببیة ، فقضیة الأصل فیها ـ کما أشرنا إلیه ـ عدم وجوب الإِعادة ، للاتیان بما اشتغلت به الذمة یقیناً ، وأصالة عدم فعلیة التکلیف الواقعی بعد رفع الاضطرار وکشف الخلاف.
وأما القضاء فلا یجب بناءً على إنّه فرض جدید ، وکان الفوت المعلّق علیه وجوب لا یثبت بأصالة عدم الإِتیان ، إلّا على القول بالأصل المثبت ، وإلاّ فهو واجب ، کما لا یخفى على المتأمل ، فتأمل جیداً.
ثم إن هذا کله فیما یجری فی متعلق التکالیف ، من الأمارات الشرعیة و الأصول العملیة.
وأما ما یجری فی إثبات أصل التکلیف ، کما إذا قام الطریق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة یومها فی زمان الغیبة ، فانکشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر فی زمإنّها ، فلا وجه لاجزائها مطلقاً ، غایة الأمر أن تصیر صلاة الجمعة فیها ـ أیضاً ـ ذات مصلحة لذلک ، ولا ینافی هذا بقاء صلاة الظهر على ما هی علیه من المصلحة ، کما لا یخفى ، إلّا أن یقوم دلیل بالخصوص على عدم وجوب صلاتین فی یوم واحد.
__________________
1 ـ أثبتناها من « أ ». 
 
 
تذنیبان :
الأول : لا ینبغی توهّم الإِجزاء فی القطع بالأمر فی صورة الخطأ ، فإنّه لا یکون موافقة للأمر فیها ، وبقی الأمر بلا موافقة أصلاً ، وهو أوضح من أن یخفى ، نعم ربما یکون ما قطع بکونه مأموراً به مشتملاً على المصلحة فی هذا الحال ، أو على مقدار منها ، ولو فی غیر الحال ، غیر ممکن مع استیفائه استیفاء الباقی منها ، ومعه لا یبقى مجال لامتثال الأمر الواقعی ، وهکذا الحال فی الطرق ، فالإجزاء لیس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعی أو الطریقی للإِجزاء ـ بل إنّما هو لخصوصیة اتفاقیة فی متعلقهما ، کما فی الإتمام والقصر ، والإِخفات والجهر.
الثانی : لا یذهب علیک أن الإِجزاء فی بعضٍ موارد الأصول والطرق والامارات ، على ما عرفت تفصیله ، لا یوجب التصویب المجمع على بطلإنّه فی تلک الموارد ، فإن الحکم الواقعی بمرتبته محفوظ فیها ، فإن الحکم المشترک بین العالم والجاهل والملتفت والغافل ، لیس إلّا الحکم الإنشائی المدلول علیه بالخطابات المشتملة على بیان الأحکام للموضوعاًت بعناوینها الأولیة ، بحسب ما یکون فیها من المقتضیات ، وهو ثابت فی تلک الموارد کسائر موارد الأمارات ، وإنما المنفی فیها لیس إلّا الحکم الفعلّی البعثی ، وهو منفی فی غیر موارد الإصابة ، وأنّ لم نقل بالإجزاء ، فلا فرق بین الإِجزاء وعدمه ، إلّا فی سقوط التکلیف بالواقع بموافقة الأمر الظاهری ، وعدم سقوطه بعد انکشاف عدم الإصابة ، وسقوط التکلیف بحصول غرضه ، أو لعدم إمکان تحصیله غیر التصویب المجمع على بطلإنّه ، وهو خلو الواقعة عن الحکم غیر ما أدت إلیه الامارة ، کیف؟ وکان الجهل بها ـ بخصوصیتها أو بحکمها ـ مأخوذاً فی موضوعها ، فلا بد من أن یکون الحکم الواقعی بمرتبته محفوظاً فیها ، کما لا یخفى. 
 
فصل
فی مقدّمة الواجب
وقبل الخوض فی المقصود ، ینبغی رسم أمور :
الأول : الظاهر أن المهم المبحوث عنه فی هذه المسألة ، البحث عن الملازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدمته ، فتکون مسألة أُصولیة ، لا عن نفس وجوبها ، کما هو المتوهم من بعضٍ العناوین (1) ، کی تکون فرعیة ، وذلک لوضوح أن البحث کذلک لا یناسب الأُصولی ، والاستطراد لا وجه له ، بعد إمکان أن یکون البحث على وجه تکون عن المسائل الأصولیة.
ثم الظاهر أیضاً أن المسألة عقلیة ، والکلام فی استقلال العقل بالملازمة وعدمه ، لا لفظیة کما ربما یظهر من صاحب المعالم (2) ، حیث استدل على النفی بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافاً إلى إنّه ذکرها فی مباحث الألفاظ ، ضرورة (3) إنّه إذا کان نفس الملازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدمته ثبوتاً محلّ الإِشکال ، فلا مجال لتحریر النزاع فی الإِثبات والدلالة علیها بإحدى الدلالات الثلاث ، کما لا یخفى.
الأمر الثّانی : إنّه ربما تقسم المقدمة إلى تقسیمات :
منها : تقسیمها إلى [ ال ] داخلیة وهی الإِجزاء المأخوذة فی الماهیة المأمور بها ، والخارجیة وهی الأمور الخارجة عن ماهیته مما لا یکاد یوجد بدونه.
__________________
1 ـ کما فی حاشیة القزوینی (ره) على القوانین.
وربما یتوهم من عنوان البدائع ، البدائع / 296 عند قوله أحدهما ... فی آخر الصفحة.
2 ـ معالم الدین فی الأصول / 61 ، فی مقدّمة الواجب.
3 ـ اشارة إلى ما اورده صاحب التقریرات على صاحب المعالم مطارح الأنظار / 37 ، فی مقدّمة الواجب.
 
وربما یشکل (1) فی کون الإِجزاء مقدّمة له وسابقة علیه ، بأن المرکب لیس إلّا نفس الأجزاء بأسرها.
والحل : إن المقدمة هی نفس الإِجزاء بالأسر ، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع ، فیحصل المغایرة بینهما.
وبذلک ظهر إنّه لابد فی اعتبارٍ الجزئیة أخذ الشیء بلا شرط ، کما لابد فی اعتبارٍ الکلیة من اعتبارٍ اشتراط الاجتماع.
وکون الإِجزاء الخارجیة کالهیولى والصورة ، هی الماهیة المأخوذة بشرط لا ینافی ذلک ، فإنّه إنّما یکون فی مقام الفرق بین نفس الإِجزاء الخارجیة والتحلیلیة ، من الجنس والفصل ، وأنّ الماهیة إذا أخذت بشرط لا تکون هیولى أو صورة ، وإذا أخذت لا بشرط تکون جنساً أو فصلاً ، لا بالإضافة إلى المرکب ، فافهم.
ثم لا یخفى إنّه ینبغی خروج الأجزاء عن محلّ النزاع ، کما صرح به بعضٍ (2) وذلک لما عرفت من کون الإِجزاء بالأسر عین المأمور به ذاتاً ، وإنما کانت المغایرة بینهما اعتباراً ، فتکون واجبة بعین وجوبه ، ومبعوثاً إلیها بنفس الأمر الباعث إلیه ، فلا تکاد تکون واجبة بوجوب آخر ، لامتناع اجتماع المثلین ، ولو قیل بکفایة تعدَّد الجهة ، وجواز اجتماع الأمر والنهی معه ، لعدم تعددها ها هنا ، لأن الواجب بالوجوب الغیری ، لو کان إنّما هو نفس الإِجزاء ، لا عنوان مقدمیتها والتوسل بها إلى المرکب المأمور به ؛ ضرورة أن الواجب بهذا الوجوب ما کان بالحمل الشائع مقدّمة ، لإنّه المتوقف علیه ، لا عنوإنّها ، نعم یکون هذا العنوان علّة لترشح الوجوب على المعنون.
__________________
1 ـ هو المحقق صاحب حاشیة المعالم. هدایة المسترشدین/ 216.
2 ـ وهو سلطان العلماء کما فی بدائع الأفکار / 299. 
 
فانقدح بذلک فساد توهّم اتصاف کلّ جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسی والغیری ، باعتبارین ، فباعتبار کونه فی ضمن الکلّ واجب نفسی ، وباعتبار کونه مما یتوسل به إلى الکلّ واجب غیری ، اللهم إلّا أن یرید أن فیه ملاک الوجوبین ، وأنّ کان واجباً بوجوب واحد نفسی لسبقه ، فتأمل (1). هذا کله فی المقدمة الداخلیة.
وأما المقدمة الخارجیة ، فهی ما کان خارجاً عن المأمور به ، وکان له دخل فی تحققه ، لا یکاد یتحقق بدونه ، وقد ذکر لها أقسام ، وأطیلَ الکلامُ فی تحدیدها بالنقض والأبرام ، إلّا إنّه غیر مهم فی المقام.
ومنها : تقسیمها إلى العقلیة والشرعیة والعادیة :
فالعقلیة هی (2) ما استحیل واقعاً وجود ذی المقدمة بدونه.
والشرعیة على ما قیل : ما استحیل وجوده بدونه شرعاً ، ولکنه لا یخفى رجوع الشرعیة إلى العقلیة ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون مستحیلاً ذلک شرعاً ، إلّا إذا أخذ فیه شرطاً وقیدا ، واستحالة المشروط والمقید بدون شرطه وقیده ، یکون عقلّیاً.
وأما العادیة ، فإن کانت بمعنى أن یکون التوقف علیها بحسب العادة ، بحیث یمکن تحقق ذیها بدونها ، إلّا أن العادة جرت على الإِتیان به بواسطتها ، فهی وأنّ کانت غیر راجعة إلى العقلیة ، إلّا إنّه لا ینبغی توهّم دخولها فی محلّ النزاع.
__________________
1 ـ وجهه : إنّه لا یکون فیه أیضاً ملاک الوجوب الغیری ، حیث إنّه لا وجود له غیر وجوده فی ضمن الکلّ یتوقف على وجوده ، وبدونه لا وجه لکونه مقدّمة ، کی یجب بوجوبه أصلاً ، کما لا یخفى. وبالجملة : لا یکاد یجدی تعدَّد الاعتبار الموجب للمغایرة بین الإِجزاء والکل فی هذا الباب ، وحصول ملاک وجوب الغیری المترشح من وجوب ذی المقدمة علیها ، لو قیل بوجوبها ، فافهم ( منه 1 ).
2 ـ فی « أ و ب » فهی. 
 
وإن کانت بمعنى أن التوقف علیها وأنّ کان فعلاً واقعیاً ، کنصب السلم ونحوه للصعود على السطح ، إلّا إنّه لأجل عدم التمکن من الطیران الممکن عقلاً فهی أیضاً راجعة إلى العقلیة ، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلاً لغیر الطائر فعلاً ، وأنّ کان طیرإنّه ممکناً ذاتاً ، فافهم.
ومنها : تقسیمها إلى مقدّمة الوجود ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة الوجوب ، ومقدمة العلم.
لا یخفى رجوع مقدّمة الصحة إلى مقدّمة الوجود ، ولو على القول بکون الاسامی موضوعة للأعم ، ضرورة أن الکلام فی مقدّمة الواجب ، لا فی مقدّمة المسمى بأحدها ، کما لا یخفى.
ولا إشکال فی خروج مقدّمة الوجوب عن محلّ النزاع ، وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها ، وکذلک المقدمة العلمیة ، وأنّ استقل العقل بوجوبها ، إلّا إنّه من باب وجوب الإطاعة إرشاداً لیؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز ، لا مولویاً من باب الملازمة ، وترشح الوجوب علیها من قبل وجوب ذی المقدمة.
ومنها : تقسیمها إلى المتقدم ، والمقارن ، والمتأخر ، بحسب الوجود بالإضافة إلى ذی المقدمة.
وحیث إنّها کانت من أجزاء العلة ، ولابدّ من تقدمها بجمیع أجزائها على المعلول أشکل الأمر فی المقدمة المتأخرة ، کالأغسال اللیلیة المعتبرة فی صحة صوم المستحاضة عند بعضٍ ، والاجازة فی صحة العقد على الکشف کذلک ، بل فی الشرط أو المقتضی المتقدم على المشروط زماناً المتصرم حینه ، کالعقد فی الوصیة والصرف والسلم ، بل فی کلّ عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه ، لتصرمها حین تأثیره ، مع ضرورة اعتبارٍ مقارنتها معه زماناً ، فلیس إشکال انخرام القاعدة العقلیة مختصاً بالشرط المتأخر فی 
 
الشرعیات ـ کما اشتهر فی الألسنة ـ بل یعم الشرط والمقتضی المتقدّمین المتصرَّمین حین الاثر.
والتحقیق فی رفع هذا الإِشکال أن یقال : إن الموارد التی توهّم انخرام القاعدة فیها ، لا تخلو امّا یکون المتقدم أو المتأخر شرطاً للتکلیف ، أو الوضع ، أو المأمور به.
أما الأوّل : فکون أحدهما شرطاً له ، لیس إلّا أن للحاظه دخلاً فی تکلیف الأمر ، کالشرط المقارن بعینه ، فکما أن اشتراطه بما یقارنه لیس إلّا أن لتصوره دخلاً فی أمره ، بحیث لولاه لما کاد یحصل له الداعی إلى الأمر ، کذلک المتقدم أو المتأخر.
وبالجملة : حیث کان الأمر من الأفعال الاختیاریة ، کان من مبادئه بما هو کذلک تصور الشیء بأطرافه ، لیرغب فی طلبه والأمر به ، بحیث لولاه لما رغب فیه ولما أراده واختاره ، فیسمى کلّ واحد من هذه الأطراف التی لتصورها دخل فی حصول الرغبة فیه وإرادته شرطاً ، لأجل دخل لحاظه فی حصوله ، کان مقارناً له أو لم یکن کذلک ، متقدما أو متأخراً ، فکما فی المقارن یکون لحاظه فی الحقیقة شرطاً ، کان فیهما کذلک ، فلا إشکال ، وکذا الحال فی شرائط الوضع مطلقاً ولو کان مقارناً ، فإن دخل شیء فی الحکم به وصحة انتزاعه لدى الحاکم به ، لیس إلّا ما کان بلحاظه یصحّ انتزاعه ، وبدونه لا یکاد یصحّ اختراعه عنده ، فیکون دخل کلّ من المقارن وغیره بتصوره ولحاظه وهو مقارن ، فأین انخرام القاعدة العقلیة فی غیر المقارن؟ فتأمل تعرف.
وأما الثّانی : فکون شیء شرطاً للمأمور به لیس إلّا ما یحصل لذات المأمور به بالإضافة إلیه وجه وعنوان ، به یکون حسناً أو متعلقاً للغرض ، بحیث لولاها لما کان کذلک ، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات ، مما لا شبهة فیه ولا شک یعتریه ، والاضافة کما تکون إلى المقارن تکون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفى على المتأمل ، فکما تکون إضافة شیء إلى مقارن له موجباً لکونه 
 
معنونا بعنوان ، یکون بذلک العنوان حسناً و متعلقاً للغرض ، کذلک إضافته إلى متأخَّر أو متقدم ، بداهة أن الاضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلک أیضاً ، فلو لا حدوث المتأخر فی محله ، لما کانت للمتقدم تلک الاضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به ، کما هو الحال فی المقارن أیضاً ، ولذلک أطلق علیه الشرط مثله ، بلا انخرام للقاعدة أصلاً ، لأن المتقدم أو المتأخر کالمقارن لیس إلّا طرف الاضافة الموجبة للخصوصیة الموجبة للحسن ، وقد حقق فی محله إنّه بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح إنّها تکون بالإضافات.
فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخر ، وقد عرفت أن إطلاقه علیه فیه ، کإطلاقه على المقارن ، إنّما یکون لأجل کونه طرفا للاضافة الموجبة للوجه ، الذی یکون بذاک الوجه مرغوباً ومطلوباً ، کما کان فی الحکم لأجل دخل تصوره فیه ، کدخل تصور سائر الأطراف والحدود ، التی لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة فی التکلیف ، أو لما صحّ عنده الوضع.
وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال فی دفع هذا الإِشکال ، فی بعضٍ فوائدنا (1) ، ولم یسبقنی إلیه أحد فیما أعلم ، فافهم واغتنم.
ولا یخفى إنّها بجمیع أقسامها داخلة فی محلّ النزاع ، وبناء على الملازمة یتصف اللاحق بالوجوب کالمقارن والسابق ، إذ بدونه لا تکاد تحصل الموافقة ، ویکون سقوط الأمر بإتیان المشروط به مراعى بإتیإنّه ، فلولا اغتسالها فی اللیل ـ على القول بالاشتراط ـ لما صحّ الصوم فی الیوم.
الأمر الثالث : فی تقسیمات الواجب
منها : تقسیمه إلى المطلق والمشروط.
__________________
1 ـ تعلیقة المصنف على فرائد الأصول ، کتاب الفوائد / 302 ، فائدة فی تقدم الشرط على المشروط. 
 
وقد ذکر لکلّ منهما تعریفات وحدود ، تختلف بحسب ما أخذ فیها من القیود.
وربما أطیل الکلام بالنقض والأبرام (1) فی النقض على الطرد والعکس ، مع إنّها ـ کما لا یخفى ـ تعریفات لفظیة لشرح الاسم ، ولیست بالحد ولا بالرسم.
والظاهر إنّه لیس لهم اصطلاح جدید فی لفظ المطلق والمشروط ، بل یطلق کلّ منهما بماله من معناه العرفی ، کما أن الظاهر أن وصفی الإِطلاق والاشتراط ، وصفان إضافیان لا حقیقیان ، وإلاّ لم یکد یوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب کلّ واجب ببعض الأمور ، لا أقل من الشرائط العامة ، کالبلوغ والعقل.
فالحری أن یقال : إن الواجب مع کلّ شیء یلاحظ معه ، إن کان وجوبه غیر مشروط به ، فهو مطلق بالإضافة إلیه ، وإلاّ فمشروط کذلک ، وأنّ کانا بالقیاس إلى شیء آخر کانا بالعکس.
ثم الظاهر أن الواجب المشروط کما أشرنا إلیه ، أن نفس الوجوب فیه مشروط بالشرط ، بحیث لا وجوب حقیقة ، ولا طلب واقعاً قبل حصول الشرط ، کما هو ظاهر الخطاب التعلیقی ، ضرورة أن ظاهر خطاب ( إن جاءک زید فأکرمه ) کون الشرط من قیود الهیئة ، وأنّ طلب الإکرام وإیجابه معلق على المجیء ، لا أن الواجب فیه یکون مقیداً به ، بحیث یکون الطلب والإِیجاب فی الخطاب فعلّیاً ومطلقاً ، وإنما الواجب یکون خاصاً ومقیدا ، وهو الإکرام على تقدیر المجیء ، فیکون الشرط من قیود المادة لا الهیئة ، کما نسب ذلک إلى شیخنا العلامة (2) أعلى الله مقامه ، مدعیاً لامتناع کون الشرط من قیود الهیئة
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 43 ، الفصول / 79 ، هدایة المسترشدین / 192 ، قوانین الأصول 1 / 100 ، البدائع / 304.
2 ـ مطارح الأنظار / 45 ـ 46 و 52 ، فی مقدّمة الواجب.
هو الشیخ مرتضى بن محمد امین الدزفولی الانصاری النجفی ، ولد فی دزفول 1214 ، قرأ أوائل أمره على عمه الشیخ حسین ثم خرج مع والده إلى زیارة مشاهد العراق وهو فی العشرین من عمره ، بقی فی کربلاء آخذا عن الاستاذین السید محمد مجاهد وشریف العلماء أربع
 
واقعا ، ولزوم کونه من قیود المادة لبّاً ، مع الاعتراف بأن قضیة القواعد العربیة إنّه من قیود الهیئة ظاهراً.
أما امتناع کونه من قیود الهیئة ، فلإنّه لا إطلاق فی الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهیئة ، حتى یصحّ القول بتقییده بشرط ونحوه ، فکل ما یحتمل رجوعه إلى الطلب الذی یدلّ علیه الهیئة ، فهو عند التحقیق راجع إلى نفس المادة.
وأما لزوم کونه من قیود المادة لبّاً ، فلان العاقل إذا توجه إلى شیء والتفت إلیه ، فإما أن یتعلق طلبه به ، أو لا یتعلق به طلبه أصلاً ، لا کلام على الثانی.
وعلى الأوّل : فإما أن یکون ذاک الشیء مورداً لطلبه وأمره مطلقاً على اختلاف طوارئه ، أو على تقدیر خاص ، وذلک التقدیر ، تارةً یکون من الأمور الاختیاریة ، وأخرى لا یکون کذلک ، وما کان من الأمور الاختیاریة ، قد یکون مأخوذاً فیه على نحو یکون مورداً للتکلیف ، وقد لا یکون کذلک ، على اختلاف الاغراض الداعیة إلى طلبه والأمر به ، من غیر فرق فی ذلک بین القول بتبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد ، والقول بعدم التبعیة ، کما لا یخفى. هذا موافق لما أفاده بعضٍ الأفاضل (1) المقرر لبحثه بأدنى تفاوت.
__________________
سنوات ، ثم عاد إلى وطنه ، ثم رجع إلى العراق واخذ من الشیخ موسى الجعفری سنتین ، عزم زیارة مشهد خراسان ماراً فی طریقه على کاشان ، فاز بلقاء استاذه النراقی مما دعاه إلى الاقامة فیها نحو ثلاث سنین ، ورد دزفول سنة 1214 ثم عاد إلى النجف الاشرف سنة 1249 فاختلف إلى مدرسة الشیخ علی بن الشیخ جعفر ، ثم انتقل بالتدریس والتالیف ، ووضع اساس علم الأصول الحدیث ، تخرّج علیه المیرزا الشیرازی والمیرزا حبیب الله الرشتی وغیرهما له مؤلفات منها « الرسائل » فی الأصول و « المکاسب » انتهت إلیه رئاسة الامامیة. توفی فی 18 جمادی الاخرة سنة 1281 ودفن فی المشهد الغروی ( اعیان الشیعة 10 / 117 ).
1 ـ هو العلامة المیرزا أبو القاسم النوری (ره) ، على ما فی مطارح الأنظار ، کما تقدم آنفاً. 
 
ولا یخفى ما فیه. امّا حدیث عدم الإِطلاق فی مفاد الهیئة ، فقد حققناه سابقاً (1) ، إن کلّ واحد من الموضوع له والمستعمل فیه فی الحروف یکون عاماً کوضعها ، وإنما الخصوصیة من قبل الاستعمال کالاسماء ، وإنما الفرق بینهما إنّها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هوهو ، و وضعیت لتستعمل وقصد بما معانیها بما هی آلة وحالة لمعانی المتعلقات ، فلحاظ الآلیة کلحاظ الاستقلالیة لیس من طوارئ المعنى ، بل من مشخصات الاستعمال ، کما لا یخفى على أولی الدرایة والنهى. فالطلب المفاد من الهیئة المستعملة فیه مطلق ، قابل لأن یقید.
مع إنّه لو سلّم إنّه فرد ، فانما یمنع عن التقید لو اُنشىء أولاً غیر مقید ، لا ما إذا اُنشىء من الأوّل مقیداً ، غایة الأمر قد دلّ علیه بدالین ، وهو غیر إنشائه أولاً ثم تقییده ثانیاً ، فافهم.
فإن قلت : على ذلک ، یلزم تفکیک الانشاء من المنشأ ، حیث لا طلب قبل حصول الشرط.
قلت : المنشأ إذا کان هو الطلب على تقدیر حصوله ، فلابد أن لا یکون قبل حصوله طلب وبعث ، وإلاّ لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر على تقدیر کالإخبار به بمکان من الإِمکان ، کما یشهد به الوجدان ، فتأمل جیداً.
وأما حدیث (2) لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّاً ففیه : إن الشیء إذا توجه إلیه ، وکان موافقاً للغرض بحسب ما فیه من المصلحة أو غیرها ، کما یمکن أن یبعث فعلاً إلیه ویطلبه حالاً ، لعدم مانع عن طلبه کذلک ، یمکن أن یبعث إلیه معلّقاً ، ویطلبه استقبالاً على تقدیر شرط متوقّع الحصول لأجل مانع عن الطلب
__________________
1 ـ راجع صفحة 11 و 12 من هذا الکتاب ، الأمر الثّانی فی تعریف الوضع.
2 ـ هذه هی الدعوى الایجابیة التی ادعاها الشیخ ( قده ) ، من رجوع الشرط إلى المادة لباً. مطارح الأنظار / 52 ، فی مقدّمة الواجب. 

 
والبعث فعلاً قبل حصوله ، فلا یصحّ منه إلّا الطلب والبعث معلّقاً بحصوله ، لا مطلقاً ولو متعلقاً بذاک على التقدیر ، فیصحّ منه طلب الإکرام بعد مجیء زید ، ولا یصحّ منه الطلب المطلق الحالی للإکرام المقید بالمجیء ، هذا بناءً على تبعیة الأحکام لمصالح فیها فی غایة الوضوح.
وأما بناءً على تبعیتها للمصالح والمفاسد فی المأمور به ، والمنهی عنه فکذلک ، ضرورة أن التبعیة کذلک ، إنّما تکون فی الأحکام الواقعیة بما هی واقعیة ، لا بما هی فعلیة ، فإن المنع عن فعلیة تلک الأحکام غیر عزیز ، کما فی موارد الأصول والامارات على خلافها ، وفی بعضٍ الأحکام فی أول البعثة ، بل إلى یوم قیام القائم عجل الله فرجه ، مع أن حلال محمد 9 حلال إلى یوم القیامة ، وحرامه حرام إلى یوم القیامة ، ومع ذلک ربما یکون المانع عن فعلیة بعضٍ الأحکام باقیا مر اللیالی والایام ، إلى أن تطلع شمس الهدایة ویرتفع (1) الظلام ، کما یظهر من الإخبار المرویة (2) عن الأئمة :.
فان قلت : فما فائدة الانشاء؟ إذا لم یکن المنشأ به طلباً فعلّیاً ، وبعثاً حالیا.
قلت : کفى فائدة له إنّه یصیر بعثاً فعلّیاً بعد حصول الشرط ، بلا حاجة إلى خطاب آخر ، بحیث لولاه لما کان فعلاً متمکناً من الخطاب ، هذا مع شمول الخطاب کذلک للإیجاب فعلاً بالنسبة إلى الواجد للشرط ، فیکون بعثاً فعلّیاً بالإضافة إلیه ، وتقدیریّاً بالنسبة إلى الفاقد له ، فافهم وتأملّ جیداً.
__________________
1 ـ فی « ب » : ( وارتفع الظلام ).
2 ـ الکافی : 1 ، کتاب فضل العلم ، باب البدع والرأی والمقاییس الحدیث 19.
الکافی : 2 کتاب الایمان والکفر ، باب الشرائع ، الحدیث 2 مع اختلاف یسیر. 
 
ثم الظاهر دخول المقدّمات الوجودیة للواجب المشروط ، فی محلّ النزاع (1) أیضاً ، فلا وجه لتخصیصه بمقدمات الواجب المطلق ، غایة الأمر تکون فی الإِطلاق والاشتراط تابعة لذی المقدمة کأصل الوجوب بناءً على وجوبها من باب الملازمة.
وأما الشرط المعلّق علیه الإِیجاب فی ظاهر الخطاب ، فخروجه مما لا شبهة فیه ، ولا ارتیاب :
أما على ما هو ظاهر المشهور والمتصور ، لکونه مقدّمة وجوبیة.
وأما على المختار لشیخنا العلامة (2) ـ أعلى الله مقامه ـ فلإنّه وأنّ کان من المقدّمات الوجودیة للواجب ، إلّا إنّه أخذ على نحو لا یکاد یترشح علیه الوجوب منه ، فإنّه جعل الشیء واجباً على تقدیر حصول ذاک الشرط ، فمعه کیف یترشح علیه الوجوب ویتعلق به الطلب؟ وهل هو إلّا طلب الحاصل؟ نعم على مختاره _ 1 _ لو کانت له مقدمات وجودیة غیر معلق علیها وجوبه ، لتعلق بها الطلب فی الحال على تقدیر اتفاق وجود الشرط فی الاستقبال ، وذلک لأن إیجاب ذی المقدمة على ذلک حالی ، والواجب إنّما هو استقبالی ، کما یأتی فی الواجب المعلّق (3) ، فإن الواجب المشروط على مختاره ، هو بعینه ما اصطلح علیه صاحب الفصول (4) من المعلّق ، فلا تغفل. هذا فی غیر المعرفة والتعلم من المقدمات.
وأما المعرفة ، فلا یبعد القول بوجوبها ، حتى فی الواجب المشروط ـ بالمعنى المختار ـ قبل حصول شرطه ، لکنه لا بالملازمة ، بل من باب استقلال
__________________
1 ـ کما فی مطارح الأنظار / 44.
2 ـ من رجوع الشرط إلى المادة لبّاً ، مطارح الأنظار / 45 ـ 46 و 52 ، فی مقدّمة الواجب.
3 ـ سیأتی فی الصفحة 103 من هذا الکتاب ، عند قوله : وربما أشکل ... الخ.
4 ـ الفصول / 79 فی آخر الصفحة. 
 
العقل بتنجز الأحکام على الأنام بمجرد قیام احتمالها ، إلّا مع الفحص والیأس عن الظفر بالدلیل على التکلیف ، فیستقل بعده بالبراءة ، وأنّ العقوبة على المخالفة بلا حجة وبیان ، والمؤاخذة علیها بلا برهان ، فافهم.
تذنیب : لا یخفى أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط ، بلحاظ حال حصول الشرط على الحقیقة مطلقاً ، وأما بلحاظ حال قبل حصوله فکذلک على الحقیقة على مختاره (1) 1 فی الواجب المشروط ، لأن الواجب وأنّ کان أمراً استقبالیّاً علیه ، إلّا أن تلبسه بالوجوب فی الحال ، ومجاز على المختار ، حیث لا تلبس بالوجوب علیه قبله ، کما عن البهائی (2) ; تصریحه بأن لفظ الواجب مجاز فی المشروط ، بعلاقة الأوّل أو المشارفة.
وأما الصیغة مع الشرط ، فهی حقیقة على کلّ حال لاستعمالها على مختاره (3) _ 1 _ فی الطلب المطلق ، وعلى المختار فی الطلب المقید ، على نحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، کما هو الحال فیما إذا أُرید منها المطلق المقابل للمقید ، لا المبهم المقسم ، فافهم.
ومنها : تقسیمه إلى المعلّق والمنجز ، قال فی الفصول (4) : إنّه ینقسم
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 45 ـ 46 و 52 فی مقدّمة الواجب.
2 ـ زبدة الأصول / 46 مخطوط.
هو بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد الجبعی العاملی ، ولد فی بعلبک عام 953 ه‍ ، انتقل به والده وهو صغیر إلى الدیار العجمیة ، أخذ عن والده وغیره من الجهابذة ، ولی بها شیخ الاسلام ، ثم أخذ فی السیاحة ثلاثین سنة ، واجتمع فی أثناء ذلک بکثیر من أرباب الفضل ، ثم عاد وقطن بأرض العجم ، له کتب کثیرة منها « الحبل المتین » و « الزبدة » فی الأصول و « حاشیة الشرح العضدی على مختصر الأصول » وغیرها ، له شعر کثیر بالعربیة والفارسیة. قال تلمیذه العلامة المولى محمد تقی المجلسی : ما رأیت بکثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا ، توفی سنة 1031. ( أمل الآمل 1 / 155 رقم 158 )
3 ـ راجع المصدر المتقدم فی هامش رقم (1).
4 ـ الفصول / 79 آخر الصفحة.
 
باعتبار آخر إلى ما یتعلق وجوبه بالمکلف ، ولا یتوقف حصوله على أمر غیر مقدور له ، کالمعرفة ، ولْیُسمَّ منجّزاً ، وإلى ما یتعلق وجوبه به ، ویتوقف حصوله على أمر غیر مقدور له ، ولْیُسمَّ معلّقاً کالحج ، فإن وجوبه یتعلق بالمکلف من أول زمن الاستطاعة ، أو خروج الرفقة ، ویتوقف فعله على مجیء وقته ، وهو غیر مقدور له ، والفرق بین هذا النوع وبین الواجب المشروط هو أن التوقف هناک للوجوب ، وهنا للفعل. انتهى کلامه رفع مقامه.
لا یخفى أن شیخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ حیث اختار فی الواجب المشروط ذاک المعنى ، وجعل الشرط لزوماً من قیود المادة ثبوتاً وإثباتاً ، حیث ادعى امتناع کونه من قیود الهیئة کذلک ، أیّ ثبوتاً وإثباتاً ، على خلاف القواعد العربیة وظاهر المشهور ، کما یشهد به ما تقدم آنفا عن البهائی ، أنکر (1) على الفصول هذا التقسیم ، ضرورة أن المعلّق بما فسره ، یکون من المشروط بما اختار له من المعنى على ذلک ، کما هو واضح ، حیث لا یکون حینئذ هناک معنى آخر معقول ، کان هو المعلّق المقابل للمشروط.
ومن هنا انقدح إنّه فی الحقیقة إنّما أنکر الواجب المشروط ، بالمعنى الذی یکون هو ظاهر المشهور ، والقواعد العربیة ، لا الواجب المعلّق بالتفسیر المذکور.
وحیث قد عرفت ـ بما لا مزید علیه ـ امکان رجوع الشرط إلى الهیئة ، کما هو ظاهر المشهور وظاهر القواعد ، فلا یکون مجال لإِنکاره علیه.
نعم یمکن أن یقال : إنّه لا وقع لهذا التقسیم ؛ لأنه بکلا قسمیه من المطلق المقابل للمشروط ، وخصوصیة (2) کونه حالیّاً أو استقبالیّاً لا توجبه ما لم
__________________
1 ـ مطارح الأنظار 51 ـ 52. فی الهدایة 6 من القول فی وجوب مقدّمة الواجب.
2 ـ وفی « ب » : خصوصیته. 
 
توجب الاختلاف فی المهمّ ، وإلاّ لکثر تقسیماته لکثرة الخصوصیات ، ولا اختلاف فیه ، فإن ما رتبه علیه من وجوب المقدمة فعلاً ـ کما یأتی ـ إنّما هو من أثر إطلاق وجوبه وحالیّته ، لا من استقبالیة الواجب ، فافهم.
ثم إنّه ربما حکی عن بعضٍ أهل النظر (1) من أهل العصر إشکال فی الواجب المعلّق ، وهو أن الطلب والإِیجاب ، إنّما یکون بإزاء الإرادة المحرکة للعضلات نحو المراد ، فکما لا تکاد تکون الإرادة منفکة عن المراد ، فلیکن الإِیجاب غیر منفک عما یتعلق به ، فکیف یتعلق بأمر استقبالی؟ فلا یکاد یصحّ الطلب والبعث فعلاً نحو أمر متأخر.
قلت : فیه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخَّر استقبالی ، کما تتعلق بأمر حالی ، وهو أوضح من أن یخفى على عاقل فضلاً عن فاضل ، ضرورة أن تحمّل المشاق فی تحصیل المقدّمات ـ فیما إذا کان المقصود بعید المسافة وکثیر المؤونة ـ لیس إلّا لأجل تعلق إرادته به ، وکونه مریداً له قاصداً إیاه ، لا یکاد یحمله على التحمل إلّا ذلک.
ولعل الذی أوقعه فی الغلط ما قرع سمعه من تعریف الإرادة بالشوق المؤکد المحرّک للعضلات نحو المراد ، وتوهمّ أن تحریکها نحو المتأخر مما لا یکاد ، وقد غفل عن أن کونه (2) محرکاً نحوه یختلف حسب اختلافه ، فی کونه مما لا مؤونة له کحرکة نفس العضلات ، أو مما له مؤونة ومقدمات قلیلة أو کثیرة ، فحرکة العضلات تکون أعم من أن تکون بنفسها مقصودة أو مقدّمة له ، والجامع أن یکون نحو المقصود ، بل مرادهم من هذا الوصف ـ فی تعریف الإرادة ـ بیان مرتبة الشوق الذی یکون هو الإرادة ، وأنّ لم یکن هناک فعلاً تحریک ، لکون المراد وما اشتاق إلیه کمال الاشتیاق أمراً استقبالیّاً غیر محتاج إلى تهیئة مؤونة أو تمهید مقدّمة ، ضرورة أن شوقه إلیه ربما یکون أشد من الشوق
__________________
1 ـ هو المحقق النهاوندی ، تشریح الأصول.
2 ـ والصحیح « کونها ». 
 
المحرّک فعلاً نحو أمر حالی أو استقبالی ، محتاج إلى ذلک. هذا.
مع إنّه لا یکاد یتعلق البعث إلّا بأمر متأخَّر عن زمان البعث ، ضرورة أن البعث إنّما یکون لاحداث الداعی للمکلف إلى المکلف به ، بأن یتصوره بما یترتب علیه من المثوبة ، وعلى ترکه من العقوبة ، ولا یکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة یکون البعث نحو أمر متأخَّر عنه بالزمان ، ولا یتفاوت طوله وقصره ، فیما هو ملاک الاستحالة والإِمکان فی نظر العقل الحاکم فی هذا الباب ، ولعمری ما ذکرناه واضح لا سترة علیه ، والاطناب إنّما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة فی أذهان بعضٍ الطلاب.
وربما أُشکل على المعلّق أیضاً ، بعدم القدرة على المکلف به فی حال البعث ، مع إنّها من الشرائط العامة.
وفیه : إن الشرط إنّما هو القدرة على الواجب فی زمإنّه ، لا فی زمان الإِیجاب والتکلیف ، غایة الأمر یکون من باب الشرط المتأخر ، وقد عرفت بما لا مزید علیه إنّه کالمقارن ، من غیر انخرام للقاعدة العقلیة أصلاً ، فراجع.
ثم لا وجه لتخصیص المعلّق بما یتوقف حصوله على أمر غیر مقدور ، بل ینبغی تعمیمه إلى أمر مقدور متأخَّر ، أُخذ على نحو یکون مورداً للتکلیف ، ویترشح علیه الوجوب من الواجب ، أو لا ، لعدم تفاوت فیما یهمه من وجوب تحصیل المقدّمات التی لا یکاد یقدّر علیها فی زمان الواجب المعلّق ، دون المشروط ، لثبوت الوجوب الحالی فیه ، فیترشح منه الوجوب على المقدمة ، بناءً على الملازمة ، دونه لعدم ثبوته فیه إلّا بعد الشرط.
نعم لو کان الشرط على نحو الشرط المتأخر ، وفرض وجوده ، کان الوجوب المشروط به حالیّاً أیضاً ، فیکون وجوب سائر المقدّمات الوجودیة للواجب أیضاً حالیّاً ، ولیس الفرق بینه وبین المعلّق حینئذ إلّا کونه مرتبطاً 
 
بالشرط ، بخلافه ، وأنّ ارتبط به الواجب.
تنبیه : قد انقدح ـ من مطاوی ما ذکرناه ـ أن المناط فی فعلیة وجوب المقدمة الوجودیة ، وکونه فی الحال بحیث یجب على المکلف تحصیلها ، هو فعلیة وجوب ذیها ، ولو کان أمراً استقبالیّاً ، کالصوم فی الغد والمناسک فی الموسم ، کان وجوبه مشروطاً بشرط موجود أخذ فیه ولو متأخراً ، أو مطلقاً ، منجّزاً کان أو معلّقاً ، فیما إذا لم تکن مقدّمة للوجوب أیضاً ، أو مأخوذة فی الواجب على نحو یستحیل أن تکون مورداً للتکلیف ، کما إذا أخذ عنواناً للمکلف ، کالمسافر والحاضر والمستطیع إلى غیر ذلک ، أو جعل الفعل المقید باتفاق حصوله ، وتقدیر وجوده ـ بلا اختیار أو باختیاره ـ مورداً للتکلیف ، ضرورة إنّه لو کان مقدّمة الوجوب أیضاً ، لا یکاد یکون هناک وجوب إلّا بعد حصوله ، وبعد الحصول یکون وجوبه طلب الحاصل ، کما إنّه إذا أخذ على أحد النحوین یکون کذلک ، فلو لم یحصل لما کان الفعل مورداً للتکلیف ، ومع حصوله لا یکاد یصحّ تعلقه به ، فافهم.
إذا عرفت ذلک ، فقد عرفت إنّه لا إشکال أصلاً فی لزوم الإِتیان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، إذا لم یقدّر علیه بعد زمإنّه ، فیما کان وجوبه حالیّاً مطلقاً ، ولو کان مشروطاً بشرط متأخَّر ، کان معلوم الوجود فیما بعد ، کما لا یخفى ، ضرورة فعلیة وجوبه وتنجزه بالقدرة علیه بتمهید مقدمته ، فیترشح منه الوجوب علیها على الملازمة ، ولا یلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذیها ، وإنما اللازم الإِتیان بها قبل الإِتیان به ، بل لزوم الإِتیان بها عقلاً ، ولو لم نقل بالملازمة ، لا یحتاج إلى مزید بیان ومؤونة برهان ، کالإِتیان بسائر المقدّمات فی زمان الواجب قبل إتیإنّه.
فانقدح بذلک : إنّه لا ینحصر التفصی عن هذه العویصة بالتعلق بالتعلیق ، أو بما یرجع إلیه ، من جعل الشرط من قیود المادة فی المشروط. 
 
فانقدح بذلک : إنّه لا إشکال فی الموارد التی یجب فی الشریعة الإِتیان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، کالغسل فی اللیل فی شهر رمضان وغیره مما وجب علیه الصوم فی الغد ، إذ یکشف به بطریق الإِنّ عن سبق وجوب الواجب ، وإنما المتأخر هو زمان إتیإنّه ، ولا محذور فیه أصلاً ، ولو فرض العلم بعدم سبقه ، لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغیری ، فلو نهض دلیل على وجوبها ، فلا محالة یکون وجوبها نفسّیاً [ ولو ] (1) تهیؤاً ، لیتهیأ بإتیإنّها ، ویستعد لایجاب ذی المقدمة علیه ، فلا محذور أیضاً.
إن قلت : لو کان وجوب المقدمة فی زمان کاشفاً عن سبق وجوب ذی المقدمة لزم وجوب جمیع مقدماته ولو موسّعاً ، ولیس کذلک بحیث یجب علیه المبادرة لو فرض عدم تمکنه منها لو لم یبادر.
قلت : لا محیص عنه ، إلّا إذا أخذ فی الواجب من قبل سائر المقدّمات قدرة خاصة ، وهی القدرة علیه بعد مجیء زمإنّه ، لا القدرة علیه فی زمإنّه من زمان وجوبه ، فتدبرّ جیداً.
تتمة : قد عرفت اختلاف القیود فی وجوب التحصیل ، وکونه مورداً للتکلیف وعدمه ، فإن علم حال قید فلا إشکال ، وأنّ دار أمره ثبوتاً بین أن یکون راجعاً إلى الهیئة ، نحو الشرط المتأخر أو المقارن ، وأنّ یکون راجعاً إلى المادة على نهج یجب تحصیله أولاً یجب ، فإن کان فی مقام الإِثبات ما یعین حاله ، وإنّه راجع إلى أیهما من القواعد العربیة فهو ، وإلاّ فالمرجع هو الأصول العملیة.
وربما قیل (2) فی الدوران بین الرجوع إلى الهیئة أو المادة ، بترجیح الإِطلاق فی طرف الهیئة ، وتقیید المادة ، بوجهین :
__________________
1 ـ أثبتناها من « أ ».
2 ـ راجع مطارح الأنظار / 49 الهدایة 5 من القول بوجوب المقدمة ، فی الوجه الخامس. 
 
أحدهما : إن إطلاق الهیئة یکون شمولیّاً ، کما فی شمول العام لافراده ، فإن وجوب الإکرام على تقدیر الإِطلاق ، یشمل جمیع التقادیر التی یمکن أن یکون تقدیرا له ، وإطلاق المادة یکون بدلیاً غیر شامل لفردین فی حالة واحدة.
ثانیهما : إن تقیید الهیئة یوجب بطلان محلّ الإِطلاق فی المادة ویرتفع به مورده ، بخلاف العکس ، وکلما دار الأمر بین تقییدین کذلک کان التقیید الذی لا یوجب بطلان الآخر أولى.
أما الصغرى ، فلاجل إنّه لا یبقى مع تقیید الهیئة محلّ حاجة وبیان لإِطلاق المادة ، لإنّها لا محالة لا تنفکّ عن وجود قید الهیئة ، بخلاف تقیید المادة ، فإن محلّ الحاجة إلى إطلاق الهیئة على حاله ، فیمکن الحکم بالوجوب على تقدیر وجود القید وعدمه.
وأما الکبرى ، فلان التقیید وأنّ لم یکن مجازاً إلّا إنّه خلاف الأصل ، ولا فرق فی الحقیقة بین تقیید الإِطلاق ، وبین أن یعمل عملاً یشترک مع التقیید فی الأثر ، وبطلان العمل به.
وما ذکرناه من الوجهین موافق لما أفاده بعضٍ مقرری بحث الأستاذ العلامة أعلى الله مقامه ، وأنت خبیر بما فیهما :
أما فی الأوّل : فلان مفاد إطلاق الهیئة وأنّ کان شمولیّاً بخلاف المادة ، إلّا إنّه لا یوجب ترجیحه على إطلاقها ، لإنّه أیضاً کان بالإِطلاق ومقدمات الحکمة ، غایة الأمر إنّه تارةً یقتضی العموم الشمولی ، وأخرى البدلی ، کما ربما تقتضی التعیین أحیاناً ، کما لا یخفى.
وترجیح عموم العام على إطلاق المطلق إنّما هو لأجل کون دلالته بالوضع ، لا لکونه شمولیّاً ، بخلاف المطلق فإنّه بالحکمة ، فیکون العام أظهر منه ، فیقدّم علیه ، فلو فرض إنّهما فی ذلک على العکس ، فکان عام بالوضع دلّ على العموم البدلی ، ومطلق بإطلاقه دلّ على الشمول ، لکان العام 
 
یقدم بلا کلام.
وأما فی الثانی : فلان التقیید وأنّ کان خلاف الأصل ، إلا أن العمل الی یوجب عدم جریان مقدمات الحکمة ، وانتفاء بعضٍ مقدماته ، لا یکون على خلاف الأصل أصلاً ، إذ معه لا یکون هناک إطلاق ، کی یکون بطلان العمل به فی الحقیقة مثل التقیید الذی یکون على خلاف الأصل.  وبالجملة لا معنى لکون التقیید خلاف الأصل ، إلّا کونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببرکة مقدمات الحکمة ، ومع انتفاء المقدّمات لا یکاد ینعقد له هناک ظهور ، کان ذاک العمل المشارک مع التقیید فی الأثر ، وبطلان العمل بإطلاق المطلق ، مشارکا معه فی خلاف الأصل أیضاً.
وکأنه توهّم : أن إطلاق المطلق کعموم العام ثابت ، ورفع الید عن العمل به ، تارةً لأجل التقیید ، وأخرى بالعمل المبطل للعمل به.
وهو فاسد ، لإنّه لا یکون إطلاق إلّا فیما جرت هناک المقدمات.
نعم إذا کان التقیید بمنفصل ، ودار الأمر بین الرجوع إلى المادة أو الهیئة کان لهذا التوهم مجال ، حیث انعقد للمطلق إطلاق ، وقد استقر له ظهور ولو بقرینة الحکمة ، فتأمل.
ومنها : تقسیمه إلى النفسی والغیری.
وحیث کان طلب شیء وإیجابه لا یکاد یکون بلا داع ، فإن کان الداعی فیه هو التوصل به إلى واجب ، لا یکاد التوصل بدونه إلیه ، لتوقفه علیه ، فالواجب غیریّ ، وإلاّ فهو نفسی ، سواء کان الداعی محبوبیة الواجب بنفسه ، کالمعرفة بالله ، أو محبوبیّته بماله من فائدة مترتبة علیه ، کأکثر الواجبات من العبادات والتوصلیات.
هذا ، لکنه لا یخفى أن الداعی لو کان هو محبوبیّته کذلک ـ أیّ بماله من الفائدة المترتبة علیه ـ کان الواجب فی الحقیقة واجباً غیریاً ، فإنّه لو لم یکن وجود هذه الفائدة لازماً ، لما دعا إلى إیجاب ذی الفائدة. 
 
فإن قلت : نعم وأنّ کان وجودها محبوباً لزوماً ، إلّا إنّه حیث کانت من الخواصِّ المترتبة على الأفعال التی لیست داخلة تحت قدرة المکلف ، لما کاد یتعلق بها الإِیجاب.
قلت : بل هی داخلة تحت القدرة ، لدخول أسبابها تحتها ، والقدرة على السبب قدرة على المسبب ، وهو واضح ، وإلاّ لما صحّ وقوع مثل التطهیر والتملیک والتزویج والطلاق والعتاق .. إلى غیر ذلک من المسببات ، مورداً لحکم من الأحکام التکلیفیة.
فالأولى أن یقال : إن الأثر المترتب علیه وأنّ کان لازماً ، إلّا أن ذا الأثر لما کان معنوناً بعنوان حسن یستقل العقل بمدح فاعله ، بل وبذم تارکه ، صار متعلقاً للإیجاب بما هو کذلک ، ولا ینافیه کونه مقدّمة الأمر مطلوب واقعاً ، بخلاف الواجب الغیری ، لتمحض وجوبه فی إنّه لکونه مقدّمة لواجب نفسی. وهذا أیضاً لا ینافی أن یکون معنوناً بعنوان حسن فی نفسه ، إلّا إنّه لا دخل له فی إیجابه الغیری ، ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه ، وما أمر به لأجل غیره ، فلا یتوجه علیه بأنّ جل الواجبات ـ لولا الکلّ ـ یلزم أن یکون من الواجبات الغیریة ، فإن المطلوب النفسی قلّما یوجد فی الأوامر ، فإن جلها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها ، فتأمل.
ثم إنّه لا إشکال فیما إذا علم بأحد القسمین ، وأما إذا شک فی واجب إنّه نفسی أو غیری ، فالتحقیق أن الهیئة ، وأنّ کانت موضوعة لما یعمهما ، إلّا أن إطلاقها یقتضی کونه نفسیاً ، فإنّه لو کان شرطاً لغیره لوجب التنبیه علیه على المتکلم الحکیم.
وأما ما قیل (1) من إنّه لا وجه للاستناد إلى إطلاق الهیئة ، لدفع الشک
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 67 فی الهدایة 11 من القول بوجوب المقدمة. 
 
المذکور ، بعد کون مفادها الأفراد التی لا یعقل فیها التقیید ، نعم لو کان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب ، صحّ القول بالإِطلاق ، لکنه بمراحل من الواقع ، إذ لا شک فی اتصاف الفعل بالمطلوبیة بالطلب المستفاد من الأمر ، ولا یعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبیة بواسطة مفهوم الطلب ، فإن الفعل یصیر مراداً بواسطة تعلق واقع الإرادة وحقیقتها ، لا بواسطة مفهومها ، وذلک واضح لا یعتریه ریب.
ففیه : إن مفاد الهیئة ـ کما مرت الإِشارة إلیه ـ لیس الأفراد ، بل هو مفهوم الطلب ، کما عرفت تحقیقه فی وضع الحروف (1) ، ولا یکاد یکون فرد الطلب الحقیقی ، والذی یکون بالحمل الشائع طلباً ، وإلاّ لما صحّ إنشاؤه بها ؛ ضرورة إنّه من الصفات الخارجیة الناشئة من الأسباب الخاصة.
نعم ربما یکون هو السبب لإِنشائه ، کما یکون غیره أحیاناً.
واتصاف الفعل بالمطلوبیة الواقعیة والإرادة الحقیقیة ـ الداعیة إلى إیقاع طلبه ، وإنشاء إرادته بعثاً نحو مطلوبه الحقیقی وتحریکا إلى مراده الواقعی ـ لا ینافی اتصافه بالطلب الإنشائی أیضاً ، والوجود الإنشائی لکلّ شیء لیس إلّا قصد حصول مفهومه بلفظه ، کان هناک طلب حقیقی أو لم یکن ، بل کان إنشاؤه بسبب آخر.
ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبیر عن مفاد الصیغة بالطلب المطلق ، فتوهم منه أن مفاد الصیغة یکون طلباً حقیقیاً ، یصدق علیه الطلب بالحمل الشائع ، ولعمری إنّه من قبیل اشتباه المفهوم بالمصداق ، فالطلب الحقیقی إذا لم یکن قابلاً للتقیید لا یقتضی أن لا یکون مفاد الهیئة قابلاً له ، وأنّ تعارف تسمیته بالطلب أیضاً ، وعدم تقییده بالإنشائی لوضوح إرادة
__________________
1 ـ باعتبار أن الهیئة ملحقة بالحروف ، راجع صفحة 11 من هذا الکتاب. 
 
خصوصه ، وأنّ الطلب الحقیقی لا یکاد ینشأ بها ، کما لا یخفى.
فانقدح بذلک صحة تقیید مفاد الصیغة بالشرط ، کما مرّ هاهنا بعضٍ الکلام ، وقد تقدم (1) فی مسألة اتحاد الطلب والإرادة ما یُجدی [ فی ] المقام.
هذا إذا کان هناک إطلاق ، وأما إذا لم یکن ، فلابد من الإِتیان به فیما إذا کان التکلیف بما احتمل کونه شرطاً له فعلّیاً ، للعلم بوجوبه فعلاً ، وأنّ لم یعلم جهة وجوبه ، وإلاّ فلا ، لصیرورة الشک فیه بدویاً ، کما لا یخفى.
تذنیبان
الأول : لا ریب فی استحقاق الثواب على امتثال الأمر النفسی وموافقته ، واستحقاق العقاب على عصیإنّه ومخالفته عقلاً ، وأما استحقاقهما على امتثال الغیری ومخالفته ، ففیه إشکال ، وأنّ کان التحقیق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته ، بما هو موافقة ومخالفة ، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلّا لعقاب واحد ، أو لثواب کذلک ، فیما خالف الواجب ولم یأت بواحدة من مقدماته على کثرتها ، أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات.
نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترک المقدمة ، وبزیادة المثوبة على الموافقة فیما لو أتى بالمقدمات بما هی مقدمات له ، من باب إنّه یصیر حینئذ من أفضل الأعمال ، حیث صار أشقّها ، وعلیه ینزّل ما ورد فی الإخبار (2) من الثواب على المقدّمات ، أو على التفضل فتأمل جیداً ، وذلک لبداهة أن موافقة الأمر الغیری ـ بما هو أمر لا بما هو شروع فی إطاعة الأمر النفسی ـ لا توجب قرباً ، ولا مخالفته ـ بما هو کذلک ـ بُعداً ، والمثوبة والعقوبة إنّما تکونان من تبعات القرب والبعد.
__________________
1 ـ راجع صفحة 64 من الکتاب ، الجهة الرابعة ( فی بحث الطلب والإرادة ).
2 ـ کامل الزیارات / 133 ، فیما ورد فی زیارة أبی عبدالله ، من إنّه لکلّ قدم ثواب کذا. 
 
إشکال ودفع :
أما الأوّل : فهو إنّه إذا کان الأمر الغیری بما هو لا إطاعة له ، ولا قرب فی موافقته ، ولا مثوبة على امتثاله ، فکیف حال بعضٍ المقدّمات کالطهارات؟ حیث لا شبهة فی حصول الإطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها ، هذا مضافاً إلى أن الأمر الغیری لا شبهة فی کونه توصلیاً ، وقد اعتبر فی صحتها إتیإنّها بقصد القربة.
وأما الثّانی : فالتحقیق أن یقال : إن المقدمة فیها بنفسها مستحبة وعبادة ، وغایاتها إنّما تکون متوقفة على إحدى هذه العبادات ، فلا بدّ أن یؤتى بها عبادة ، وإلاّ فلم یؤت بما هو مقدّمة لها ، فقصد القربة فیها إنّما هو لأجل کونها فی نفسها أمورا عبادیة ومستحبات نفیسة ، لا لکونها مطلوبات غیریة والاکتفاء بقصد أمرها الغیری ، فإنما هو لأجل إنّه یدعو إلى ما هو کذلک فی نفسه حیث إنّه لا یدعو إلّا إلى ما هو المقدمة ، فافهم.
وقد تفُصّی عن الإِشکال بوجهین آخرین (1) :
أحدهما ما ملخصه : إن الحرکات الخاصة ربما لا تکون محصلة لما هو المقصود منها ، من العنوان الذی یکون بذاک العنوان مقدّمة وموقوفا علیها ، فلا بدّ فی إتیإنّها بذاک العنوان من قصد أمرها ، لکونه لا یدعو إلّا إلى ما هو الموقوف علیه ، فیکون عنواناً إجمالیاً ومرآة لها ، فإتیان الطهارات عبادة وإطاعة لامرها لیس لأجل أن أمرها المقدمی یقضی بالاتیان کذلک ، بل إنّما کان لأجل إحراز نفس العنوان ، الذی یکون بذاک العنوان موقوفاً علیها.
وفیه : مضافاً إلى أن ذلک لا یقتضی الإِتیان بها کذلک ، لإمکان الإِشارة إلى عناوینها التی تکون بتلک العناوین موقوفاً علیها بنحو آخر ، ولو
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 71 فی تنبیهات الهدایة 12 من القول فی وجوب مقدّمة الواجب. 
 
بقصد أمرها وصفاً لا غایة وداعیاً ، بل کان الداعی إلى هذه الحرکات الموصوفة بکونها مأموراً بها شیئاً آخر غیر أمرها ، غیر وافٍ بدفع إشکال ترتب المثوبة علیها ، کما لا یخفى.
ثانیهما : ما مُحَصّله أن لزوم وقوع الطهارات عبادة ، إنّما یکون لأجل أن الغرض من الأمر النفسی بغایاتها ، کما لا یکاد یحصل بدون قصد التقرب بموافقته ، کذلک لا یحصل ما لم یؤت بها کذلک ، لا باقتضاء أمرها الغیری.
وبالجملة وجه لزوم إتیإنّها عبادة ، إنّما هو لأجل أن الغرض فی الغایات ، لا یحصل إلّا بإتیان خصوص الطهارات من بین مقدماتها أیضاً ، بقصد الاطاعة.
وفیه أیضاً : إنّه غیر وافٍ بدفع إشکال ترتب المثوبة علیها.
وأما ما ربما قیل (1) فی تصحیح اعتبارٍ قصد الإطاعة فی العبادات ، من الالتزام بأمرین : أحدهما کان متعلقاً بذات العمل ، والثانی بإتیإنّه بداعی امتثال الأوّل ، لا یکاد یجزئ فی تصحیح اعتبارها فی الطهارات ، إذ لو لم تکن بنفسها مقدّمة لغایاتها ، لا یکاد یتعلق بها أمر من قبل الأمر بالغایات ، فمن أین یجیء طلب آخر من سنخ الطلب الغیری متعلق بذاتها ، لیتمکن به من المقدمة فی الخارج. هذا مع أن فی هذا الالتزام ما فی تصحیح اعتبارٍ قصد الطاعة فی العبادة على ما عرفته مفصلاً سابقا ً(2) ، فتذکرّ.
الثانی : إنّه قد انقدح مما هو التحقیق ، فی وجه اعتبارٍ قصد القربة فی الطهارات صحتها ولو لم یؤت بها بقصد التوصل بها إلى غایة من غایاتها ، نعم لو کان المصحح لاعتبار قصد القربة فیها امرها الغیری ، لکان قصد الغایة مما لابد منه فی وقوعها صحیحة ، فان الأمر الغیری لا یکاد یمتثل إلّا إذا قصد
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 71 ، فی تنبیهات الهدایة 12.  2 ـ راجع ص 72.
 
التوصل إلى الغیر ، حیث لا یکاد یصیر داعیا إلّا مع هذا القصد ، بل فی الحقیقة یکون هو الملاک لوقوع المقدمة عبادة ، ولو لم یقصد أمرها ، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلاً.
وهذا هو السر فی اعتبارٍ قصد التوصل فی وقوع المقدمة عبادة ، لا ما توهّم (1) من أن المقدمة إنّما تکون مأموراً بها بعنوان المقدمیة ، فلا بدّ عند إرادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان ، وقصدها کذلک لا یکاد یکون بدون قصد التوصل إلى ذی المقدمة بها ، فإنّه فاسد جداً ؛ ضرورة أن عنوان المقدمیة لیس بموقوف علیه الواجب ، ولا بالحمل الشائع مقدّمة له ، وإنما کان المقدمة هو نفس المعنونات بعناوینها الأولیة ، والمقدمیة إنّما تکون علّة لوجوبها.
الأمر الرابع : لا شبهة فی أن وجوب المقدمة بناءً على الملازمة ، یتبع فی الإِطلاق والاشتراط وجوب ذی المقدمة ، کما أشرنا إلیه فی مطاوی کلماتنا (2) ، ولا یکون مشروطاً بإرادته ، کما یوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم (3) ; فی بحث الضد ، قال : وأیضاً فحجة القول بوجوب المقدمة على تقدیر تسلیمها إنّما تنهض دلیلاً على الوجوب ، فی حال کون المکلف مریداً للفعل المتوقف علیها ، کما لا یخفى على من أعطاها حق النظر.
وأنت خبیر بأن نهوضها على التبعیة واضح لا یکاد یخفى ، وأنّ کان نهوضها على أصل الملازمة لم یکن بهذه المثابة ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 72.
2 ـ راجع ص 99.
3 ـ معالم الدین / 74 ، فی آخر مبحث الضد.
هو الشیخ جمال الدین أبو منصور الحسن بن الشیخ زین الدین ، ولد سنة 959 ه‍ ، کان عالماً فاضلاً عاملاً جامعاً للفنون ، اعرف أهل زمإنّه بالفقه والحدیث والرجال ، یروی عن جماعة من تلامذة أبیه ، منهم الشیخ حسین بن عبد الصمد العاملی ، له کتب ورسائل منها « منتقى الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان » و « معالم الدین وملاذ المجتهدین » توفی سنة 1011 ه‍. () أمل الآمل 1 / 57 رقم 45 ).
 
وهل یعتبر فی وقوعها على صفة الوجوب أن یکون الإِتیان بها بداعی التوصل بها إلى ذی المقدمة؟ کما یظهر مما نسبه إلى شیخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ بعضٍ أفاضل (1) مقرری بحثه ، أو ترتب ذی المقدمة علیها؟ بحیث لو لم یترتب علیها لکشف (2) عن عدم وقوعها على صفة الوجوب ، کما زعمه صاحب الفصول (3) 1؟ أو لا یعتبر فی وقوعها کذلک شیء منهما؟
الظاهر عدم الاعتبار : امّا عدم اعتبارٍ قصد التوصل ، فلاجل أن الوجوب لم یکن بحکم العقل إلّا لأجل المقدمیة والتوقف ، وعدم دخل قصد التوصل فیه واضح ، ولذا اعترف (4) بالاجتزاء بما لم یقصد به ذلک فی غیر المقدّمات العبادیة ، لحصول ذات الواجب ، فیکون تخصیص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص ، فافهم.
نعم إنّما اعتبر ذلک فی الامتثال ، لما عرفت (5) من إنّه لا یکاد یکون الآتی بها بدونه ممتثلا لامرها ، وآخذاً فی امتثال الأمر بذیها ، فُیثاب بثواب أشقِّ الأعمال ، فیقع الفعل المقدمی على صفة الوجوب ، ولو لم یقصد به التوصل ، کسائر الواجبات التوصلیة ، لا على حکمه السابق الثابث له ، لو لا عروض صفة توقف الواجب الفعلّی المنجز علیه ، فیقع الدخول فی ملک الغیر واجباً إذا کان مقدّمة لانقاذ غریق أو إطفاء حریق واجب فعلّی لا حراماً ، وأنّ لم یلتفت إلى التوقف والمقدمیة ، غایة الأمر یکون حینئذ متجرِّئاً فیه ، کما إنّه مع الالتفات یتجّرأ بالنسبة إلى ذی المقدمة ، فیما لم یقصد التوصل إلیه أصلاً.
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 72.
2 ـ فی « ب » : یکشف.
3 ـ الفصول / 86 ، فی مقدّمة الواجب.
4 ـ مطارح الأنظار / 72.
5 ـ راجع صفحة 112. 
 
وأما إذا قصده ، ولکنه لم یأت بها بهذا الداعی ، بل بداعٍ آخر أکّده بقصد التوصل ، فلا یکون متجرِّئاً أصلاً.
وبالجملة : یکون التوصل بها إلى ذی المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة ، لا أن یکون قصده قیداً وشرطاً لوقوعها على صفة الوجوب ، لثبوت ملاک الوجوب فی نفسها بلا دخل له فیه أصلاً ، وإلاّ لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به ، کما لا یخفى.
ولا یقاس على ما إذا أتى بالفرد المحرم منها ، حیث یسقط به الوجوب ، مع إنّه لیس بواجب ، وذلک لأن الفرد المحرم إنّما یسقط به الوجوب ، لکونه کغیره فی حصول الغرض به ، بلا تفاوت أصلاً ، إلّا إنّه لأجل وقوعه على صفة الحرمة لا یکاد یقع على صفة الوجوب ، وهذا بخلاف [ ما ] ها هنا ، فإنّه إن کان کغیره مما یقصد به التوصل فی حصول الغرض ، فلابد أن یقع على صفة الوجوب مثله ، لثبوت المقتضی فیه بلا مانع ، وإلاّ لما کان یسقط به الوجوب ضرورة ، والتالی باطل بداهة ، فیکشف هذا عن عدم اعتبارٍ قصده فی الوقوع على صفة الوجوب قطعاً ، وانتظر لذلک تتمة (1) توضیح.
والعجب إنّه شدد النکیر على القول بالمقدمة الموصلة ، واعتبار ترتب ذی المقدمة علیها فی وقوعها على صفة الوجوب ، على ما حرره بعضٍ مقرری (2) بحثه (1) بما یتوجه على اعتبارٍ قصد التوصل فی وقوعها کذلک ، فراجع تمام کلامه زید فی علو مقامه ، وتأمّل فی نقضه وإبرامه. 
وأما عدم اعتبارٍ ترتب ذی المقدمة علیها فی وقوعها على صفة الوجوب ، فلأنه لا یکاد یعتبر فی الواجب إلّا ما له دخل فی غرضه الداعی إلى إیجابه
__________________
1 ـ فی « ب » : جهة.
2 ـ راجع مطارح الأنظار / 74 و 75 فی المقدمة الموصلة. 
 
والباعث على طلبه ، ولیس الغرض من المقدمة إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدمة ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون الغرض إلّا ما یترتب علیه من فائدته وأثره ، ولا یترتب على المقدمة إلّا ذلک ، ولا تفاوت فیه بین ما یترتب علیه الواجب ، وما لا یترتب علیه أصلاً ، وإنّه لا محالة یترتب علیهما ، کما لا یخفى.
وأما ترتب الواجب ، فلا یعقل أن یکون الغرض الداعی إلى إیجابها والباعث على طلبها ، فإنّه لیس بأثر تمام المقدّمات ، فضلاً عن أحدها فی غالب الواجبات ، فإن الواجب إلّا ما قل فی الشرعیات والعرفیات فعل اختیاری ، یختار المکلف تارةً إتیإنّه بعد وجود تمام مقدماته ، وأخرى عدم إتیإنّه ، فکیف یکون اختیار إتیإنّه غرضاً من إیجاب کلّ واحدة من مقدماته ، مع عدم ترتبه على تمامها (1) ، فضلاً عن کلّ واحدة منها؟
نعم فیما کان الواجب من الأفعال التسبیبیة والتولیدیة ، کان مترتباً لا محالة على تمام مقدماته ، لعدم تخلف المعلول عن علته.
ومن هنا [ قد ] (2) انقدح أن القول بالمقدمة الموصلة ، یستلزم إنکار وجوب المقدمة فی غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلة التامة فی خصوص الواجبات التولیدیة.
فإن قلت : ما من واجب إلّا وله علّة تامة ، ضرورة استحالة وجود الممکن بدونها ، فالتخصیص بالواجبات التولیدیة بلا مخصص.
قلت : نعم وأنّ استحال صدور الممکن بلا علّة ، إلّا أن مبادىء اختیار الفعل الاختیاری من أجزاء علته ، وهی لا تکاد تتصف بالوجوب ، لعدم کونها
__________________
1 ـ فی « ب » : عامها.
2 ـ أثبتناها من « ب ». 
 
بالاختیار ، وإلاّ لتسلسل ، کما هو واضح لمن تأمل ، ولأنّه لو کان معتبراً فیه الترتب ، لما کان الطلب یسقط بمجرد الإِتیان بها ، من دون انتظار لترتب الواجب علیها ، بحیث لا یبقى فی البین إلّا طلبه وإیجابه ، کما إذا لم تکن هذه بمقدمته (1) ، أو کانت حاصلة من الأوّل قبل إیجابه ، مع أن الطلب لا یکاد یسقط إلّا بالموافقة ، أو بالعصیان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التکلیف ، کما فی سقوط الأمر بالکفن أو الدفن ، بسبب غرق المیت أحیاناً أو حرقه ، ولا یکون الإِتیان بها بالضرورة من هذه الأمور غیر الموافقة.
إن قلت : کما یسقط الأمر فی تلک الأمور ، کذلک یسقط بما لیس بالمأمور به فیما یحصل به الغرض منه ، کسقوطه فی التوصلیات بفعل الغیر ، أو المحرمات.
قلت : نعم ، ولکن لا محیص عن أن یکون ما یحصل به الغرض ، من الفعل الاختیاری للمکلف متعلقاً للطلب فیما لم یکن فیه مانع ، وهو کونه بالفعل محرماً ، ضرورة إنّه لا یکون بینهما تفاوت أصلاً ، فیکف یکون أحدهما متعلقاً له فعلاً دون الآخر؟
وقد استدل صاحب الفصول (2) على ما ذهب إلیه بوجوه ، حیث قال بعد بیان أن التوصل بها إلى الواجب ، من قبیل شرط الوجود لها لا من قبیل شرط الوجوب ، ما هذا لفظه :
( والذی یدلّک على هذا ـ یعنی الاشتراط بالتوصل ـ أن وجوب المقدمة لما کان من باب الملازمة العقلیة ، فالعقل لا یدلّ علیه زائداً على القدر المذکور ، وأیضاً لا یأبى العقل أن یقول الأمر الحکیم : أُرید الحج ، وأرید المسیر الذی
__________________
1 ـ فی « ب » : بمقدمة.
2 ـ الفصول / 86. فی التنبیه الأوّل من تنبیهات مقدّمة الواجب. 
 
یتوصل به إلى فعل الواجب ، دون ما لم یتوصل به إلیه ؛ بل الضرورة قاضیة بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک ، کما إنّها قاضیة بقبح التصریح بعدم مطلوبیتها له مطلقاً ، أو على تقدیر التوصل بها إلیه ، وذلک آیة عدم الملازمة بین وجوبه ووجوب مقدماته على تقدیر عدم التوصل بها إلیه ، وأیضاً حیث أن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله ، فلاجرم یکون التوصل بها إلیه وحصوله معتبراً فی مطلوبیتها ، فلا تکون مطلوبة إذا انفکت عنه ، وصریح الوجدان قاضٍ بأن من یرید شیئاً بمجرد حصول شیء آخر ، لا یریده إذا وقع مجردا عنه ، ویلزم منه أن یکون وقوعه على وجه المطلوب منوطا بحصوله ). انتهى موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.
وقد عرفت بما لا مزید علیه ، أن العقل الحاکم بالملازمة دلّ على وجوب مطلق المقدمة ، لا خصوص ما إذا ترتب علیها الواجب ، فیما لم یکن هناک مانع عن وجوبه ، کما إذا کان بعضٍ مصادیقه محکوماً فعلاً بالحرمة ، لثبوت مناط الوجوب حینئذ فی مطلقها ، وعدم اختصاصه بالمقید بذلک منها.
وقد انقدح منه ، إنّه لیس للأمر الحکیم الغیر المجازف بالقول ذلک التصریح ، وأنّ دعوى أن الضرورة قاضیة بجوازه (1) مجازفة ، کیف یکون ذا مع ثبوت الملاک فی الصورتین بلا تفاوت أصلا؟ کما عرفت.
نعم إنّما یکون التفاوت بینهما فی حصول المطلوب النفسی فی إحداهما ، وعدم حصوله فی الأخرى ، من دون دخل لها فی ذلک أصلاً ، بل کان بحسن اختیار المکلف وسوء اختیاره ، وجاز للأمر أن یصرِّح بحصول هذا المطلوب فی إحداهما ، وعدم حصوله فی الأخرى ، [ بل من ] (2) حیث أن الملحوظ بالذات هو
__________________
1 ـ ادعاه صاحب الفصول ، حیث قال : ولا یأبى أن یقول الأمر الحکیم .. الخ ... / الفصول / 86.
2 ـ أثبتناها من « أ ».
 
هذا المطلوب ، وإنما کان الواجب الغیری ملحوظاً إجمالاً بتبعه ، کما یأتی أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعیّ ، جاز فی صورة عدم حصول المطلوب النفسی التصریح بعدم حصول المطلوب أصلاً ، لعدم الالتفات إلى ما حصل من المقدمة ، فضلاً عن کونها مطلوبة ، کما جاز التصریح بحصول الغیری مع عدم فائدته لو التفت إلیها ، کما لا یخفى ، فافهم.
إن قلت : لعل التفاوت بینهما فی صحة اتصاف إحداهما بعنوان الموصلیة دون الأخرى ، أوجب التفاوت بینهما فی المطلوبیة وعدمها ، وجواز التصریح بهما ، وأنّ لم یکن بینهما تفاوت فی الأثر ، کما مرّ.
قلت : إنّما یوجب ذلک تفاوتاً فیهما ، لو کان ذلک لأجل تفاوت فی ناحیة المقدمة ، لا فیما إذا لم یکن فی ناحیتها أصلاً ـ کما هاهنا ـ ضرورة أن الموصلیة إنّما تنتزع من وجود الواجب ، وترتبه علیها من دون اختلاف فی ناحیتها ، وکونها فی کلاّ الصورتین على نحو واحد وخصوصیة واحدة ، ضرورة أن الإِتیان بالواجب بعد الإِتیان بها بالاختیار تارةً ، وعدم الإِتیان به کذلک أُخرى ، لا یوجب تفاوتاً فیها ، کما لا یخفى.
وأما ما أفاده (1) 1 من أن مطلوبیة المقدمة حیث کانت بمجرد التوصل بها ، فلا جرم یکون التوصل بها إلى الواجب معتبراً فیها.
ففیه : إنّه إنّما کانت مطلوبیتها لأجل عدم التمکن من التوصل بدونها ، لا لأجل التوصل بها ، لما عرفت من إنّه لیس من آثارها ، بل مما یترتب علیها أحیاناً بالاختیار بمقدمات أُخرى ، وهی مبادىء اختیاره ، ولا یکاد یکون مثل ذا غایة لمطلوبیتها وداعیاً إلى إیجابها ، وصریح الوجدان إنّما یقتضی بأن ما أُرید لأجل غایة ، وتجرد عن الغایة بسبب عدم حصول سائر ماله دخل فی حصولها ،
__________________
1 ـ الفصول / 86 ، فی تنبیهات مقدّمة الواجب.
 
یقع على ما هو علیه من المطلوبیة الغیریة ، کیف؟ وإلاّ یلزم أن یکون وجودها من قیوده ، ومقدمة لوقوعه على نحو یکون الملازمة بین وجوبه بذاک النحو ووجوبها.
وهو کما ترى ، ضرورة أن الغایة لا تکاد تکون قیداً لذی الغایة ، بحیث کان تخلفها موجباً لعدم وقوع ذی الغایة على ما هو علیه من المطلوبیة الغیریة ، وإلاّ یلزم أن تکون مطلوبة بطلبه کسائر قیوده ، فلا یکون وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها ، کما أفاده.
ولعل منشأ توهمه ، خلطه بین الجهة التقییدیة والتعلیلیة. هذا. مع ما عرفت من عدم التخلف ها هنا ، وأنّ الغایة إنّما هو حصول ما لولاه لما تمکن من التوصل إلى المطلوب النفسی ، فافهم واغتنم.
ثم إنّه لا شهادة على الاعتبار فی صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها ، إلّا فیما إذا رتب علیه الواجب لو سلّم أصلاً ، ضرورة إنّه وأنّ لم یکن الواجب منها حینئذ غیر الموصلة ، إلّا إنّه لیس لأجل اختصاص الوجوب بها فی باب المقدمة ، بل لأجل المنع عن غیرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا ، کما لا یخفى.
مع أن فی صحة المنع عنه کذلک نظراً ، وجهه إنّه یلزم أن لا یکون ترک الواجب حینئذ مخالفة وعصیاناً ، لعدم التمکن شرعاً منه ، لاختصاص جواز مقدمته بصورة الإِتیان به.
وبالجملة یلزم أن یکون الإِیجاب مختصاً بصورة الإِتیان ، لاختصاص جواز المقدمة بها وهو محال (1) فإنّه یکون من طلب الحاصل المحال ، فتدبرّ جیداً.
__________________
1 ـ حیث کان الإِیجاب فعلاً متوقفاً على جواز المقدمة شرعاً ، وجوازها کذلک کان متوقفاً على إیصالها المتوقف على الإِتیان بذی المقدمة بداهة ، فلا محیص إلّا عن کون إیجابه على تقدیر الإِتیان به ، وهو من طلب الحاصل الباطل « منه 1 ». 
 
بقی شیء وهو أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ، هی تصحیح العبادة التی یتوقف على ترکها فعل الواجب ، بناءً على کون ترک الضد مما یتوقف علیه فعل ضدّه ، فإن ترکها على هذا القول لا یکون مطلقاً واجباً ، لیکون فعلها محرماً ، فتکون فاسدة ، بل فیما یترتب علیه الضد الواجب ، ومع الإِتیان بها لا یکاد یکون هناک ترتب ، فلا یکون ترکها مع ذلک واجباً ، فلا یکون فعلها منهیاً عنه ، فلا تکون فاسدة.
وربما أورد (1) على تفریع هذه الثمرة بما حاصله : بأن فعل الضد ، وأنّ لم یکن نقیضاً للترک الواجب مقدّمة ، بناءً على المقدمة الموصلة ، إلّا إنّه لازم لما هو من أفراد النقیض ، حیث إنَّ نقیض ذاک الترک الخاص رفعه ، وهو أعم من الفعل والترک الآخر المجرد ، وهذا یکفی فی إثبات الحرمة ، وإلاّ لم یکن الفعل المطلق محرماً فیما إذا کان الترک المطلق واجباً ، لأن الفعل أیضاً لیس نقیضاً للترک ، لأنه أمر وجودی ، ونقیض الترک إنّما هو رفعه ، ورفع الترک إنّما یلازم الفعل مصداقاً ، ولیس عینه ، فکما أن هذه الملازمة تکفی فی إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فکذلک تکفی فی المقام ، غایة الأمر أن ما هو النقیض فی مطلق الترک ، إنّما ینحصر مصداقه فی الفعل فقط ، وأما النقیض للترک الخاص فله فردان ، وذلک لا یوجب فرقاً فیما نحن بصدده ، کما لا یخفى.
قلت : وأنت خبیر بما بینهما من الفرق ، فإن الفعل فی الأوّل لا یکون إلّا مقارناً لما هو النقیض ، من رفع الترک المجامع معه تارةً ، ومع الترک المجرد أُخرى ، ولا تکاد تسری حرمة الشیء إلى ما یلازمه ، فضلاً عما یقارنه أحیاناً.
نعم لابد أن لا یکون الملازم محکوماً فعلاً بحکم آخر على خلاف حکمه ، لا أن یکون محکوماً بحکمه ، وهذا بخلاف الفعل فی الثّانی ، فإنّه
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 78. 
 
بنفسه یعاند الترک المطلق وینافیه ، لا ملازم لمعانده ومنافیه ، فلو لم یکن عین ما یناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً ، لکنه متحد معه عیناً و خارجاً ، فإذا کان الترک واجباً ، فلا محالة یکون الفعل منهیاً عنه قطعاً ، فتدبرّ جیداً.
ومنها : تقسیمه إلى الأصلی والتبعی ، والظاهر أن یکون هذا التقسیم بلحاظ الاصالة والتبعیة فی الواقع ومقام الثبوت ، حیث یکون الشیء تارةً متعلقاً للارادة والطلب مستقلاً ، للالتفات إلیه بما هو علیه مما یوجب طلبه فیطلبه ، کان طلبه نفسیاً أو غیریاً ، وأخرى متعلقاً للارادة تبعا لارادة غیره ، لأجل کون إرادته لازمة لإِرادته ، من دون التفات إلیه بما یوجب إرادته ، لا بلحاظ الاصالة والتبعیة فی مقام الدلالة والإِثبات (1) ، فإنّه یکون فی هذا المقام ، تارةً مقصودا بالإِفادة ، وأخرى غیر مقصود بها على حدة ، إلّا إنّه لازم الخطاب ، کما فی دلالة الإِشارة ونحوها.
وعلى ذلک ، فلا شبهة فی انقسام الواجب الغیری إلیهما ، واتّصافه بالاصالة والتبعیة کلیهما ، حیث یکون متعلقاً للارادة على حدة عند الالتفات إلیه بما هو مقدّمة ، وأخرى لا یکون متعلقاً لها کذلک عند عدم الالتفات إلیه کذلک ، فإنّه یکون لا محالة مراداً تبعا لارادة ذی المقدمة على الملازمة.
کما لا شبهة فی اتصاف النفسی أیضاً بالاصالة ، ولکنه لا یتصف بالتبعیة ، ضرورة إنّه لا یکاد یتعلق به الطلب النفسی ما لم تکن فیه مصلحة نفسیّة ، ومعها یتعلق الطلب بها مستقلاً ، ولو لم یکن هناک شیء آخر مطلوب أصلاً ، کما لا یخفى.
نعم لو کان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة ، اتصف النفسی بهما أیضاً ،
__________________
1 ـ کما هو مذهب صاحبی القوانین والفصول ( قدس سرهما ).
القوانین 1 / 101 ـ 102 ، فی مقدّمة الواجب ، المقدمة السادسة والسابعة.
الفصول / 82.
 
ضرورة إنّه قد یکون غیر مقصودة بالإِفادة ، بل اُفید بتبع غیره المقصود بها ، لکن الظاهر ـ کما مر ـ أن الاتصاف بهما إنّما هو فی نفسه ، لا بلحاظ حال الدلالة علیه ، وإلاّ لما اتصف بواحد منهما ، إذا لم یکن بعد مفاد دلیل ، وهو کما ترى.
ثم إنّه إذا کان الواجب التبعی ما لم یتعلق به إرادة مستقلة ، فإذا شک فی واجب إنّه أصلی أو تبعیّ ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به یثبت إنّه تبعیّ ، ویترتب علیه آثاره إذا فرض له آثار شرعیة (1) ، کسائر الموضوعاًت المتقومة بأمور عدمیة.
نعم لو کان التبعی أمراً وجودیاً خاصاً غیر متقوّم بعدمی ، وأنّ کان یلزمه ، لما کان یثبت بها إلّا على القول بالأصل المثبت ، کما هو واضح ، فافهم.
تذنیب : فی بیان الثمرة ، وهی فی المسألة الأصولیة ـ کما عرفت سابقاً ـ لیست إلّا أن تکون نتیجتها صالحة للوقوع فی طریق الاجتهاد ، واستنباط حکم فرعیّ ، کما لو قیل بالملازمة فی المسألة ، فإنّه بضمیمة مقدّمة کون شیء مقدّمة لواجب یستنتج إنّه واجب.
ومنه قد انقدح ، إنّه لیس منها مثل برءِ النذر بإتیان مقدّمة واجب ، عند نذر الواجب ، وحصول الفسق بترک الواجب بمقدماته إذا کانت له مقدمات کثیرة ، لصدق الإِصرار على الحرام بذلک ، وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدمة.
مع أنَّ البرء وعدمه إنّما یتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتیان المقدمة لو قصد الوجوب النفسی ، کما هو المنصرف عند إطلاقه ولو قیل بالملازمة ، وربما
__________________
1 ـ فی نسختی « أ و ب » : آثار شرعی. 
 
یحصل البرء به لو قصد ما یعم المقدمة ولو قیل بعدمها ، کما لا یخفى.
ولا یکاد یحصل الإِصرار على الحرام بترک واجب ، ولو کانت له مقدمات غیر عدیدة ، لحصول العصیان بترک أول مقدّمة لا یتمکن معه من الواجب ، ولا یکون ترک سائر المقدّمات بحرام أصلاً ، لسقوط التکلیف حینئذ ، کما هو واضح لا یخفى.
وأخذ الاجرة على الواجب لا بأس به ، إذا لم یکن إیجابه على المکلف مجاناً وبلا عوض ، بل کان وجوده المطلق مطلوباً کالصناعات الواجبة کفائیة التی لا یکاد ینتظم بدونها البلاد ، ویختل لولاها معاش العباد ، بل ربما یجب أخذ الاجرة علیها لذلک ، أیّ لزوم الاختلال وعدم الانتظام لولا أخذها ، هذا فی الواجبات التوصلیة.
وأما الواجبات التعبدیة ، فیمکن أن یقال بجواز أخذ الاجرة على إتیإنّها بداعی امتثالها ، لا على نفس الإِتیان ، کی ینافی عبادیتها ، فیکون من قبیل الداعی إلى الداعی ، غایة الأمر یعتبر فیها ـ کغیرها ـ أن یکون فیها منفعة عائدة إلى المستاجر ، کی لا تکون المعاملة سفهیة ، وأخذ الاجرة علیها أکلاً بالباطل.
وربما یجعل (1) من الثمرة ، اجتماع الوجوب والحرمة ـ إذا قیل بالملازمة ـ فیما کانت المقدمة محرمة ، فیبتنی على جواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه ، بخلاف ما لو قیل بعدمها ، وفیه :
أولا : إنّه لا یکون من باب الاجتماع ، کی تکون مبتنیة علیه ، لما أشرنا إلیه غیر مرة ، أنَّ الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدّمة ، لا بعنوان المقدمة ، فیکون على الملازمة من باب النهی فی العبادة والمعاملة.
__________________
1 ـ نسب إلى الوحید البهبهانی ، مطارح الأنظار / 81. 
 
وثانیاً : (1) إن الاجتماع وعدمه لا دخل له فی التوصل (2) بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلاً ، فإنّه یمکن التوصل (3) بها إن کانت توصلیة ، ولو لم نقل بجواز الاجتماع ، وعدم جواز التوصل (4) بها إن کانت تعبدیة على القول بالامتناع ، قیل بوجوب المقدمة أو بعدمه ، وجواز التوصل (5) بها على القول بالجواز کذلک ، أیّ قیل بالوجوب أو بعدمه.
وبالجملة لا یتفاوت الحال فی جواز التوصل (6) بها ، وعدم جوازه أصلاً ، بین أن یقال بالوجوب ، أو یقال بعدمه ، کما لا یخفى.
فی تأسیس الأصل فی المسألة
إعلم إنّه لا أصل فی محلّ البحث فی المسألة ، فإن الملازمة بین وجوب المقدمة ووجوب ذی المقدمة وعدمها لیست لها حالة سابقة ، بل تکون الملازمة أو عدمها أزلیّة ، نعم نفس وجوب المقدمة یکون مسبوقاً بالعدم ، حیث یکون حادثا بحدوث وجوب ذی المقدمة ، فالأصل عدم وجوبها.
وتوهمّ عدم جریإنّه ، لکون وجوبها على الملازمة ، من قبیل لوازم الماهیة ، غیر مجعولة ، ولا أثر آخر مجعول مترتب علیه ، ولو کان لم یکن بمهم ها هنا ، مدفوع بإنّه وأنّ کان غیر مجعول بالذات ، لا بالجعل البسیط الذی هو مفاد کان التامة ، ولا بالجعل التألیفی الذی هو مفاد کان الناقصة ، إلّا إنّه
__________________
1 ـ قد حذف المصنف 1 إشکالاً آخر من نسختی « أ و ب » ، وجعل الثالث مکإنّه ، وهذا یشعر بإضرابه عن الایراد الثّانی وهو قوله : « لا یکاد یلزم الاجتماع أصلاً ، لاختصاص الوجوب بغیر المحرم ، فی غیر صورة الانحصار به ، وفیها امّا لا وجوب للمقدمة ، لعدم وجوب ذی المقدمة لأجل المزاحمة ، واما لاحرمة لها لذلک ، کما لا یخفى ».
2 ـ فی « أ » : التوسل.
3 و 4 و 5 و 6 ـ فی « أ و ب » : التوسل.
 
مجعول بالعرض ، ویتبع جعل وجوب ذی المقدمة ، وهو کافٍ فی جریان الأصل.
ولزوم التفکیک بین الوجوبین مع الشک لا محالة ، لاصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذی المقدمة ، لا ینافی الملازمة بین الواقعیین ، وإنما ینافی الملازمة بین الفعلیین ، نعم لو کانت الدعوى هی الملازمة المطلقة حتى فی المرتبة الفعلیة ، لما صحّ التمسک بالأصل ، کما لا یخفى.
إذا عرفت ما ذکرنا ، فقد تصدى غیر واحد من الأفاضل (1) لاقامة البرهان على الملازمة ، وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل ، والأولى إحالة ذلک إلى الوجدان ، حیث إنّه أقوى شاهد على أن الإانسان إذا أراد شیئاً له مقدمات ، أراد تلک المقدّمات ، لو التفت إلیها بحیث ربما یجعلها فی قالب الطلب مثله ، ویقول مولویاً ( أدخل السوق واشتر اللحم ) مثلاً ، بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب ( أدخل ) مثل المنشأ بخطاب ( إشتر ) فی کونه بعثاً مولویاً ، وإنّه حیث تعلقت إرادته بإیجاد عبده الاشتراء ، ترشحت منها له إرادة أُخرى بدخو السوق ، بعد الالتفات إلیه وإنّه یکون مقدّمة له ، کما لا یخفى.
ویؤید الوجدان ، بل یکون من أوضح البرهان ، وجود الأوامر الغیریة فی الشرعیات والعرفیات ، لوضوح إنّه لا یکاد یتعلق بمقدمة أمر غیری ، إلّا إذا کان فیها مناطه ، وإذا کان فیها کان فی مثلها ، فیصحّ تعلقه به أیضاً ، لتحقق ملاکه ومناطه ، والتفصیل بین السبب وغیره والشرط الشرعی وغیره سیأتی بطلإنّه ، وإنّه لا تفاوت فی باب الملازمة بین مقدّمة ومقدمة.
ولا بأس بذکر الاستدلال الذی هو کالأصل لغیره ـ مما ذکره الأفاضل (2)
__________________
1 ـ انظر مطارح الأنظار / 83 ، فی أدلة القائلین بوجوب المقدمة.
2 ـ المصدر السابق / 83 ـ 84 ، الفصول / 84 ، هدایة المسترشدین / 205 ، نهایة الأصول / 88 ، فی المبحث الأوّل من الفصل الخامس فی أحکام الوجوب. 
 
من الاستدلالات ـ وهو ما ذکره أبو الحسن [ الحسین ] (1) البصری (2) ، وهو إنّه لو لم یجب المقدمة لجاز ترکها ، وحینئذ ، فإن بقی الواجب على وجوبه یلزم التکلیف بما لا یطاق ، وإلاّ خرج الواجب المطلق عن وجوبه.
وفیه : ـ بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعی من التالی فی الشرطیّة الأولى ، لا الإِباحة الشرعیة ، وإلاّ کانت الملازمة واضحة البطلان ، وإرادة الترک عما أضیف إلیه الظرف ، لا نفس الجواز ، وإلاّ فمجرد الجواز بدون الترک ، لا یکاد یتوهم معه (3) صدق القضیة الشرطیّة الثانیة ـ ما لا یخفى ؛ فان الترک بمجرد عدم المنع شرعاً لا یوجب صدق إحدى الشرطیتین ، ولا یلزم أحد المحذورین ، فإنّه وأنّ لم یبق له وجوب معه ، إلّا إنّه کان ذلک بالعصیان ، لکونه متمکناً من الإطاعة والإِتیان ، وقد اختار ترکه بترک مقدمته بسوء اختیاره ، مع حکم العقل بلزوم إتیإنّها ، إرشاداً إلى ما فی ترکها من العصیان المستتبع للعقاب.
نعم لو کان المراد من الجواز الترک شرعاً وعقلاً ، یلزم أحد المحذورین ، إلّا أن الملازمة على هذا فی الشرطیّة الأولى ممنوعة ، بداهة إنّه لو لم یجب شرعاً لا یلزم أن یکون جائزاً شرعاً وعقلاً ، لإمکان أن لا یکون محکوماً بحکم شرعاً ، وأنّ کان واجباً عقلاً إرشاداً ، وهذا واضح.
وأما التفصیل بین السبب وغیره ، فقد استدل (4) على وجوب السبب ،
__________________
1 ـ ما أثبتناه هو الصواب ، راجع المعتمد فی أصول الفقه 1 / 94 ، لأبی الحسین البصری.
2 ـ هو أبو الحسن علی بن إسماعیل بن إسحاق الاشعری من نسل أبی موسى الاشعری ولد فی البصرة سنة 260 ه‍ ، تلقى مذهب المعتزلة وتقدم فیهم ، ثم رجع وجاهر بخلافهم ، وأسس مذهب الأشاعرة ، بلغت مصنفاته ثلاثمأة کتاب ، توفی ببغداد سنة 326 ه‍ ( اعلام الزرکلی 4 / 263 ).
3 ـ فی «ب» قضیة.
4 ـ بدائع الأفکار / 353 ، القول الثالث فی وجوب المقدمة.  

 
بأن التکلیف لا یکاد یتعلق إلّا بالمقدور ، والمقدور لا یکون إلّا هو السبب ، وإنما المسبب من آثاره المترتبة علیه قهرا ، ولا یکون من أفعال المکلف وحرکاته أو سکناته ، فلا د من صرف الأمر المتوجه إلیه عنه إلى سببه.
ولا یخفى ما فیه ، من إنّه لیس بدلیل على التفصیل ، بل على أن الأمر النفسی إنّما یکون متعلقاً بالسبب دون المسبب ، مع وضوح فساده ، ضرورة أن المسبب مقدور المکلف ، وهو متمکن عنه بواسطة السبب ، ولا یعتبر فی التکلیف أزید من القدرة ، کانت بلا واسطة أو معها ، کما لا یخفى.
وأما التفصیل بین الشرط الشرعی وغیره ، فقد استدل (1) على الوجوب فی الأوّل بإنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً ، حیث إنّه لیس مما لا بدّ منه عقلاً أو عادة.
وفیه ـ مضافاً إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعی إلى العقلی ـ إنّه لا یکاد یتعلق الأمر الغیری إلّا بما هو مقدّمة الواجب ، فلو کانت مقدمیته متوقفة على تعلقه بها لدار ، والشرطیة وأنّ کانت منتزعة عن التکلیف ، إلّا إنّه عن التکلیف النفسی المتعلق بما قید بالشرط ، لا عن الغیری ، فافهم.
تتمة : لا شبهة فی أن مقدّمة المستحب کمقدمة الواجب ، فتکون مستحبة ـ لو قیل بالملازمة ـ وأما مقدّمة الحرام والمکروه فلا تکاد تتصف بالحرمة أو الکراهة ، إذ منها ما یتمکن معه من ترک الحرام أو المکروه اختیاراً ، کما کان متمکناً قبله ، فلا دخل له أصلاً فی حصول ما هو المطلوب من ترک الحرام أو المکروه ، فلم یترشح من طلبه طلب ترک مقدمتهما ، نعم ما لا یتمکن معه من الترک المطلوب ، لا محالة یکون مطلوب الترک ، ویترشح من طلب ترکهما طلب ترک خصوص هذه المقدمة ، فلو لم یکن للحرام مقدّمة لا یبقى
__________________
1 ـ المصدر المتقدم / 354 ، القول الرابع فی وجوب المقدمة. 
 
معها اختیار ترکه لما اتصف بالحرمة مقدّمة من مقدماته.
لا یقال : کیف؟ ولا یکاد یکون فعل إلّا عن مقدّمة لا محالة معها یوجد ، ضرورة أن الشیء ما لم یجب لم یوجد.
فإنّه یقال : نعم لا محالة یکون من جملتها ما یجب معه صدور الحرام ، لکنه لا یلزم أن یکون ذلک من المقدّمات الاختیاریة ، بل من المقدّمات الغیر الاختیاریة ، کمبادىء الاختیار التی لا تکون بالاختیار ، وإلاّ لتسلسل ، فلا تغفل ، وتأمل.
فصل
الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه ، أو لا؟
فیه أقوال ، وتحقیق الحال یستدعی رسم أمور :
الأول : الاقتضاء فی العنوان أعم من أن یکون بنحو العینیة ، أو الجزئیة ، أو اللزوم من جهة التلازم بین طلب أحد الضدین ، وطلب ترک الآخر ، أو المقدمیة على ما سیظهر ، کما أن المراد بالضد هاهنا ، هو مطلق المعاند والمنافی وجودیاً کان أو عدمیاً.
الثانی : إن الجهة المبحوثة عنها فی المسألة ، وأنّ کانت إنّه هل یکون للأمر اقتضاء بنحو من الأنحاء المذکورة ، إلّا إنّه لما کان عمدة القائلین بالاقتضاء فی الضد الخاص ، إنّما ذهبوا إلیه لأجل توهّم مقدمیة ترک الضد ، کان المهمّ صرف عنان الکلام فی المقام إلى بیان الحال وتحقیق المقال ، فی المقدمیة وعدمها ، فنقول وعلى الله الاتکال :
إن توهّم توقف الشیء على ترک ضدّه ، لیس إلّا من جهة المضادًة والمعاندة بین الوجودین ، وقضیتها الممانعة بینهما ، ومن الواضحات أن عدم 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی