منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت چهارم

المانع من المقدمات.
وهو توهّم فاسد ، وذلک لأن المعاندة والمنافرة بین الشیئین ، لا تقتضی إلّا عدم اجتماعهما فی التحقّق ، وحیث لا منافاة أصلاً بین أحد العینین وما هو نقیض الآخر وبدیله ، بل بینهما کمال الملاءمة ، کان أحد العینین مع نقیض الآخر وما هو بدیله فی مرتبة واحدة من دون أن یکون فی البین ما یقتضی تقدم أحدهما على الآخر ، کما لا یخفى.
فکما أن قضیة المنافاة بین المتناقضین لا تقتضی تقدم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخر ، کذلک فی المتضادین ، کیف؟ ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشیء على عدم ضدّه ، توقف الشیء على عدم مانعه ، لاقتضى توقف عدم الضد على وجود الشیء توقف عدم الشیء على مانعه ، بداهیة ثبوت المانعیة فی الطرفین ، وکون المطاردة من الجانبین ، وهو دور (1) واضح.
وما قیل (2) فی التفصی عن هذا الدور بأن التوقف من طرف الوجود فعلّی ، بخلاف التوقف من طرف العدم ، فإنّه بتوقف على فرض ثبوت المقتضی له ، مع شراشر شرائطه غیر عدم وجود ضدّه ، ولعله کان محالاً ، لأجل انتهاء عدم وجود أحد الضدین مع وجود الآخر إلى عدم تعلق الإرادة الازلیة به ، وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحکمة البالغة ، فیکون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضی ، فلا یکاد یکون مستنداً إلى وجود المانع ، کی یلزم الدور.
إن قلت : هذا إذا لوحظا منتهیین إلى إرادة شخص واحد ، وأما إذا کان کلّ منهما متعلقاً لارادة شخص ، فأراد مثلاً أحد الشخصین حرکة شیء ، وأراد الآخر سکونه ، فیکون المقتضی لکلّ منهما حینئذ موجوداً ، فالعدم ـ لا محالة ـ یکون فعلاً مستنداً إلى وجود المانع.
__________________
1 ـ راجع هدایة المسترشدین / 230 عند قوله : ثانیها.
2 ـ المتفصی هو المحقق الخوانساری (1 )على ما فی مطارح الأنظار / 109.
 
قلت : هاهنا أیضاً مستند إلى عدم قدرة المغلوب منهما فی إرادته ، وهی مما لابد منه فی وجود المراد ، ولا یکاد یکون بمجرد الإرادة بدونها لا إلى وجود الضد ، لکونه مسبوقاً بعدم قدرته ـ کما لا یخفى ـ غیر سدید ، فإنّه وأنّ کان قد ارتفع به الدور ، إلّا إنّه غائلة لزوم توقف الشیء على ما یصلح أن یتوقف علیه على حالها ، لاستحالة أن یکون الشیء الصالح لأن یکون موقوفاً علیه [ الشیء ] (1) موقوفاً علیه ، ضرورة إنّه لو کان فی مرتبة یصلح لأن یستند إلیه ، لما کاد یصحّ أن یستند فعلاً إلیه.
والمنع عن صلوحه لذلک بدعوى : أن قضیة کون العدم مستنداً إلى وجود الضد ، لو کان مجتمعا مع وجود المقتضی ، وأنّ کانت صادقة ، إلّا أن صدقها لا یقتضی کون الضد صالحا لذلک ، لعدم اقتضاء صدق الشرطیّة صدق طرفیها ، مساوق (2) لمنع مانعیة الضد ، وهو یوجب رفع التوقف رأساً من البین ، ضرورة إنّه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدین على عدم الآخر ، إلا توهّم مانعیة الضد ـ کما أشرنا إلیه ـ وصلوحه لها.
إن قلت : التمانع بین الضدین کالنار على المنار ، بل کالشمس فی رابعة النهار ، وکذا کون عدم المانع مما یتوقف علیه ، مما لا یقبل الإِنکار ، فلیس ما ذکر إلّا شبهة فی مقابل البدیهة.
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ مع أن حدیث عدم اقتضاء صدق الشرطیّة لصدق طرفیها ، وأنّ کان صحیحاً ، إلّا أن الشرطیّة ـ هاهنا ـ غیر صحیحة ، فإن وجود المقتضی لضد ، لا یستلزم بوجه استناد عدمه إلى ضدّه ، ولا یکون الاستناد مترتباً على وجوده ؛ ضرورة أن المقتضی لا یکاد یقتضی وجود ما یمنع عما یقتضیه أصلاً کما لا یخفى ، فلیکن المقتضی لاستناد عدم الضد إلى وجود ضدّه فعلاً عند ثبوت مقتضی وجوده ، هی الخصوصیة التی فیه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضیه ، کما هو الحال فی کلّ مانع ، ولیست فی الضد تلک الخصوصیة ، کیف؟ وقد عرفت إنّه لا یکاد یکون مانعاً إلّا على وجه دائر ، نعم إنّما المانع عن الضد هو العلة التامة لضدّه ، لاقتضائها ما یعانده وینافیه ، فیکون عدمه کوجود ضدّه مستنداً إلیها ، فافهم ( منه 1 ).
 
قلت : التمانع بمعنى التنافی والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، إلّا إنّه لا یقتضی إلّا امتناع الاجتماع ، وعدم وجود أحدهما إلّا مع عدم الآخر ، الذی هو بدیل وجوده المعاند له ، فیکون فی مرتبته لا مقدما علیه ولو طبعا ، والمانع الذی یکون موقوفاً على عدمه (1) الوجود هو ماکان ینافی ویزاحم المقتضی فی تأثیره ، لا ما یعاند الشیء ویزاحمه فی وجوده.
نعم العلة التامة لاحد الضدین ، ربما تکون مانعاً عن الآخر ، ومزاحما لمقتضیه فی تأثیره ، مثلاً تکون شدة الشفقة على الولد الغریق وکثرة المحبة له ، تمنع عن أن یؤثر ما فی الأخ الغریق من المحبة والشفقة ، لارادة إنقاذه مع المزاحمة فینقذ به الولد دونه ، فتأمل جیداً.
ومما ذکرنا ظهر إنّه لا فرق بین الضد الموجود والمعدوم ، فی أن عدمه الملائم للشیء المناقض لوجوده المعاند لذاک ، لابد أن یجامع معه من غیر مقتض لسبقه ، بل عرفت ما یقتضی عدم سبقه.
فانقدح بذلک ما فی تفصیل بعضٍ الأعلام (2) ، حیث قال بالتوقف على رفع الضد الموجود ، وعدم التوقف على عدم الضد المعدوم ، فتأمل فی أطراف ما ذکرناه ، فإنّه دقیق وبذلک حقیق.
فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمیة.
وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمین فی الوجود ، فی الحکم ، فغایته أن لا یکون أحدهما فعلاً محکوماً بغیر ما حکم به الآخر ، لا أن یکون محکوماً بحکمه.
وعدم خلو الواقعة عن الحکم ، فهو إنّما یکون بحسب الحکم الواقعی لا الفعلّی ، فلا حرمة للضد من هذه الجهة أیضاً ، بل على ما هو علیه ، لولا
__________________
1 ـ الصحیح ما اثبتناه و فی « أ » و « ب » موقونا علیه الوجود.
2 ـ هو المحقق الخونساری ، راجع مطارح الأنظار / 109. 
 
الابتلاء بالمضادّة للواجب الفعلّی ، من الحکم الواقعی.
الأمر الثالث : إنّه قیل (1) بدلالة الأمر بالشیء بالتضمن على النهی عن الضد العام ، بمعنى الترک ، حیث إنّه یدلّ على الوجوب المرکب من طلب الفعل والمنع عن الترک. والتحقیق إنّه لا یکون الوجوب إلّا طلباً بسیطاً ، ومرتبة وحیدة أکیدة من الطلب ، لا مرکباً من طلبین ، نعم فی مقام تحدید تلک المرتبة وتعیینها ، ربما یقال : الوجوب یکون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترک ، ویتخیل منه إنّه یذکر له حداً ، فالمنع عن الترک لیس من أجزاء الوجوب ومقوماته ، بل من خواصه ولوازمه ، بمعنى إنّه لو التفت الأمر إلى الترک لما کان راضیا به لا محالة ، وکان یبغضه البتة.
ومن هنا انقدح إنّه لا وجه لدعوى العینیة ، ضرورة أن اللزوم یقتضی الاثنینیة ، لا الاتحاد والعینیة.
نعم لا بأس بها ، بأن یکون المراد بها إنّه یکون هناک طلب واحد ، وهو کما یکون حقیقة منسوباً إلى الوجود وبعثاً إلیه ، کذلک یصحّ أن ینسب إلى الترک بالعرض والمجاز ویکون زجراً وردعاً عنه ، فافهم.
الأمر الرابع : تظهر الثمرة فی أن نتیجة المسألة ، وهی النهی عن الضد بناءً على الاقتضاء ، بضمیمة أن النهی فی العبادات یقتضی الفساد ، یتنج فساده إذا کان عبادة.
وعن البهائی ; (2) إنّه أنکر الثمرة ، بدعوى إنّه لا یحتاج فی استنتاج الفساد إلى النهی عن الضد ، بل یکفی عدم الأمر به ، لاحتیاج العبادة إلى الأمر.
__________________
1 ـ القائل هو صاحب المعالم ، المعالم / 63.
2 ـ زبدة الأصول / 82 ، مخطوط. 
 
وفیه : أنّه یکفی مجرد الرجحان والمحبوبیة للمولى ، کی یصحّ أن یتقرب به منه ، کما لا یخفى ، والضد بناءً على عدم حرمته یکون کذلک ، فإن المزاحمة على هذا لا یوجب إلّا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلاً ، مع بقائه على ما هو علیه من ملاکه من المصلحة ، کما هو مذهب العدلیة ، أو غیرها أیّ شیء کان ، کما هو مذهب الأشاعرة ، وعدم حدوث ما یوجب مبغوضیته وخروجه عن قابلیة التقرب به کما حدث ، بناءً على الاقتضاء.
ثم إنّه تصدى جماعة من الأفاضل (1) ، لتصحیح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصیان ، وعدم إطاعة الأمر بالشیء بنحو الشرط المتأخر ، أو البناء على معصیته (2) بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، بدعوى إنّه لا مانع عقلاً عن تعلق الأمر بالضدین کذلک ، أیّ بأن یکون الأمر بالأهم مطلقاً ، والأمر بغیره معلّقاً على عصیان ذاک الأمر ، أو البناء والعزم علیه ، بل هو واقع کثیراً عرفاً.
قلت : ما هو ملاک استحالة طلب الضدین فی عرض واحد ، آت فی طلبهما کذلک ، فإنّه وأنّ لم یکن فی مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما ، إلّا إنّه کان فی مرتبة الأمر بغیره اجتماعهما ، بداهة فعلیة الأمر بالأهم فی هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصیة فیما بعد ما لم یعص أو العزم علیها ، مع فعلیة الأمر بغیره أیضاً ، لتحقق ما هو شرط فعلیته فرضاً.
لا یقال : نعم لکنه بسوء اختیار المکلف حیق یعصی فیما بعد بالاختیار ، فلولاه لما کان متوجهاً إلیه إلّا الطلب بالأهم ، ولا برهان على امتناع الاجتماع ، إذا کان بسوء الاختیار.
فإنّه یقال : استحالة طلب الضدین ، لیس إلّا لأجل استحالة طلب المحال ، واستحالة طلبه من الحکیم الملتفت إلى محالیته ، لا تختص بحال دون
__________________
1 ـ منهم صاحب کشف الغطاء ، کشف الغطاء / 27 ، البحث الثامن عشر.
2 ـ فی « ب » معصیة ، وفی بعضٍ النسخ المطبوعة « المعصیة ». 
 
حال ، وإلاّ لصحّ فیما علق على أمر اختیاری فی عرض واحد ، بلا حاجة فی تصحیحه إلى الترتب ، مع إنّه محال بلا ریب ولا إشکال.
إن قلت : فرق بین الاجتماع فی عرض واحد والاجتماع کذلک ، فإن الطلب فی کلّ منهما فی الأوّل یطارد الآخر ، بخلافه فی الثّانی ، فإن الطلب بغیر الأهم لا یطارد طلب الأهم ، فإنّه یکون على تقدیر عدم الإِتیان بالأهم ، فلا یکاد یرید غیره على تقدیر إتیإنّه ، وعدم عصیان أمره.
قلت : لیت شعری کیف لا یطارده الأمر بغیر الأهم؟ وهل یکون طرده له إلّا من جهة فعلیته ، ومضادة متعلقه للاهم؟ والمفروض فعلیته ، ومضادة متعلقه له. وعدم إرادة غیر الأهم على تقدیر الإِتیان به لا یوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه ، على تقدیر عدم الإِتیان به وعصیان أمره ، فیلزم اجتماعهما على هذا التقدیر ، مع ما هما علیه من المطاردة ، من جهة المضادًة بین المتعلقین ، مع إنّه یکفی الطرد من طرف الأمر بالأهم ، فإنّه على هذا الحال یکون طاردا لطلب الضد ، کما کان فی غیر هذا الحال ، فلا یکون له معه أصلاً بمجال.
إن قلت : فما الحیلة فیما وقع کذلک من طلب الضدین فی العرفیات؟
قلت : لا یخلو : امّا أن یکون الأمر بغیر الأهم ، بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقیقة.
وإما أن یکون الأمر به إرشاداً إلى محبوبیّته وبقائه على ما هو علیه من المصلحة والغرض لولا المزاحمة ، وأنّ الإِتیان به یوجب استحقاق المثوبة فیذهب بها بعضٍ ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم ، لا إنّه أمر مولوی فعلّی کالأمر به ، فافهم وتأملّ جیداً.
ثم إنّه لا أظن أن یلتزم القائل بالترتب ، بما هو لازمه من الاستحقاق فی  

 
صورة مخالفة الأمرین لعقوبتین ، ضرورة قبح العقاب على ما لا یقدّر علیه العبد ، ولذا کان سیدنا الأستاذ (1) (1) لا یلتزم به ـ على ما هو ببالی ـ وکنا نورد به على الترتب ، وکان بصدد تصحیحه.
فقد ظهر إنّه لا وجه لصحة العبادة ، مع مضادتها لما هو أهم منها ، إلّا ملاک الأمر.
نعم فیما إذا کانت موسعة ، وکانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت ، لا فی تمامه ، یمکن أن یقال : إنّه حیث کان الأمر بها على حاله ، وأنّ صارت مضیقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها ، أمکن أن یؤتى بما زوحم منها بداعی ذاک الأمر ، فإنّه وأنّ کان خارجاً عن تحتها بما هی مأمور بها ، إلّا إنّه لما کان وافیاً بغرضها کالباقی تحتها ، کان عقلاً مثله فی الإِتیان به فی مقام الامتثال ، والإِتیان به بداعی ذاک الأمر ، بلا تفاوت فی نظره بینهما أصلاً.
ودعوى أن الأمر لا یکاد یدعو إلّا إلى ما هو من أفراد الطبیعة المأمور بها ، وما زوحم منها بالأهم ، وأنّ کان من أفراد الطبیعة ، لکنه لیس من أفرادها بما هی مأمور بها ، فاسدة ، فإنّه إنّما یوجب ذلک ، إذا کان خروجه عنها بما هی کذلک تخصیصا لا مزاحمة ، فإنّه معها وأنّ کان لا تعمه الطبیعة المأمور بها ، إلّا إنّه لیس لقصور فیه ، بل لعدم إمکان تعلق الأمر بما تعمه عقلاً ، وعلى کلّ حال ، فالعقل لا یرى تفاوتاً فی مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها ، بین هذا الفرد وسائر الأفراد أصلاً.
__________________
1 ـ هو آیة الله مجدد المذهب الحاج میرزا محمد حسن بن السید میرزا محمود الحسینی الشیرازی ولد فی 15 ج 1230، حضر درس المحقق السید حسن المدرس والمحقق الکلباسی قصد العراق عام 1259 ، حضر الاندیة العلمیة ، اختصّ فی التلمذة والحضور بأبحاث المحقق الانصاری ، عین مرجعاً بعده ، حج سنة 1288 ، وهاجر إلى سأمراًء شعبان سنة 1291 ثم تبعه تلامیذه ، أخذ منه کثیر من فحول العلماء ، منهم : آقا رضا الهمدانی والشیخ فضل الله النوری والآخوند الخراسانی ، توفی لیلة الاربعاء 24 شعبان 1312 ه‍. () الکنى والالقاب 3 / 184 ) 
 
هذا على القول بکون الأوامر متعلقة بالطبائع.
وأما بناءً على تعلقها بالأفراد فکذلک ، وأنّ کان جریإنّه علیه أخفى ، کما لا یخفى ، فتأمل.
ثم لا یخفى إنّه بناءً على إمکان الترتب وصحته ، لا بد من الالتزام بوقوعه ، من دون انتطار دلیل آخر علیه ، وذلک لوضوح أن المزاحمة على صحة الترتب لا تقتضی عقلاً إلّا امتنع الاجتماع فی عرض واحد ، لا کذلک ، فلو قیل بلزوم الأمر فی صحة العبادة : ولم یکن فی الملاک کفایة ، کانت العبادة مع ترک الأهم صحیحة لثبوت الأمر بها فی هذا الحال ، کما إذا لم تکن هناک مضادة.
فصل
لا یجوز أمر الأمر ، مع علمه بانتفاء شرطه ، خلافاً لما نسب (1) إلى أکثر مخالفینا (2) ، ضرورة إنّه لا یکاد یکون الشیء مع عدم علته ، کما هو المفروض ها هنا ، فإن الشرط من أجزائها ، وانحلال المرکب بانحلال بعضٍ أجزائه مما لا یخفى ، وکون الجواز فی العنوان بمعنى الإِمکان الذاتی بعید عن محلّ الخلاف بین الأعلام.
نعم لو کان المراد من لفظ الأمر ، الأمر ببعض مراتبه ، ومن الضمیر الراجع إلیه بعضٍ مراتبه الآخر ، بأن یکون النزاع فی أن أمر الأمر یجوز إنشاءً مع علمه بانتفاء شرطه ، بمرتبة فعلیة.
وبعبارة أُخرى : کان النزاع فی جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلیة لعدم شرطه ، لکان جائزاً ، وفی وقوعه فی الشرعیات والعرفیات
__________________
1 ـ کما فی معالم الأصول / 85 ، وقوانین الأصول / 125.
2 ـ راجع شرح مختصر الأصول للعضدی / 107 ، وتیسیر التحریر 2 / 240.  

 
غنىً وکفایة ، ولا یحتاج معه إلى مزید بیان أو مؤونة برهان.
وقد عرفت سابقاً (1) أن داعی إنشاءً الطلب ، لا ینحصر بالبعث والتحریک جداً حقیقة ، بل قد یکون صوریا امتحاناً ، وربما یکون غیر ذلک.
ومنع کونه أمراً إذا لم یکن بداعی البعث جداً واقعاً ، وأنّ کان فی محله ، إلّا أن إطلاق الأمر علیه ، إذا کانت هناک قرینة على إنّه بداعٍ آخر غیر البعث توسعاً ، مما لا بأس به أصلاً ، کما لا یخفى.
وقد ظهر بذلک حال ما ذکره الأعلام فی المقام من النقض والأبرام ، وربما یقع به التصالح بین الجانبین ویرتفع النزاع من البین ، فتأمل جداً.
فصل
الحق أن الأوامر والنواهی تکون متعلقة بالطبائع دون الأفراد ، ولا یخفى أن المراد أن متعلق الطلب فی الأوامر هو صرف الایجاد ، کما أن متعلقه فی النواهی هو محض الترک ، ومتعلقهما هو نفس الطبیعة المحدودة بحدود والمقیدة بقیود ، تکون بها موافقة للغرض والمقصود ، من دون تعلق غرض بإحدى الخصوصیات اللازمة للوجودات ، بحیث لو کان الانفکاک عنها بأسرها ممکناً ، لما کان ذلک مما یضر بالمقصود أصلاً ، کما هو الحال فی القضیة الطبیعیة فی غیر الأحکام ، بل فی المحصورة ، على ما حقق فی غیر المقام.
وفی مراجعة الوجدان للانسان غنىً وکفایة عن إقامة البرهان على ذلک ، حیث یرى إذا راجعه إنّه لا غرض له فی مطلوباته إلّا نفس الطبائع ، ولا نظر له إلّا إلیها من دون نظر إلى خصوصیاتها الخارجیة ، وعوارضها العینیة ، وأنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب ، وأنّ کان ذاک الوجود
__________________
1 ـ فی المقصد الأوّل ، الفصل الثّانی ، المبحث الأوّل صفحة / 69. 
 
لا یکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة.
فانقدح بذلک أن المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد ، إنّها بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود ، متعلقة للطلب ، لا إنّها بما هی هی کانت متعلقة له ، کما ربما یتوهم ، فإنّها کذلک لیست إلّا هی ، نعم هی کذلک تکون متعلقة للأمر ، فإنّه طلب الوجود ، فافهم.
دفع وهم : لا یخفى أن کون وجود الطبیعة أو الفرد متعلقاً للطلب ، إنّما یکون بمعنى أن الطالب یرید صدور الوجود من العبد ، وجعله بسیطاً الذی هو مفاد کان التامة ، وإفاضته ، لا إنّه یرید ما هو صادر وثابت فی الخارج کی یلزم طلب الحاصل ، کما توهّم ، ولا جعل الطلب متعلقاً بنفس الطبیعة ، وقد جعل وجودها غایة لطلبها.
وقد عرفت أن الطبیعة بما هی هی لیست إلّا هی ، لا یعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک ، وإنّه لابد فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها ، فیلاحظ وجودها فیطلبه ویبعث إلیه ، کی یکون ویصدر منه ، هذا بناءً على أصالة الوجود.
وأما بناءً على أصالة الماهیة ، فمتعلق الطلب لیس هو الطبیعة بما هی أیضاً ، بل بما هی بنفسها فی الخارج ، فیطلبها کذلک لکی یجعلها بنفسها من الخارجیات والاعیان الثابتات ، لا بوجودها کما کان الأمر بالعکس على أصالة الوجود.
وکیف کان فیلحظ الأمر ما هو المقصود من الماهیة الخارجیة أو الوجود ، فیطلبه ویبعث نحوه لیصدر منه ویکون ما لم یکن ، فافهم وتأملّ جیداً.
فصل
إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ ولا المنسوخ ، على بقاء الجواز  

 
بالمعنى الأعم ، ولا بالمعنى الأخص ، کما لا دلالة لهما على ثبوت غیره من الأحکام ، ضرورة أن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن ، ولا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ والمنسوخ ـ بإحدى الدلالات ـ على تعیین واحد منها ، کما هو أوضح من أن یخفى ، فلا بد للتعیین من دلیل آخر ، ولا مجال لاستصحاب الجواز ، إلّا بناءً على جریإنّه فی القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی ، وهو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر ، وقد حققنا فی محله (1) ، إنّه لا یجری الاستصحاب فیه ، ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع ، بحیث عد عرفاً ـ لو کان ـ إنّه باق ، لا إنّه أمر حادث غیره.
ومن المعلوم أن کلّ واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً وعرفاً ، من المباینات والمتضادات ، غیر الوجوب والاستحباب ، فإنّه وأنّ کان بینهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلاً إلّا إنّهما متباینان عرفاً ، فلا مجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر ، فإن حکم العرف ونظره یکون متّبعاً فی هذا الباب.
فصل
إذا تعلق الأمر بأحد (2) الشیئین أو الاشیاء ، ففی وجوب کلّ واحد على التخییر ، بمعنى عدم جواز ترکه إلّا إلى بدل ، أو وجوب الواحد بعینه ، أو وجوب کلّ منهما مع السقوط بفعل أحدهما ، أو وجوب المعینّ عند الله ، أقوال.
والتحقیق أن یقال : إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین ، بملاک إنّه هناک غرض واحد یقوم به کلّ واحد منهما ، بحیث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام
__________________
1 ـ فی التنبیه الثالث من تنبیهات الاستصحاب / 406.
2 ـ فی « ب » باحدى.
 
الغرض ، ولذا یسقط به الأمر ، کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما ، وکان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلّیاً لا شرعیاً ، وذلک لوضوح أن الواحد لا یکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ، ما لم یکن بینهما جامع فی البین ، لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة والمعلول.
وعلیه : فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی ، لبیان أن الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.
وإن کان بملاک إنّه یکون فی کلّ واحد منهما غرض ، لا یکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیإنّه ، کان کلّ واحد واجباً بنحو من الوجوب ، یستکشف عنه تبعاته ، من عدم جواز ترکه إلّا إلى الآخر ، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما ، والعقاب على ترکهما ، فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو (1) أحدهما لا بعینه مصداقاً ولا مفهوماً ، کما هو واضح ، إلّا أن یرجع إلى ما ذکرنا فیما إذا کان الأمر بأحدهما بالملاک الأوّل ، من أن الواجب هو الواحد الجامع بینهما ؛ ولا أحدهما م عیناً ، مع کون کلّ منهما مثل الآخر فی إنّه وافٍ بالغرض [ ولا کلّ واحد منهما تعیناً مع السقوط بفعل أحدهما ، بداهة عدم السقوط مع إمکان استیفاء ما فی کلّ منهما من الغرض ، وعدم جواز الإِیجاب کذلک مع عدم إمکانه ] (2) فتدبر.
بقی الکلام فی إنّه هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقلّ والأکثر ، أولاً؟
__________________
1 ـ فإنّه وأنّ کان مما یصحّ أن یتعلق به بعضٍ الصفات الحقیقیة ذات الاضافة کالعلم ، فضلاً عن الصفات الاعتباریة المحضة کالوجوب والحرمة وغیرهما ، مما کان من خارج المحمول الذی لیس بحذائه فی الخارج شیء غیر ما هو منشأ انتزاعه ، إلّا إنّه لا یکاد یصحّ البعث حقیقة إلیه ، والتحریک نحوه ، کما لا یکاد یتحقق الداعی لإِرادته ، والعزم علیه ، ما لم یکن مائلا إلى إرادة الجامع ، والتحرک نحوه ، فتأمل جیداً ( منه 1 ).
2 ـ أثبتناها من « ب ».  

 
ربما یقال ، بإنّه محال ، فإن الأقلّ إذا وجد کان هو الواجب لا محالة ، ولو کان فی ضمن الأکثر ، لحصول الغرض به ، وکان الزائد علیه من أجزاء الأکثر زائداً على الواجب ، لکنه لیس کذلک ، فإنّه إذا فرض أن المحصل للغرض فیما إذا وجد الأکثر ، هو الأکثر لا الأقلّ الذی فی ضمنه ، بمعنى أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله ، وأنّ کان الأقلّ لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً ، فلا محیص عن التخییر بینهما ، إذ تخصیص الأقلّ بالوجوب حینئذ کان بلا مخصص ، فإن الأکثر بحدَّه یکون مثله على الفرض ، مثل أن یکون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتباً على الطویل إذا رسم بماله من الحد ، لا على القصیر فی ضمنه ، ومعه کیف یجوز تخصیصه بما لا یعمه؟ ومن الواضح کون هذا الفرض بمکان من الأمکان.
إن قلت : هبه فی مثل ما إذا کان للاکثر وجود واحد ، لم یکن للاقل فی ضمنه وجود على حدة ، کالخط الطویل الذی رسم دفعة بلا تخلل سکون فی البین ، لکنه ممنوع فیما کان له فی ضمنه وجود ، کتسبیحة فی ضمن تسبیحات ثلاث ، أو خط طویل رسم مع تخلل العدم فی رسمه ، فإن الأقلّ قد وجد بحدَّه ، وبه یحصل الغرض على الفرض ، ومعه لا محالة یکون الزائة علیه مما لا دخل له فی حصوله ، فیکون زائداً على الواجب ، لا من أجزائه.
قلت : لا یکاد یختلف الحال بذاک ، فإنّه مع الفرض لا یکاد یترتب الغرض على الأقلّ فی ضمن الأکثر ، وإنما یترتب علیه بشرط عدم الانضمام ، ومعه کان مترتباً على الأکثر بالتمام.
وبالجملة إذا کان کلّ واحد من الأقلّ والأکثر بحدَّه مما یترتب علیه الغرض ، فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما ، وکان التخییر بینهما عقلّیاً إن کان هناک غرض واحد ، وتخییرا شرعیاً فیما کان هناک غرضان ، على ما عرفت. 
 
نعم لو کان الغرض مترتباً على الأقلّ ، من دون دخل للزائد ، لما کان الأکثر مثل الأقلّ وعدلاً له ، بل کان فیه اجتماع الواجب وغیره ، مستحباً کان أو غیره ، حسب اختلاف الموارد ، فتدبرّ جیداً.
فصل
فی الوجوب (1) الکفائی :
والتحقیق إنّه سنخ من الوجوب ، وله تعلق بکل واحد ، بحیث لو أخلّ بامتثاله الکلّ لعوقبوا على مخالفته جمیعاً ، وأنّ سقط عنهم لو أتى به بعضهم ، وذلک لإنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد ، حصل بفعل واحد ، صادر عن الکلّ أو البعض.
کما أن الظاهر هو امتثال الجمیع لو أتوا به دفعة ، واستحقاقهم للمثوبة ، وسقوط الغرض بفعل الکلّ ، کما هو قضیة توارد العلل المتعدِّدة على معلول واحد.
فصل
لا یخفى إنّه وأنّ کان الزمان مما لا بدّ منه عقلاً فی الواجب ، إلّا إنّه تارةً مما له دخل فیه شرعاً فیکون موقتا ، وأخرى لا دخل له فیه أصلاً فهو غیر موقت ، والموقت امّا أن یکون الزمان المأخوذ فیه بقدره فمضّیق ، وإما أن یکون أوسع منه فموسّع.
ولا یذهب علیک أن الموسّع کلی ، کما کان له أفراد دفعیة ، کان له أفراد تدریجیة ، یکون التخییر بینها کالتخییر بین أفرادها الدفعیة عقلّیاً.
ولا وجه لتوهم أن یکون التخییر بینها شرعیاً ، ضرورة أن نسبتها إلى الواجب نسبة أفراد الطبائع إلیها ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ فی « ب » : فی الوجوب الواجب الکفائی.  

 
ووقوع الموسّع فضلاً عن إمکانه ، مما لا ریب فیه ، ولا شبهة تعتریه ، ولا اعتناء ببعض التسویلات کما یظهر من المطّولات.
ثم إنّه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه على الأمر به فی خارج الوقت ، بعد فوته فی الوقت ، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به.
نعم لو کان التوقیت بدلیل منفصل ، لم یکن له إطلاق على التقیید بالوقت ، وکان لدلیل الواجب إطلاق ، لکان قضیة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت ، وکون التقیید به بحسب تمام المطلوب لا أصله.
وبالجملة : التقیید بالوقت کما یکون بنحو وحدة المطلوب ، کذلک ربما یکون بنحو تعدَّد المطلوب ، بحیث کان أصل الفعل ، ولو فی خارج الوقت مطلوباً فی الجملة ، وأنّ لم یکن بتمام المطلوب ، إلّا إنّه لابد فی إثبات إنّه بهذا النحو من دلالة ، ولا یکفی الدلیل على الوقت إلّا فیما عرفت ، ومع عدم الدلالة فقضیة أصالة البراءة عدم وجوبها فی خارج الوقت ، ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت ، فتدبرّ جیداً.
فصل
الأمر بالأمر بشیء ، أمر به لو کان الغرض حصوله ، ولم یکن له غرض فی توسیط أمر الغیر به إلّا تبلیغ (1) أمره به ، کما هو المتعارف فی أمر الرسل بالأمر أو النهی. وأما لو کان الغرض من ذلک یحصل بأمره بذاک الشیء ، من دون تعلق غرضه به ، أو مع تعلق غرضه به لا مطلقاً ، بل بعد تعلق أمره به ، فلا یکون أمراً بذاک الشیء ، کما لا یخفى.
وقد انقدح بذلک إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر ، على کونه أمراً به ، ولا بدّ فی الدلالة
__________________
1 ـ فی « ب » : بتبلیغ.  

 
علیه من قرینة علیه.
فصل
إذا ورد أمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله ، فهل یوجب تکرار ذاک الشیء ، أو تأکید الأمر الأوّل ، والبعث الحاصل به؟ قضیة إطلاق المادة هو التأکید ، فإن الطلب تأسیساً لا یکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین ، من دون أن یجیء تقیید لها فی البین ، ولو کان بمثل ( مرّة أُخرى ) کی یکون متعلق کلّ منهما غیر متعلق الآخر ، کما لا یخفى ، والمنساق من إطلاق الهیئة ، وأنّ کان هو تأسیس الطلب لا تأکیده ، إلّا أن الظاهر هو انسباق التأکید عنها ، فیما کانت مسبوقة بمثلها ، ولم یذکر هناک سبب ، أو ذکر سبب واحد.
 
 
 
 


 
 
 
المقصد الثّانی : فی النواهی
فصل
الظاهر أن النهی بمادته وصیغته فی الدلالة على الطلب ، مثل الأمر بمادته وصیغته ، غیر أن متعلق الطلب فی أحدهما الوجود ، وفی الآخر العدم ، فیعتبر فیه ما استظهرنا اعتباره فیه بلا تفاوت أصلاً ، نعم یختص النهی بخلاف ، وهو : إن متعلق الطلب فیه ، هل هو الکف ، أو مجرد الترک وأنّ لا یفعل؟ والظاهر هو الثانی.
وتوهمّ أن الترک ومجرد أن لا یفعل خارج عن تحت الاختیار ، فلا یصحّ أن یتعلق به البعث والطلب ، فاسد ، فإن الترک أیضاً یکون مقدوراً ، وإلاّ لما کان الفعل مقدوراً وصادراً بالإِرادة والاختیار ، وکون العدم الازلی لا بالاختیار ، لا یوجب أن یکون بحسب البقاء والاستمرار الذی یکون بحسبه محلاً للتکلیف.
ثم إنّه لا دلالة لصیغته على الدوام والتکرار ، کما لا دلالة لصیغة الأمر وأنّ کان قضیتهما عقلاً تختلف ولو مع وحدة متعلقهما ، بأن یکون طبیعة واحدة بذاتها وقیدها تعلق بها الأمر مرة والنهی أُخرى ، ضرورة أن وجودها یکون بوجود فرد واحد ، وعدمها لا یکاد یکون إلّا بعدم الجمیع ، کما لا یخفى.
ومن ذلک یظهر أن الدوام والاستمرار ، إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعة مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال ، فإنّه حینئذ لا یکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة ، إلّا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة والتدریجیة.  

 
وبالجملة قضیة النهی ، لیس إلّا ترک تلک الطبیعة التی تکون متعلقة له ، کانت مقیدة أو مطلقة ، وقضیة ترکها عقلاً ، إنّما هو ترک جمیع أفرادها.
ثم إنّه لا دلالة للنهی على إرادة الترک لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لابد فی تعیین ذلک من دلالة ، ولو کان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ، ولا یکفی إطلاقها من سائر الجهات ، فتدبرّ جیداً.
فصل
اختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنهی فی واحد ، وامتناعه ، على أقوال : (1) ثالثها (2) : جوازه عقلاً وامتناعه عرفاً ، وقبل الخوض فی المقصود یقدم أمور :
الأول : المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین ، ومندرجا تحت عنوانین ، بأحدهما کان مورداً للأمر ، وبالآخر للنهی ، وأنّ کان کلیاً مقولاً على کثیرین ، کالصلاة فی المغصوب ، وإنما ذکر لاخراج ما إذا تعدَّد متعلق الأمر والنهی ولم یجتمعا وجوداً ، ولو جمعهما واحد مفهوماً ، کالسجود لله تعالى ، والسجود للصنم مثلاً ، لا لاخراج الواحد الجنسی أو النوعی کالحرکة والسکون الکلیین المعنونین بالصلاتیة والغصبیة.
الثانی : الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی فی العبادة (3) ، هو أن الجهة المبحوث عنها فیها التی بها تمتاز المسائل ، هی أن تعدَّد الوجه والعنوان فی الواحد یوجب تعدَّد متعلق الأمر والنهی ، بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد ، أو لا یوجبه ، بل یکون حاله حاله ، فالنزاع فی سرایة کلّ
__________________
1 ـ راجع مطارح الأنظار / 129. فی اجتماع الأمر والنهی.
2 ـ مجمع الفائدة والبرهان للأردبیلی 2 : 110.
3 ـ فی « ب » العبادات. 
 
من الأمر والنهی إلى متعلق الآخر ، لاتحاد متعلقیهما وجوداً ، وعدم سرایته لتعددهما وجهاً ، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الأخرى ، فإن البحث فیها فی أن النهی فی العبادة [ أو المعاملة ] (1) یوجب فسادها ، بعد الفراغ عن التوجه إلیها.
نعم لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع ، یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة.
فانقدح أن الفرق بین المسألتین فی غایة الوضوح.
وأما ما أفاده فی الفصول (2) ، من الفرق بما هذه عبارته :
( ثم اعلم أن الفرق بین المقام والمقام المتقدم ، وهو أن الأمر والنهی هل یجتمعان فی شیء واحد أو لا؟ امّا فی المعاملات فظاهر ، وأما فی العبادات ، فهو أن النزاع هناک فیما إذا تعلق الأمر والنهی بطبیعتین متغایرتین بحسب الحقیقة ، وأنّ کان بینهما عموم مطلق ، وهنا فیما إذا اتحدتا حقیقة وتغایرتا بمجرد الإِطلاق والتقیید ، بأن تعلق الأمر بالمطلق ، والنهی بالمقید ) انتهى موضع الحاجة ، فاسد ، فإن مجرد تعدَّد الموضوعاًت وتغایرها بحسب الذوات ، لا یوجب التمایز بین المسائل ، ما لم یکن هناک اختلاف الجهات ، ومعه لا حاجة أصلاً إلى تعددها ، بل لابد من عقد مسألتین ، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها ، وعقد مسألة واحدة فی صورة العکس ، کما لا یخفى.
ومن هنا انقدح أیضاً فساد الفرق ، بأن النزاع هنا فی جواز الاجتماع عقلاً ، وهناک فی دلالة النهی لفظاً. فإن مجرد ذلک لو لم یکن تعدَّد الجهة فی البین ، لا یوجب إلّا تفصیلا فی المسألة الواحدة ، لا عقد مسألتین ، هذا مع
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ الفصول / 140 ، فصل فی دلالة النهی على فساد المنهی عنه. 
 
عدم اختصاص النزاع فی تلک المسألة بدلالة اللفظ ، کما سیظهر.
الثالث : إنّه حیث کانت نتیجة هذه المسألة مما تقع فی طریق الاستنباط ، کانت المسألة من المسائل الأصولیة ، لا من مبادئها الاحکامیة ، ولا التصدیقیة ، ولا من المسائل الکلامیة ، ولا من المسائل الفرعیة ، وأنّ کانت فیها جهاتها ، کما لا یخفى ، ضرورة أن مجرد ذلک لا یوجب کونها منها إذا کانت فیها جهة أُخرى ، یمکن عقدها معها من المسائل ، إذ لا مجال حینئذ لتوهم عقدها من غیرها فی الأصول ، وأنّ عقدت کلامیة فی الکلام ، وصحّ عقدها فرعیة أو غیرها بلا کلام ، وقد عرفت فی أول الکتاب (1) إنّه لا ضیر فی کون مسألة واحدة ، یبحث فیها عن جهة خاصة من مسائل علمین ، لانطباق جهتین عامتین على تلک الجهة ، کانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالأُخرى من آخر ، فتذکرّ.
الرابع : إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه ، أن المسألة عقلیة ، ولا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع والامتناع فیها بما إذا کان الإِیجاب والتحریم باللفظ ، کما ربما یوهمه التعبیر بالأمر والنهی الظاهرین فی الطلب بالقول ، إلّا إنّه لکون الدلالة علیهما غالباً بهما ، کما هو أوضح من أن یخفى. وذهاب البعض (2) إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ، لیس بمعنى دلالة اللفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقیق العقلی اثنان ، وإنّه بالنظر المسامحی العرفی واحد ذو وجهین ، وإلاّ فلا یکون معنى محصلا للامتناع العرفی ، غایة الأمر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختیار جواز الاجتماع ، فتدبرّ جیداً.
الخامس : لا یخفى أن ملاک النزاع فی جواز الاجتماع والامتناع یعم جمیع أقسام الإِیجاب والتحریم ، کما هو قضیة إطلاق لفظ الأمر والنهی ،
__________________
1 ـ فی الأمر الأوّل من مقدّمة الکتاب / 7.
2 ـ الأردبیلی فی شرح الإِرشاد 2 / 110. 
 
ودعوى الانصراف إلى النفسیین التعیینیین العینیین فی مادتهما ، غیر خالیة عن الاعتساف ، وأن سلّم فی صیغتهما ، مع إنّه فیها ممنوع (1).
نعم لا یبعد دعوى الظهور والانسباق من الإِطلاق ، بمقدمات الحکمة الغیر الجاریة فی المقام ، لما عرفت من عموم الملاک لجمیع الأقسام ، وکذا ما وقع فی البین من النقض والأبرام. مثلاً إذا أمر بالصلاة والصوم تخییراً بینهما ، وکذلک نهى عن التصرف فی الدار والمجالسة مع الاغیار ، فصلى فیها مع مجالستهم ، کان حال الصلاة فیها حالها ، کما إذا أمر بها تعییناً (2) ، ونهى عن التصرف فیها کذلک فی جریان النزاع فی الجواز والامتناع ، ومجیء أدلة الطرفین ، وما وقع من النقض والأبرام فی البین ، فتفطن.
السادس : إنّه ربما یؤخذ فی محلّ النزاع قید المندوحة فی مقام الامتثال ، بل ربما قیل : بأن الإِطلاق إنّما هو للاتکال على الوضوح ، إذ بدونها یلزم التکلیف بالمحال.
ولکن التحقیق مع ذلک عدم اعتبارها فی ما هو المهمّ فی محلّ النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحکمین المتضادین ، وعدم الجدوى فی کون موردهما موجهاً بوجهین فی رفع غائلة اجتماع الضدین ، أو عدم لزومه ، وأنّ تعدَّد الوجه یجدی فی رفعها ، ولا یتفاوت فی ذلک أصلاً وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التکلیف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.
نعم لابد من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً ، لمن یرى التکلیف بالمحال محذوراً ومحالاً ، کما ربما لابد من اعتبارٍ أمر آخر فی الحکم به کذلک أیضاً.
وبالجملة لا وجه لاعتبارها ، إلّا لأجل اعتبارٍ القدرة على الامتثال ، وعدم
__________________
1 ـ فی « ب » : ممنوعة.
2 ـ فی « ب » : ت عیناً. 
 
لزوم التکلیف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور فی المقام من التکلیف المحال ، فافهم واغتنم.
السابع : إنّه ربما یتوهم تارةً أن النزاع فی الجواز والامتناع ، یبتنی على القول بتعلق الأحکام بالطبائع ، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فلا یکاد یخفى ، ضرورة لزوم تعلق الحکمین بواحد شخصی ، ولو کان ذا وجهین على هذا القول.
وأخرى أن القول بالجواز مبنی على القول بالطبائع ، لتعدد متعلق الأمر والنهی ذاتاً علیه ، وأنّ اتحد وجوداً ، والقول بالامتناع على القول بالأفراد ، لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً ، وکونه فرداً واحداً.
وأنت خبیر بفساد کلاّ التوهمین ، فإن تعدَّد الوجه إن کان یجدی بحیث لا یضر معه الاتحاد بحسب الوجود والایجاد ، لکان یجدی ولو على القول بالأفراد ، فإن الموجود الخارجی الموجه بوجهین ، یکون فرداً لکلّ من الطبیعتین ، فیکون مجمعاً لفردین موجودین بوجود واحد ، فکما لا یضر وحدة الوجود بتعدد الطبیعتین ، لا یضر بکون المجمع اثنین بما هو مصداق وفرد لکلّ من الطبیعتین ، وإلاّ لما کان یجدی أصلاً ، حتى على القول بالطبائع ، کما لا یخفى ، لوحدة الطبیعتین وجوداً واتحادهما خارجاً ، فکما أن وحدة الصلاتیة والغصبیة فی الصلاة فی الدار المغصوبة وجوداً غیر ضائر بتعددهما وکونها طبیعتین ، کذلک وحدة ما وقع فی الخارج من خصوصیات الصلاة فیها وجوداً غیر ضائر بکونه فرداً للصلاة ، فیکون مأموراً به ، وفردا للغصب فیکون منهیاً عنه ، فهو على وحدته وجوداً یکون اثنین ، لکونه مصداقاً للطبیعتین ، فلا تغفل.
الثامن : إنّه لا یکاد یکون من باب الاجتماع ، إلّا إذا کان فی کلّ واحد من متعلقی الإِیجاب والتحریم مناط حکمه مطلقاً ، حتى فی مورد 
 
التصادق والاجتماع ، کی یحکم على الجواز بکونه فعلاً محکوماً بالحکمین وعلى الامتناع بکونه محکوماً بأقوى المناطین ، أو بحکم آخر غیر الحکمین فیما لم یکن هناک أحدهما أقوى ، کما یأتی تفصیله (1).
وأما إذا لم یکن للمتعلقین مناط کذلک ، فلا یکون من هذا الباب ، ولا یکون مورد الاجتماع محکوماً إلّا بحکم واحد منها ، إذا کان له مناطه ، أو حکم آخر غیرهما ، فیما لم یکن لواحد منهما ، قیل بالجواز أو الامتناع ، هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما بحسب مقام الدلالة والإِثبات ، فالروایتان الدالّتان على الحکمین متعارضتان ، إذا احرز أن المناط من قبیل الثّانی ، فلابد من حمل المعارضة حینئذ بینهما من الترجیح والتخییر ، وإلاّ فلا تعارض فی البین ، بل کان من باب التزاحم بین المقتضیین ، فربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً ، لکونه أقوى مناطا ، فلا مجال حینئذ لملاحظة مرجحات الروایات أصلاً ، بل لا بد من مرجحات المقتضیات المتزاحمات ، کما یأتی الإِشارة (2) إلیها.
نعم لو کان کلّ منها متکفلاً للحکم الفعلّی ، لوقع بینهما التعارض ، فلا بدّ من ملاحظة مرجحات باب المعارضة ، لو لم یوفق بینهما بحمل أحدهما على الحکم الاقتضائی بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، فتفطن.
التاسع : إنّه قد عرفت أن المعتبر فی هذا الباب ، أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها والمنهی عنها ، مشتملة على مناط الحکم مطلقاً ، حتى فی حال الاجتماع ، فلو کان هناک ما دلّ على ذلک من اجماع أو غیره فلا إشکال ، ولو لم یکن إلّا اطلاق دلیلی الحکمین ، ففیه تفصیل وهو :
أن الإِطلاق لو کان فی بیان الحکم الاقتضائی ، لکان دلیلاً على ثبوت
__________________
1 و 2 ـ راجع التنبیه الثّانی من تنبیهات اجتماع الأمر والنهی ، ص 174. 
 
المقتضی والمناط فی مورد الاجتماع ، فیکون من هذا الباب ، ولو کان بصدد الحکم الفعلّی ، فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین على القول بالجواز ، إلّا إذا علم إجمالاً بکذب أحد الدلیلین ، فیعامل معهما معاملة المتعارضین. وأما على القول بالامتناع فالإطلاقان متنافیان ، من غیر دلالة على ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً ، فإن انتفاء أحد المتنافیین ، کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له ، یمکن أن یکون لأجل انتفائه ، إلّا أن یقال : إن قضیة التوفیق بینهما ، هو حمل کلّ منهما على الحکم الاقتضائی ، لو لم یکن أحدهما أظهر ، وإلاّ فخصوص الظاهر منهما.
فتلخص إنّه کلما کانت هناک دلالة على ثبوت المقتضی فی الحکمین ، کان من مسألة الاجتماع ، وکلما لم تکن هناک دلالة علیه ، فهو من باب التعارض مطلقاً ، إذا کانت هناک دلالة على انتفائه فی أحدهما بلا تعیین ولو على الجواز ، وإلاّ فعلى الامتناع.
العاشر (1) : أنّه لا إشکال فی سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر على الجواز مطلقاً ، ولو فی العبادات ، وأنّ کان معصیة للنهی أیضاً. وکذا الحال على الامتناع مع ترجیح جانب الأمر ، إلّا إنّه لا معصیة علیه ، وأما علیه وترجیح جانب النهی فیسقط به الأمر به مطلقاً فی غیر العبادات ، لحصول الغرض الموجب له. وأما فیها فلا ، مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصیراً ، فإنّه وأنّ کان متمکناً ـ مع عدم الالتفات ـ من قصد القربة ، وقد قصدها ، إلّا أنه مع التقصیر لا یصلح لأن یتقرب به أصلاً ، فلا یقع مقربا ، وبدونه لا یکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة ، کما لا یخفى. وأما إذا لم یلتفت إلیها قصوراً ، وقد قصد القربة بإتیإنّه ، فالأمر
__________________
1 ـ من هنا إلى ص 184 عند قوله « ضرورة إنّه لو لا جلعه » سقط من نسخة ( أ ) المعتمدة عندنا. 
 
یسقط ، لقصد التقرب بما یصلح أن یتقرب به ، لاشتماله على المصلحة ، مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً ، فیحصل به الغرض من الأمر ، فیسقط به قطعاً ، وأنّ لم یکن امتثالاً له بناءً على تبعیة الأحکام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعاً ، لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح ، لکونهما تابعین لما علم منهما کما حقق فی محله.
مع إنّه یمکن أن یقال بحصول الامتثال مع ذلک ، فإن العقل لا یرى تفاوتاً بینه وبین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض (1) الطبیعة المأمور بها ، وأنّ لم تعمه بما هی مأمور بها ، لکنه لوجود المانع لا لعدم المقتضی.
ومن هنا انقدح إنّه یجزئ ، ولو قیل باعتبار قصد الامتثال فی صحة العبادة ، وعدم کفایة الإِتیان بمجرد المحبوبیة ، کما یکون کذلک فی ضد الواجب ، حیث لا یکون هناک أمر یقصد أصلاً.
وبالجملة مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حکماً ، یکون الإِتیان بالمجمع امتثالاً ، وبداعی الأمر بالطبیعة لا محالة ، غایة الأمر إنّه لا یکون مما تسعه بما هی مأمور بها ، لو قیل بتزاحم الجهات فی مقام تأثیرها للاحکام الواقعیة ، وأما لو قیل بعدم التزاحم إلّا فی مقام فعلیة الأحکام ، لکان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا کلام.
وقد انقدح بذلک الفرق بین ما إذا کان دلیلاً الحرمة والوجوب متعارضین ، وقدم دلیل الحرمة تخییراً أو ترجیحاً ، حیث لا یکون معه مجال للصحة أصلاً ، وبین ما إذا کانا من باب الاجتماع. وقیل بالامتناع ، وتقدیم جانب الحرمة ، حیث یقع صحیحاً فی غیر مورد من موارد الجهل والنسیان ، لموافقته للغرض بل للأمر ، ومن هنا علم أن
__________________
1 ـ فی « ب » : لغرض ، وما أثبتناه من النسخ المطبوعة هو الأصحّ. 
 
الثواب علیه من قبیل الثواب على الإطاعة ، لا الانقیاد ومجرد اعتقاد الموافقة.
وقد ظهر بما ذکرناه ، وجه حکم الأصحاب بصحة الصلاة فی الدار المغصوبة ، مع النسیان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحکم إذا کان عن قصور ، مع أن الجلّ لو لا الکلّ قائلون بالامتناع وتقدیم الحرمة ، ویحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر ، فلتکن من ذلک على ذکر.
إذا عرفت هذه الأمور ، فالحق هو القول بالامتناع ، کما ذهب إلیه المشهور ، وتحقیقه على وجه یتضح به فساد ما قیل ، أو یمکن أن یقال ، من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال ، یتوقف على تمهید مقدمات :
أحدها : إنّه لاریب فی أن الأحکام الخمسة متضادة فی مقام فعلیتها ، وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بین البعث نحو واحد فی زمان والزجر عنه فی ذاک الزمان ، وأنّ لم یکن بینها مضادة ما لم یبلغ إلى تلک المرتبة ، لعدم المنافاة والمعاندة بین وجوداتها الإنشائیة قبل البلوغ إلیها ، کما لا یخفى ، فاستحالة اجتماع الأمر والنهی فی واحد لا تکون من باب التکلیف بالمحال ، بل من جهة إنّه بنفسه محال ، فلا یجوز عند من یجوز التکلیف بغیر المقدور أیضاً.
ثانیتها : إنّه لا شبهة فی أن متعلق الأحکام ، هو فعل المکلف وما هو فی الخارج یصدر عنه ، وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوإنّه مما قد انتزع عنه ، بحیث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهنا ، لا کان بحذائه شیء خارجاً ویکون خارج المحمول ، کالملکیة والزوجیة والرقیة والحریة والمغصوبیة (1) ، إلى غیر ذلک من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة أن البعث لیس نحوه ، والزجر لا یکون عنه ، وإنما یؤخذ فی متعلق الأحکام آلة للحاظ
__________________
1 ـ فی « ب » : الغصبیة. 
 
متعلقاتها ، والإِشارة إلیها ، بمقدار الغرض منها والحاجة إلیها ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلى استقلاله وحیاله.
ثالثتها : إنّه لا یوجب تعدَّد الوجه والعنوان تعدَّد المعنون ، ولا ینثلم به وحدته ، فإن المفاهیم المتعدِّدة والعناوین الکثیرة ربما تنطبق على الواحد ، وتصدق على الفارد الذی لا کثرة فیه من جهة ، بل بسیط من جمبع الجهات ، لیس فیه حیث غیر حیث ، وجهة مغایرة لجهة أصلاً ، کالواجب تبارک وتعالى ، فهو على بساطته ووحدته وأحدیته ، تصدق علیه مفاهیم الصفات الجلالیة والجمالیة ، له الأسماء الحسنى والامثال العلیا ، لکنها بأجمعها حاکیة عن ذاک الواحد الفرد الاحد.
عباراتنا شتى وحسنک واحد
         وکل إلى ذاک الجمال یشیر
 
رابعتها : إنّه لا یکاد یکون للموجود بوجود واحد ، إلّا ماهیة واحدة وحقیقة فاردة ، لا یقع فی جواب السؤال عن حقیقته بما هو إلّا تلک الماهیة ، فال مفهوماً ن المتصادقان على ذاک لا یکاد یکون کلّ منهما ماهیة وحقیقة ، وکانت عینه فی الخارج کما هو شأن الطبیعی وفرده ، فیکون الواحد وجوداً واحداً ماهیة وذاتا لا محالة ، فالمجمع وأنّ تصادق علیه متعلقاً الأمر والنهی ، إلّا إنّه کما یکون واحداً وجوداً ، یکون واحداً ماهیة وذاتا ، ولا یتفاوت فیه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهیة.
ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع فی المسألة ، على القولین فی تلک المسألة ، کما توهّم فی الفصول (1) ، کما ظهر عدم الابتناء على تعدَّد وجود الجنس والفصل فی الخارج ، وعدم تعدده ، ضرورة عدم کون العنوانین المتصادقین علیه من قبیل الجنس والفصل له ، وأن مثل الحرکة فی دار من أیّ
__________________
1 ـ راجع الفصول / 125.
 
مقولة کانت ، لا یکاد یختلف حقیقتها وماهیتها ویتخلف ذاتیاتها ، وقعت جزءا للصلاة أو لا ، کانت تلک الدار مغصوبة أو لا (1).
إذا عرفت ما مهدناه ، عرفت أن المجمع حیث کان واحداً وجوداً وذاتا ، کان تعلق الأمر والنهی به محالاً ، ولو کان تعلقهما به بعنوانین ، لما عرفت من کون فعل المکلف بحقیقته وواقعیته الصادرة عنه ، متعلقاً للأحکام لا بعناوینه الطارئة علیه ، وأنّ غائلة اجتماع الضدین فیه لا تکاد ترتفع بکون الأحکام تتعلق بالطبائع لا الأفراد (2) ، فإن غایة تقریبه أن یقال : إن الطبائع من حیث هی هی ، وأنّ کانت لیست إلّا هی ، ولا تتعلق بها الأحکام الشرعیة ، کالآثار العادیة والعقلیة ، إلّا إنّها مقیدة بالوجود ، بحیث کان القید خارجاً والتقید داخلا ، صالحة لتعلق الأحکام بها ، ومتعلقاً الأمر والنهی على هذا لا یکونان متحدین أصلاً ، لا فی مقام تعلق البعث والزجر ، ولا فی مقام عصیان النهی وإطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار.
أما فی المقام الأوّل ، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وأنّ کانا متحدین فیما هو خارج عنهما ، بما هما کذلک.
وأما فی المقام الثّانی ، فلسقوط أحدهما بالاطاعة ، والآخر بالعصیان بمجرد الإِتیان ، ففی أیّ مقام اجتمع الحکمان فی واحد؟
وأنت خبیر بإنّه لا یکاد یجدی بعد ما عرفت ، من أن تعدَّد العنوان لا یوجب تعدَّد المعنون لا وجوداً ولا ماهیة ، ولا تنثلم به وحدته أصلاً ، وأنّ المتعلق للاحکام هو المعنونات لا العنوانات ، وإنّها إنّما تؤخذ فی المتعلقات بما
__________________
1 ـ وقد عرفت أن صدق العناوین المتعدِّدة ، لا تکاد تنثلم به وحدة المعنون ـ لا ذاتاً ولا وجوداً ـ غایته أن تکون له خصوصیة بها یستحق الاتصاف بها ، ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها علیه ، کما لا یخفى ، وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه أصلاً ، فتدبرّ جیداً ( منه 1 ).
2 ـ کما فی قوانین الأصول 1 / 140. 
 
هی حاکیات کالعبارات ، لا بما هی على حیالها واستقلالها.
کما ظهر مما حققناه : إنّه لا یکاد یجدی أیضاً کون الفرد مقدّمة لوجود الطبیعی المأمور به أو المنهی عنه ، وإنّه لا ضیر فی کون المقدمة محرمة فی صورة عدم الانحصار بسوء الاختیار ، وذلک ـ مضافاً إلى وضوح فساده ، وأنّ الفرد هو عین الطبیعی فی الخارج ، کیف؟ والمقدمیة تقتضی الاثنینیة بحسب الوجود ، ولا تعدَّد کما هو واضح ـ إنّه إنّما یجدی لو لم یکن المجمع واحداً ماهیة ، وقد عرفت بما لا مزید علیه إنّه بحسبها أیضاً واحد.
ثم إنّه قد استدل (1) على الجواز بأمور :
منها (2) : إنّه لو لم یجز اجتماع الأمر والنهی ، لما وقع نظیره ، وقد وقع ، کما فی العبادات المکروهة ، کالصلاة فی مواضع التهمة وفی الحمام والصیام فی السفر وفی بعضٍ الایام.
بیان الملازمة : إنّه لو لم یکن تعدَّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماعهما لما جاز اجتماع حکمین آخرین فی مورد مع تعددهما ، لعدم اختصاصهما من بین الأحکام بما یوجب الامتناع من التضاد ، بداهة تضادّها بأسرها ، والتالی باطل ، لوقوع اجتماع الکراهة والإِیجاب أو الاستحباب ، فی مثل الصلاة فی الحمام ، والصیام فی السفر ، وفی عاشوراء ولو فی الحضر ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإِباحة أو الاستحباب ، فی مثل الصلاة فی المسجد أو الدار.
والجواب عنه امّا إجمالاً : فبإنّه لا بدّ من التصرف والتأویل فیما وقع فی الشریعة مما ظاهره الاجتماع ، بعد قیام الدلیل على الامتناع ، ضرورة أن
__________________
1 ـ انظر قوانین الأصول 1 / 140.
2 ـ هذا هو الوجه الثّانی الذی استدل له ، قوانین الأصول 1 / 142. 
 
الظهور لا یصادم البرهان ، مع أن قضیة ظهور تلک الموارد ، اجتماع الحکمین فیها بعنوان واحد ، ولا یقول الخصم بجوازه کذلک ، بل بالامتناع ما لم یکن بعنوانین وبوجهین ، فهو أیضاً لا بد [ له ] من التفصی عن إشکال الاجتماع فیها لا سیما إذا لم یکن هناک مندوحة ، کما فی العبادات المکروهة التی لا بدل لها ، فلا یبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فیها على جوازه أصلاً ، کما لا یخفى.
وأما تفصیلا : فقد أُجیب عنه بوجوه (1) ، یوجب ذکرها بما فیها من النقض والأبرام طول الکلام بما لا یسعه المقام ، فالأولى الاقتصار على ما هو التحقیق فی حسم مادة الإِشکال ، فیقال وعلى الله الاتکال : إن العبادات المکروهة على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما تعلق به النهی بعنوإنّه وذاته ، ولا بدل له ، کصوم یوم عاشوراء (2) ، والنوافل المبتدأئة فی بعضٍ الأوقات (3).
ثانیها : ما تعلق به النهی کذلک ، ویکون له البدل ، کالنهی عن الصلاة فی الحمام (4).
ثالثها : ما تعلق النهی به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجوداً ،
__________________
1 ـ راجع مطارح الأنظار / 130 وما بعده.
2 ـ الکافی 4 / 146 ، باب صوم عرفة وعاشوراء ، الأحادیث 3 إلى 7 ـ وللمزید راجع وسائل الشیعة ، 7 / 339 الباب 21 من أبواب الصوم المندوب.
3 ـ الکافی 3 / 288 باب التطوع فی وقت الفریضة والساعات التی لا یصلّى فیها ـ الاستبصار 1 / 277 باب وقت نوافل النهار ـ وللمزید راجع وسائل الشیعة 3 / 170 ، الباب 38 من أبواب المواقیت.
4 ـ الکافی 3 / 390 الحدیث 12 من باب الصلاة فی الکعبة ... الخ. 
 
أو ملازم له خارجاً ، کالصلاة فی مواضع التهمة (1) ، بناءً على کون النهی عنها لأجل اتحادها مع الکون فی مواضعها.
أما القسم الأوّل : فالنهی تنزیهًا عنه بعد الاجتماع على إنّه یقع صحیحاً ، ومع ذلک یکون ترکه أرجح ، کما یظهر من مداومة الأئمة : على الترک ، امّا لأجل انطباق عنوان ذی مصلحة على الترک ، فیکون الترک کالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض ، وأنّ کان مصلحة الترک أکثر ، فهما حینئذ یکونان من قبیل المستحبین المتزاحمین ، فیحکم بالتخییر بینهما لو لم یکن أهم فی البین ، وإلاّ فیتعین الأهم وأنّ کان الآخر یقع صحیحاً ، حیث إنّه کان راجحاً وموافقا للغرض ، کما هو الحال فی سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات ، وارجحیة الترک من الفعل لا توجب (2) حزازة ومنقصة فیه أصلاً ، کما یوجبها ما إذا کان فیه مفسدة غالبة على مصلحته ، ولذا لا یقع صحیحاً على الامتناع ، فإن الحزازة والمنقصة فیه مانعة عن صلاحیة التقرب به ، بخلاف المقام ، فإنّه على ما هو علیه من الرجحان وموافقة الغرض ،
__________________
1 ـ التهذیب 2 / 219 الحدیث 71 من باب 11 ما یجوز الصلاة فیه من اللباس والمکان ... الخ. وللمزید راجع وسائل الشیعة 3 / 466 الباب 34 من أبواب مکان المصلی.
2 ـ ربما یقال : إن أرجحیة الترک ، وأنّ لم توجب منقصة وحزازة فی الفعل أصلاً ، إلّا إنّه توجب المنع منه فعلاً ، والبعث إلى الترک قطعاً ، کما لا یخفى ، ولذا کان ضد الواجب ـ بناءً على کونه مقدّمة له ـ حراماً ، ویفسد لو کان عبادة ، مع إنّه لا حزازة فی فعله ، وإنما کان النهی عنه وطلب ترکه لما فیه من المقدمیة له ، وهو على ما هو علیه من المصلحة ، فالمنع عنه لذلک کافٍ فی فساده لو کان عبادة.
قلت : یمکن أن یقال : إن لنهی التحریمی لذلک وأنّ کان کافیاً فی ذلک بلا إشکال ، إلّا أن التنزیهی غیر کافٍ ، إلّا إذا کان عن حزازة فیه ، وذلک لبداهة عدم قابلیة الفعل للتقرب به منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخیصه فی ارتکابه ، بخلاف التنزیهی عنه إذا کان لا لحزازة فیه ، بل لما فی الترک من المصلحة الراجحة ، حیث إنّه معه مرخوص فیه ، وهو على ما هو علیه من الرجحان والمحبوبیة له تعالى ، ولذلک لم تفسد العبادة إذا کانت ضد المستحبة أهم اتفاقاً ، فتأمل ( منه 1 ). 
 
کما إذا لم یکن ترکه راجحاً بلا حدوث حزازة فیه أصلاً.
وإما لأجل ملازمة الترک لعنوان کذلک ، من دون انطباقه علیه ، فیکون کما إذا انطبق علیه من غیر تفاوت ، إلّا فی أن الطلب المتعلق به حینئذ لیس بحقیقی ، بل بالعرض والمجاز ، فإنما یکون فی الحقیقة متعلقاً بما یلازمه من العنوان ، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقیقة ، کما فی سائر المکروهات من غیر فرق ، إلّا أن منشأه فیها حزازة ومنقصة فی نفس الفعل ، وفیه رجحان فی الترک ، من دون حزازة فی الفعل أصلاً ، غایة الأمر کون الترک أرجح.
نعم یمکن أن یحمل النهی ـ فی کلاّ القسمین ـ على الإِرشاد إلى الترک الذی هو أرجح من الفعل ، أو ملازم لما هو الارجح وأکثر ثواباً لذلک ، وعلیه یکون النهی على نحو الحقیقة ، لا بالعرض والمجاز ، فلا تغفل.
وأما القسم الثّانی : فالنهی فیه یمکن أن یکون لأجل ما ذکر فی القسم الأوّل ، طابق النعل بالنعل ، کما یمکن أن یکون بسبب حصول منقصة فی الطبیعة المأمور بها ، لأجل تشخصها فی هذا القسم بمشخص غیر ملائم لها ، کما فی الصلاة فی الحمام ، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فیه ، لا یناسب کونها معراجاً ، وأنّ لم یکن نفس الکون فی الحمام بمکروه ولا حزازة فیه أصلاً ، بل کان راجحاً ، کما لا یخفى.
وربما یحصل لها لأجل تخصصها بخصوصیة شدیدة الملاءمة معها مزیة فیها کما فی الصلاة فی المسجد والامکنة الشریفة ، وذلک لأن الطبیعة المأمور بها فی حد نفسها ، إذا کانت مع تشخص لا یکون له شدة الملاءمة ، ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزیة ، کالصلاة فی الدار مثلاً ، وتزداد تلک المزیة فیما کان تشخصها بماله شدة الملاءمة ، وتنقص فیما إذا لم تکن له ملاءمة ، ولذلک ینقص ثوابها تارةً ویزید أُخرى ، ویکون النهی فیه لحدوث نقصان فی مزیتها فیه إرشاداً إلى ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد ، ویکون أکثر ثواباً منه ، ولیکن 
 
هذا مراد من قال : إن الکراهة فی العبادة بمعنى إنّها تکون أقل ثواباً ، ولا یرد علیه بلزوم اتصاف العبادة التی تکون أقل ثواباً من الأخرى بالکراهة ، ولزوم اتصاف ما لا مزّیة فیه ولا منقصة بالاستحباب ، لإنّه أکثر ثواباً مما فیه المنقصة ، لما عرفت من أن المراد من کونه أقل ثواباً ، إنّما هو بقیاسه إلى نفس الطبیعة المتشخصة بما لا یحدث معه مزیة لها ، ولا منقصة من المشخصات ، وکذا کونه أکثر ثوابا.
ولا یخفى أن النهی فی هذا القسم لا یصحّ إلا للإِرشاد ، بخلاف القسم الأوّل ، فإنّه یکون فیه مولویاً ، وأنّ کان حمله على الإِرشاد بمکان من الأمکان.
وأما القسم الثالث : فیمکن أن یکون النهی فیه عن العبادة المتحدة مع ذاک العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز ، وکان المنهی عنه به حقیقة ذاک العنوان ، ویمکن أن یکون على الحقیقة إرشاداً إلى غیرها من سائر الأفراد ، مما لا یکون متحداً معه أو ملازماً له ، إذ المفروض التمکن من استیفاء مزیة العبادة ، بلا ابتلاء بحزازة ذاک العنوان أصلاً ، هذا على القول بجواز الاجتماع.
وأما على الامتناع ، فکذلک فی صورة الملازمة ، وأما فی صورة الاتحاد وترجیح جانب الأمر ـ کما هو المفروض ، حیث إنّه صحة العبادة ـ فیکون حال النهی فیه حاله فی القسم الثّانی ، فیحمل على ما حمل علیه فیه ، طابق النعل بالنعل ، حیث إنّه بالدقة یرجع إلیه ، إذا على الامتناع ، لیس الاتحاد مع العنوان الآخر إلّا من مخصصاته ومشخصاته التی تختلف الطبیعة المأمور بها فی المزیة زیادة ونقیصة بحسب اختلافها فی الملاءمة کما عرفت.
وقد انقدح بما ذکرناه ، إنّه لا مجال أصلاً لتفسیر الکراهة فی العبادة بأقلیة الثواب فی القسم الأوّل مطلقاً ، وفی هذا القسم على القول بالجواز ، کما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فیها ، وأنّ الأمر الاستحبابی یکون على نحو  

 
الإِرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقاً على نحو الحقیقة ، ومولویاً اقتضائیاً کذلک ، وفعلیاً بالعرض والمجاز فیما کان ملاکه ملازمتها لما هو مستحب ، أو متحداً (1) معه على القول بالجواز.
ولا یخفى إنّه لا یکاد یأتی القسم الأوّل هاهنا ، فإن انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذی لا بدل له إنّما یؤکد إیجابه ، لا إنّه یوجب استحبابه أصلاً ، ولو بالعرض والمجاز ، إلّا على القول بالجواز ، وکذا فیما إذا لازم مثل هذا العنوان ، فإنّه لو لم یؤکد الإِیجاب لما یصحح الاستحباب إلّا اقتضائیاً بالعرض والمجاز ، فتفطن.
ومنها : إن أهل العرف یعدون من اتى بالمأمور به فی ضمن الفرد المحرم ، مطیعاً وعاصیاً من وجهین (2) ، فإذا أمر المولى عبده بخیاطة ثوب ونهاه عن الکون فی مکان خاص ، کما مثل به الحاجبی (3) والعضدی (4) ، فلو خاطه فی ذاک المکان ، عد مطیعاً الأمر الخیاطة وعاصیاً للنهی عن الکون فی ذلک المکان.
وفیه ـ مضافاً إلى المناقشة فی المثال ، بإنّه لیس من باب الاجتماع ، ضرورة أن الکون المنهی عنه غیر متحد مع الخیاطة وجوداً أصلاً ، کما لا یخفى ـ
__________________
1 ـ فی « ب » : متحدة.
2 ـ دلیل آخر للمجوزین ، قوانین الأصول 1 / 148.
3 و 4 ـ انظر شرح العضدی على مختصر المنتهى لابن الحاجب / 92 ، 93. مسألة استحالة کون الشیء واجباً حراماً من جهة واحدة.
ابن الحاجب ابو عمرو عثمان بن عمر بن ابی بکر المالکی ، تولد سنة 570 ه‍ باسناد کان ابوه جندیاً ، اشتغل ابنه فی صغره بالقاهرة ، وحفظ القرآن المجید ، واخذ بعضٍ القراءات عن الشاطبی وسمع من البوصیری وجماعة ، لزم الإِشتغال حتى برع فی الأصول والعربیة ، ثم قدم دمشق ودرس بجامعها ، کان الاغلب علیه النحو ، وصنف فی عدة علوم ، له کتاب « الکافیة » فی النحو و « الشافیة » فی الصرف و « مختصر الأصول » ثم انتقل إلى الاسکندریة ، مات بها سنة 646 ه‍. ) الکنى والالقاب 1 / 244 ). 
 
المنع إلّا عن صدق أحدهما ، امّا الإطاعة بمعنى الامتثال فیما غلب جانب الأمر ، أو العصیان فیما غلب جانب النهی ، لما عرفت من البرهان على الامتناع.
نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصیان فی التوصلیات ، وأما فی العبادات فلا یکاد یحصل الغرض منها ، إلّا فیما صدر من المکلف فعلاً غیر محرم وغیر مبغوض علیه ، کما تقدم (1).
بقی الکلام فی حال التفصیل من بعضٍ الأعلام (2) ، والقول بالجواز عقلاً والامتناع عرفاً.
وفیه : إنّه لا سبیل للعرف فی الحکم بالجواز أو الامتناع ، إلّا طریق العقل ، فلا معنى لهذا التفصیل إلّا ما أشرنا إلیه من النظر المسامحی الغیر المبتنی على التدقیق والتحقیق ، وأنت خبیر بعدم العبرة به ، بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقیق ، وقد عرفت فیما تقدم (3) أن النزاع لیس فی خصوص مدلول صیغة الأمر والنهی ، بل فی الأعم ، فلا مجال لأن یتوهم أن العرف هو المحکم فی تعیین المدالیل ، ولعله کان بین مدلولیهما حسب تعیینه (4) تناف ، لا یجتمعان فی واحد ولو بعنوانین ، وأنّ کان العقل یرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة فی واحد بوجهین ، فتدبر.
وینبغی التنبیه على أمور :
الأول : إن الاضطرار إلى ارتکاب الحرام ، وأنّ کان یوجب ارتفاع حرمته ، والعقوبة علیه مع بقاء ملاک وجوبه ـ لو کان ـ مؤثراً له ، کما إذا لم یکن
__________________
1 ـ فی الأمر العاشر / 156.
2 ـ المحقق الأردبیلی فی شرح الإِرشاد 2 : 110 ، وقد ینسب ذلک إلى صاحب الریاض ( قده ) أیضاً وکأنه مسموع منه شفاهاً ، على حد تعبیر صاحب مطارح الأنظار / 129.
3 ـ فی الأمر الرابع / 152.
4 ـ فی « ب » تعینه. 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی