منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت دوم

ومن هنا ظهر الحال فی مثل ( زید ضارب أمس ) وإنّه داخل فی محلّ الخلاف والاشکال. ولو کانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرینة على تعیین زمان النسبة والجری أیضاً کان المثالان حقیقة.
وبالجملة : لا ینبغی الإِشکال فی کون المشتق حقیقة ، فیما إذا جرى على الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو کان فی المضی أو الاستقبال ، وإنما الخلاف فی کونه حقیقة فی خصوصه ، أو فیما یعم ما إذا جرى علیها فی الحال بعد ما انقضى عنه التلبس ، بعد الفراغ عن کونه مجازاً فیما إذا جرى علیها فعلاً بلحاظ التلبس فی الاستقبال ، ویؤیّد ذلک اتفاق أهل العربیة على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه الصفات الجاریة على الذوات ، ولا ینافیه اشتراط العمل فی بعضها بکونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ؛ ضرورة أن المراد الدلالة على أحدهما بقرینة ، کیف لا؟ وقد اتفقوا على کونه مجازاً فی الاستقبال.
لا یقال : یمکن أن یکون المراد بالحال فی العنوان زمإنّه ، کما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعی إنّه الظاهر فی المشتقات ، امّا لدعوى الانسباق من الإِطلاق ، أو بمعونة قرینة الحکمة.
لأنا نقول : هذا الانسباق ، وأنّ کان مما لا ینکر ، إلّا إنّهم فی هذا العنوان بصدد تعیین ما وضع له المشتق ، لا تعیین ما یراد بالقرینة منه. 
 
سادسها : إنّه لا أصل فی نفس هذه المسألة یعوّل علیه عند الشک ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصیة ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دلیل على اعتبارها فی تعیین الموضوع له.
وأما ترجیح الاشتراک المعنوی على الحقیقة والمجاز. إذا دار الأمر بینهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولاً ، ومنع نهوض حجة على الترجیح بها ثانیاً.
وأما الأصل العملی فیختلف فی الموارد ، فأصالة البراءة فی مثل ( أَکرم کلّ عالم ) تقتضی عدم وجوب إکرام ما انقضى (1) عنه المبدأ قبل الإِیجاب ، کما أن قضیة الاستصحاب وجوبه لو کان الإِیجاب قبل الانقضاء.
فإذا عرفت ما تلونا علیک ، فاعلم أن الأقوال فی المسألة وأنّ کثرت ، إلّا إنّها حدثت بین المتأخرین ، بعد ما کانت ذات قولین بین المتقدّمین ، لأجل توهّم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه فی المعنى ، أو بتفاوت ما یعتریه من الأحوال ، وقد مرت الإِشارة (2) إلى إنّه لا یوجب التفاوت فیما نحن بصدده ، ویأتی له مزید بیان فی أثناء الاستدلال على ما هو المختار ، وهو اعتبارٍ التلبس فی الحال ، وفاقاً لمتأخری الأصحاب والاشاعرة ، وخلافاً لمتقدمیهم والمعتزلة ، ویدل علیه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال ، وصحة السلب مطلقاً عما انقضى عنه ، کالمتلبس به فی الاستقبال ، وذلک لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما یرادفها من سائر اللغات ، لا یصدق على من لم یکن متلبساً بالمبادىء ، وأنّ کان متلبسا بها قبل الجری والانتساب ، ویصحّ سلبها عنه ، کیف؟ وما یضادها بحسب ما ارتکز من معناها فی الأذهان یصدق علیه ، ضرورة صدق القاعد علیه فی حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقیام ، مع وضوح التضاد بین القاعد والقائم بحسب ما ارتکز لهما من المعنى ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ فی« ب» : من انقضى.
2 ـ تقدم فی الأمر الرابع ، صفحة 43. 
 
وقد یقرَّر هذا وجهاً على حدة ، ویقال (1) : لا ریب فی مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادىء المتضادة ، على ما ارتکز لها من المعانی ، فلو کان المشتق حقیقة فی الأعم ، لما کان بینها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فیما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الآخر.
ولا یرد على هذا التقریر ما أورده بعضٍ الأجلّة (2) من المعاصرین ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتکازه بینها ، کما فی مبادئها.
إن قلت : لعل ارتکازها لأجل الانسباق من الإِطلاق ، لا الاشتراط.
قلت : لا یکاد یکون لذلک ، لکثرة استعمال المشتق فی موارد الانقضاء ، لو لم یکن بأکثر.
إن قلت : على هذا یلزم أن یکون فی الغالب أو الأغلب مجازاً ، وهذا بعید ، ربما لا یلائمه حکمة الوضع.
لا یقال : کیف؟ وقد قیل : بأن أکثر المحاورات مجازات. فإن ذلک لو سلّم ، فإنما هو لأجل تعدَّد المعانی المجازیة بالنسبة إلى المعنى الحقیقی الواحد. نعم ربما یتفق ذلک بالنسبة إلى معنى مجازی ، لکثرة الحاجة إلى التعبیر عنه. لکن أین هذا مما إذا کان دائماً کذلک؟ فافهم.
__________________
1 ـ البدائع / 181 ، فی المشتق.
2 ـ المراد من بعضٍ الأجلّة ، هو صاحب البدائع ، البدائع / 181.
الشیخ المیرزا حبیب الله بن المیرزا محمد علی خان القوجانی الرشتی ، ولد عام 1234 ه‍ ، حضر بحث صاحب الجواهر والشیخ الانصاری ، کان من أکابر علماء عصره ، أعرض عن الرئاسة ولم یرض أن یقلّده أحد لشدّة توّرعه فی الفتوى ، ولم یتصدّ للوجوه ، له تصانیف کثیرة منها « بدائع الأصول » و « شرح الشرائع » و « کاشف الظلام فی علم الکلام » وغیرها ، توفی لیلة الخمیس 14 / ج 2 عام 1312 ه‍ ودفن فی النجف الاشرف.
( طبقات أعلام الشیعة ، نقباء البشر 1 / 357 رقم 719 ) 
 
قلت : مضافاً إلى أن مجرد الاستبعاد غیر ضائر بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة علیه ، إن ذلک إنّما یلزم لو لم یکن استعماله فیما انقضى بلحاظ حال التلبس ، مع إنّه بمکان من الإِمکان ، فیراد من ( جاء الضارب أو الشارب ) ـ وقد انقضى عنه الضرب والشرب ـ جاء الذی کان ضاربا وشارباً قبل مجیئه حال التلبس بالمبدأ ، لا حینه بعد الانقضاء ، کی یکون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنوناً بهذا العنوان فعلاً بمجرد تلبسه قبل مجیئه ، ضرورة إنّه لو کان للأعم لصحّ استعماله بلحاظ کلاّ الحالین.
وبالجملة : کثرة الاستعمال فی حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإِطلاق ، إذ مع عموم المعنى وقابلیة کونه حقیقة فی المورد ـ ولو بالانطباق ـ لا وجه لملاحظة حالة أُخرى ، کما لا یخفى ، بخلاف ما إذا لم یکن له العموم ، فإن استعماله ـ حینئذ ـ مجازاً بلحاظ حال الانقضاء وأنّ کان ممکناً ، إلّا إنّه لما کان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقیقة بمکان من الإِمکان ، فلا وجه لاستعماله وجریه على الذات مجازاً وبالعنایة وملاحظة العلاقة ، وهذا غیر استعمال اللفظ فیما لا یصحّ استعماله فیه حقیقة ، کما لا یخفى ، فافهم.
ثم إنّه ربما أورد (1) على الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنّه إن أُرید بصحة السلب صحته مطلقاً ، فغیر سدید ، وأنّ أُرید مقیداً ، فغیر مفید ، لأن علامة المجاز هی صحة السلب المطلق.
وفیه : إنّه إن أُرید بالتقیید ، تقیید المسلوب الذی یکون سلبه أعم من سلب المطلق ـ کما هو واضح ـ فصحة سلبه وأنّ لم تکن علامة على کون المطلق مجازاً فیه ، إلّا أن تقییده ممنوع ؛ وأنّ أُرید تقیید السلب ، فغیر ضائر بکونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على کلّ حال ، مع إمکان
__________________
1 ـ البدائع / 180 ، فی المشتق.
 
منع تقییده أیضاً ، بأن یلحظ حال الانقضاء فی طرف الذات الجاری علیها المشتق ، فیصحّ سلبه مطلقاً بلحاظ هذا الحال ، کما لا یصحّ سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبرّ جیداً.
ثم لا یخفى إنّه لا یتفاوت (1) فی صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بین کون المشتق لازماً وکونه متعدیاً ، لصحة سلب الضارب عمن یکون فعلاً غیر متلبس بالضرب ، وکان متلبسا به سابقاً ، وأما إطلاقه علیه فی الحال ، فان کان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشکال کما عرفت ، وأنّ کان بلحاظ الحال ، فهو وأنّ کان صحیحاً إلّا إنّه لا دلالة على کونه بنحو الحقیقة ، لکون الاستعمال أعم منها کما لا یخفى.
کما لا یتفاوت فی صحة السلب عنه ، بین تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أیضاً ـ وأنّ کان معه أوضح.
ومما ذکرنا ظهر حال کثیر من التفاصیل ، فلا نطیل بذکرها على التفصیل.
حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :
الأول : التبادر.
وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.
الثانی : عدم صحة السلب فی مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ.
وفیه : إن عدم صحته فی مثلهما ، إنّما هو لأجل إنّه أُرید من المبدأ
معنى یکون التلبس به باقیاً فی الحال ، ولو مجازاً. وقد انقدح من بعضٍ المقدّمات إنّه لا یتفاوت الحال فیما هو المهمّ فی محلّ البحث والکلام ومورد النقض والأبرام ، اختلاف ما یراد من المبدأ فی کونه حقیقة أو مجازاً ؛ وأما لو أُرید منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر
__________________
1 ـ التفصیل لصاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فصل حول إطلاق المشتق. 
 
عن الفاعل ، فإنما لا یصحّ السلب فیما لو کان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ کما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أیضاً ، لوضوح صحة أن یقال : إنّه لیس بمضروب الآن ، بل کان.
الثالث : استدلال الامام _ 7 _ تأسیا بالنبی ـ صلوات الله علیه وآله ـ کما عن غیر واحد من الإخبار (1) بقوله تعالی : ( لَا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ) (2) على عدم لیاقة من عبد صنماً أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعریضاً بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مدیدة ، ومن الواضح توقف ذلک على کون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلاّ لما صحّ التعریض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حین التصدی للخلافة.
والجواب منع التوقف على ذلک ، بل یتم الاستدلال ولو کان موضوعاً لخصوص المتلبس.
وتوضیح ذلک یتوقف على تمهید مقدّمة ، وهی : إن الأوصاف العنوانیة التی تؤخذ فی موضوعاًت الأحکام ، تکون على أقسام :
أحدها : أن یکون أخذ العنوان لمجرد الإِشارة إلى ما هو فی الحقیقة موضوعاً للحکم ، لمعهودیته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به فی الحکم أصلاً.
ثانیها : أن یکون لأجل الإِشارة إلى علیة المبدأ للحکم ، مع کفایة مجرد صحة جری المشتق علیه ، ولو فیما مضى.
ثالثها : أن یکون لذلک مع عدم الکفایة ، بل کان الحکم دائراً مدار صحة الجری علیه ، واتّصافه به حدوثاً وبقاء.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما یتم ، لو کان أخذ العنوان فی الآیة الشریفة على النحو الأخیر ، ضرورة إنّه لو لم یکن المشتق
__________________
1 ـ الکافی 1/175 ، باب طبقات الأنبیاء والرسل والأئمة ، الحدیث 1.
2 ـ البقرة / 124. 
 
للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهراً حین التصدی ، فلا بدّ أن یکون للأعم ، لیکون حین التصدی حقیقة من الظالمین ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا کان على النحو الثّانی ، فلا ، کما لا یخفى.
ولا قرینة على إنّه على النحو الأوّل ، لو لم نقل بنهوضها على النحو الثّانی ، فإن الآیة الشریفة فی مقام بیان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وأنّ لها خصوصیة من بین المناصب الإلهیة ، ومن المعلوم أن المناسب لذلک ، هو أن لا یکون المتقمص بها متلبساً بالظلم أصلاً ، کما لا یخفى.
إن قلت : نعم ، ولکن الظاهر أن الإمام 7 إنّما استدل بما هو قضیة ظاهر العنوان وضعاً ، لا بقرینة المقام مجازاً ، فلا بدّ أن یکون للأعم ، وإلاّ لما تم.
قلت : لو سلّم ، لم یکن یستلزم جری المشتق على النحو الثّانی کونه مجازاً ، بل یکون حقیقة لو کان بلحاظ حال التلبس کما عرفت. فیکون معنى الآیة ، والله العالم : من کان ظالماً ولو آناً فی زمان سابق (1) لا ینال عهدی أبداً ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.
ومنه قد انقدح ما فی الاستدلال على التفصیل بین المحکوم علیه والمحکوم به ، باختیار عدم الاشتراط فی الأوّل ، بآیة حد السارق والسارقة ، والزانی والزانیة ، وذلک حیث ظهر إنّه لا ینافی إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقاً ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافاً إلى
__________________
1 ـ فی « ب » : السابق. 
 
وضوح بطلان تعدَّد الوضع ، حسب وقوعه محکوماً علیه أو به ، کما لا یخفى.
ومن مطاوی ما ذکرنا ـ ها هنا وفی المقدّمات ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذکر لها من الاستدلال ، ولا یسع المجال لتفصیلها ، ومن أراد الاطلاع علیها فعلیه بالمطولات.
بقی اُمور :
الأول : إن مفهوم المشتق ـ على ما حققه المحقق الشریف (1) فی بعضٍ حواشیه (2) ـ : بسیط منتزع عن الذات ـ باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به ـ غیر مرکب. وقد أفاد فی وجه ذلک : أن مفهوم الشیء لا یعتبر فی مفهوم الناطق مثلاً ، وإلاّ لکان العرض العام داخلا فی الفصل ، ولو اعتبر فیه ما صدق علیه الشیء ، انقلبت مادة الإِمکان الخاص ضرورة ، فإن الشیء الذی له الضحک هو الإانسان ، وثبوت الشیء لنفسه ضروری. هذا ملخص ما أفاده الشریف ، على ما لخصه بعضٍ الأعاظم (3).
وقد أورد علیه فی الفصول (4) ، بإنّه یمکن أن یختار الشق الأوّل ، ویدفع الإِشکال بأن کون الناطق ـ مثلاً ـ فصلاً ، مبنی على عرفّ المنطقیین ،
__________________
1 ـ المیر سید علی بن محمّد بن علی الحسینی الاسترابادی ، ولد المحقق الشریف سنة 740 ه‍ بجرجان وکان متکلماً بارعاً ، باهراً فی الحکمة والعربیة ، روى عن جماعة منهم العلامة قطب الدین الرازی ، واخذ منه العلامة المذکور ، له شرح المطالع وشرح على مواقف القاضی عضد الایجی فی علم أصول الکلام ،عده القاضی نور الله من حکماء الشیعة وعلمائها. وتوفی فی شیراز سنة 816 ه‍. ( الکنى والالقاب 2 / 358 ).
2 ـ فی حاشیته على شرح المطالع عند قول الشارح : إلّا أن معناه شیء له المشتق منه ... الخ ، شرح المطالع / 11.
3 ـ الفصول / 61 ، التنبیهات.
4 ـ الفصول / 61 ، التنبیهات. 
 
حیث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلک لا یوجب وضعه لغةً کذلک.
وفیه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف فی معناه أصلاً ، بل بماله من المعنى ، کما لا یخفى.
والتحقیق أن یقال إن مثل الناطق لیس بفصل حقیقی ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنما یکون فصلاً مشهوریاً منطقیاً یوضع مکإنّه إذا لم یعلم نفسه ، بل لا یکاد یعلم ، کما حقق فی محله ، ولذا ربما یجعل لازمان مکإنّه إذا کانا متساویین النسبة إلیه ، کالحساس والمتحرک بالإِرادة فی الحیوان ، وعلیه فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق ، فإنّه وأنّ کان عرضاً عاماً ، لا فصلاً مقوماً للإنسان ، إلّا إنّه بعد تقییده بالنطق واتّصافه به کان من أظهر خواصه.
وبالجملة لا یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی معنى المشتق ، إلّا دخول العرض فی الخاصة التی هی من العرضی ، لا فی الفصل الحقیقی الذی هو من الذاتی ، فتدبرّ جیداً.
ثم قال : إنّه یمکن أن یختار الوجه الثّانی أیضاً ، ویجاب بأن المحمول لیس مصداق الشیء والذات مطلقاً ، بل مقیداً بالوصف ، ولیس ثبوته للموضوع حینئذٍ بالضرورة ، لجواز أن لا یکون ثبوت القید ضروریاً. انتهى.
ویمکن أن یقال : إن عدم کون ثبوت القید ضروریاً لا یضر بدعوى الانقلاب ، فإن المحمول إن کان ذات المقید وکان القید خارجاً ، وأنّ کان التقییّد داخلاً بما هو معنى حرفی ، فالقضیة لا محالة تکون ضروریة ، ضرورة ضروریة ثبوت الإانسان الذی یکون مقیداً بالنطق للإنسان وأنّ کان المقید به بما هو مقید على أن یکون القید داخلاً ، فقضیة ( الإانسان ناطق ) تنحل فی الحقیقة إلى قضیتین إحداهما قضیة ( الإانسان إنسان ) وهی
 
ضروریة ، والأخرى قضیة ( الإانسان له النطق ) وهی ممکنة ، وذلک لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار کما أن الإخبار بعد العلم تکون أوصافاً ، فعقد الحمل ینحل إلى القضیة ، کما أن عقد الوضع ینحل إلى قضیة مطلقة عامة عند الشیخ ، وقضیة ممکنة عند الفارابی (1) ، فتأمل.
لکنه 1 تنظر فیما أفاده بقوله : وفیه نظر لأن الذات المأخوذة مقیدة بالوصف قوة أو فعلاً ، إن کانت مقیدة به واقعاً صدق الإِیجاب بالضرورة وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلاً : لا یصدق زید کاتب بالضرورة لکن یصدق ( زید الکاتب (2) بالقوة أو بالفعل [ کاتب ] بالضرورة ). انتهى.
ولا یذهب علیک أن صدق الإِیجاب بالضرورة ، بشرط کونه مقیداً به واقعاً لا یصحح دعوى الانقلاب إلى الضروریة ، ضرورة صدق الإِیجاب بالضرورة بشرط المحمول فی کلّ قضیة ولو کانت ممکنة ، کما لا یکاد یضر بها صدق السلب کذلک ، بشرط عدم کونه مقیداً به واقعاً ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلک لوضوح أن المناط فی الجهات ومواد القضایا ، إنّما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلک الموضوع موجهة بأی جهة منها ، ومع أیة منها فی نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له کذلک ، وإلاّ کانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة صیرورة الإِیجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعاً ضروریاً ، ویکون من باب الضرورة
__________________
1 ـ أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحکیم المشهور ، صاحب التصانیف فی الفلسفة والمنطق والموسیقى وغیرها من العلوم ، أقام ببغداد برهة ثم ارتحل إلى مدینة حرَّان ثم رجع إلى بغداد ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها وسلطإنّها یومئذٍٍ سیف الدولة بن حمدان ، ویحکى أن الآلة المسماة « القانون » من وضعه ، وکان منفرداً بنفسه لا یجالس الناس ، أکثر تصانیفه فصول وتعالیق ، توفی عام 339 بدمشق وقد ناهز ثمانین سنة وصلّى علیه سیف الدولة ودفن بظاهر دمشق. ( وفیات الأعیان 5 / 153 رقم 701 ).
2 ـ أثبتناها من ( ب ) 
 
بشرط المحمول.
وبالجملة : الدعوى هو انقلاب مادة الإِمکان بالضرورة ، فیما لیست مادته واقعاً فی نفسه وبلا شرط غیر الأمکان.
وقد انقدح بذلک عدم نهوض ما أفاده ; بإبطال الوجه الأوّل ، کما زعمه 1 ، فإن لحوق مفهوم الشیء والذات لمصادیقهما ، إنّما یکون ضروریاً مع إطلاقهما ، لا مطلقاً ، ولو مع التقید إلّا بشرط تقید المصادیق به أیضاً ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.
ثم إنّه لو جعل التالی فی الشرطیّة الثانیة لزوم أخذ النوع فی الفصل ؛ ضرورة أن مصداق الشیء الذی له النطق هو الإانسان ، کان ألیق بالشرطیة الأولى ، بل کان أولى (1) لفساده مطلقاً ، ولو لم یکن مثل الناطق بفصل حقیقی ، ضرورة بطلان أخذ الشیء فی لازمه وخاصته ، فتأمل جیداً.
ثم إنّه یمکن أن یستدل على البساطة ، بضرورة عدم تکرار الموصوف فی مثل ( زید الکاتب ) ، ولزومه من الترکب ، وأخذ الشیء مصداقاً أو مفهوماً فی مفهومه.
إرشاد :
لا یخفى أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراکاً وتصوراً ، بحیث لا یتصور عند تصوره إلّا شیء واحد لا شیئاًن ، وأنّ انحل بتعمّل من العقل إلى شیئین ، کانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شیء له الحجریة أو الشجریة ، مع وضوح بساطة مفهومهما.
وبالجملة : لا ینثلم بالانحلال إلى الاثنینیة ـ بالتعمّل العقلی ـ وحدة المعنى
__________________
1 ـ فی « ب » : الأولى. 
 
وبساطة المفهوم ، کما لا یخفى ، وإلى ذلک یرجع الإِجمال والتفصیل الفارقان (1) بین المحدود والحد ، مع ما هما علیه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمّل یحلل النوع ، ویفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما کان أمراً واحداً إدراکاً ، وشیئاً فارداً تصوراً ، فالتحلیل یوجب فتق ما هو علیه من الجمع والرتق.
الثانی : الفرق بین المشتق ومبدئه مفهوماً ، إنّه بمفهومه لا یأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدأ ، ولا یعصی عن الجری علیه ، لما هما علیه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه یأبى عن ذلک ، بل إذا قیس ونسب إلیه کان غیره ، لا هو هو ، وملاک الحمل والجری إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهویة ، وإلى هذا یرجع ما ذکره أهل المعقول فی الفرق بینهما ، من أن المشتق یکون لا بشرط والمبدأ یکون بشرط لا ، أیّ یکون مفهوم المشتق غیر آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ یکون آبیا عنه ، وصاحب الفصول (2) ; ـ حیث توهّم أن مرادهم إنّما هو بیان التفرقة بهذین الاعتبارین ، بلحاظ الطوارىء والعوارض الخارجیة مع حفظ مفهوم واحد ـ أورد علیهم بعدم استقامة الفرق بذلک ، لأجل امتناع حمل العلم والحرکة على الذات ، وأنّ اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذکرنا ، کما یظهر منهم من بیان الفرق بین الجنس والفصل ، وبین المادة والصورة ، فراجع.
الثالث : ملاک الحمل ـ کما أشرنا إلیه ـ هو الهوهویة والاتحاد من وجه ،
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : الفارقین.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبیه الثّانی من تنبیهات المشتق.
هو الشیخ محمد حسین بن محمد رحیم الطهرانی الحائری ، ولد فی « إیوان کیف » ، أخذ مقدمات العلوم فی طهران ، ثم اکتسب من شقیقه الحجة الشیخ محمد تقی الاصفهانی صاحب « هدایة المسترشدین » فی اصفهان ، ثم هاجر إلى العراق فسکن کربلاء ، کان مرجعاً عاماً فی التدریس والتقلید ، وقد تخرّج من معهده جمع من کبار العلماء ، أجاب داعی ربه سنة 1254 ه‍ وله آثار أشهرها « الفصول الغرویة » فی الأصول ( طبقات اعلام الشیعة الکرام البررة 1 / 390 رقم 795 ). 
 
والمغایرة من وجه آخر ، کما یکون بین المشتقات والذوات ، ولا یعتبر معه (1) ملاحظة الترکیب بین المتغایرین ، واعتبار کون مجموعهما ـ بما هو کذلک ـ واحداً ، بل یکون لحاظ ذلک مخلا ، لاستلزامه المغایرة بالجزئیة والکلیة.
ومن الواضح أن ملاک الحمل لحاظ نحو اتحاد بین الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلک فی التحدیدات وسائر القضایا فی طرف الموضوعاًت ، بل لا یلحظ فی طرفها إلّا نفس معانیها ، کما هو الحال فی طرف المحمولات ، ولا یکون حملها علیها إلّا بملاحظة ما هما علیه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما علیه من المغایرة ولو بنحو من الاعتبار.
فانقدح بذلک فساد ما جعله فی الفصول تحقیقاً للمقام. وفی کلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.
الرابع : لا ریب فی کفایة مغایرة المبدأ مع ما یجری المشتق علیه مفهوماً ، وأنّ اتحدا عیناً و خارجاً ، فصدق الصفات ـ مثل : العالم ، والقادر ، والرحیم ، والکریم ، إلى غیر ذلک من صفات الکمال والجلال ـ علیه تعالى ، على ما ذهب إلیه أهل الحق من عینیة صفاته ، یکون على الحقیقة ، فإن المبدأ فیها وأنّ کان عین ذاته تعالى خارجاً ، إلّا إنّه غیر ذاته تعالى مفهوماً.
ومنه قد انقدح ما فی الفصول ، من الالتزام بالنقل (2) أو التجوز فی ألفاظ الصفات الجاریة علیه تعالى ، بناءً على الحق من العینیة ، لعدم المغایرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلک لما عرفت من کفایة المغایرة مفهوماً ، ولا اتفاق على اعتبارٍ غیرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، کمالا یخفى ، وقد عرفت ثبوت المغایرة کذلک بین الذات ومبادىء الصفات.
__________________
1 ـ اشارة إلى ما افاده صاحب الفصول ، الفصول ، 62 التنبیه الثانی.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق. 
 
الخامس : إنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبارٍ المغایرة ـ کما عرفت ـ بین المبدأ وما یجری علیه المشتق ، فی اعتبارٍ قیام المبدأ به ، فی صدقه على نحو الحقیقة.
وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قیام الضرب والألم بالمضروب والمؤلمَ ـ بالفتح ـ.
والتحقیق : إنّه لا ینبغی أن یرتاب من کان من أولى الالباب ، فی إنّه یعتبر فی صدق المشتق على الذات وجریه علیها ، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارةً ، واختلاف الهیئات أُخرى ، من القیام صدوراً أو حلولا أو وقوعا علیه أو فیه ، أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً ، کما فی صفاته تعالى ، على ما أشرنا إلیه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ، کما فی الاضافات والاعتبارات التی لا تحقق لها ، ولا یکون بحذائها فی الخارج شیء ، وتکون من الخارج المحمول ، لا المحمول بالضمیمة ، ففی صفاته الجاریة علیه تعالى یکون المبدأ مغایراً له تعالى مفهوماً ،وقائماً به عیناً ، لکنه بنحو من القیام ، لا بأن یکون هناک اثنینیة ، وکان ما بحذائه غیر الذات ، بل بنحو الاتحاد والعینیة ، وکان ما بحذائه عین الذات ، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفیة لا یضر بصدقها علیه تعالى على نحو الحقیقة ، إذا کان لها مفهوم صادق علیه تعالى حقیقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنّما یکون مرجعاً فی تعیین المفاهیم ، لا فی تطبیقها على مصادیقها.
وبالجملة : یکون مثل ( العالم ) ، ( والعادل ) ، وغیرهما من الصفات الجاریة علیه تعالى وعلى غیره جاریة علیهما بمفهوم واحد ومعنى فارد ، وأنّ اختلفا فیما یعتبر فی الجری من الاتحاد ، وکیفیة التلبس بالمبدأ ، حیث إنّه بنحو العینیة فیه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور فی غیره ، فلا وجه لما التزم به فی
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.  

 
الفصول (1) ، من نقل الصفات الجاریة علیه تعالى عما هی علیها من المعنى ، کما لا یخفى ، کیف؟ ولو کانت بغیر معانیها العامة جاریة علیه تعالى کانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنى ، فإن غیر تلک المفاهیم العامة الجاریة على غیره تعالى غیر مفهوم ولا معلوم إلّا بما یقابلها ، ففی مثل ما إذا قلنا : ( إنّه تعالى عالم ) ، امّا أن نعنی إنّه من ینکشف لدیه الشیء فهو ذاک المعنى العام ، أو إنّه مصداق لما یقابل ذاک المعنى ، فتعالى عن ذلک علواً کبیراً، وإما أن لا نعنی شیئاً ، فتکون کما قلناه من کونها صرف اللقلقة ، وکونها بلا معنى ، کما لا یخفى.
والعجب إنّه جعل ذلک علّة لعدم صدقها فی حق غیره ، وهو کما ترى ، وبالتأمل فیما ذکرنا ، ظهر الخلل فیما استدل من الجانبین والمحاکمة بین الطرفین ، فتأمل.
السادس : الظاهر إنّه لا یعتبر فی صدق المشتق وجریه على الذات حقیقة ، التلبس بالمبدأ حقیقة وبلا واسطة فی العروض ، کما فی الماء الجاری ، بل یکفی التلبس به ولو مجازاً ، ومع هذه الواسطة ، کما فی المیزاب الجاری ، فاسناد الجریان إلى المیزاب ، وأنّ کان إسناداً إلى غیر ما هو له وبالمجاز ، إلّا إنّه فی الإِسناد ، لا فی الکلمة ، فالمشتق فی مثل المثال ، بما هو مشتق قد استعمل فی معناه الحقیقی ، وأنّ کان مبدؤه مسنداً إلى المیزاب بالإِسناد المجازی ، ولا منافاة بینهما أصلاً ، کما لا یخفى.
ولکن ظاهر الفصول (2) بل صریحه ، اعتبارٍ الإِسناد الحقیقی فی صدق المشتق حقیقة ، وکأنه من باب الخلط بین المجاز فی الإِسناد والمجاز فی الکلمة ، وهذا ـ هاهنا ـ محلّ الکلام بین الأعلام ، والحمد لله ، وهو خیر ختام.
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبیه الثالث من تنبیهات المشتق.
 
 
 
 
 
 

المقصد الأوّل : فی الاوامر
وفیه فصول :
الأول : فیما یتعلق بمادة الأمر من الجهات ، وهی عدیدة :
الأولى : إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة ، منها الطلب ، کما یقال ، أمره بکذا.
ومنها الشأن ، کما یقال : شغله أمر کذا.
ومنها الفعل ، کما فی قوله تعالى : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ ) (1).
ومنها الفعل العجیب ، کما فی قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (2).
ومنها الشیء ، کما تقول : رأیت الیوم أمراً عجیبا.
ومنها الحادثة
ومنها الغرض ، کما تقول : جاء زید الأمر کذا.
ولا یخفى أن عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ؛ ضرورة أن الأمر فی ( جاء زید الأمر ) ما إستعمل فی معنى الغرض ، بل اللام قد دلّ على الغرض ، نعم یکون مدخوله مصداقه ، فافهم ، وهکذا الحال فی قوله
__________________
1 ـ هود : 97.
2 ـ هود : 66 ، 82.
 
 
تعالى ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (1) یکون مصداقاً للتعجب ، لا مستعملاً فی مفهومه ، وکذا فی الحادثة والشأن.
وبذلک ظهر ما فی دعوى الفصول (2) ، من کون لفظ الأمر حقیقة فی المعنیین الأولین.
ولا یبعد دعوى کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة والشیء ، هذا بحسب العرف واللغة.
وأما بحسب الاصطلاح ، فقد نقل (3) الاتفاق على إنّه حقیقة فی القول المخصوص ، ومجاز فی غیره ، ولا یخفى إنّه علیه لا یمکن منه الاشتقاق ، فإن معناه ـ حینئذ ـ لا یکون معنى حدثیاً ، مع أن الاشتقاقات منه ـ ظاهراً ـ تکون بذلک المعنى المصطلح علیه بینهم ، لا بالمعنى الآخر ، فتدبر.
ویمکن أن یکون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ، تعبیراً عنه بما یدلّ علیه ، نعم القول المخصوص ـ أیّ صیغة الأمر ـ إذا أراد العالی بها الطلب یکون من مصادیق الأمر ، لکنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص.
وکیف کان ، فالأمر سهل لو ثبت النقل ، ولا مشاحة فی الاصطلاح ، وإنما المهمّ بیان ما هو معناه عرفاً ولغة ، لیحمل علیه فیما إذا ورد بلا قرینة ، وقد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب والسنة ، ولا حجة على إنّه على نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة والمجاز.
وما ذکر فی الترجیح ، عند تعارض هذه الأحوال ، لو سلّم ، ولم یعارض بمثله ، فلا دلیل على الترجیح به ، فلا بدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل فی مقام العمل ، نعم لو علم ظهوره فی أحد معانیه ، ولو إحتمل إنّه کان للانسباق من الإِطلاق ، فلیحمل علیه ، وأنّ لم یعلم إنّه حقیقة فیه
__________________
1 ـ هود : 66 ، 82.
2 ـ الفصول / 62 ، القول فی الأمر.
3 ـ الفصول / 62 ـ 63 ، القول فی الأمر. 
 
بالخصوص ، أو فیما یعمه ، کما لا یبعد أن یکون کذلک فی المعنى الأول.
الجهة الثانیة : الظاهر اعتبارٍ العلو فی معنى الأمر ، فلا یکون الطلب من السافل أو المساوی أمراً ، ولو أطلق علیه کان بنحو من العنایة ، کما أن الظاهر عدم اعتبارٍ الاستعلاء ، فیکون الطلب من العالی أمراً ولو کان مستخفضاً لجناحه.
وأما إحتمال اعتبارٍ أحدهما فضعیف. وتقبیح الطالب السافل من العالی المستعلی علیه ، وتوبیخه بمثل : ( إنک لم تأمره ) ، إنّما هو على استعلائه ، لا على أمره حقیقة بعد استعلائه ، وإنما یکون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضیة استعلائه ، وکیف کان ، ففی صحة سلب الأمر عن طلب السافل ، ولو کان مستعلیاً کفایة.
الجهة الثالثة : لا یبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الوجوب ، لأنسباقه عنه عند إطلاقه ، ویؤیّد قوله تعال ( فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) (1) وقوله 9 (2) : ( لولا أن أشقِّ على أمتی لامرتهم بالسواک ) (2) وقوله 9 : لبریرة بعد قولها : أتأمرنی یا رسول الله؟ ـ : ( لا ، بل إنّما أنا شافع ) (3) إلى غیر ذلک ، وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره ، وتوبیخه على مجرد مخالفته ، کما فی قوله تعالى ( مَا مَنَعَکَ إلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ ) (4).
وتقسیمه إلى الإِیجاب والاستحباب ، إنّما یکون قرینة على إرادة المعنى الأعم منه فی مقام تقسیمه. وصحة الاستعمال فی معنى أعم من کونه على نحو
__________________
1 ـ النور : 63.
2 ـ غوالی اللآلی : 2 / 21 الحدیث 43.
3 ـ الکافی : 5 / 485 ، التهذیب : 7 / 341 ، الخصال : 1 / 190.
4 ـ الأعراف : 12.  

 
الحقیقة ، کما لا یخفى.
وأما ما اُفید (1) من أن الاستعمال فیهما ثابت ، فلو لم یکن موضوعاً للقدر المشترک بینهما لزم الاشتراک أو المجاز ، فهو غیر مفید ، لما مرت الإِشارة إلیه فی الجهة الأولى ، وفی تعارض الأحوال (2) ، فراجع.
والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة ، وکل طاعة فهو فعل المأمور به ، فیه ما لا یخفى من منع الکبرى ، لو أُرید من المأمور به معناه الحقیقی ، وإلاّ لا یفید المدعى.
الجهة الرابعة : الظاهر أن الطلب الذی یکون هو معنى الأمر ، لیس هو الطلب الحقیقی الذی یکون طلباً بالحمل الشائع الصناعی ، بل الطلب الإنشائی الذی لا یکون بهذا الحمل طلباً مطلقاً ، بل طلباً إنشائیاً ، سواء اُنشىء بصیغة إفعل ، أو بمادة الطلب ، أو بمادة الأمر ، أو بغیرها.
ولو أبیت إلّا عن کونه موضوعاً للطلب فلا أقل من کونه منصرفاً إلى الإنشائی منه عند إطلاقه کما هو الحال فی لفظ الطلب أیضاً ، وذلک لکثرة الاستعمال فی الطلب الإنشائی ، کما أن الأمر فی لفظ الإرادة على عکس لفظ الطلب ، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقیقیة (3) واختلافهما فی ذلک ألجأ بعضٍ أصحابنا إلى المیل إلى ما ذهب إلیه الأشاعرة ، من المغایرة بین الطلب والإرادة ، خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة ، من اتحادهما.
فلا بأس بصرف عنان الکلام إلى بیان ما هو الحق فی المقام ، وأنّ حققناه فی بعضٍ فوائدنا إلّا أن الحوالة لما تکن عن المحذور خالیة ، والإِعادة بلا فائدة ولا إفادة ، کان المناسب هو التعرض ها هنا أیضاً.
فاعلم ، أن الحق کما علیه أهله ـ وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة ـ هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أن لفظیهما موضوعاًن بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء
__________________
1 ـ أفاده العلامة (ره) نهایة الاُصول / 64 مخطوطة.
2 ـ فی الأمر الثامن من المقدمة ص 20.
3 ـ فی « ب » : الحقیقة. 
 
أحدهما فی الخارج یکون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغیره عین الإرادة الإنشائیة ، وبالجملة هما متحدان مفهوماً وإنشاء و خارجاً ، لا أن الطلب الإنشائی الذی هو المنصرف إلیه إطلاقه ـ کما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقیقیة (1) التی ینصرف إلیها إطلاقها أیضاً ، ضرورة أن المغایرة بینهما أظهر من الشمس وأبین من الأمس. فإذا عرفت المراد من حدیث العینیة والاتحاد ، ففی مراجعة الوجدان عند طلب شیء والأمر به حقیقة کفایة ، فلا یحتاج إلى مزید بیان وإقامة برهان ، فإن الإانسان لا یجد غیر الإرادة القائمة بالنفس صفة أُخرى قائمة بها ، یکون هو الطلب غیرها ، سوى ما هو مقدّمة تحققها ، عند خطور الشیء والمیل وهیجان الرغبة إلیه ، والتصدیق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما یوجب توقفه عن طلبه لاجلها.
وبالجملة : لا یکاد یکون غیر الصفات المعروفة والإرادة هناک صفة أُخرى قائمة بها یکون هو الطلب ، فلا محیص (2) عن إتحاد الإرادة والطلب ، وأنّ یکون ذلک الشوق المؤکد المستتبع لتحریک العضلات فی إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع الأمر عبیده به فیما لو أراده لا کذلک ، مسمى بالطلب والإرادة کما یعب به تارةً وبها أُخرى ، کما لا یخفى. وکذا الحال فی سائر الصیغ الإنشائیة ، والجمل الخبریة ، فإنّه لا یکون غیر الصفات المعروفة القائمة بالنفس ، من الترجی والتمنی والعلم إلى غیر ذلک ، صفة أُخرى کانت قائمة بالنفس ، وقد دلّ اللفظ علیها ، کما قیل :
إن الکلام لفی الفؤاد وإنما
         جعل اللسان على الفؤاد دلیلا
 
وقد انقدح بما حققناه ، ما فی استدلال الأشاعرة على المغایرة بالأمر مع عدم الإرادة ، کما فی صورتی الاختبار والاعتذار من الخلل ، فإنّه کما لا إرادة
__________________
1 ـ فی « ب » : الحقیقة.
2 ـ فی النسختین فلا محیص إلّا ، والظاهر « إلّا » هنا مقحمة فی السیاق. 
 
حقیقة فی الصورتین ، لا طلب کذلک فیهما ، والذی یکون فیهما إنّما هو الطلب الإنشائی الإِیقاعی ، الذی هو مدلول الصیغة أو المادة ، ولم یکن بینّاً ولا مبینّاً فی الاستدلال مغایرته مع الإرادة الإنشائیة.
وبالجملة : الذی یتکفله الدلیل ، لیس إلّا الانفکاک بین الإرادة الحقیقیة ، والطلب المنشأ بالصیغة الکاشف عن مغایرتهما. وهو مما لا محیص عن الالتزام به ، کما عرفت ، ولکنه لا یضر بدعوى الاتحاد أصلاً ، لمکان هذه المغایرة والانفکاک بین الطلب الحقیقی والإنشائی ، کما لا یخفی.
ثم إنّه یمکن ـ مما حققناه ـ أن یقع الصلح بین الطرفین ، ولم یکن نزاع فی البین ، بأن یکون المراد بحدیث الاتحاد ما عرفت من العینیة مفهوماً ووجوداً حقیقیاً وإنشائیاً ، ویکون المراد بالمغایرة والاثنینیة هو اثنینیة الإنشائی من الطلب ، کما هو کثیراً ما یراد من إطلاق لفظه ، والحقیقی من الإرادة ، کما هو المراد غالباً منها حین إطلاقها ، فیرجع النزاع لفظیاً ، فافهم.
دفع ووهم (1) : لا یخفى إنّه لیس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفی غیر الصفات المشهورة ، وإنّه لیس صفة أُخرى قائمة بالنفس کانت کلاماً نفسیاً مدلولأ للکلام اللفظی ، کما یقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للکلام.
إن قلت : فماذا یکون مدلولأ علیه عند الأصحاب والمعتزلة؟
قلت : امّا الجمل الخبریة ، فهی دالّة على ثبوت النسبة بین طرفیها ، أو نفیها فی نفس الأمر من ذهن أو خارج ، کالإنسان نوع أو کاتب.
وأما الصیغ الإنشائیة ، فهی ـ على ما حققناه فی بعضٍ فوائدنا (2) ـ موجدة
__________________
1 ـ المتوهم هو القوشجی ، راجع شرح تجرید العقائد للقوشجی / 246 ، عند البحث عن المسموعات.
2 ـ کتاب النوائد / الفائدة الاُولى ص 17.
 
لمعانیها فی نفس الأمر ، أیّ قصد ثبوت معانیها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربما یکون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب علیه شرعاً وعرفاً آثار ، کما هو الحال فی صیغ العقود والایقاعات.
نعم لا مضایقة فی دلالة مثل صیغة الطلب والاستفهام والترجی والتمنی ـ بالدلالة الالتزامیة ـ على ثبوت هذه الصفات حقیقة ، امّا لأجل وضعها لإِیقاعها ، فیما إذا کان الداعی إلیه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة ، فلو لم تکن هناک قرینة ، کان إنشاءً الطلب أو الاستفهام أو غیرهما بصیغتها ، لأجل کون الطلب والاستفهام وغیرهما قائمة بالنفس ، وضعاً أو إطلاقاً.
إشکال ودفع : امّا الإِشکال ، فهو إنّه یلزم بناءً على اتحاد الطلب والإرادة ، فی تکلیف الکفار بالإِیمان ، بل مطلق أهل العصیان فی العمل بالارکان ، امّا أن لا یکون هناک تکلیف جدّی ، إن لم یکن هناک إرادة ، حیث إنّه لا یکون حینئذ طلب حقیقی ، وإعتباره فی الطلب الجدی ربما یکون من البدیهی ، وأنّ کان هناک إرادة ، فکیف تتخلف عن المراد؟ ولا تکاد تتخلف ، إذا أراد الله شیئاً یقول له : کن فیکون.
وأما الدفع ، فهو إن إستحاله التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة وهی العلم بالنظام على النحو الکامل التام ، دون الإرادة التشریعیة ، وهی العلم بالمصلحة فی فعل المکلف. وما لا محیص عنه فی التکلیف إنّما هو هذه الإرادة التشریعیة لا التکوینیة ، فإذا توافقتا فلابد من الإطاعة والإِیمان ، وإذا تخالفتا ، فلا محیص عن أن یختار الکفر والعصیان.
إن قلت : إذا کان الکفر والعصیان والإطاعة والإِیمان ، بإرادته تعالى التی لا تکاد تتخلف عن المراد ، فلا یصحّ أن یتعلق بها التکلیف ، لکونها خارجة عن الاختیار المعتبر فیه عقلاً. 
 
 
قلت : إنّما یخرج بذلک عن الاختیار ، لو لم یکن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختیاریة ، وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختیار ، وإلاّ لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلک علواً کبیراً.
إن قلت : إن الکفر والعصیان من الکافر والعاصی ولو کانا مسبوقین بإرادتهما ، إلّا إنّهما منتهیان إلى ما لا بالاختیار ، کیف؟ وقد سبقهما الإرادة الازلیة والمشیة الإلهیة ، ومعه کیف تصحّ المؤاخذة على ما یکون بالاخرة بلا اختیار؟
قلت : العقاب إنّما بتبعة الکفر والعصیان التابعین للاختیار الناشىء عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتیة اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن ( السعید سعید فی بطن أمه ، والشقی شقی فی بطن أمه ) (1) و ( الناس معادن کمعادن الذهب والفضة ) (2) ، کما فی الخبر ، والذاتی لا یعلل ، فانقطع سؤال : إنّه لم جعل السعید سعیدا والشقی شقیا؟ فإن السعید سعید بنفسه والشقی شقی کذلک ، وإنما أوجدهما الله تعالى ( قلم اینجا رسید سر بشکست ) (3) ، قد إنتهى الکلام فی المقام إلى ما ربما لا یسعه کثیر من الافهام ، ومن الله الرشد والهدایة وبه الاعتصام.
وهم ودفع : لعلک تقول : إذا کانت الإرادة التشریعیة منه تعالى عین علمه بصلاح الفعل ، لزم ـ بناءً على أن تکون عین الطلب ـ کون المنشأ بالصیغة فی الخطابات الإلهیة هو العلم ، وهو بمکان من البطلان.
__________________
1 ـ ورد بهذا المضمون فی توحید الصدوق / 356 الباب 58 الحدیث 3.
2 ـ الروضة من الکافی 8 / 177 ، الحدیث 197.
مسند أحمد بن حنبل 2 / 539 وفیه تقدیم الفضّة على الذهب. وقریب منه فی هذا المصدر صفحة 257 ، 260 ، 391 ، 438 ، 485 ، 498 ، 525 والبخاری 4 / 216.
3 ـ یرید المؤلف (ره) : وهنا یقف القلم ، لأن الکلام انتهى إلى ما ربما لا یسعه کثیر من الأفهام ، وما بین القوسین ، تعبیر فارسی ترجمته : لما وصل القلم إلى هنا انکسر رأسه. 
 
لکنک غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح ، إنّما یکون خارجاً لا مفهوماً ، وقد عرفت (1) أن المنشأ لیس إلّا المفهوم ، لا الطلب الخارجی ، ولا غرو أصلاً فی اتحاد الإرادة والعلم عیناً و خارجاً ، بل لا محیص عنه فی جمیع صفاته تعالى ؛ لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة ، قال أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه : ( وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ). (2)
الفصل الثانی
فیما یتعلق بصیغة الأمر وفیه مباحث :
الأول : إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ قد استعملت فیها ، وقد عد منها : الترجی ، والتمنی ، والتهدید ، والإنذار ، والإِهانة ، والاحتقار ، والتعجیز ، والتسخیر ، إلى غیر ذلک ، وهذا کما ترى ، ضرورة أن الصیغة ما استعملت فی واحد منها ، بل لم یستعمل إلّا فی إنشاءً الطلب ، إلّا أن الداعی إلى ذلک ، کما یکون تارةً هو البعث والتحریک نحو المطلوب الواقعی ، یکون أُخرى أحد هذه الأمور ، کما لا یخفى.
قصارى ما یمکن أن یَّدعى ، أن تکون الصیغة موضوعة لإِنشاء الطلب ، فیما إذا کان بداعی البعث والتحریک ، لا بداعٍ آخر منها ، فیکون إنشاءً الطلب بها بعثاً حقیقة ، وإنشاؤه بها تهدیداً مجازاً ، وهذا غیر کونها مستعملة فی التهدید وغیره ، فلا تغفل.
إیقاظ : لا یخفى أن ما ذکروه فی صیغة الأمر ، جار فی سائر الصیغ الإنشائیة ، فکما یکون الداعی إلى إنشاءً التمنی أو الترجی أو الاستفهام
__________________
1 ـ مر فی صفحة 66 من هذا الکتاب عند قوله : وأما الصیغ الإنشائیة .. الخ.
2 ـ نهج البلاغة / 39 الخطبة الأولى. 
 
بصیغها ، تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقیقة ، یکون الداعی غیرها أُخرى ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صیغها عنها ، واستعمالها فی غیرها ، إذا وقعت فی کلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعانی فی حقه تبارک وتعالى ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وإنّه لا وجه له ، فإن المستحیل إنّما هو الحقیقی منها لا الإنشائی الإِیقاعی ، الذی یکون بمجرد قصد حصوله بالصیغة ، کما عرفت ، ففی کلامه تعالى قد استعملت فی معانیها الإِیقاعیة الإنشائیة أیضاً ، لا لإِظهار ثبوتها حقیقة ، بل الأمر آخر حسب ما یقتضیه الحال من إظهار المحبة أو الإِنکار أو التقریر إلى غیر ذلک ، ومنه ظهر أن ما ذکر من المعانی الکثیرة لصیغة الاستفهام لیس کما ینبغی أیضاً.
المبحث الثّانی : فی أن الصیغة حقیقة فی الوجوب ، أو فی الندب ، أو فیهما ، أو فی المشترک بینهما ، وجوه بل أقوال.
لا یبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرینة ، ویؤیده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالته علیه بحال أو مقال ، وکثرة الاستعمال فیه فی الکتاب والسنة وغیرهما لا یوجب نقله إلیه أو حمله علیه (1) ، لکثرة استعماله فی الوجوب أیضاً ، مع أن الاستعمال وأنّ کثر فیه ، إلّا إنّه کان مع القرینة المصحوبة ، وکثرة الاستعمال کذلک فی المعنى المجازی لا توجب صیرورته مشهوراً فیه ، لیرجح أو یتوقف ، على الخلاف فی المجاز المشهور ، کیف؟ وقد کثر إستعمال العام فی الخاص ، حتى قیل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ولم ینثلم به ظهوره فی العموم ، بل یحمل علیه ما لم تقم قرینة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث : هل الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب والبعث ـ مثل : یغتسل ، ویتوضأ ، ویعید ـ ظاهرة فی الوجوب أو لا؟ لتعدد
__________________
1 ـ هذا تعریض بصاحب المعالم 1 ، معالم الدین / 48 ، فصل فی الأوامر : فائدة.
 
المجازات فیها ، ولیس الوجوب بأقواها ، بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار ، بثبوت النسبة والحکایة عن وقوعها.
الظاهر الأوّل ، بل تکون أظهر من الصیغة ، ولکنه لا یخفى إنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام ـ أیّ الطلب ـ مستعملة فی غیر معناها ، بل تکون مستعملة فیه ، إلّا إنّه لیس بداعی الأعلام ، بل بداعی البعث بنحو آکد ، حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه ، إظهارا بإنّه لا یرضى إلّا بوقوعه ، فیکون آکد فی البعث من الصیغة ، کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة ، على ما عرفت من إنّها أبدا تستعمل فی معانیها الإِیقاعیة لکن بدواعٍ أخر ، کما مر (1).
لا یقال : کیف؟ ویلزم الکذب کثیراً ، لکثرة عدم وقوع المطلوب کذلک فی الخارج ، تعالى الله وأولیاؤه عن ذلک علواً کبیراً.
فإنّه یقال : إنّما یلزم الکذب ، إذا أتی بها بداعی الإخبار والإِعلام ، لا لداعی البعث ، کیف؟ وإلاّ یلزم الکذب فی غالب الکنایات ، فمثل ( زید کثیر الرماد ) أو ( مهزول الفصیل ) لا یکون کذباً ، إذا قیل کنایة عن جوده ، ولو لم یکن له رماد أو فصیل أصلاً ، وإنما یکون کذباً إذا لم یکن بجواد ، فیکون الطلب بالخبر فی مقام التأکید أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضى الحال. هذا مع إنّه إذا أتى بها فی مقام البیان ، فمقدمات الحکمة مقتضیة لحملها على الوجوب ، فإن تلک النکتة إن لم تکن موجبة لظهورها فیه ، فلا أقل من کونها موجبة لتعینه من بین محتملات ما هو بصدده ، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب ، موجبة لتعین إرادته إذا کان بصدد البیان ، مع عدم نصب قرینة خاصة على غیره ، فافهم.
__________________
1 ـ فی المبحث الأوّل من هذا الفصل ، عند قوله 1 : إیقاظ / 69. 
 
 
المبحث الرابع : إنّه إذا سلّم أن الصیغة لا تکون حقیقة فی الوجوب ، هل لا تکون ظاهرة فیه أیضاً أو تکون؟ قیل بظهورها فیه ، امّا لغلبة الاستعمال فیه ، أو لغلبة وجوده أو أکملیته.
والکل کما ترى ، ضرورة أن الاستعمال فی الندب وکذا وجوده ، لیس بأقل لو لم یکن بأکثر. وأما الأکملیة فغیر موجبة للظهور ، إذ الظهور لا یکاد یکون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحیث یصیر وجهاً له ، ومجرد الأکملیة لا یوجبه ، کما لا یخفى. نعم فیما کان الآمر بصدد البیان ، فقضیة مقدمات الحکمة هو الحمل على الوجوب ، فإن الندب کإنّه یحتاج إلى مؤونة بیان التحدید والتقیید بعدم المنع من الترک ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحدید فیه للطلب ولا تقیید ، فإطلاق اللفظ وعدم تقییده مع کون المطلق فی مقام البیان ، کافٍ فی بیإنّه ، فافهم.
المبحث الخامس : إن إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً ، فیجزئ إتیإنّه مطلقاً ، ولو بدون قصد القربة ، أو لا؟ فلا بدّ من الرجوع فیما شک فی تعبدیته وتوصلیته إلى الأصل.
لابد فی تحقیق ذلک من تمهید مقدمات :
أحدها : الوجوب التوصلی ، هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب ، ویسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدی ، فإن الغرض منه لا یکاد یحصل بذلک ، بل لابد ـ فی سقوطه وحصول غرضه ـ من الإِتیان به متقرباً به منه تعالى.
ثانیها : إن التقرب المعتبر فی التعبدی ، إن کان بمعنى قصد الامتثال والإِتیان بالواجب بداعی أمره ، کان مما یعتبر فی الطاعة عقلاً ، لا مما أخذ فی نفس العبادة شرعاً ، وذلک لاستحالة أخذ ما لا یکاد یتأتى إلّا من قبل الأمر بشیء فی متعلق ذاک الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً ، فما لم تکن نفس الصلاة متعلقة للأمر ، لا یکاد یمکن إتیإنّها بقصد امتثال أمرها. 
 
وتوهمّ إمکان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعی الأمر ، وإمکان الإِتیان بها بهذا الداعی ، ضرورة إمکان تصور الأمر بها مقیدة ، والتمکن من إتیإنّها کذلک ، بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً فی صحة الأمر إنّما هو فی حال الامتثال لا حال الأمر ، واضح الفساد ، ضرورة إنّه وأنّ کان تصورها کذلک بمکان من الإِمکان ، إلّا إنّه لا یکاد یمکن الإِتیان بها بداعی أمرها ، لعدم الأمر بها ، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقیدة بداعی الأمر ، ولا یکاد یدعو الأمر إلّا إلى ما تعلق به ، لا إلى غیره.
إن قلت : نعم ، ولکن نفس الصلاة أیضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقیدة.
قلت : کلاّ ، لأن ذات المقید لا یکون مأموراً بها ، فإن الجزء التحلیلی العقلی لا یتصف بالوجوب أصلاً ، فإنّه لیس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسی ، کما ربما یأتی فی باب المقدمة.
إن قلت : نعم ، لکنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطراً ، فلا محالة نفس الفعل الذی تعلق الوجوب به مع هذا القصد ، یکون متعلقاً للوجوب ، إذ المرکب لیس إلّا نفس الإِجزاء بالأسر ، ویکون تعلقه بکل بعین تعلقه بالکل ، ویصحّ أن یؤتى به بداعی ذاک الوجوب ؛ ضرورة صحة الإِتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبه.
قلت : مع امتناع اعتباره کذلک ، فإنّه یوجب تعلق الوجوب بأمر غیر اختیاری ، فإن الفعل وأنّ کان بالإِرادة اختیاریا ، إلّا أن إرادته ـ حیث لا تکون بإرادة أُخرى ، وإلاّ لتسلسلت ـ لیست باختیاریة ، کما لا یخفى. إنّما یصحّ الإِتیان بجزء الواجب بداعی وجوبه فی ضمن إتیإنّه بهذا الداعی ، ولا یکاد یمکن الإِتیان بالمرکب عن قصد الامتثال ، بداعی امتثال أمره.
 
إن قلت : نعم (1) ، لکن هذا کله إذا کان إعتباره فی المأمور به بأمر واحد ، وأما إذا کان بأمرین : تعلق أحدهما بذات الفعل ، وثانیهما بإتیإنّه بداعی أمره ، فلا محذور أصلاً ، کما لا یخفى. فللآمر أن یتوسل بذلک فی الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده ، بلا منعة.
قلت : ـ مضافاً إلى القطع بإنّه لیس فی العبادات إلّا أمر واحد ، کغیرها من الواجبات والمستحبات ، غایة الأمر یدور مدار الامتثال وجوداً و عدماً فیها المثوبات والعقوبات ، بخلاف ما عداها ، فیدور فیه خصوص المثوبات ، وأما العقوبة فمترتبة على ترک الطاعة ومطلق الموافقة ـ أن الأمر الأوّل إن کان یسقط بمجرد موافقته ، ولو لم یقصد به الامتثال ، کما هو قضیة الأمر الثّانی ، فلا یبقى مجال لموافقة الثّانی مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا یتوسل الأمر إلى غرضه بهذه الحیلة والوسیلة ، وأنّ لم یکد یسقط بذلک ، فلا یکاد یکون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلک من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما کان موجباً لحدوثه ، وعلیه فلا حاجة فی الوصول إلى غرضه إلى وسیلة تعدَّد الأمر ، لاستقلال العقل ، مع عدم حصول غرض الأمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو یحصل به غرضه ، فیسقط أمره.
هذا کله إذا کان التقرب المعتبر فی العبادة بمعنى قصد الامتثال.
وأما إذا کان بمعنى الإِتیان بالفعل بداعی حسنه ، أو کونه ذا مصلحة [ أو له تعالى ] (2) ، فاعتباره فی متعلق الأمر وأنّ کان بمکان من الإِمکان ، إلّا إنّه غیر معتبر فیه قطعاً ، لکفایة الاقتصار على قصد الامتثال ، الذی عرفت
__________________
1 ـ إشارة إلى ما أفاده صاحب التقریرات فی مطارح الأنظار / 60 ، السطر الأخیر ، فی التعبدی والتوصلی.
2 ـ سقطت من « أ ». 
 
عدم إمکان أخذه فیه بدیهة.
تأمل فیما ذکرناه فی المقام ، تعرف حقیقة المرام ، کی لا تقع فیما وقع فیه من الاشتباه بعضٍ الأعلام.
ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزید علیه ، عدم إمکان أخذ قصد الامتثال فی المأمور به أصلاً ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو کان مسوقاً فی مقام البیان ـ على عدم اعتباره ، کما هو أوضح من أن یخفى ، فلا یکاد یصحّ التمسک به إلّا فیما یمکن اعتباره فیه.
فانقدح بذلک إنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها ، ولا لاستظهار عدم اعتبارٍ مثل الوجه مما هو ناشىء من قبل الأمر ، من إطلاق المادة فی العبادة لو شک فی اعتباره فیها ، نعم إذا کان الأمر فی مقام بصدد بیان تمام ماله دخل فی حصول غرضه ، وأنّ لم یکن له دخل فی متعلق أمره ، ومعه سکت فی المقام ، ولم ینصب دلالة على دخل قصد الامتثال فی حصوله ، کان هذا قرینة على عدم دخله فی غرضه ، وإلاّ لکان سکوته نقضاً له وخلاف الحکمة ، فلا بدّ عند الشک وعدم إحراز هذا المقام ، من الرجوع إلى ما یقتضیه الأصل ویستقل به العقل.
فاعلم : إنّه لا مجال ـ ها هنا ـ إلّا لاصالة الإِشتغال ، ولو قیل بأصالة البراءة فیما إذا دار الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین ، وذلک لأن الشک ها هنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا یکون العقاب ـ مع الشک وعدم إحراز الخروج ـ عقاباً بلا بیان ، والمؤاخذة علیه بلا برهان ، ضرورة إنّه بالعلم بالتکلیف تصحّ المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهکذا الحال فی کلّ ما شک دخله فی الطاعة ، والخروج به عن العهدة ، مما لا یمکن اعتباره فی المأمور به کالوجه والتمییز.
نعم : یمکن أن یقال : إن کلّ ما ربما یحتمل بدواً دخله فی الامتثال ،  

 
أمراً کان مما یغفل عنه غالباً العامة (1) ، کان على الأمر بیإنّه ، ونصب قرینة على دخله واقعاً ، وإلاّ لاخل بما هو همّه وغرضه ، امّا إذا لم ینصب دلالة على دخله ، کشف عن عدم دخله ، وبذلک یمکن القطع بعدم دخل الوجه والتمییز فی الطاعة بالعبادة ، حیث لیس منهما عین ولا أثر فی الإخبار والآثار ، وکانا مما یغفل عنه العامة ، وأنّ احتمل اعتباره بعضٍ الخاصة ، فتدبرّ جیداً.
ثم إنّه لا أظنک أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعیة مقتضیة لعدم الاعتبار ، وأنّ کان قضیة الإِشتغال عقلاً هو الاعتبار ، لوضوح إنّه لا بدّ فی عمومها من شیء قابل للرفع والوضع شرعاً ، ولیس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها فی الغرض لیس بشرعی ، بل واقعی. ودخل الجزء والشرط فیه وأنّ کان کذلک ، إلّا إنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدلیل الرفع ـ ولو کان أصلاً ـ یکشف إنّه لیس هناک أمر فعلّی بما یعتبر فیه المشکوک ، یجب الخروج عن عهدته عقلاً ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلّی ، کما عرفت ، فافهم.
المبحث السادس : قضیة إطلاق الصیغة ، کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً ، لکون کلّ واحد مما یقابلها یکون فیه تقیید الوجوب وتضیق دائرته ، فإذا کان فی مقام البیان ، ولم ینصب قرینة علیه ، فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً ، وجب هناک شیء آخر أو لا ، أتى بشیء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا ، کما هو واضح لا یخفى.
المبحث السابع : إنّه اختلف القائلون بظهور صیغة الأمر فی الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فیما إذا وقع عقیب الحظر أو فی مقام توهمه على أقوال :
__________________
1 ـ هذا ما أثبتناه من « أ و ب » ، وفی بعضٍ النسخ المطبوعة هکذا ( إن کلّ ما یحتمل بدواً دخله فی الامتثال وکان یغفل عنه غالباً العامة ). 
 
نسب (1) إلى المشهور ظهورها فی الإِباحة. وإلى بعضٍ العامة (2) ظهورها فی الوجوب ، وإلى بعضٍ (3) تبعیته لما قبل النهی ، إن علق الأمر بزوال علّة النهی ، إلى غیر ذلک.
والتحقیق : إنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنّه قلّ مورد منها یکون خالیاً عن قرینة على الوجوب ، أو الإِباحة ، أو التبعیة ، ومع فرض التجرید عنها ، لم یظهر بعدُ کون عقیب الحظر موجباً لظهورها فی غیر ما تکون ظاهرة فیه. غایة الأمر یکون موجباً لاجمالها ، غیر ظاهرة فی واحد منها إلّا بقرینة أُخرى ، کما أشرنا.
المبحث الثامن : الحق أن صیغة الأمر مطلقاً ، لا دلالة لها على المرة ولا التکرار ، فإن المنصرف عنها ، لیس إلّا طلب إیجاد الطبیعة المأمور بها ، فلا دلالة لها على أحدهما ، لا بهیئتها ولا بمادتها ، والاکتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها فی الأمر بالطبیعة ، کما لا یخفى.
ثم لا یذهب علیک : أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوین ، لا یدلّ إلّا على الماهیة ـ على ما حکاه السکاکی (4) ـ لا یوجب کون النزاع ها هنا فی الهیئة ـ کما فی الفصول (5) ـ فإنّه غفلة وذهول عن کون المصدر کذلک ، لا یوجب الاتفاق على أن مادة الصیغة لا تدلّ إلّا على
__________________
1 ـ راجع الفصول / 70 ، وبدائع الأفکار فی النسخة الثانیة من نسختی الأوامر / 294.
2 ـ البصری فی المعتمد / 75 ، باب فی صیغة الأمر الواردة بعد حظر ، والبیضاوی وغیره راجع الإِبهاج فی شرح المنهاج للسبکی : 2 / 43.
3 ـ کالعضدی ، شرح مختصر الأصول / 205 ، فی مسألة وقوع صیغة الأمر بعد الحظر.
4 ـ مفتاح العلوم / 93.
5 ـ الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هیئة ... الخ. 
 
الماهیة ، ضرورة أن المصدر لیست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صیغة مثلها ، کیف؟ وقد عرفت فی باب المشتق مباینة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ، فکیف بمعناه یکون مادة لها؟ فعلیه یمکن دعوى اعتبارٍ المرة أو التکرار فی مادتها ، کما لا یخفى.
إن قلت : فما معنى ما اشتهر من کون المصدر أصلاً فی الکلام.
قلت : مع إنّه محلّ الخلاف ، معناه أن الذی وضع أولاً بالوضع الشخصی ، ثم بملاحظته وضع نوعیا أو شخصیاً سائر الصیغ التی تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة فی کلّ منها ومنه ، بصورة ومعنى کذلک ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم.
ثم المراد بالمرة والتکرار ، هل هو الدفعة والدفعات؟ أو الفرد والأفراد؟
والتحقیق : أن یقعا بکلا المعنیین محلّ النزاع ، وأنّ کان لفظهما ظاهراً فی المعنى الأوّل ، وتوهمّ (1) إنّه لو أُرید بالمرة الفرد ، لکان الانسب ، بل اللازم أن یجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتی ، من أن الأمر هل یتعلق بالطبیعة أو بالفرد؟ فیقال عند ذلک وعلى تقدیر تعلقه بالفرد ، هل یقتضی التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ، أو لا یقتضی شیئاً منهما؟ ولم یحتج إلى إفراد کلّ منهما بالبحث کما فعلوه ، وأما لو أُرید بها الدفعة ، فلا علقة بین المسألتین ، کما لا یخفى ، فاسد ، لعدم العلقة بینهما لو أُرید بها الفرد أیضاً ، فإن الطلب على القول بالطبیعة إنّما یتعلق بها باعتبار وجودها فی الخارج ، ضرورة أن الطبیعة من حیث هی لیست إلّا هی ، لا مطلوبة ولا غیر مطلوبة ، وبهذا الاعتبار کانت مرددة بین المرة والتکرار بکلا المعنیین ، فیصحّ النزاع فی دلالة الصیغة على المرة والتکرار بالمعنیین وعدمها.
__________________
1 ـ المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71. 
 
أمّا بالمعنى الأوّل فواضح ، وأما بالمعنى الثّانی فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لأن وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد ، غایة الأمر خصوصیته وتشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع یلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالأفراد ، فإنّه مما یقومه.
تنبیه : لا إشکال بناءً على القول بالمرة فی الامتثال ، وإنّه لا مجال للاتیان بالمأمور به ثانیاً ، على أن یکون أیضاً به الامتثال ، فإنّه من الامتثال بعد الامتثال. وأما على المختار من دلالته على طلب الطبیعة من دون دلالة على المرة ولا على التکرار ، فلا یخلو الحال : امّا أن لا یکون هناک إطلاق الصیغة فی مقام البیان ، بل فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، فالمرجع هو الأصل. وإما أن یکون إطلاقها فی ذلک المقام ، فلا إشکال فی الاکتفاء بالمرة فی الامتثال ، وإنما الإِشکال فی جواز أن لا یقتصر علیها ، فإن لازم إطلاق الطبیعة المأمور بها ، هو الإِتیان بها مرة أو مراراً لا ، لزوم الاقتصار على المرة ، کما لا یخفى.
والتحقیق : إن قضیة الإِطلاق إنّما هو جواز الإِتیان بها مرة فی ضمن فرد أو أفراد ، فیکون إیجادها فی ضمنها نحواً من الامتثال ، کإیجادها فی ضمن الواحد ، لا جواز الإِتیان بها مرة ومرات ، فإنّه مع الإِتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال ویسقط به الأمر ، فیما إذا کان امتثال الأمر علّة تامة لحصول الغرض الأقصى ، بحیث یحصل بمجرده ، فلا یبقى معه مجال لاتیإنّه ثانیاً بداعی امتثال آخر ، أو بداعی أن یکون الاتیانان امتثالاً واحداً ؛ لما عرفت من حصول الموافقة بإتیإنّها ، وسقوط الغرض معها ، وسقوط الأمر بسقوطه ، فلا یبقى مجال لامتثاله أصلاً ، وأما إذا لم یکن الامتثال علّة تامة لحصول الغرض ، کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به ، ولم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً ، فلا یبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه ، بل  

 
مطلقاً ، کما کان له ذلک قبله ، على ما یأتی بیإنّه فی الإِجزاء.
المبحث التاسع : الحق إنّه لا دلالة للصیغة ، لا على الفور ولا على التراخی ، نعم قضیة إطلاقها جواز التراخی ، والدلیل علیه تبادر طلب إیجاد الطبیعة منها ، بلا دلالة على تقییدها بأحدها ، فلا بدّ فی التقیید من دلالة أُخرى ، کما ادعی دلالة غیر واحد من الآیات على الفوریة.
وفیه منع ، ضرورة أن سیاق آیة ( وسارعوا إلى مغفرة من ربکم ) (1) وکذا آیة ( فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ ) (2) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخیر ، من دون استتباع ترکهما للغضب والشر ، ضرورة أن ترکهما لو کان مستتبعا للغضب والشر ، کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب ، کما لا یخفى ، فافهم.
مع لزوم کثرة تخصیصه فی المستحبات ، وکثیر من الواجبات بل أکثرها ، فلا بدّ من حمل الصیغة فیهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب.
ولا یبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق ، وکان ما ورد من الآیات والروایات فی مقام البعث نحوه إرشاداً إلى ذلک ، کالآیات والروایات الواردة فی الحثَّ على أصل الإطاعة ، فیکون الأمر فیها لما یترتب على المادة بنفسها ، ولو لم یکن هناک أمر بها ، کما هو الشأن فی الأوامر الارشادیة ، فافهم.
تتمة : بناءً على القول بالفور ، فهل قضیة الأمر الإِتیان فوراً ففوراً بحیث لو عصى لوجب علیه الإِتیان به فوراً أیضاً ، فی الزمان الثّانی ، أو لا؟ وجهان : مبنیان على أن مفاد الصیغة على هذا القول ، هو وحدة المطلوب أو تعدده؟ ولا یخفى إنّه لو قیل بدلالتها على الفوریة ، لما کان لها دلالة على نحو
__________________
1 ـ آل عمران : 133.
2 ـ البقرة : 148 ، المائدة : 48. 
 
المطلوب من وحدته أو تعدده ، فتدبرّ جیداً.
الفصل الثالث
الاتیان بالمأمور به على وجهه یقتضی الإِجزاء فی الجملة بلا شبهة ، وقبل الخوض فی تفصیل المقام وبیان النقض والأبرام ، ینبغی تقدیم أمور :
أحدها : الظاهر أن المراد من ( وجهه ) ـ فی العنوان ـ هو النهج الذی ینبغی أن یؤتى به على ذاک النهج شرعاً وعقلاً ، مثل أن یؤتى به بقصد التقرب فی العبادة ، لا خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأمور به شرعاً ، فإنّه علیه یکون ( على وجهه ) قیداً توضیحیا ، وهو بعید ، مع إنّه یلزم خروج التعبدیات عن حریم النزاع ، بناءً على المختار ، کما تقدم من أن قصد القربة من کیفیات الإطاعة عقلاً ، لا من قیود المأمور به شرعاً ، ولا الوجه المعتبر عند بعضٍ الأصحاب (1) ، فإنّه ـ مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره ، إلّا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات ـ لا وجه لاختصاصه بالذکر على تقدیر الاعتبار ، فلا بدّ من إرادة ما یندرج فیه من المعنى ، وهو ما ذکرناه ، کما لا یخفى.
ثانیها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء ـ ها هنا ـ الاقتضاء بنحو العلّیة والتأثیر ، لا بنحو الکشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الإِتیان لا إلى الصیغة.
إن قلت : هذا إنّما یکون کذلک بالنسبة إلى أمره ، وأما بالنسبة إلى أمر آخر ، کالإِتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری أو الظاهری بالنسبة إلى الأمر الواقعی ، فالنزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما على اعتباره ، بنحو یفید الإِجزاء ، أو بنحو آخر لا یفیده.
__________________
1 ـ من المتکلمین ، وأشار إلیه فی مطارح الأنظار / 19. 
 
قلت : نعم ، لکنه لا ینافی کون النزاع فیهما ، کان فی الاقتضاء بالمعنى المتقدم ، غایته أن العمدة فی سبب الاختلاف فیهما ، إنّما هو الخلاف فی دلالة دلیلهما ، هل إنّه على نحو یستقل العقل بأن الإِتیان به موجب للإِجزاء ویؤثر فیه ، وعدم دلالته؟ ویکون النزاع فیه صغرویاً أیضاً ، بخلافه فی الإِجزاء بالإضافة إلى أمره ، فإنّه لا یکون إلّا کبرویا ، لو کان هناک نزاع ، کما نقل عن بعضٍ (1). فافهم.
ثالثها : الظاهر أن الإِجزاء ـ ها هنا ـ بمعناه لغةً ، وهو الکفایة (2) ، وأنّ کان یختلف ما یکفی عنه ، فإن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی یکفی ، فیسقط به التعبد به ثانیاً ، وبالأمر الاضطراری أو الظاهری الجعلی ، فیسقط به القضاء ، لا إنّه یکون ـ ها هنا ـ اصطلاحاً ، بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء ، فإنّه بعید جداً.
رابعها : الفرق (3) بین هذه المسألة ، ومسألة المرة والتکرار ، لا یکاد یخفى ، فإن البحث ـ ها هنا ـ فی أن الإِتیان بما هو المأمور به یجزئ عقلاً ، بخلافه فی تلک المسألة ، فإنّه فی تعیین ما هو المأمور به شرعاً بحسب دلالة الصیغة بنفسها ، أو بدلالة أُخرى.
نعم کان التکرار عملاً موافقاً لعدم الإِجزاء لکنه لا بملاکه.
وهکذا الفرق بینها وبین مسألة تبعیة القضاء للاداء ، فإن البحث فی تلک المسألة فی دلالة الصیغة على التبعیة وعدمها ، بخلاف هذه المسألة ؛ فإنّه ـ کما عرفت ـ فی
__________________
1 ـ وهو القاضی عبد الجبار ، راجع المعتمد 1 / 90.
2 ـ اجزأ الشیءُ إیای : کفانی. القاموس المحیط 1 / 10 مادة الجزء.
أجزأنی الشیء : کفانی. مجمع البحرین 1 / 85 مادة جزأ.
3 ـ راجع مطارح الأنظار / 19. 
 
أن الإِتیان بالمأمور به بجزی عقلاً عن إتیإنّه ثانیاً أداءً أو قضاءً ، أو لا یجزئ ، فلا علقة بین المسألة والمسألتین أصلاً.
إذا عرفت هذه الأمور ، فتحقیق المقام یستدعی البحث والکلام فی موضعین :
الأول : إن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی ـ بل (1) بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً ـ یجزئ عن التعبد به ثانیاً ؛ لاستقلال العقل بإنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأمور به على وجهه ، لاقتضائه التعبد به ثانیاً.
نعم لا یبعد أن یقال : بإنّه یکون للعبد تبدیل الامتثال والتعبد به ثانیاً ، بدلاً عن التعبد به أولاً ، لا منضما إلیه ، کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة (2) ، وذلک فیما علم أن مجرد امتثاله لا یکون علّة تامة لحصول الغرض ، وأنّ کان وافیاً به لو اکتفى به ، کما إذا أتى بماء أمر به مولاه لیشربه ، فلم یشربه بعد ، فإن الأمر بحقیقته وملاکه لم یسقط بعد ، ولذا لو أهریق (3) الماء واطلع علیه العبد ، وجب علیه إتیإنّه ثانیاً ، کما إذا لم یأت به أولاً ، ضرورة بقاء طلبه ما لم یحصل غرضه الداعی إلیه ، وإلاّ لما أوجب حدوثه ، فحینئذ یکون له الإِتیان بماء آخر موافق للأمر ، کما کان له قبل إتیإنّه الأوّل بدلاً عنه.
نعم فیما کان الإِتیان علّة تامة لحصول الغرض ، فلا یبقى موضع للتبدیل ، کما إذا أمر بإهراق الماء فی فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم یعلم إنّه من أیّ القبیل ، فله التبدیل باحتمال أن لا یکون علّة ، فله إلیه سبیل ، ویؤیّد ذلک ـ بل یدلّ علیه ـ ما ورد من الروایات فی باب إعادة من صلّى فرادى
__________________
1 ـ فی نسختی « أ و ب » بل أو ..
2 ـ راجع تنبیه المبحث الثامن من هذا الکتاب / 79.
3 ـ فی « ب » : أهرق. 
 
جماعة (1) ، وأنّ الله تعالى یختار أحبهما إلیه.
الموضع الثّانی : وفیه مقامان :
المقام الأوّل : فی أن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری ، هل یجزئ عن الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی ثانیاً ، بعد رفع الاضطرار فی الوقت إعادة ، وفی خارجه قضاءً ، أو لا یجزئ؟
تحقیق الکلام فیه یستدعی التکلم فیه تارةً فی بیان ما یمکن أن یقع علیه الأمر الاضطراری من الأنحاء ، وبیان ما هو قضیة کلّ منها من الإِجزاء وعدمه ، وأخرى فی تعیین ما وقع علیه.
فاعلم إنّه یمکن أن یکون التکلیف الاضطراری فی حال الاضطرار ، کالتکلیف الاختیاری فی حال الاختیار ، وافیاً بتمام المصلحة ، وکافیاً فیما هو المهمّ والغرض ، ویمکن أن لا یکون وافیاً به کذلک ، بل یبقى منه شیء أمکن استیقاؤه أو لا یمکن. وما أمکن کان بمقدار یجب تدارکه ، أو یکون بمقدار یستحب ، ولا یخفى إنّه إن کان وافیاً به فیجزئ ، فلا یبقى مجال أصلاً للتدارک ، لا قضاءً ولا إعادة ، وکذا لو لم یکن وافیاً ، ولکن لا یمکن تدارکه ، ولا یکاد یسوغ له البدار فی هذه الصورة إلّا لمصلحة کانت فیه ، لما فیه من نقض الغرض ، وتفویت مقدارٍ من المصلحة ، لو لا مراعاة ما هو فیه من الأهم ، فافهم.
لا یقال : علیه ، فلا مجال لتشریعه ولو بشرط الانتظار ، لا مکان استیفاء الغرض بالقضاء.
__________________
1 ـ الکافی : 3 / 379 ، باب الرجل یصلی وحده من کتاب الصلاة.
التهذیب : 3 / 269 الحدیث 94 ، وصفحة 270 الحدیث 95 إلى 98 الباب 25. الفقیه : 1 / 251. الحدیث 41 إلى 43 من باب الجماعة وفضلها.
2 ـ فی « ب » یجزئ. 
 
فإنّه یقال : هذا کذلک ، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت.
وأما تسویغ البدار أو إیجاب الانتظار فی الصورة الأولى ، فیدور مدار کون العمل ـ بمجرد الاضطرار مطلقاً ، أو بشرط الانتظار ، أو مع الیأس عن طروِّ الاختیار ـ ذا مصلحة ووافیا بالغرض.
وإن لم یکن وافیاً ، وقد أمکن تدارک الباقی (1) فی الوقت ، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلا یجزئ ، بل لابد (2) من إیجاب الإِعادة أو القضاء ، وإلاّ فیجزئ ، ولا مانع عن البدار فی الصورتین ، غایة الأمر یتخیر فی الصورة الأولى بین البدار والإِتیان بعملین : العمل الاضطراری فی هذا الحال ، والعمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتیان ما هو تکلیف المختار ، وفی الصورة الثانیة یجزئ البدار ویستحب الإِعادة بعد طروِّ الاختیار.
هذا کله فیما یمکن أن یقع علیه الاضطراری من الأنحاء ، وأما ما وقعٍ علیه فظاهر إطلاق دلیله ، مثل قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیدًا طَیِّبًا ) (3) وقوله 7 : ( التراب أحد الطهورین ) (4) و : ( یکفیک عشر سنین ) (5) هو الإِجزاء ، وعدم وجوب الإِعادة أو القضاء ، ولا بدّ فی إیجاب الإِتیان به ثانیاً من دلالة دلیل بالخصوص.
وبالجملة : فالمتبع هو الإِطلاق لو کان ، وإلاّ فالأصل ، وهو یقتضی البراءة من إیجاب الإِعادة ، لکونه شکّاً فی أصل التکلیف ، وکذا عن إیجاب
__________________
1 ـ فی « ب » : ما بقی منه.
2 ـ فی « أ » : ولا بد.
3 ـ النساء : 43 ، المائدة : 6.
4 ـ التهذیب : 1 / 196 ـ 197 ، 200 باب التیمم وأحکامه.
الکافی : 3 / 64. باب الوقت الذی یوجب التیمم ، مع اختلاف فی الالفاظ.
5 ـ التهذیب : 1 / 194 ، الحدیث 35 ، التیمم وأحکامه ، وصفحة 199 ، الحدیث 52. 
 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی