منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت هشتم

وکیف کان ، فالمحکی عن السید (1) والقاضی (2) وابن زهرة (3) والطبرسی (4) وابن إدریس (5) عدم حجیة الخبر ، واستدل (6) لهم بالآیات الناهیة (7) عن اتباع غیر العلم ، والروایات (8) الدالة على ردّ ما لم یعلم إنّه قولهم ( علیهم
__________________
1 ـ الذریعة 2 : 528 ، فی التعبد بخبر الواحد ورسالة السیّد فی إبطال العمل بالخبر الواحد ، المطبوعة فی رسائل السید المرتضى 3 : 309 وأجوبته عن مسائل التبانیات المطبوعة فی ضمن رسائله 1 : 21 ، الفصل الثانی. علم الهدى أبو القاسم علی بن الحسین المشهور بالسید المرتضى ، تولد سنة 355 ، حاز من الفضائل ما تفرد به ، له تصانیف مشهورة منها « الشافی » فی الامامة و « الذخیرة » و « الذریعة » وغیرها ، خلف بعد وفاته ثمانین الف مجلد من مقرواته ومصنفاته ، توفی لخمس بقین من شهر ربیع الأوّل سنة 436 ه‍. ( الکنى والالقاب 2 / 483 ).
2 ـ الشیخ عبد العزیز بن نحریر بن عبد العزیز بن البراج ، وجه الأصحاب وفقیههم ، لقب بالقاضی لکونه قاضیاً فی طرابلس ، قرأ على السید والشیخ فترة ویروی عنهما وعن الکراجکی وأبی الصلاح الحلبی. له « المهذب » و « الموجز » و « الکامل » و « الجواهر ». توفی فی 9 شعبان سنة 481 ( الکنى والالقاب 1 / 224 ).
3 ـ الغنیة : 475 ، ( المطبوعة فی الجوامع الفقهیة ).
أبو المکارم حمزة بن علی بن زهرة الحسینی الحلبی العالم الفاضل الفقیه ، یروی عن والده وغیره ، له « غنیة النزوع إلى علمی الأصول والفروع » و « قبس الانوار فی نصرة العترة الأطهار » توفی سنة 585 فی سن اربع وسبعین ، قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط. ( الکنى والالقاب 1 / 299 ).
4 ـ کذا یظهر من تفسیره آیة النبأ ، مجمع البیان 5 : 133.
أمین الاسلام أبو علی الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی المشهدی مفسر فقیه صاحب کتاب مجمع البیان وجوامع الجامع ، کان معاصراً لصاحب الکشاف ، یروی عنه جماعة من أفاضل العلماء ، منهم ولده الحسن بن الفضل وابن شهر آشوب والقطب الراوندی ، انتقل من المشهد الرضوی إلى سبزوار سنة 523 وانتقل منها إلى دار الخلود سنة 548 وحمل نعشه إلى المشهد المقدس وقبره معروف ( ریاض العلماء 4 / 340 ).
5 ـ السرائر : 5.
6 ـ المعتمد 2 : 124.
7 ـ الاسراء : 36 ، النجم : 28.
8 ـ مستدرک الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 10.
 
السلام ) ، أو لم یکن علیه شاهد من کتاب الله أو شاهدان (1) ، أو لم یکن موافقاً للقرآن إلیهم (2) ، أو على بطلان ما لا یصدقه کتاب الله (3) ، أو على أن ما لا یوافق کتاب الله زخرف (4) ، أو على النهی عن قبول حدیث إلّا ما وافق الکتاب أو السنة (5) ، إلى غیر ذلک (6). والإجماع المحکی (7) عن السید فی مواضع من کلامه ، بل حکی (8) عنه إنّه جعله بمنزلة القیاس ، فی کون ترکه معروفاً من مذهب الشیعة.
والجواب : امّا عن الآیات ، فبأن الظاهر منها أو المتیقن من إطلاقاًتها هو اتباع غیر العلم فی الأُصول الاعتقادیة ، لا ما یعم الفروع الشرعیة ، ولو سلّم عمومها لها ، فهی مخصصة بالأدلة الآتیة على اعتبارٍ الأخبار.
وأما عن الروایات ، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد ، فإنّها أخبار آحاد.
لا یقال : إنّها وأنّ لم تکن متواترة لفظاً ولا معنى ، إلّا إنّها متواترة إجمالاً ، للعلم الإِجمالی بصدور بعضها لا محالة.
فإنّه یقال : إنّها وأنّ کانت کذلک ، إلّا إنّها لا تفید إلّا فیما توافقت علیه ، وهو غیر مفید فی إثبات السلب کلیّاً ، کما هو محلّ الکلام ومورد النقض والإبرام ، وإنما تفید عدم حجیة الخبر المخالف للکتاب والسنة ، والالتزام به لیس بضائر ، بل
__________________
1 ـ وسائل الشیعة 18 : 80 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 18.
2 ـ مستدرک الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 5.
3 ـ المحاسن 1 : 221.
4 ـ وسائل الشیعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 12.
5 ـ وسائل الشیعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 11.
6 ـ راجع وسائل الشیعة 18 : 75 : أحادیث باب 9 من أبواب صفات القاضی.
7 ـ أجوبة المسائل التبانیات 1 : 24 ، الفصل الثانی.
8 ـ رسائل السید المرتضى 3 : 309 ، رسالة إبطال العمل بالخبر الواحد.  

 
لا محیص عنه فی مقام المعارضة.
وأما عن الإجماع ، فبأن المحصّل منه غیر حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غیر قابل ، خصوصاً فی المسألة ، کما یظهر وجهه للمتأمل ، مع إنّه معارض بمثله ، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.
وقد استدل للمشهور بالادلّة الأربعة :
فصل
فی الآیات التی استدل بها :
فمنها : آیة النبأ ، قال الله تبارک وتعالى : ( إِن جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا ) (1). ویمکن تقریب الاستدلال بها من وجوه (2) : أظهرها إنّه من جهة مفهوم الشرط ، وأنّ تعلیق الحکم بإیجاب التبین عن النبأ الذی جیء به على کون الجائی به الفاسق (3) ، یقتضی انتفاءه عند انتفائه.
ولا یخفى إنّه على هذا التقریر لا یرد : أن الشرط فی القضیة لبیان تحقق الموضوع فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع ، فافهم.
نعم لو کان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجیء الفاسق به ، کانت القضیة الشرطیّة مسوقة لبیان تحقق الموضوع ، مع إنّه یمکن أن یقال : إن القفضیة ولو کانت مسوقة لذلک ، إلّا إنّها ظاهرة فی انحصار موضوع وجوب التبین فی النبأ الذی جاء به الفاسق ، فیقتضی انتفاء وجوب التبین عند انتفائه ووجود موضوع آخر ، فتدبر.
ولکنه یشکل (4) بإنّه لیس لها هاهنا ملهوم ، ولو سلّم أن أمثالها ظاهرة فی
__________________
1 ـ الحجرات : 6.
2 ـ ذکر الوجوه فی حاشیة الفرائد / 60.
3 ـ فی منتهى الدرایة 4 / 441 : فاسقا.
4 ـ وللمزید راجع فرائد الأصول / 72 ، وعدة الأصول / 1 / 44 ، ومعارج الأصول / 145. 
 
المفهوم ، لأن التعلیل بإصابة القوم بالجهالة المشترک بین المفهوم والمنطوق ، یکون قرینة على إنّه لیس لها مفهوم.
ولا یخفى أن الإِشکال إنّما یبتنی على کون الجهالة بمعنى عدم العلم ، مع أن دعوى إنّها بمعنى السفاهة وفعل مالا ینبغی صدوره من العاقل غیر بعیدة.
ثم إنّه لو سلّم تمامیة دلالة الآیة على حجیة خبر العدل ، ربما أشکل شمول مثلها للروایات الحاکیة لقول الإمام 7 بواسطة أو وسائط ، فإنّه کیف یمکن الحکم بوجوب التصدیق الذی لیس إلّا بمعنى وجوب ترتیب ما للمخبر به من الأثر الشرعی بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فیما کان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ؛ لإنّه وأنّ کان أثراً شرعیاً لهما ، إلّا إنّه بنفس الحکم فی مثل الآیة بوجوب تصدیق خبر العدل حسب الفرض.
نعم لو اُنشىء هذا الحکم ثانیاً ، فلا بأس فی أن یکون بلحاظه أیضاً ، حیث إنّه صار أثراً بجعل آخر ، فلا یلزم اتحاد الحکم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم یکن هناک إلّا جعل واحد ، فتدبّر.
ویمکن ذب الإِشکال (1) ، بإنّه إنّما یلزم إذا لم یکن القضیة طبیعیة ، والحکم فیها بلحاظ طبیعة الأثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلاّ فالحکم بوجوب التصدیق یسری إلیه سرایة حکم الطبیعة إلى أفراده ، بلا محذور لزوم اتحاد الحکم والموضوع. هذا مضافاً إلى القطع بتحقق ما هو المناط فی سائر الآثار فی هذا الأثر ـ أیّ وجوب التصدیق ـ بعد تحققه بهذا الخطاب ، وأنّ کان لا یمکن أن یکون ملحوظاً (2) لأجل المحذور ، وإلى عدم القول بالفصل بینه وبین سائر الآثار ، فی وجوب الترتیب لدى الإخبار بموضوع ، صار أثره الشرعی وجوب التصدیق ، وهو خبر العدل ، ولو بنفس الحکم فی الآیة به ، فافهم.
__________________
1 و 2 ـ الصحیح ما أثبتناه وما فی النسخ المطبوعة خطأ ظاهر. 
 
ولا یخفى إنّه لا مجال بعد اندفاع الإِشکال بذلک للاشکال فی خصوص الوسائط من الأخبار ، کخبر الصفار المحکی بخبر المفید مثلاً ، بإنّه لا یکاد یکون خبراً تعبداً إلّا بنفس الحکم بوجوب تصدیق العادل الشامل للمفید ، فکیف یکون هذا الحکم المحقق لخبر الصفار تعبداً مثلاً حکماً له أیضاً ؛ وذلک لأنّه إذا کان خبر العدل ذا أثر شرعی حقیقة بحکم الآیة وجب ترتیب أثره علیه عند إخبار العدل به ، کسائر ذوات الآثار من الموضوعاًت ، لما عرفت من شمول مثل الآیة للخبر الحاکی للخبر بنحو القضیة الطبیعیة ، أو لشمول الحکم فیها له مناطاً ، وأنّ لم یشمله لفظاً ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمل جیداً.
ومنها : آیة النفر ، قال الله تبارک وتعالى : ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن کلّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ ) (1) الآیة ، وربما یستدل بها من وجوه :
أحدها : إن کلمة ( لعل ) وأنّ کانت مستعملة على التحقیق فی معناه الحقیقی ، وهو الترجی الإِیقاعی الإنشائی ، إلّا أن الداعی إلیه حیث یستحیل فی حقه تعالى أن یکون هو الترجی الحقیقی ، کان هو محبوبیة التحذر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبیّته ثبت وجوبه شرعاً ، لعدم الفصل ، وعقلاً لوجوبه مع وجود ما یقتضیه ، وعدم حسنه ، بل عدم إمکانه بدونه.
ثانیها : إنّه لما وجب الإنذار لکونه غایة للنفر الواجب ، کما هو قضیة کلمة ( لولا ) التحضیضیة ، وجب التحذر ، وإلاّ لغا وجوبه.
ثالثها : إنّه جعل غایة للإنذار الواجب ، وغایة الواجب واجب.
ویشکل الوجه الأوّل ، بأن التحذر لرجاء إدراک الواقع وعدم الوقوع فی محذور مخالفته ، من فوت المصلحة أو الوقوع فی المفسدة ، حسن ، ولیس بواجب فیما لم یکن هناک حجة على التکلیف ، ولم یثبت ها هنا عدم الفصل ، غایته عدم
__________________
1 ـ التوبة : 122. 
 
القول بالفصل.
والوجه الثّانی والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار ب‍ [ إیجاب ] (1) التحذر تعبداً ، لعدم إطلاق یقتضی وجوبه على الإِطلاق ، ضرورة أن الآیة مسوقة لبیان وجوب النفر ، لا لبیان غایتیة التحذر ، ولعل وجوبه کان مشروطاً بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بکونه مشروطاً به ، فإن النفر إنّما یکون لأجل التفقه وتعلم معالم الدین ، ومعرفة ما جاء به سید المرسلین 9 ، کی ینذروا بها المتخلفین أو النافرین ، على الوجهین فی تفسیر الآیة ، لکی یحذروا إذا أنذروا بها ، وقضیته إنّما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها ، کما لا یخفى.
ثم إنّه أشکل أیضاً ، بأن الآیة لو سلّم دلالتها على وجوب الحذر مطلقاً فلا دلالة لها على حجیة الخبر بما هو خبر ، حیث إنّه لیس شأن الراوی إلّا الإخبار بما تحمله ، لا التخویف والإنذار ، وإنما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد.
قلت : لا یذهب علیک إنّه لیس حال الرواة فی الصدر الأوّل فی نقل ما تحملوا من النبی ( صلّى الله علیه وعلى أهل بیته الکرام ) أو الإمام 7 من الأحکام إلى الأنام ، إلّا کحال نقلة الفتاوى إلى العوام ؛ ولا شبهة فی إنّه یصحّ منهم التخویف فی مقام الإبلاغ والإنذار والتحذیر بالبلاغ ، فکذا من الرواة ، فالآیة لو فرض دلالتها على حجیة نقل الراوی إذا کان مع التخویف ، کان نقله حجة بدونه أیضاً ، لعدم الفصل بینهما جزماً ، فافهم.
ومنها : آیة الکتمان ، ( إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا ) (2) الآیة.
وتقریب الاستدلال بها : إن حرمة الکتمان تستلزم وجوب (3) القبول عقلاً ،
__________________
1 ـ اثبتناها من « ب ».
2 ـ البقرة : 159.
3 ـ أثبتناها من « أ ».  

 
للزوم لغویته بدونه ، ولا یخفى إنّه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال (1) للایراد على هذه الآیة بما أورد على آیة النفر ، من دعوى الإِهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم ، فإنّها تنافیهما ، کما لا یخفى ، لکنها ممنوعة ، فإن اللغویة غیر لازمة ، لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبداً ، وإمکان أن تکون حرمة الکتمان لأجل وضوح الحق بسبب کثرة من أفشاه وبینه ، لئلا یکون للناس على الله حجة ، بل کان له علهیم الحجة البالغة.
ومنها : آیة السؤال عن أهل الذکر ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (2). وتقریب الاستدلال بها ما فی آیة الکتمان.
وفیه : إن الظاهر منها إیجاب السؤال لتحصیل العلم ، لا للتعبد بالجواب.
وقد أورد (3) علیها : بإنّه لو سلّم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذکر ، فلا دلالة لها على التعبد بما یروی الراوی ، فإنّه بما هو راو لا یکون من أهل الذکر والعلم ، فالمناسب إنّما هو الاستدلال بها على حجیة الفتوى لا الروایة.
وفیه : إن کثیراً من الرواة یصدق علیهم إنّهم أهل الذکر والاطلاع على رأی الامام 7 کزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ، ویصدق على السؤال عنهم إنّه السؤال عن [ أهل ] (4) الذکر والعلم ، ولو کان السائل من أضرابهم ، فإذا وجب قبول روایتهم فی مقام الجواب بمقتضى هذه الآیة ، وجب قبول روایتهم وروایة غیرهم من العدول مطلقاً ، لعدم الفصل جزماً فی وجوب القبول بین المبتدأ والمسبوق بالسؤال ، ولا بین أضراب زرارة وغیرهم ممن لا یکون من أهل
__________________
1 ـ دفع لما أورده الشیخ ـ من الاشکالین الأولین فی آیة النفر ـ على الاستدلال بهذه الآیة ، فرائد الأصول / 81.
2 ـ النحل : 43 ، الأنبیاء : 7.
3 ـ هذا هو الایراد الثالث للشیخ على الاستدلال بالآیة ، فرائد الأصول / 82.
4 ـ أثبتناها من « ب ». 
 
الذکر ، وإنما یروی ما سمعه أو رآه ، فافهم.
ومنها : آیة الأذن ( وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَّکُمْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَیُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ ) (1) فإنّه تبارک وتعالى مدح نبیه بإنّه یصدق المؤمنین ، وقرنه بتصدیقه تعالى.
وفیه : أوّلاً : إنّه إنّما مدحه بإنّه أذن ، وهو سریع القطع ، لا الآخذُ بقول الغیر تعبدا.
وثانیاً : إنّه إنّما المراد بتصدیقه للمؤمنین ، هو ترتیب خصوص الآثار التی تنفعهم ولا تضر غیرهم ، لا التصدیق بترتیب جمیع الآثار ، کما هو المطلوب فی باب حجیة الخبر ، ویظهر ذلک من تصدیقه للنمّام بإنّه ما نمّه ، وتصدیقه لله تعالى بإنّه نمّه ، کما هو المراد من التصدیق فی قوله 7 : ( فصدقه وکذبهم ) ، حیث قال ـ على ما فی الخبر (2) ـ : ( یا محمد (3) کذب سمعک وبصرک عن أخیک : فإن شهد عندک خمسون قسامة إنّه قال قولاً ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وکذّبهم ) فیکون مراده تصدیقه بما ینفعه ولا یضرّهم ، وتکذیبهم فیما یضرّه ولا ینفعهم ، وإلاّ فکیف یحکم بتصدیق الواحد وتکذیب خمسین؟ وهکذا المراد بتصدیق المؤمنین فی قصة إسماعیل (4) ، فتأمل جیداً.
فصل
فی الأخبار التی دلت على اعتبارٍ أخبار الآحاد.
وهی وأنّ کانت طوائف کثیرة ، کما یظهر من مراجعة الوسائل (5) وغیرها ،
__________________
1 ـ التوبة : 61.
2 ـ عقاب الأعمال / 295 ، الحدیث 1 ، الکافی 8 / 147 ، الحدیث 125.
3 ـ فی « أ و ب » : یا أبا محمد والصحیح ما أثبتناه ، لإنّه خطاب لمحمد بن فضیل المکنى بأبی جعفر.
4 ـ الکافی 5 / 299 ، باب حفظ المال وکراهة الاضاعة من کتاب المعیشة ، الحدیث 1.
5 ـ الوسائل 18 : 72 الباب 8 من أبواب صفات القاضی والباب 9 ، الحدیث 5 والباب 11 ،  

 
إلا إنّه یشکل الاستدلال بها على حجیة أخبار الآحاد بإنّها أخبار آحاد ، فإنّها غیر متفقة على لفظ ولا على معنى ، فتکون متواترة لفظاً أو معنى.
ولکنه مندفع بإنّها وأنّ کانت کذلک ، إلّا إنّها متواترة إجمالاً ، ضرورة إنّه یعلم إجمالاً بصدور بعضها منهم : ، وقضیته وأنّ کان حجیة خبر دلّ على حجیته أخصها مضموناً (1) إلّا إنّه یتعدى عنه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیة ، وقد دلّ على حجیة ما کان أعم ، فافهم.
فصل
فی الاجماع على حجیة الخبر.
وتقریره من وجوه :
أحدها : دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجیة من زماننا إلى زمان الشیخ ، فیکشف رضاه 7 بذلک ، ویقطع به ، أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجیة.
ولا یخفى مجازفة هذه الدعوى ؛ لاختلاف الفتاوى فیما أخذ فی اعتباره من الخصوصیات ، ومعه لا مجال لتحصیل القطع برضاه 7 من تتبعها ، وهکذا حال تتبع الإجماعات المنقولة ، اللهم إلّا أن یَّدعى تواطؤها على الحجیة فی الجملة ، وإنما الاختلاف فی الخصوصیات المعتبرة فیها ، ولکن دون إثباته خرط القتاد.
ثانیها : دعوى اتفاق العلماء عملاً ـ بل کافة المسلمین ـ على العمل بخبر الواحد فی أُمورهم الشرعیة ، کما یظهر من أخذ فتاوى المجتهدین من الناقلین لها.
__________________
الحدیث 4 و 40.
1 ـ فی الحقائق 2 : 132 ، وأنّ کان حجیة خبر أخصها مضموناً ... الخ. 
 
وفیه : مضافاً إلى ما عرفت مما یرد على الوجه الأوّل ، إنّه لو سلّم اتفاقهم على ذلک ، لم یحرز أنّهم اتفقوا بما همّ مسلمون ومتدیّنون بهذا الدین ، أو بما همّ عقلاًء ولو لم یلتزموا بدین ، کما هو لا یزالون یعملون بها فی غیر الأمور الدینیة من الأمور العادیة ، فیرجع إلى ثالث الوجوه ، وهو دعوى استقرار سیرة العقلاء من ذوی الادیان وغیرهم على العمل بخبر الثقة ، واستمرت إلى زماننا ، ولم یردع عنه نبی ولا وصیّ نبی ، ضرورة إنّه لو کان لاشتهر وبان ، ومن الواضح إنّه یکشف عن رضا الشارع به فی الشرعیات أیضاً.
إن قلت : یکفی فی الردع الآیات الناهیة ، والروایات المانعة عن اتباع غیر العلم ، وناهیک قوله تعالى : ( ولا تقف ما لیس لک به علم ) (1) ، وقوله تعالى : ( وأنّ الظَّنَّ لَا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شیئاً ) (2).
قلت : لا یکاد یکفی تلک الآیات فی ذلک ، فإنّه ـ مضافاً إلى إنّها وردت إرشاداً إلى عدم کفایة الظن فی أُصول الدین ، ولو سلّم فإنما المتیقن لو لا إنّه المنصرف إلیه إطلاقها هو خصوص الظن الذی لم یقم على اعتباره حجة ـ لا یکاد یکون الردع بها إلّا على وجه دائر ، وذلک لأن الردع بها یتوقف على عدم تخصیص عمومها ، أو تقیید إطلاقها بالسیرة على اعتبارٍ خبر الثقة ، وهو یتوقف على الردع عنها بها ، وإلاّ لکانت مخصصة أو مقیدة لها ، کما لا یخفى.
لا یقال : على هذا لا یکون اعتبارٍ خبر الثقة بالسیرة أیضاً ، إلّا على وجه دائر ، فإنّ اعتباره بها فعلاً یتوقف على عدم الردع بها عنها ، وهو یتوقف على تخصیصها بها ، وهو یتوقف على عدم الردع بها عنها.
فإنّه یقال : إنّما یکفی فی حجیته بها عدم ثبوت الردع عنها ، لعدم نهوض ما یصلح لردعها ، کما یکفی فی تخصیصها لها ذلک ، کما لا یخفى ، ضرورة أن ما
__________________
1 ـ الاسراء : 36.
2 ـ النجم : 28.  

 
جرت علیه السیرة المستمرة فی مقام الإطاعة والمعصیة ، وفی استحقاق العقوبة بالمخالفة ، وعدم استحقاقها مع الموافقة ، ولو فی صورة المخالفة عن الواقع (1) ، یکون عقلاً فی الشرع متّبعاً ما لم ینهض دلیل على المنع عن اتباعه فی الشرعیات ، فافهم وتأملّ (2).
فصل
فی الوجوه العقلیة التی أقیمت على حجیة الخبر الواحد.
أحدها : إنّه یعلم إجمالاً بصدور کثیر مما بأیدینا من الأخبار من الأئمة الأطهار : بمقدار وافٍ بمعظم الفقه ، بحیث لو علم تفصیلاً ذاک المقدار لا نحل علمنا الإِجمالی بثبوت التکالیف بین الروایات وسائر الأمارات إلى
__________________
1 ـ لعل الانسب : المخالفة للواقع.
2 ـ قولنا : ( فافهم وتأملّ ) إشارة إلى کون خبر الثقة متبعاً ، ولو قیل بسقوط کلّ من السیرة والإِطلاق عن الاعتبار ، بسبب دوران الأمر بین ردعها به وتقییده بها ، وذلک لأجل استصحاب حجّیته الثابتة قبل نزول الآیتین.
فان قلت : لا مجال لاحتمال التقیید بها ، فإن دلیل اعتبارها مغیىّ بعدم الردع به عنها ، ومعه لا تکون صالحة لتقیید الإِطلاق مع صلاحیته للردع عنها ، کما لا یخفى.
قلت : الدلیل لیس إلّا إمضاءً الشارع لها ورضاه بها ، المستکشف بعدم الردع عنها فی زمان مع إمکانه ، وهو غیر مغیى ، نعم یمکن أن یکون له واقعاً ، وفی علمه تعالى أمد خاص ، کحکمه الابتدائی ، حیث إنّه ربما یکون له أمر فینسخ ، فالردع فی الحکم الامضائی لیس إلّا کالنسخ فی الابتدائی وذلک غیر کونه بحسب الدلیل مغیاً ، کما لا یخفى.
وبالجملة : لیس حال السیرة مع الآیات الناهیة إلّا کحال الخاص المقدّم ، والعام المؤخر ، فی دوران الأمر بین التخصیص بالخاص ، أو النسخ بالعام ، ففیهما یدور الأمر أیضاً بین التخصیص بالسیرة أو الردع بالآیات فافهم منه ( 1 ).

 
العلم التفصیلی بالتکالیف فی مضامین الأخبار الصادرة المعلومة تفصیلاً ، والشک البدوی فی ثبوت التکلیف فی مورد سائر الأمارات الغیر المعتبرة ، ولازم ذلک لزوم العمل على وفق جمیع الأخبار المثبتة ، وجواز العمل على طبق النافی منها فیما إذا لم یکن فی المسألة أصل مثبت له ، من قاعدة الإِشتغال أو الاستصحاب ، بناءً على جریإنّه فی أطراف [ ما ] (1) علم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة فی بعضها ، أو قیام أمارة معتبرة على انتقاضها فیه ، وإلاّ لاختص عدم جواز العمل على وفق النافی بما إذا کان على خلاف قاعدة الاشتغال.
وفیه : إنّه لا یکاد ینهض على حجیة الخبر ، بحیث یقدم تخصیصاً أو تقییداً أو ترجیحاً على غیره ، من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم ، وأنّ کان یسلم عما أورد علیه (2) من أن لازمه الاحتیاط فی سائر الأمارات ، لا فی خصوص الروایات ، لما عرفت من انحلال العلم الإِجمالی بینهما بما علم بین الأخبار بالخصوص ولو بالإِجمال فتأمل جیّداً.
ثانیها : ما ذکره فی الوافیة (3) ، مستدلّاً على حجیة الإخبار الموجودة فی الکتب المعتمدة للشیعة ، کالکتب الأربعة ، مع عمل جمع به من غیر ردّ ظاهر ، وهو :
( إنا نقطع ببقاء التکلیف إلى یوم القیامة ، سیما بالأُصول الضروریة ، کالصلاة والزکاة والصوم والحج والمتاجر والأنکحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنّما یثبت بالخبر الغیر القطعی ، بحیث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن کونها هذه الأمور عند ترک العمل بخبر الواحد ، ومن أنکر فإنما ینکره باللسان وقلبه مطمئن بالإِیمان ). انتهى.
وأُورد (4) علیه : أولاً : بأن العلم الإِجمالی حاصل بوجود الإِجزاء والشرائط
__________________
1 ـ الزیادة من « ب ».
2 ـ أورده الشیخ على الوجه الأوّل بتقریره فلیلاحظ ، فرائد الأصول / 103.
3 ـ الوافیة / 57.
4 ـ إشارة إلى ما أورده الشیخ ( قده ) ، فرائد الأُصول / 105 ، فی جوابه عن التقریر الثّانی من 
 
بین جمیع الأخبار ، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذکره ، فاللازم حینئذ : امّا الاحتیاط ، أو العمل بکل ما دلّ على جزئیة شیء أو شرطیته (1).
قلت : یمکن أن یقال : إن العلم الإِجمالی وأنّ کان حاصلاً بین جمیع الأخبار ، إلّا أن العلم بوجود الإخبار الصادرة عنهم : بقدر الکفایة بین تلک الطائفة ، أو العلم باعتبار طائفة کذلک بینها ، یوجب انحلال ذاک العلم الإِجمالی ، وصیرورة غیره خارجةً عن طرف العلم ، کما مرت إلیه الإِشارة فی تقریب الوجه الأوّل ، اللهم إلّا أن یمنع عن ذلک ، وادعی (2) عدم الکفایة فیما علم بصدوره أو اعتباره ، أو ادعی (3) العلم بصدور أخبار أخر بین غیرها ، فتأمل.
وثانیاً : بأن قضیته إنّما هو العمل بالإخبار المثبتة للجزئیة أو الشرطیّة ، دون الأخبار النافیة لهما.
والأولى أن یورد علیه : بأن قضیته إنّما هو الاحتیاط بالأخبار المثبتة فیما لم تقم حجة معتبرة على نفیهما ، من عموم دلیل أو إطلاقه ، لا الحجیة بحیث یخصص أو یقید بالمثبت منهما ، أو یعمل بالنافی فی قبال حجة على الثبوت ولو کان أصلاً ، کما لا یخفى.
ثالثها : ما أفاده بعضٍ المحققین (4) بما ملخصه : إنا نعلم بکوننا مکلفین بالرجوع إلى الکتاب والسنة إلى یوم القیامة ، فإن تمکنا من الرجوع إلیهما على نحو یحصل العلم بالحکم أو ما بحکمه ، فلابد من الرجوع إلیهما کذلک ، وإلاّ فلا
__________________
دلیل العقل.
1 ـ کذا فی النسختین ، والموجود فی الرسائل : ( فاللازم حینئذٍ امّا الاحتیاط ، والعمل بکل خبر دلّ على جزئیة شیء أو شرطیته ، وإما العمل بکل خبر ظن صدوره مما دلّ على الجزئیة أو الشرطیّة ) ، راجع فرائد الأصول / 105.
2 و 3 ـ الأولى فی الموردین : یدعى.
4 ـ هو العلّامة الشیخ محمد تقی الاصفهانی فی هدایة المسترشدین / 397 ، السادس من وجوه حجیة الخبر.
 
 
محیص عن الرجوع على نحو یحصل الظن به فی الخروج عن عهدة هذا التکلیف ، فلو لم یتمکن من القطع بالصدور أو الاعتبار ، فلابد من التنزل إلى الظن بأحدهما.
وفیه : إن قضیة بقاء التکلیف فعلاً بالرجوع إلى الأخبار الحاکیة للسنة ـ کما صرح بإنّها المراد منها فی ذیل کلامه ، زید فی علو مقامه ـ إنّما هی الاقتصار فی الرجوع إلى الأخبار المتیقن الاعتبار ، فإن وفى ، وإلاّ أضیف إلیه الرجوع إلى ما هو المتیقن اعتباره بالإضافة لو کان ، وإلاّ فالاحتیاط بنحو عرفت ، لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره ، وذلک للتمکن من الرجوع علماً تفصیلاً أو إجمالاً ، فلا وجه معه من الاکتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره.
هذا مع أنّ مجال المنع عن ثبوت التکلیف بالرجوع إلى السنة ـ بذاک المعنى ـ فیما لم یعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع.
وأما الإیراد (1) علیه : برجوعه امّا إلى دلیل الانسداد لو کان ملاکه دعوى العلم الإِجمالی بتکالیف واقعیة ، وإما إلى الدلیل الأوّل ، لو کان ملاکه دعوى العلم بصدور أخبار کثیرة بین ما بأیدینا من الأخبار.
ففیه : إن ملاکه إنّما هو دعوى العلم بالتکلیف ، بالرجوع إلى الروایات فی الجملة إلى یوم القیامة ، فراجع تمام کلامه تعرف حقیقة مرامه.
__________________
1 ـ المستشکل علیه هو الشیخ ( قده ) ، فرائد الأصول / 106.  

 
فصل
فی الوجوه (1) التی أقاموها على حجیة الظن ، وهی أربعة :
الأول : إن فی مخالفة المجتهد لما ظنه من الحکم الوجوبی أو التحریمی مظنة للضرر ، ودفع الضرر المظنون لازم.
أما الصغرى ، فلان الظن بوجوب شیء أو حرمته یلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فیها ، بناءً على تبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد.
وأما الکبرى ، فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ، ولو لم نقل بالتحسین والتقبیح (2) ، لوضوح عدم انحصار ملاک حکمه بهما ، بل یکون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو کذلک ولو لم یستقل بالتحسین والتقبیح ، مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه ، إذا قیل باستقلاله ، ولذا أطبق العقلاء علیه ، مع خلافهم فی استقلاله بالتحسین والتقبیح ، فتدبرّ جیداً.
والصواب فی الجواب : هو منع الصغرى ، امّا العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بین الظن بالتکلیف والظن بالعقوبة على مخالفته ، لعدم الملازمة بینه والعقوبة على مخالفته ، وإنما الملازمة بین خصوص معصیته واستحقاق العقوبة علیها ، لا بین
__________________
1 ـ ذکر الشیخ ( قده ) هذه الوجوه أیضاً ، فرائد الأصول / 106.
2 ـ هذا ردّ على الحاجبی : العضدی فی شرحه ، شرح العضدی على مختصر الأصول : 1 / 163.
 
 
مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ، وبمجرد (1) الظن به بدون دلیل على اعتباره لا یتنجز به ، کی یکون مخالفته عصیإنّه.
إلا أن یقال : إن العقل وأنّ لم یستقل بتنجزه بمجرده ، بحیث یحکم باستحقاق العقوبة على مخالفته ، إلّا إنّه لا یستقل أیضاً بعدم استحقاقها معه ، فیحتمل العقوبة حینئذ على المخالفة ، ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشکوک کالمظنون قریبة جداً ، لا سیما إذا کان هو العقوبة الأُخرویة ، کما لا یخفى.
وأما المفسدة فلأنّها وأنّ کان الظن بالتکلیف یوجب الظن بالوقوع فیها لو خالفه ، إلّا إنّها لیست بضرر على کلّ حال ، ضرورة أن کلّ ما یوجب قبح الفعل من المفاسد لا یلزم أن یکون من الضرر على فاعله ، بل ربما یوجب حزازة ومنقصة فی الفعل ، بحیث یذم علیه فاعله بلا ضرر علیه أصلاً ، کما لا یخفى.
وأما تفویت المصلحة ، فلا شبهة فی إنّه لیس فیه مضرة ، بل ربما یکون فی استیفائها المضرة ، کما فی الإحسان بالمال. هذا.
مع منع کون الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد فی المأمور به (2) والمنهی عنه (3) ، بل إنّما هی تابعة لمصالح فیها ، کما حققناه فی بعضٍ فوائدنا (4).
وبالجملة : لیست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان فی الأفعال وأنیط بهما الأحکام بمضرة ، ولیس مناط حکم العقل بقبح ما فیه المفسدة أو حسن ما فیه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلک ، هو کونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إلیه ، ولعمری هذا أوضح من أن یخفى ، فلا مجال لقاعدة رفع
__________________
1 ـ فی « ب » : ومجرد.
2 و 3 ـ أنث الضمیر فی النسخ ، والصواب ما أثبتناه.
4 ـ الفوائد : 337 ، فائدة فی اقتضاء الأفعال للمدح والذم ، عند قوله : فیمکن أن یکون صوریة ... ویمکن أن یکون حقیقیة. وراجع ما ذکره فی حاشیته على الرسائل : 76 ، عند قوله : مع احتمال عدم کون الأحکام تابعة لهما ، بل تابعة لما فی انفسهما من المصلحة ... الخ.  

 
الضرر المظنون ها هنا أصلاً ، ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فیه احتمال المفسدة أو ترک ما فیه احتمال المصلحة ، فافهم.
الثانی : إنّه لو لم یؤخذ بالظن لزم ترجیح المرجوح على الراجح وهو قبیح.
وفیه : إنّه لا یکاد یلزم منه ذلک إلّا فیما إذا کان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً ، مع عدم إمکان الجمع بینهما عقلاً ، أو عدم وجوبه شرعاً ، لیدور الأمر بین ترجیحه وترجیح طرفه ، ولا یکاد یدور الأمر بینهما إلّا بمقدمات دلیل الانسداد ، وإلاّ کان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمی أو الاحتیاط أو البراءة أو غیرهما على حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال فی اختلاف المقدّمات ، على ما ستطلع على حقیقة الحال.
الثالث : ما عن السید الطباطبائی (1) 1 ، من :
إنّه لا ریب فی وجود واجبات ومحرمات کثیرة بین المشتبهات ، ومقتضى ذلک وجوب الاحتیاط بالإتیان بکل ما یحتمل الوجوب ولو موهوماً ، وترک ما یحتمل الحرمة کذلک ، ولکن مقتضى قاعدة نفی الحرج عدم وجوب ذلک کله ، لإنّه عسر أکید وحرج شدید ، فمقتضى الجمع بین قاعدتی الاحتیاط وانتفاء الحرج العمل بالاحتیاط فی المظنونات دون المشکوکات والموهومات ، لأن الجمع على غیر هذا الوجه بإخراج بعضٍ المظنونات وإدخال بعضٍ المشکوکات والموهومات باطل
__________________
1 ـ هو السید علی بن السید محمد علی الطباطبائی الحائری ، ولد فی الکاظمیة عام 1161 ه‍ اشتغل على ولد الأستاذ العلّامة ثم اشتغل عند خاله الأستاذ العلامة « وحید البهبهانی » وبعد مدة قلیلة اشتغل بالتصنیف والتدریس والتألیف ، له شرحان معروفان على النافع کبیر موسوم ب‍ « ریاض المسائل » وصغیر وغیرهما ، ونقل عنه أیضاً إنّه کان یحضر درس صاحب الحدائق ، وکتب جمیع مجلدات الحدائق بخطه الشریف ، تخرّج علیه صاحب المقابس وصاحب المطالع وصاحب مفتاح الکرامة وشریف العلماء وأمثالهم من الأجلة. توفی سنة 1231 ه‍ ودفن قریبا من قبر خاله العلامة ( روضات الجنات 4 / 399 الرقم 422 ). 
 
إجماعاً (1).
ولا یخفى ما فیه من القدح والفساد ، فإنّه بعضٍ مقدمات دلیل الانسداد ، ولا یکاد ینتج بدون سائر مقدماته ، ومعه لا یکون دلیل آخر ، بل ذاک الدلیل.
الرابع : دلیل الانسداد ، وهو مؤلف من مقدمات ، یستقل العقل مع تحققها بکفایة الإطاعة الظنیة حکومة أو کشفاً على ما تعرف ، ولا یکاد یستقل بها بدونها ، وهی خمس (2).
أولها : إنّه یعلم إجمالاً بثبوت تکالیف کثیرة فعلیة فی الشریعة.
ثانیها : إنّه قد انسد علینا باب العلم والعلمی إلى کثیر منها.
ثالثها : إنّه لا یجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلاً.
رابعها : إنّه لا یجب علینا الاحتیاط فی أطراف علمنا ، بل لا یجوز فی الجملة ، کما لا یجوز الرجوع إلى الأصل فی المسألة ، من استصحاب وتخییر وبراءة واحتیاط ، ولا إلى فتوى العالم بحکمها.
خامسها : إنّه کان ترجیح المرجوح على الراجح قبیحاً.
فیستقل العقل حینئذٍ بلزوم الإطاعة الظنیة لتلک التکالیف المعلومة ، و إلّا لزم ـ بعد انسداد باب العلم والعلمی بها ـ امّا إهمالها ، وإما لزوم الاحتیاط فی أطرافها ، وإما الرجوع إلى الأصل الجاری فی کلّ مسألة ، مع قطع النظر عن العلم بها ، أو التقلید فیها ، أو الاکتفاء بالاطاعة الشکیة أو الوهمیة مع التمکن من الظنیة.
__________________
1 ـ حکى هذا القول الشیخ الانصاری 1 فی فرائد الأصول / 111 ، نقلاً عن أستاذه شریف العلماء عن أستاذه السید الاجل الاقا میرزا سید علی الطباطبائی 1 « صاحب الریاض » فی مجلس المذاکرة ، کما صرح بذلک العلامة المرحوم المیرزا محمد حسن الاشتیانی 1 راجع بحر الفوائد 189.
2 ـ الصواب ما أثبتناه وفی النسخ : خمسة. 
 
والفرض بطلان کلّ واحد منها.
أما المقدمة الأولى : فهی وأنّ کانت بدیهیة إلّا إنّه قد عرفت انحلال العلم الإِجمالی بما فی الإخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرین : التی تکون فیما بأیدینا ، من الروایات فی الکتب المعتبرة ، ومعه لا موجب للاحتیاط إلّا فی خصوص ما فی الروایات ، وهو غیر مستلزم للعسر فضلاً عما یوجب الاختلال ، ولا إجماع على عدم وجوبه ، ولو سلّم الإجماع على عدم وجوبه لو لم یکن هناک انحلال.
وأما المقدمة الثانیة : امّا بالنسبة إلى العلم ، فهی بالنسبة إلى أمثال زماننا بیّنة وجدانیة ، یعرف الانسداد کلّ من تعرض للاستنباط والاجتهاد.
وأما بالنسبة إلى العلمی ، فالظاهر إنّها غیر ثابتة ، لما عرفت من نهوض الأدلة على حجیة خبر یوثق بصدقه ، وهو بحمد الله وافٍ بمعظم الفقه ، لا سیما بضمیمة ما علم تفصیلاً منها ، کما لا یخفى.
وأما الثالثة : فهی قطعیة ، ولو لم نقل بکون العلم الإِجمالی منجّزاً مطلقاً أو فیما جاز ، أو وجب الاقتحام فی بعضٍ أطرافه ، کما فی المقام حسب ما یأتی ، وذلک لأن إهمال معظم الأحکام وعدم الاجتناب کثیراً عن الحرام ، مما یقطع بإنّه مرغوب عنه شرعاً ومما یلزم ترکه إجماعاً.
إن قلت : إذا لم یکن العلم بها منجّزاً لها للزوم الاقتحام فی بعضٍ الأطراف ـ کما أشیر إلیه ـ فهل کان العقاب على المخالفة فی سائر الأطراف ـ حینئذ ـ على تقدیر المصادفة إلّا عقاباً بلا بیان؟ والمؤاخذة علیها إلّا مؤاخذة بلا برهان؟!
قلت : هذا إنّما یلزم ، لو لم یعلم بإیجاب الاحتیاط ، وقد علم به بنحو اللّم ، حیث علم اهتمام الشارع بمراعاة تکالیفه ، بحیث ینافیه عدم إیجابه الاحتیاط الموجب للزوم المراعاة ، ولو کان بالالتزام ببعض المحتملات ، مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الإِهمال فی هذا الحال ، وإنّه مرغوب عنه شرعاً قطعاً ، [ وأما 
 
مع استکشافه ] (1) فلا یکون المؤاخذة والعقاب حینئذ بلا بیان وبلا برهان ، کما حققناه فی البحث وغیره.
وأما المقدمة الرابعة : فهی بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتیاط التام بلا کلام ، فیما یوجب عسره اختلال النظام ، وأما فیما لا یوجب ، فمحل نظر بل منع ، لعدم حکومة قاعدة نفی العسر والحرج على قاعدة الاحتیاط ، وذلک لما حققناه (2) فی معنى ما دلّ على نفی الضرر والعسر ، من أن التوفیق بین دلیلهما ودلیل التکلیف أو الوضع المتعلقین بما یعمهما ، هو نفیهما عنهما بلسان نفیهما ، فلا یکون له حکومة على الاحتیاط العسر إذا کان بحکم العقل ، لعدم العسر فی متعلق التکلیف ، وإنما هو فی الجمع بین محتملاته احتیاطاً.
نعم ، لو کان معناه نفی الحکم الناشىء من قبله العسر ـ کما قیل (3) ـ لکانت قاعدة نفیه محکمة على قاعدة الاحتیاط ، لأن العسر حینئذ یکون من قبل التکالیف المجهولة ، فتکون منفیة بنفیه.
ولا یخفى إنّه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتیاط فی بعضٍ الأطراف بعد رفع الید عن الاحتیاط فی تمامها ، بل لابد من دعوى وجوبه شرعاً ، کما أشرنا إلیه فی بیان المقدمة الثالثة ، فافهم وتأمل جیّداً.
وأما الرجوع إلى الأُصول ، فبالنسبة إلى الأُصول المثبتة من احتیاط أو استصحاب مثبت للتکلیف ، فلا مانع عن إجرائها عقلاً مع حکم العقل وعموم النقل. هذا ، ولو قیل بعدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإِجمالی ،
__________________
1 ـ هکذا فی « أ » وشطب علیها فی « ب ».
2 ـ تعرض المصنف لقاعدة لا ضرر فی ص 72 ( الکتاب ) فلیراجع عند قوله أن الظاهر أن یکون لا لنفی الحقیقة ادعاءً .. وقوله بعد أسطر ثم الحکم الذی أُرید نفیه بنفی الضرر ... الخ.
3 ـ القائل هو الشیخ الأنصاری 1 انظر ، فرائد الأصول / 314 ورسالة قاعدة نفی الضرر فی مکاسبه ، المکاسب / 372.
 
لاستلزام شمول دلیله لها التناقض فی مدلوله ، بداهة تناقض حرمة النقض فی کلّ منها بمقتضى ( لا تنقض ) لوجوبه فی البعض ، کما هو قضیة ( ولکن تنقضه بیقین آخر ) وذلک لإنّه إنّما یلزم فیما إذا کان الشک فی أطرافه فعلیاً. وأما إذا لم یکن کذلک ، بل لم یکن الشک فعلاً إلّا فی بعضٍ أطرافه ، وکان بعضٍ أطرافه الآخر غیر ملتفت إلیه فعلاً أصلاً ، کما هو حال المجتهد فی مقام استنباط الأحکام ، کما لا یخفى ، فلا یکاد یلزم ذلک ، فإن قضیة ( لا تنقض ) لیس حینئذٍ إلّا حرمة النقض فی خصوص الطرف المشکوک ، ولیس فیه علم بالانتقاض کی یلزم التناقض فی مدلول دلیله من شموله له ، فافهم.
ومنه قد انقدح ثبوت حکم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى الأصول النافیة أیضاً ، وإنّه لا یلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدلیل لها لو لم یکن هناک مانع عقلاً أو شرعاً من إجرائها ، ولا مانع کذلک لو کانت موارد الأصول المثبتة بضمیمة ما علم تفصیلا ، أو نهض علیه علمی بمقدار المعلوم إجمالاً ، بل بمقدار لم یکن معه مجال لاستکشاف إیجاب الاحتیاط ، وأنّ لم یکن بذاک المقدار ، ومن الواضح إنّه یختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
وقد ظهر بذلک أن العلم الإِجمالی بالتکالیف ربما ینحل ببرکة جریان الأُصول المثبتة وتلک الضمیمة ، فلا موجب حینئذ للاحتیاط عقلاً ولا شرعاً أصلاً ، کما لا یخفى.
کما ظهر إنّه لو لم ینحل بذلک ، کان خصوص موارد أصول النافیة مطلقاً ـ ولو من مظنونات [ عدم ] (1) التکلیف ـ محلاً للاحتیاط فعلاً ، ویرفع الید عنه فیها کلاً أو بعضا ، بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ـ على ما عرفت ـ لا محتملات التکلیف مطلقاً.
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ». 
 
وأما الرجوع إلى فتوى العالم فلا یکاد یجوز ، ضرورة إنّه لا یجوز إلّا للجاهل لا للفاضل الذی یرى خطأ من یدعی انفتاح باب العلم أو العلمی ، فهل یکون رجوعه إلیه بنظره إلّا من قبیل رجوع الفاضل إلى الجاهل؟
وأما المقدمة الخامسة : فلاستقلال العقل بها ، وإنّه لا یجوز التنزل ـ بعد عدم التمکن من الإطاعة العلمیة أو عدم وجوبها ـ إلّا إلى الإطاعة الظنیة دون الشکیة أو الوهمیة ، لبداهة مرجوحیتها بالإضافة إلیها ، وقبح ترجیح المرجوح على الراجح.
لکنک عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالیة ، مع دوران الأمر بین الظنیة والشکیة أو الوهمیة ، من جهة ما أوردناه على المقدمة الأولى من انحلال العلم الإِجمالی بما فی أخبار الکتب المعتبرة ، وقضیته الاحتیاط بالالتزام عملاً بما فیها من التکالیف ، ولا بأس به حیث لا یلزم منه عسر فضلاً عما یوجب اختلال النظام ؛ وما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأُصول مطلقاً ، ولو کانت نافیة ، لوجود المقتضی وفقد المانع لو کان التکلیف فی موارد الأُصول المثبتة وما علم منه تفصیلاً ، أو نهض علیه دلیل معتبر بمقدار المعلوم بالإِجمال ، و إلّا فإلى الأصول المثبتة وحدها ، وحینئذ کان خصوص موارد الأصول النافیة محلاً لحکومة العقل ، وترجیح مظنونات التکلیف فیها على غیرها ، ولو بعد استکشاف وجوب الاحتیاط فی الجملة شرعاً ، بعد عدم وجوب الاحتیاط التام شرعاً أو عقلاً ـ على ما عرفت تفصیله ـ هذا هو التحقیق على ما یساعد علیه النظر الدقیق ، فافهم وتدبر جیداً.
فصل
هل قضیة المقدّمات على تقدیر سلامتها هی حجیة الظن بالواقع ، أو بالطریق ، أو بهما؟ أقوال.
والتحقیق أن یقال : إنّه لا شبهة فی أن همّ العقل فی کلّ حال إنّما هو  

 
تحصیل الامن من تبعة التکالیف المعلومة ، من العقوبة على مخالفتها ، کما لا شبهة فی استقلاله فی تعیین ما هو المؤمّن منها ، وفی أن کلما کان القطع به مؤمّناً فی حال الانفتاح کان الظن به مؤمّناً حال الانسداد جزماً ، وأنّ المؤمّن فی حال الانفتاح هو القطع بإتیان المکلف به الواقعی بما هو کذلک ، لا بما هو معلوم ومؤدى الطریق ومتعلق العلم ، وهو طریق شرعاً وعقلاً ، أو بإتیإنّه الجعلی ؛ وذلک لأن العقل قد استقل بأن الإِتیان بالمکلف به الحقیقی بما هو هو ، لا بما هو مؤدى الطریق مبریء للذمة قطعاً ، کیف؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طریق لا یکاد تناله ید الجعل إحداثاً وإمضاءً ، إثباتاً ونفیاً. ولا یخفى أن قضیة ذلک هو التنزل إلى الظن بکل واحد من الواقع والطریق.
ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلّا توهّم إنّه قضیة اختصاص المقدّمات بالفروع ، لعدم انسداد باب العلم فی الأُصول ، وعدم إلجاء فی التنزل إلى الظن فیها ، والغفلة عن أن جریإنّها فی الفروع موجب لکفایة الظن بالطریق فی مقام یحصل الأمن من عقوبة التکالیف ، وأنّ کان باب العلم فی غالب الأصول مفتوحاً ، وذلک لعدم التفاوت فی نظر العقل فی ذلک بین الظنین.
کما أن منشأ توهّم الاختصاص بالظن بالطریق وجهان :
أحدهما : ما أفاده بعضٍ الفحول (1) وتبعه فی الفصول (2) ، قال فیها :
إنا کما نقطع بأنا مکلفون فی زماننا هذا تکلیفا فعلیاً بأحکام فرعیة کثیرة ، لا سبیل لنا بحکم العیان وشهادة الوجدان إلى تحصیل کثیر منها بالقطع ، ولا بطریق معیّن یقطع من السمع بحکم الشارع بقیامه ، أو قیام طریقه مقام القطع ولو عند تعذره ، کذلک نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلک الأحکام طریقاً مخصوصاً ،
__________________
1 ـ هو العلامة المحقق الشیخ اسد الله الشوشتری ، کشف القناع عن وجوه حجیة الإجماع / 460.
2 ـ الفصول / 277 ، مع اختلاف فی الالفاظ. 
 
وکلفنا تکلیفاً فعلّیاً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة ، وحیث إنّه لا سبیل غالباً إلى تعیینها بالقطع ، ولا بطریق یقطع من السمع بقیامه بالخصوص ، أو قیام طریقه کذلک مقام القطع ولو بعد تعذره ، فلا ریب أن الوظیفة فی مثل ذلک بحکم العقل إنّما هو الرجوع فی تعیین ذلک الطریق إلى الظن الفعلّی الذی لا دلیل على [ عدم ] (1) حجیته ، لإنّه أقرب إلى العلم ، وإلى إصابة الواقع مما عداه.
وفیه : أولاً ـ بعد تسلیم العلم بنصب طرق خاصة باقیة فیما بأیدینا من الطرق الغیر العلمیة ، وعدم وجود المتیقن بینها أصلاً ـ أن قضیة ذلک هو الاحتیاط فی أطراف هذه الطرق المعلومة بالإِجمال لا تعیینها بالظن.
لا یقال (2) : الفرض هو عدم وجوب الاحتیاط ، بل عدم جوازه ، لأنّ الفرض إنّما هو عدم وجوب الاحتیاط التام فی أطراف الأحکام ، مما یوجب العسر المخل بالنظام ، لا الاحتیاط فی خصوص ما بأیدینا من الطرق. فإن قضیة هذا الاحتیاط هو جواز رفع الید عنه فی غیر مواردها ، والرجوع إلى الأصل فیها ولو کان نافیاً للتکلیف ، وکذا فیما إذا نهض الکلّ على نفیه ، وکذا فیما إذا تعارض فردان من بعضٍ الأطراف فیه نفیاً وإثباتاً مع ثبوت المرجح للنافی ، بل مع عدم رجحان المثبت فی خصوص الخبر منها ، ومطلقاً فی غیره بناءً على عدم ثبوت الترجیح على تقدیر الاعتبار فی غیر الأخبار ، وکذا لو تعارض إثنان منها فی الوجوب والتحریم ، فإن المرجع فی جمیع ما ذکر من موارد التعارض هو الأصل الجاری فیها ولو کان نافیاً ، لعدم نهوض طریق معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به على خلافه ، فافهم.
وکذا کلّ مورد لم یجر فیه الأصل المثبت ، للعمل بانتقاض الحالة السابقة فیه
__________________
1 ـ أثبتنا الزیادة من الفصول.
2 ـ إیراد ذکره الشیخ 1 وأمر بالتأمل فیه ، فرائد الأصول / 132 ، عند قوله : أللهم إلّا أن یقال إنّه یلزم الحرج ... الخ. 
 
إجمالاً بسبب العلم به ، أو بقیام أمارة معتبرة علیه فی بعضٍ أطرافه ، بناءً على عدم جریإنّه بذلک.
وثانیاً : لو سلّم أن قضیته (1) لزوم التنزّل إلى الظن ، فتوهّم أن الوظیفة حینئذ هو خصوص الظن بالطریق فاسد قطعاً ، وذلک لعدم کونه أقرب إلى العلم وإصابة الواقع من الظن ، بکونه مؤدى طریق معتبر من دون الظن بحجیة طریق أصلاً ، ومن الظن بالواقع ، کما لا یخفى.
لا یقال : إنّما لا یکون أقرب من الظن بالواقع ، إذا لم یصرف التکلیف الفعلّی عنه إلى مؤدیّات الطرق ولو بنحو التقیید ، فإن الالتزام به بعید ، إذ الصرف لو لم یکن تصویبا محالاً ، فلا أقل من کونه مجمعاً على بطلإنّه ، ضرورة أنّ القطع بالواقع یجدی فی الإِجزاء بما هو واقع ، لا بما هو مؤدى طریق القطع ، کما عرفت.
ومن هنا انقدح أن التقیید أیضاً غیر سدید ، مع أن الالتزام بذلک غیر مفید ، فإن الظن بالواقع فیما ابتلی به من التکالیف لا یکاد ینفکّ عن الظن بإنّه مؤدى طریق معتبر ، والظن بالطریق ما لم یظن بإصابته (2) الواقع غیر مجد بناءً على التقیید ، لعدم استلزامه الظن بالواقع المقید به بدونه هذا.
مع عدم مساعدة نصب الطریق على الصرف ولا على التقیید ، غایته أن العلم الإِجمالی بنصب طرق وافیة یوجب انحلال العلم بالتکالیف الواقعیة إلى العلم بما هو مضامین الطرق المنصوبة من التکالیف الفعلیة ، والانحلال وأنّ کان یوجب عدم تنجز ما لم یؤد إلیه الطریق من التکالیف الواقعیة ، إلّا إنّه إذا کان رعایة العلم بالنصب لازماً ، والفرض عدم اللزوم ، بل عدم الجواز.
وعلیه یکون التکالیف الواقعیة ، کما إذا لم یکن هناک علم بالنصب فی کفایة
__________________
1 ـ فی « ب » : قضیة.
2 ـ فی « ب » : بإصابة. 
 
الظن بها حال انسداد باب العلم ، کما لا یخفى ؛ ولابد حینئذ من عنایة أُخرى (1) فی لزوم رعایة الواقعیات بنحو من الإطاعة ، وعدم إهمالها رأساً کما أشرنا إلیه (2) ، ولا شبهة فی أن الظن بالواقع لو لم یکن أولى حینئذ لکونه أقرب فی التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترک الحرام ، من الظن بالطریق ، فلا أقل من کونه مساویاً فیما یهم العقل من تحصیل الأمن من العقوبة فی کلّ حال ، هذا مع ما عرفت من إنّه عادةً یلازم الظن بإنّه مؤدى طریق ، وهو بلا شبهة یکفی ، ولو لم یکن هناک ظن بالطریق ، فافهم فإنّه دقیق.
ثانیهما : ما اختصّ به بعضٍ المحققین (3) ، قال :
( لا ریب فی کوننا مکلفین بالأحکام الشرعیة ، ولم یسقط عنا التکلیف بالأحکام الشرعیة ، وأنّ الواجب علینا أولاً هو تحصیل العلم بتفریغ الذمة فی حکم المکلف ، بأن یقطع معه بحکمه بتفریغ ذمتنا عما کلفنا به ، وسقوط تکلیفنا عنا ، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا ، حسبما مرّ تفصیل القول فیه.
فحینئذ نقول : إن صحّ لنا تحصیل العلم بتفریغ ذمتنا فی حکم الشارع ، فلا إشکال فی وجوبه وحصول البراءة به ، وأنّ انسد علینا سبیل العلم کان الواجب
__________________
1 ـ وهی إیجاب الاحتیاط فی الجملة المستکشف بنحو اللّم ، من عدم الإِهمال فی حال الانسداد قطعاً إجماعا بل ضرورة ، وهو یقتضی التنزل إلى الطن بالواقع حقیقة أو تعبداً ، إذا کان استکشافه فی التکالیف المعلومة إجمالاً ، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بکل ما یجب تحصیل القطع به فی حال الانفتاح إلى الظن به فی هذا الحال ، وإلى الظن بخصوص الواقعیات التی تکون مؤدیات الطرق المعتبرة ، أو بمطلق المؤدیات لو کان استکشافه فی خصوصها أو فی مطلقها ، فلا یکاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطریق بما هو کذلک وأنّ کان یکفی ، لکونه مستلزماً للظن بکون مؤداه مؤدى طریق معتبر ، کما یکفی الظن بکونه کذلک ، ولو لم یکن ظن باعتبار طریق أصلاً کما لا یخفى ، وأنت خبیر بإنّه لا وجه لاحتمال ذلک ، وإنما المتیقن هو لزوم رعایة الواقعیات فی کلّ حال ، بعد عدم لزوم رعایة الطرق المعلومة بالإِجمال بین أطراف کثیرة ، فافهم منه ( 1 ).
2 ـ راجع صفحة / 312.
3 ـ وهو العلامة المحقق الشیخ محمد تقی الأصفهانی ، هدایة المسترشدین / 391.
 
 
علینا تحصیل الظن بالبراءة فی حکمه ، إذ هو الأقرب إلى العلم به ، فیتعین الأخذ به عند التنزل من العلم فی حکم العقل ، بعد انسداد سبیل العلم والقطع ببقاء التکلیف ؛ دون ما یحصل معه الظن بأداء الواقع ، کما یدعیه القائل بأصالة حجیة الظن ). انتهى موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.
وفیه أولاً : إن الحاکم على الاستقلال فی باب تفریغ الذمة بالإطاعة والامتثال إنّما هو العقل ، ولیس للشاعر فی هذا الباب حکم مولوی یتبعه حکم العقل ، ولو حکم فی هذا الباب کان بتبع حکمه إرشاداً إلیه ، وقد عرفت استقلاله بکون الواقع بما هو هو مفرغاً (1) ، وأنّ القطع به حقیقة أو تعبداً مؤمن جزماً ، وأنّ المؤمّن فی حال الانسداد هو الظن بما کان القطع به مؤمّناً حال الانفتاح ، فیکون الظن بالواقع أیضاً مؤمّناً حال الانسداد.
وثانیاً : سلّمنا ذلک ، لکن حکمه بتفریغ الذمة ـ فیما إذا أتى المکلف بمؤدى الطریق المنصوب ـ لیس إلّا بدعوى أن النصب یستلزمه ، مع أن دعوى أن التکلیف بالواقع یستلزم حکمه بالتفریغ فیما إذا أتى به أولى ، کما لا یخفى ، فیکون الظن به ظناً بالحکم بالتفریغ أیضاً.
إن قلت : کیف یستلزمه (2) الظن بالواقع؟ مع إنّه ربما یقطع بعدم حکمه به معه ، کما إذا کان من القیاس ، وهذا بخلاف الظن بالطریق ، فإنّه یستلزمه ولو کان من القیاس.
قلت : الظن بالواقع أیضاً یستلزم (3) الظن بحکمه بالتفریغ (4) ، ولا ینافی
__________________
1 ـ فی « أ »و « ب » : مفرغ.
2 ـ فی « ب » : یستلزم.
3 ـ وذلک لضرورة الملازمة بین الإِتیان بما کلف به واقعاً وحکمه بالفراغ ویشهد به عدم جواز الحکم بعدمه ، لو سئل عن أن الإِتیان بالمأمور به على وجهه ، هل هو مفرغ؟ ولزوم حکمه بإنّه مفرغ ، وإلاّ لزم عدم إجزاء الأمر الواقعی ، وهو واضح البطلان منه ( 1 ).
4 ـ کذا فی النسخة المصححة ، وفی « أ » : الظن بهما على الأقوى یستلزم الحکم بالتفریغ. 
 
القطع بعدم حجیته لدى الشارع ، وعدم کون المکلف معذوراً ـ إذا عمل به فیهما ـ فیما أخطأ ، بل کان مستحقاً للعقاب ـ ولو فیما أصاب ـ لو بنى على حجیته والاقتصار علیه لتجریه ، فافهم.
وثالثاً : سلمنا أن الظن بالواقع لا یستلزم الظن به ، لکن قضیته لیس إلّا التنزل إلى الظن بإنّه مؤدى طریق معتبر ، لا خصوص الظن بالطریق ، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا یکاد ینفک عن الظن بإنّه مؤدى الطریق غالبا.
فصل
لا یخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على کون الظن طریقاً منصوباً شرعاً ، ضرورة إنّه معها لا یجب عقلاً على الشارع أن ینصب طریقاً ، لجواز اجتزائه بما استقل به العقل فی هذا الحال ، ولا مجال لاستکشاف نصب الشارع من حکم العقل ، لقاعدة الملازمة ، ضرورة إنّها إنّما تکون فی مورد قابل للحکم الشرعی ، والمورد هاهنا غیر قابل له ، فإن الإطاعة الظنیة التی یستقل العقل بکفایتها فی حال الانسداد إنّما هی بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزید منها ، وعدم جواز اقتصار المکلف بدونها ، ومؤاخذة الشارع غیر قابلة لحکمه ، وهو واضح.
واقتصار المکلف بما دونها ، لما کان بنفسه موجباً للعقاب مطلقاً ، أو فیما أصاب الظن ، کما إنّها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمر بها أو نهی عن مخالفتها ، کان حکم الشارع فیه مولویاً بلا ملاک یوجبه ، کما لا یخفى ، ولا بأس به إرشادیاً ، کما هو شإنّه فی حکمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصیة.
وصحة نصبه الطریق وجعله فی کلّ حال بملاک یوجب نصبه وحکمة داعیة إلیه ، لا تنافی استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد ، کما یحکم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح ، من دون استکشاف حکم الشارع بلزومها 
 
مولویاً ، لما عرفت.
فانقدح بذلک عدم صحة تقریر المقدّمات إلّا على نحو الحکومة دون الکشف ، وعلیها فلا إهمال فی النتیجة أصلاً ، سبباً ومورداً ومرتبة ، لعدم تطرق الإِهمال والإِجمال فی حکم العقل ، کما لا یخفى.
أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فیها.
وأما بحسب الموارد ، فیمکن أن یقال بعدم استقلاله بکفایة الإطاعة الظنیة ، إلّا فیما لیس للشارع مزید اهتمام فیه بفعل الواجب وترک الحرام ، واستقلاله بوجوب الاحتیاط فیما فیه مزید الاهتمام ، کما فی الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا یلزم من الاحتیاط فیها العسر.
وأما بحسب المرتبة ، فکذلک لا یستقل إلّا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التکلیف (1) ، إلّا على تقدیر عدم کفایتها فی دفع محذور العسر.
وأما على تقریر الکشف ، فلو قیل بکون النتیجة هو نصب الطریق الواصل بنفسه ، فلا إهمال فیها أیضاً بحسب الأسباب ، بل یستکشف حینئذ أن الکلّ حجة لو لم یکن بینها ما هو المتیق ، و إلّا فلا مجال لاستکشاف حجیة (2) غیره ، ولا بحسب الموارد ، بل یحکم بحجیته فی جمیعها ، وإلاّ لزم عدم وصول الحجة ، ولو لأجل التردد فی مواردها ، کما لا یخفى.
ودعوى الإجماع (3) على التعمیم بحسبها فی مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدّاً.
__________________
1 ـ کذا صححه فی « ب » ، وفی « أ » : فکذلک لا یستقل إلّا بکفایة مرتبة الاطمئنان من الظن إلّا على ... إلخ.
2 ـ فی « ب » : حجة.
3 ـ ادعاه الشیخ ( قده ) فرائد الأصول / 139. 
 
وأما بحسب المرتبة ، ففیها إهمال ، لأجل احتمال حجیة خصوص الاطمئنانی منه إذا کان وافیاً ، فلابد من الاقتصار علیه.
ولو قیل بأن النتیجة هو نصب الطریق الواصل ولو بطریقه ، فلا إهمال فیها بحسب الأسباب ، لو لم یکن فیها تفاوت أصلاً ، أو لم یکن بینها إلّا واحد ، و إلّا فلابدّ من الاقتصار على متیقن الاعتبار منها أو مظنونه ، بإجراء مقدمات دلیل الانسداد حینئذٍ مرة أو مرّات فی تعیین الطریق المنصوب ، حتى ینتهی إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت بینها ، فیحکم بحجیة کلها ، أو متفاوتة یکون بعضها الوافی متیقن الاعتبار ، فیقتصر علیه.
وأما بحسب الموارد والمرتبة ، فکما إذا کانت النتیجة هی الطریق الواصل بنفسه ، فتدبرّ جیداً.
ولو قیل بأن النتیجة هو الطریق ولو لم یصل أصلاً ، فالإهمال فیها یکون من الجهات ، ولا محیص حینئذ إلّا من الاحتیاط فی الطریق بمراعاة اطراف الاحتمال لو لم یکن بینها متیقن الاعتبار ، لو لم یلزم منه محذور ، وإلاّ لزم التنزل إلى حکومة العقل بالاستقلال ، فتأمل فإن المقام من مزال الأقدام.
وهم ودفع : لعلک تقول : إن القدر المتیقن الوافی لو کان فی البین لما کان مجال لدلیل الانسداد ، ضرورة إنّه من مقدماته انسداد باب العلمی أیضاً.
لکنک غفلت عن أن المراد ما إذا کان الیقین بالاعتبار من قبله ، لأجل الیقین بإنّه لو کان شیء حجة شرعاً کان هذا الشیء حجة قطعاً ، بداهة أن الدلیل على أحد المتلازمین إنّما هو الدلیل على الآخر ، لا الدلیل على الملازمة.
ثم لا یخفى أن الظن باعتبار ظن (1) بالخصوص ، یوجب الیقین باعتباره من باب دلیل الانسداد على تقریر الکشف بناءً على کون النتیجة هو الطریق الواصل
__________________
1 ـ فی « ب » : الظن.
 
 
بنفسه ، فإنّه حینئذ یقطع بکونه حجة ، کان غیره حجة أو لا ، واحتمال عدم حجیته بالخصوص (1) لا ینافی القطع بحجیته بملاحظة الانسداد ، ضرورة إنّه على الفرض لا یحتمل أن یکون غیره حجة بلا نصب قرینة ، ولکنه من المحتمل أن یکون هو الحجة دون غیره ، لما فیه من خصوصیة الظن بالاعتبار ، وبالجملة الأمر یدور بین حجیة الکلّ وحجیته ، فیکون مقطوع الاعتبار.
ومن هنا ظهر حال القوة ، ولعل نظر من رجح بهما (2) إلى هذا الفرض ، وکان منع شیخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ عن الترجیح بهما (3) ، بناءً على کون النتیجة هو الطریق الواصل ولو بطریقه ، أو الطریق ولو لم یصل أصلاً ، وبذلک ربما یوفق بین کلمات الأعلام فی المقام ، وعلیک بالتأمل التام.
ثم لا یذهب علیک أن الترجیح بهما إنّما هو على تقدیر کفایة الراجح ، وإلاّ فلا بدّ من التعدی إلى غیره بمقدار الکفایة ، فیختلف الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال.
وأما تعمیم النتیجة (4) بأن قضیة العلم الإِجمالی بالطریق هو الاحتیاط فی أطرافه ، فهو لا یکاد یتم إلّا على تقدیر کون النتیجة هو نصب الطریق ولو لم یصل أصلاً ، مع أن التعمیم بذلک لا یوجب العمل إلّا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافیات ، إلّا فیما إذا کان هناک نافٍ من جمیع الأصناف ، ضرورة أن الاحتیاط فیها لا یقتضی رفع الید عن الاحتیاط فی المسألة الفرعیة إذا لزم ، حیث لا ینافیه ، کیف؟ ویجوز الاحتیاط فیها مع قیام الحجة النافیة ، کما لا یخفى ، فما ظنک بما لا یجب الأخذ بموجبه إلّا من باب الاحتیاط؟ فافهم.
__________________
1 ـ فی « أ » : بخصوصه.
2 ـ فرائد الأصول / 142 ، وأما المرجح الثانی.
3 ـ فی « ب » : بها.
4 ـ هذا ثالث طرق « تعمیم النتیجة » الذی نقله الشیخ ( قده ) عن شیخه المحقق شریف العلماء ( قده ) ، واستشکل علیه ، فرائد الأصول 150. 
 
فصل
قد اشتهر الإِشکال بالقطع بخروج القیاس عن عموم نتیجة دلیل الانسداد بتقریر الحکومة ، وتقریره على ما فی الرسائل (1) إنّه :
( کیف یجامع حکم العقل بکون الظن کالعلم مناطاً للاطاعة والمعصیة ، ویقبح على الأمر والمأمور التعدی عنه ، ومع ذلک یحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القیاس ، ولا یجوّز الشارع العمل به؟ فإن المنع عن العمل بما یقتضیه العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممکناً ، جرى فی غیر القیاس ، فلا یکون العقل مستقلاً ، إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القیاس [ بل وأزید ] (2) واختفى علینا ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلّا قبح ذلک على الشارع ، إذ احتمال صدور ممکن بالذات عن الحکیم لا یرتفع إلّا بقبحه ، وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدلیل العقلی لا یقبل التخصیص ). انتهى موضع الحاجة من کلامه ، زید فی علو مقامه.
وأنت خبیر بإنّه لا وقع لهذا الإِشکال ، بعد وضوح کون حکم العقل بذلک معلّقاً على عدم نصب الشارع طریقاً واصلاً ، وعدم حکمه به فیما کان هناک منصوب ولو کان أصلاً ، بداهة أن من مقدمات حکمه عدم وجود علم ولا علمی ، فلا موضوع لحکمه مع أحدهما ، والنهی عن ظن حاصل من سبب لیس إلّا کنصب شیء ، بل هو یستلزمه فیما کان فی مورده أصل شرعی ، فلا یکون نهیه عنه رفعاً لحکمه عن موضوعه ، بل به یرتفع موضوعه ، ولیس حال النهی عن سبب مفید للظن إلّا کالأمر بما لا یفیده ، وکما لا حکومة معه للعقل لا حکومة له معه ، وکما لا یصحّ بلحاظ حکمه الإِشکال فیه ، لا یصحّ الإِشکال فیه بلحاظه.
__________________
1 ـ فرائد الأصول / 156.
2 ـ أثبتناها من فرائد الأُصول.  

 
نعم لا بأس بالإشکال فیه فی نفسه ، کما أشکل فیه برأسه بملاحظة توهّم استلزام النصب لمحاذیر ، تقدم الکلام فی تقریرها وما هو التحقیق فی جوابها فی جعل الطرق. غایة الأمر تلک المحاذیر ـ التی تکون فیما إذا أخطأ الطریق المنصوب ـ کانت فی الطریق المنهی عنه فی مورد الإصابة ، ولکن من الواضح إنّه لا دخل لذلک فی الإِشکال على دلیل الانسداد بخروج القیاس ، ضرورة إنّه بعد الفراغ عن صحة النهی عنه فی الجملة ، قد أشکل فی عموم النهی لحال الانسداد بملاحظة حکم العقل ؛ وقد عرفت إنّه بمکان من الفساد.
واستلزام إمکان المنع عنه ، لاحتمال المنع عن أمارة أُخرى وقد اختفى علینا ، وأنّ کان موجباً لعدم استقلال العقل ، إلّا إنّه إنّما یکون بالإضافة إلى تلک الامارة ، لو کان غیرها مما لا یحتمل فیه المنع بمقدار الکفایة ، وإلاّ فلا مجال لاحتمال المنع فیها مع فرض استقلال العقل ، ضرورة عدم استقلاله بحکم مع احتمال وجود مانعه ، على ما یأتی تحقیقه فی الظن المانع والممنوع (1).
وقیاس حکم العقل (2) بکون الظن مناطاً للإطاعة فی هذا الحال على حکمه بکون العلم مناطاً لها فی حال الانفتاح ، لا یکاد یخفى على أحد فساده ، لوضوح إنّه مع الفارق ، ضرورة أن حکمه فی العلم على نحو التنجز ، وفیه على نحو التعلیق.
ثم لا یکاد ینقضی تعجبی لم خصصوا الإِشکال بالنهی عن القیاس ، مع جریإنّه فی الأمر بطریق غیر مفید للظن ، بداهة انتفاء حکمه فی مورد الطریق قطعاً ، مع إنّه لا یظن بأحد أن یستشکل بذلک ، ولیس إلّا لأجل أن حکمه به معلق على عدم النصب ، ومعه لا حکم له ، کما هو کذلک مع النهی عن بعضٍ أفراد الظن ، فتدبر جیّداً.
__________________
1 ـ سیأتی تحقیقه فی الفصل الآتی.
2 ـ ذکره الشیخ ( قده ) فی فرائد الأصول / 156. 
 
وقد انقدح بذلک إنّه لا وقع للجواب عن الإِشکال : تارةً (1) بأن المنع عن القیاس لأجل کونه غالب المخالفة ؛ وأُخرى (2) بأن العمل به یکون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة ، وذلک لبداهة إنّه إنّما یشکل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه فی نفسه ، بملاحظة حکم العقل بحجیة الظن ، ولا یکاد یجدی صحته کذلک فی ذب الإِشکال فی صحته بهذا اللحاظ ، فافهم فإنّه لا یخلو عن دقة.
وأما ما قیل فی جوابه (3) ، من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد ، أو منع حصول الظن منه بعد انکشاف حاله ، وأنّ ما یفسده أکثر مما یصلحه ، ففی غایة الفساد ، فإنّه مضافاً إلى کون کلّ واحد من المنعین غیر سدید ـ لدعوى الإجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته ، وشهادة الوجدان بحصول الظن منه فی بعضٍ الأحیان ـ لا یکاد یکون فی دفع الإِشکال بالقطع بخروج الظن الناشىء منه بمفید ، غایة الأمر إنّه لا إشکال مع فرض أحد المنعین ، لکنه غیر فرض الإِشکال ، فتدبرّ جیداً.
فصل
إذا قام ظن على عدم حجیة ظن بالخصوص ، فالتحقیق أن یقال بعد تصور المنع عن بعضٍ الظنون فی حال الانسداد : إنّه لا استقلال للعقل بحجیة ظن احتمل المنع عنه ، فضلاً عما إذا ظن ، کما أشرنا إلیه فی الفصل السابق ، فلابد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص ، فإن کفى ، وإلاّ فبضمیمة ما لم یظن المنع عنه وأنّ احتمل ، مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد ، وأنّ انسد باب هذا الاحتمال معها ، کما لا یخفى ، وذلک ضرورة إنّه لا احتمال مع الاستقلال
__________________
1 ـ هذا سابع الوجوه التی ذکرها الشیخ ( قده ) فی الجواب عن الإِشکال ، فرائد الأصول / 161.
2 ـ هو الوجه السادس الذی أفاده الشیخ ( قده ) واستشکل علیه ، فرائد الأصول / 160.
3 ـ راجع الوجهین الأولین من الوجوه السبعة التی ذکره الشیخ ( قده ) فرائد الأصول / 157.  

 
حسب الفرض ومنه قد انقدح إنّه لا تتفاوت الحال لو قیل بکون النتیجة هی حجیة الظن فی الأصول أو فی الفروع أو فیهما ، فافهم.

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی