منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت هفتم

المقصد السادس :
فی بیان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً
وقبل الخوض فی ذلک ، لا بأس بصرف الکلام إلى بیان بعضٍ ما للقطع من الأحکام ، وأنّ کان خارجاً من مسائل الفن ، وکان أشبه بمسائل الکلام ، لشدة مناسبته مع المقام.
فاعلم : أن البالغ الذی وضع علیه القلم ، إذا التفت إلى حکم فعلّی واقعی أو ظاهری ، متعلق به أو بمقلدیه ، فإما أن یحصل له القطع به ، أو لا ، وعلى الثّانی ، لا بد من انتهائه إلى ما استقل به العقل ، من اتباع الظن لو حصل له ، وقد تمت مقدمات الانسداد ـ على تقدیر الحکومة وإلاّ فالرجوع إلى الأُصول العقلیة : من البراءة والاشتغال والتخییر ، على تفصیل یأتی فی محله إن شاء الله تعالى.
وإنما عممنا متعلق القطع ، لعدم اختصاصه أحکامه بما إذا کان متعلقاً بالأحکام الواقعیة ، وخصصنا بالفعلی ؛ لاختصاصها بما إذا کان متعلقاً به ـ على ما ستطلع علیه ـ ولذلک عدلنا عما فی رسالة (1) شیخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ من تثلیث الاقسام.
وإن أبیت إلّا عن ذلک ، فالأولى أن یقال : إن المکلف امّا أن یحصل له
__________________
1 ـ فرائد الأصول / 2.  

 
القطع أولاً ، وعلى الثّانی امّا أن یقوم عنده طریق معتبر أو لا ؛ لئلا تتداخل الأقسام فیما یذکر لها من الأحکام ، ومرجعه على الأخیر إلى القواعد المقررة عقلاً أو نقلاً لغیر القاطع ، ومن یقوم عنده الطریق ، على تفصیل یأتی فی محله ـ إن شاء الله تعالى ـ حسبما یقتضی دلیلها.
وکیف کان فبیان أحکام القطع وأقسامه ، یستدعی رسم أمور :
الأمر الأوّل : لا شبهة فی وجوب العمل على وفق القطع عقلاً ، ولزوم الحرکة على طبقه جزماً ، وکونه موجباً لتنجز التکلیف الفعلّی فیما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته ، وعذراً فیما أخطأ قصوراً ، وتأثیره فی ذلک لازم ، وصریح الوجدان به شاهد وحاکم ، فلا حاجة إلى مزید بیان وإقامة برهان.
ولا یخفى أن ذلک لا یکون بجعل جاعل ، لعدم جعل تألیفی حقیقة بین الشیء ولوازمه ، بل عرضاً بتبع جعله بسیطاً.
وبذلک انقدح امتناع المنع عن تأثیره أیضاً ، مع إنّه یلزم منه اجتماع الضدین اعتقاداً مطلقاً ، وحقیقة فی صورة الإصابة ، کما لا یخفى.
ثم لا یذهب علیک أن التکلیف ما لم یبلغ مرتبة البعث والزجر لم یصر فعلیاً ، وما لم یصر فعلّیاً لم یکد یبلغ مرتبة التنجز ، واستحقاق العقوبة على المخالفة ، وأنّ کان ربما یوجب موافقته استحقاق المثوبة ؛ وذلک لأن الحکم ما لم یبلغ تلک المرتبة لم یکن حقیقة بأمر ولا نهی ، ولا مخالفته عن عمد بعصیان ، بل کان مما سکت الله عنه ، کما فی الخبر (1) ، فلاحظ وتدبر.
نعم ، فی کونه بهذه المرتبة مورداً للوظائف المقررة شرعاً للجاهل إشکال لزوم اجتماع الضدین أو المثلین ، على ما یأتی (2) تفصیله إن شاء الله تعالى ، مع ما هو
__________________
1 ـ الفقیه 4 / 53 ، باب نوادر الحدود ، الحدیث 15.
2 ـ فی بدایة مبحث الأمارات ص 277. 
 
التحقیق فی دفعه ، فی التوفیق بین الحکم الواقعی والظاهری ، فانتظر.
الأمر الثانی : قد عرفت إنّه لا شبهة فی أن القطع یوجب استحقاق العقوبة على المخالفة ، والمثوبة على الموافقة فی صورة الإصابة ، فهل یوجب استحقاقها فی صورة عدم الإصابة على التجری بمخالفته ، واستحقاق المثوبة على الانقیاد بموافقته ، أو لا یوجب شیئاً؟  الحق إنّه یوجبه ؛ لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته ، وذمه على تجریه ، وهتکه لحرمة مولاه (1) وخروجه عن رسوم عبودیته ، وکونه بصدد الطغیان ، وعزمه على العصیان ، وصحة مثوبته ، ومدحه على قیامه (2) بما هو قضیة عبودیته ، من العزم على موافقته والبناء على إطاعته ، وأنّ قلنا بإنّه لا یستحق مؤاخذة أو مثوبة ، ما لم یعزم على المخالفة أو الموافقة ، بمجرد سوء سریرته أو حسنها ، وأنّ کان مستحقا للذّم (3) أو المدح بما یستتبعإنّه ، کسائر الصفات والاخلاق الذمیمة أو الحسنة.
وبالجملة : ما دامت فیه صفة کامنة لا یستحق بها إلّا مدحاً أو ذماً (4) ، وإنما یستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة _ مضافاً إلى أحدهما ، إذا صار بصدد الجری على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم ، وذلک لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سریرته من دون ذلک ، وحسنها معه ، کما یشهد به مراجعة الوجدان الحاکم بالاستقلال فی مثل باب الإطاعة والعصیان ، وما یستتبعان من استحقاق النیران أو الجنان.
ولکن ذلک مع بقاء الفعل المتجرى [ به ] أو المنقاد به على ما هو علیه من الحسن
__________________
1 ـ فی «أ» : وهتک حرمته لمولاه ، والصحیح ما أثبتناه.
2 ـ فی «أ» و «ب» : إقامته ، والصحیح ما أثبتناه.
3 ـ فی «أ» و «ب» : للّوم :
4 ـ اثبتناها من « ب ».
 
أو القبح ، والوجوب أو الحرمة واقعاً ، بلا حدوث تفاوت فیه بسبب تعلق القطع بغیر ما هو علیه من الحکم والصفة ، ولا یغیر جهة حسنه أو قبحه بجهته (1) أصلاً ، ضرورة أن القطع بالحسن أو القبح لا یکون من الوجوه والاعتبارات التی بها یکون الحسن والقبح عقلاً ولا ملاکا للمحبوبیة والمبغوضیة شرعاً ، ضرورة عدم تغیر الفعل عما هو علیه من المبغوضیة والمحبوبیة للمولى ، بسبب قطع العبد بکونه محبوبا أو مبغوضاً له. فقتل ابن المولى لا یکاد یخرج عن کونه مبغوضاً له ، ولو اعتقد العبد بإنّه عدّوه ، وکذا قتل عدّوه ، مع القطع بإنّه إبنه ، لا یخرج عن کونه محبوباً أبداً. هذا.
مع أن الفعل المتجرئ به أو المنقاد به _ بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب _ لا یکون اختیاریاً ، فإن القاطع لا یقصده إلّا بما قطع إنّه علیه من عنوإنّه الواقعی الاستقلالی لا بعنوإنّه الطارىء الآلی ، بل لا یکون غالباً بهذا العنوان مما یلتفت إلیه ، فکیف یکون من جهات الحسن أو القبح عقلاً؟ ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعاً؟ ولا یکاد یکون صفة موجبة لذلک إلّا إذا کانت اختیاریة.
إن قلت : إذا لم یکن الفعل کذلک ، فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع ، وهل کان العقاب علیها إلّا عقاباً على ما لیس بالاختیار؟
قلت : العقاب إنّما یکون على قصد العصیان والعزم على الطغیان ، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختیار.
إن قلت : إن القصد والعزم إنّما یکون من مبادىء الاختیار ، وهی لیست باختیاریة ، وإلاّ لتسلسل.
قلت : ـ مضافاً إلى أن الاختیار وأنّ لم یکن بالاختیار ، إلّا أن بعضٍ مبادیه غالباً یکون وجوده بالاختیار ، للتمکن من عدمه بالتأمل فیما یترتب على ما عزم علیه
__________________
1 ـ فی هامش ( ب ) من نسخة أُخرى : بجهة.
 
من تبعة العقوبة واللوم والمذمّة ـ یمکن أن یقال : إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنّما یکون من تبعة بعده عن سیّده بتجریّه علیه ، کما کان من تبعته بالعصیان فی صورة المصادفة ، فکما إنّه یوجب البعد عنه ، کذلک لا غرو فی أن یوجب حسن العقوبة ، وأنّ لم یکن باختیاره (1) إلّا إنّه بسوء سریرته وخبث باطنه ، بحسب نقصإنّه واقتضاء استعداده ذاتاً وإمکإنّه (2) ، وإذا انتهى الأمر إلیه یرتفع الإِشکال وینقطع السؤال ب‍ ( لِمَ ) فإن الذاتیات ضرورّیة الثبوت للذات. وبذلک أیضاً ینقطع السؤال عن إنّه لم اختار الکافر والعاصی الکفر والعصیان؟ والمطیع والمؤمن الإطاعة والإِیمان؟ فإنّه یساوق السؤال عن أن الحمار لم یکون ناهقا؟ والانسان لم یکون ناطقاً؟
وبالجملة : تفاوت أفراد الإانسان فی القرب منه تعالى (3) والبعد عنه ، سبب لاختلافها فی استحقاق الجنة ودرجاتها ، والنار ودرکاتها ، [ وموجب لتفاوتها فی نیل الشفاعة وعدم نیلها ] ، وتفاوتها فی ذلک بالاخرة یکون ذاتیا ، والذاتی لا یعلل.
إن قلت : على هذا ، فلا فائدة فی بعث الرسل وإنزال الکتب والوعظ والانذار.
قلت : ذلک لینتفع به من حسنت سریرته وطابت طینته ، لتکمل به نفسه ، ویخلص مع ربه أنسه ( مَا کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) (5) ، قال الله تبارک وتعالى :
__________________
1 ـ کیف لا ، وکانت المعصیة الموجبة لاستحقاق العقوبة غیر اختیاریة ، فإنّها هی المخالفة العمدیة ، وهی لا تکون بالاختیار ، ضرورة أن العمد إلیها لیس باختیاری ، وإنما تکون نفس المخالفة اختیاریة ، وهی غیر موجبة للاستحقاق ، وإنما الموجبة له هی العمدیة منها ، کما لا یخفى على أولى النهى منه (1 ).
2 ـ المطبوع فی « ب » إمکاناً ، ولکن صححه المصنف ( قده ) بما فی المتن.
3 ـ فی « ب » : جل شإنّه وعظمت کبریاؤه.
4 ـ أثبتناها من « ب ».
5 ـ الأعراف : 43. 
 
( وذکر فإن الذکرى تنفع المؤمنین ) (1) ولیکون حجة على من ساءت سریرته وخبثت طینته ( لِّیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَن بَیِّنَةٍ وَیَحْیَىٰ مَنْ حَیَّ عَن بَیِّنَة ٍ) (2) کی لا یکون للناس على الله حجة ، بل کان له حجة بالغة.
ولا یخفى أن فی الآیات (3) والروایات (4) ، شهادة على صحة ما حکم به الوجدان الحاکم على الإِطلاق فی باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة ، ومعه لا حاجة إلى ما استدل (5) على استحقاق المتجرئ للعقاب بما حاصله : إنّه لولاه مع استحقاق العاصی له یلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختیار ، من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختیاره ؛ مع بطلإنّه وفساده ، إذ للخصم أن یقول بأن استحقاق العاصی دونه ، إنّما هو لتحقق سبب الاستحقاق فیه ، وهو مخالفته عن عمد واختیار ، وعدم تحققه فیه لعدم مخالفته أصلاً ، ولو بلا اختیار ، بل عدم صدور فعل منه فی بعضٍ افراده بالاختیار ، کما فی التجری بارتکاب ما قطع إنّه من مصادیق الحرام ، کما إذا قطع مثلاً بأن مائعاً خمر ، مع إنّه لم یکن بالخمر ، فیحتاج إلى إثبات أن المخالفة الاعتقادیة سبب کالواقعیة الاختیاریة ، کما عرفت بما لا مزید علیه.
ثم لا یذهب علیک : إنّه لیس فی المعصیة الحقیقیة إلّا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة ، وهو هتک واحد ، فلا وجه لاستحقاق عقابین متداخلین کما توهّم (6) ، مع ضرورة أن المعصیة الواحدة لا توجب إلّا عقوبة واحدة ، کما لا وجه لتداخلهما على تقدیر استحقاقهما ، کما لا یخفى ؛ ولا منشأ لتوهمه ، إلّا بداهة أنه لیس فی
__________________
1 ـ الذاریات : 55.
2 ـ الانقال : 42.
3 ـ الاسراء : 36. والبقرة : 225 و 284. والاحزاب : 5.
4 ـ الکافی 2 / 69 باب النیة من کتاب الإیمان والکفر. وللمزید راجع وسائل الشیعة 1 / 35 ، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات ، الحدیث 3 و 4 و 6 و 7 و 8 و 10.
5 ـ استدل به المحقق السبزواری ، ذخیرة المعاد / 209 ـ 210.
6 ـ راجع الفصول / 87 ، التنبیه الرابع من مقدّمة الواجب. 
 
معصیة واحدة إلّا عقوبة واحدة ، مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تکشف بنحو الإنّ عن وحدة السبب.
الأمر الثالث : إنّه قد عرفت (1) أن القطع بالتکلیف أخطأ أو أصاب ، یوجب عقلاً استحقاق المدح والثواب ، أو الذم والعقاب ، من دون أن یؤخذ شرعاً فی خطاب ، وقد یؤخذ فی موضوع حکم آخر یخالف متعلقه ، لا یماثله ولا یضاده ، کما إذا ورد مثلاً فی الخطاب إنّه ( إذا قطعت بوجوب شیء یجب علیک التصدق بکذا ) تارةً بنحو یکون تمام الموضوع ، بأن یکون القطع بالوجوب مطلقاً ولو أخطأ موجباً لذلک ، وأخرى بنحو یکون جزأه وقیده ، بأن یکون القطع به فی خصوص ما أصاب موجباً له ، وفی کلّ منهما یؤخذ طوراً بما هو کاشف وحاکٍ عن متعلقه ، وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به ؛ وذلک لأن القطع لما کان من الصفات الحقیقیة ذات الاضافة ـ ولذا کان العلم نوراً لنفسه ونورا لغیره ـ صحّ أن یؤخذ فیه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة ، بإلغاء جهة کشفه ، أو اعتبارٍ خصوصیة أُخرى فیه معها ؛ کما صحّ أن یؤخذ بما هو کاشف عن متعلقه وحاکٍ عنه ، فتکون أقسامه أربعة ، مضافاً إلى ما هو طریق محض عقلاً غیر مأخوذ فی الموضوع شرعاً.
ثم لا ریب فی قیام الطرق والأمارات المعتبرة ـ بدلیل حجیتها واعتبارها ـ مقام هذا القسم ، کما لا ریب فی عدم قیامها بمجرد ذلک الدلیل مقام ما أُخذ فی الموضوع على نحو الصفتیة من تلک الأقسام ، بل لابد من دلیل آخر على التنزیل ، فإن قضیة الحجیة والاعتبار ترتیب ما للقطع بما هو حجة من الآثار ، لا له بما هو صفة وموضوع ، ضرورة إنّه کذلک یکون کسائر الموضوعاًت والصفات.
ومنه قد انقدح عدم قیامها بذاک الدلیل مقام ما أُخذ فی الموضوع على نحو
__________________
1 ـ فی الأمر الأوّل صفحة 258.
 
الکشف ، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو فی الموضوع شرعاً ، کسائر مالها (1) دخل فی الموضوعاًت أیضاً ، فلا یقوم مقامه شیء بمجرد حجیته ، وقیام (2) دلیل على اعتباره ، ما لم یقم دلیل على تنزیله ، ودخله فی الموضوع کدخله.
وتوهمّ (3) کفایة دلیل الاعتبار الدالّ على إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع ، من جهة کونه موضوعاً ومن جهة کونه طریقاً فیقوم مقامه طریقاً کان أو موضوعاً ، فاسد جدّاً. فإن الدلیل الدالّ على إلغاء الاحتمال ، لا یکاد یکفی إلّا بأحد التنزیلین ، حیث لا بدّ فی کلّ تنزیل منهما من لحاظ المنزَّل والمنزّل علیه ، ولحاظهما فی أحدهما آلیّ ، وفی الآخر استقلالی ، بداهة أن النظر فی حجیته وتنزیله منزلة القطع فی طریقیته فی الحقیقة إلى الواقع ومؤدى الطریق ، وفی کونه بمنزلته فی دخله فی الموضوع إلى أنفسهما ، ولا یکاد یمکن الجمع بینهما.
نعم لو کان فی البین ما بمفهومه جامع بینهما ، یمکن أن یکون دلیلاً على التنزیلین ، والمفروض إنّه لیس ؛ فلا یکون دلیلاً على التنزیل إلّا بذاک اللحاظ الآلیّ ، فیکون حجة موجبة لتنجز متعلقه ، وصحة العقوبة على مخالفته فی صورتی إصابته وخطئه بناءً على استحقاق المتجری ، أو بذلک اللحاظ الآخر الاستقلالی ، فیکون مثله فی دخله فی الموضوع ، وترتیب ما له علیه من الحکم الشرعی.
لا یقال : على هذا لا یکون دلیلاً على أحد التنزیلین ، ما لم یکن هناک قرینة فی البین.
فإنّه یقال : لا إشکال فی کونه دلیلاً على حجیته ، فإن ظهوره فی إنّه بحسب اللحاظ الآلیّ مما لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، وإنما یحتاج تنزیله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالی من نصب دلالة علیه ، فتأمل فی المقام فإنّه دقیق ومزالّ الأقدام
__________________
1 ـ فی حقائق الأصول : ماله ، الحقائق 2 : 24.
2 ـ فی « ب » : أو قیام دلیل ... الخ.
3 ـ تعریض بما ذکره الشیخ الانصاری ( قده ) فرائد الأصول / 4. 
 
للاعلام.
ولا یخفى إنّه لو لا ذلک ، لأمکن أن یقوم الطریق بدلیل واحد ـ دالّ على إلغاء احتمال خلافه ـ مقام القطع بتمام أقسامه ، ولو فیما (1) أُخذ فی الموضوع على نحو الصفتیة ؛ کان تمامه أو قیده وبه قوامه.
فتلخص ممّا ذکرنا : إن الأمارة لا تقوم بدلیل اعتبارها إلّا مقام ما لیس بمأخوذ (2) فی الموضوع أصلاً.
وأما الأصول فلا معنى لقیامها مقامه بأدلتها ـ أیضاً ـ غیر الاستصحاب ؛ لوضوح أن المراد من قیام المقام ترتیب ما له من الآثار والأحکام ، من تنجز التکلیف وغیره ـ کما مرت (3) إلیه الإِشارة ـ وهی لیست إلّا وظائف مقررة للجاهل فی مقام العمل شرعاً أو عقلاً.
لا یقال : إن الاحتیاط لا بأس بالقول بقیامه مقامه فی تنجز التکلیف لو کان.
فإنّه یقال : امّا الاحتیاط العقلی ، فلیس إلّا لأجل حکم العقل بتنجز التکلیف ، وصحة العقوبة على مخالفته ، لا شیء یقوم مقامه فی هذا الحکم.
وأما النقلی ، فإلزام الشارع به ، وأنّ کان مما یوجب التنجز وصحة العقوبة على المخالفة کالقطع ، إلّا إنّه لا نقول به فی الشبهة البدویة ، ولا یکون بنقلی فی المقرونة بالعلم الإِجمالی ، فافهم.
ثم لا یخفى أنَّ دلیل الاستصحاب أیضاً لا یفی بقیامه مقام القطع المأخوذ
__________________
1 ـ الظاهر أنّه ردّ على الشیخ حیث فصّل بین القطع الموضوعی الطریقی وبین القطع الموضوعی الصفتی ، من جهة قیام الأمارة مقامه وعدم قیامها مقامه ، فرائد الأصول / 3.
2 ـ فی « ب » : مأخوذاً.
3 ـ فی ص 264 عند قوله : ( فیکون حجة موجبة لتنجز متعلقه ... ). 
 
فی الموضوع مطلقاً ، وأنّ مثل ( لا تنقض الیقین ) لا بدّ من أن یکون مسوقاً امّا بلحاظ المتیقن ، أو بلحاظ نفس الیقین.
وما ذکرنا فی الحاشیة (1) ـ فی وجه تصحیح لحاظ واحد فی التنزیل منزلة الواقع والقطع ، وأنّ دلیل الاعتبار إنّما یوجب تنزیل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، وإنما کان تنزیل القطع فیما له دخل فی الموضوع بالملازمة بین تنزیلهما ، وتنزیل القطع بالواقع تنزیلاً وتعبداً منزلة القطع بالواقع حقیقة ـ لا یخلو من تکلف بل تعسف. فإنّه لا یکاد یصحّ تنزیل جزء الموضوع أو قیده ، بما هو کذلک بلحاظ أثره ، إلّا فیما کان جزؤه الآخر أو ذاته محرزاً بالوجدان ، أو تنزیله فی عرضه ، فلا یکاد یکون دلیل الأمارة أو الاستصحاب دلیلاً على تنزیل جزء الموضوع ، ما لم یکن هناک دلیل على تنزیل جزئه الآخر ، فیما لم یکن محرزاً حقیقة ، وفیما لم یکن دلیل على تنزیلهما بالمطابقة ـ کما فی ما نحن فیه ، على ما عرفت (2) ـ لم یکن دلیل الأمارة دلیلاً علیه أصلاً ، فإن دلالته على تنزیل المؤدى تتوقف على دلالته على تنزیل القطع بالملازمة ، ولا دلالة له کذلک إلّا بعد دلالته على تنزیل المؤدى ، فإن الملازمة (3) إنّما تکون بین تنزیل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقیقی ، وتنزیل المؤدى منزلة الواقع کما لا یخفى ، فتأمل جیّداً ، فإنّه لا یخلو عن دقة.
ثم لا یذهب علیک أن (4) هذا لو تم لعم ، ولا اختصاص له بما إذا کان القطع مأخوذاً على نحو الکشف.
الأمر الرابع : لا یکاد یمکن أن یؤخذ القطع بحکم فی موضوع نفس هذا
__________________
1 ـ حاشیة المصنف على الفرائد / 8 فی کیفیة تنزیل الأمارة مقام القطع.
2 ـ فی عدم إمکان الجمع بین اللحاظین / 264.
3 ـ فی بعضٍ النسخ المطبوعة زیادة هنا حذفها المصنف من نسختی « أ » و « ب ».
4 ـ فی « أ » و « ب » : إنّه. 
 
الحکم للزوم الدور ، ولا مثله للزوم اجتماع المثلین ، ولاضده للزوم اجتماع الضدین ، نعم یصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحکم فی مرتبة أُخرى منه أو مثله أو ضده.
وأما الظن بالحکم ، فهو وأنّ کان کالقطع فی عدم جواز أخذه فی موضوع نفس ذاک الحکم المظنون ، إلّا إنّه لما کان معه مرتبة الحکم الظاهری محفوظة ، کان جعل حکم آخر فی مورده ـ مثل الحکم المظنون أو ضدّه ـ بمکان من الامکان.
إن قلت : إن کان الحکم المتعلق به الظن فعلّیاً أیضاً ، بأن یکون الظن متعلقاً بالحکم الفعلّی ، لا یمکن أخذه فی موضوع حکم فعلّی آخر مثله ضدّه ، لاستلزامه الظن باجتماع الضدین أو المثلین ، وإنما یصحّ أخذه فی موضوع حکم آخر ، کما فی القطع ، طابق النعل بالنعل.
قلت : یمکن أن یکون الحکم فعلّیاً ، بمعنى إنّه لو تعلق به القطع ـ على ما هو علیه من الحال ـ لتنجز واستحق على مخالفته العقوبة ، ومع ذلک لا یجب على الحاکم رفع عذر المکلف ، برفع جهله لو أمکن ، أو بجعل لزوم الاحتیاط علیه فیما أمکن ، بل یجوز جعل أصل أو أمارة مؤدیة إلیه تارةً ، وإلى ضدّه أُخرى ، ولا یکاد یمکن مع القطع به جعل حکم آخر مثله أو ضدّه ، کما لا یخفى ، فافهم.
إن قلت : کیف یمکن ذلک؟ وهل هو إلّا إنّه یکون مستلزماً لاجتماع المثلین أو الضدین؟.
قلت : لا بأس بإجتماع الحکم الواقعی الفعلّی بذاک المعنى ـ أیّ لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز ـ مع حکم آخر فعلّی فی مورده بمقتضى الأصل أو الأمارة ، أو دلیل أخذ فی موضوعه الظن بالحکم بالخصوص ، على ما سیأتی (1) من التحقیق فی التوفیق بین الحکم الظاهری والواقعی.
__________________
1 ـ فی بحث الأمارات / 278 ، عند قوله : لأن أحدهما طریقی عن مصلحة فی نفسه ... إلخ. 
 
الأمر الخامس : هل تنجز التکلیف بالقطع ـ کما یقتضی موافقته عملاً ـ یقتضی موافقته إلتزاماً ، والتسلیم له اعتقاداً وانقیاداً؟ کما هو اللازم فی الأُصول الدینیة والامور الاعتقادیة ، بحیث کان له امتثالان وطاعتان ، إحداهما بحسب القلب والجنان ، والأخرى بحسب العمل بالارکان ، فیستحق العقوبة على عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملاً ، أو لا یقتضی؟ فلا یستحق العقوبة علیه ، بل إنّما یستحقها على المخالفة العملیة.
الحق هو الثّانی ، لشهادة الوجدان الحاکم فی باب الإطاعة والعصیان بذلک ، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل الأمر سیده إلّا المثوبة دون العقوبة ، ولو لم یکن متسلماً وملتزما به ومعتقداً ومنقاداً له ، وأنّ کان ذلک یوجب تنقیصه وانحطاط درجته لدى سیده ، لعدم اتصافه بما یلیق أن یتصف العبد به من الاعتقاد بأحکام مولاه والانقیاد لها ، وهذا غیر استحقاق العقوبة على مخالفته لامره أو نهیه التزاماً مع موافقته عملاً ، کما لا یخفى.
ثم لا یذهب علیک ، إنّه على تقدیر لزوم الموافقة الالتزامیة ، لو کان المکلف متمکناً منها لوجب ، ولو فیما لا یجب علیه الموافقة القطعیة عملاً ، ولا یحرم المخالفة القطعیة علیه کذلک أیضاً لامتناعهما ، کما إذا علم إجمالاً بوجوب شیء أو حرمته ، للتمکن من الالتزام بما هو الثابت واقعاً ، والانقیاد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت ، وأنّ لم یعلم إنّه الوجوب أو الحرمة.
وإن أبیت إلّا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوإنّه ، لما کانت موافقته القطعیة الالتزامیة حینئذ ممکنة ، ولما وجب علیه الالتزام بواحد قطعاً ، فإن محذور الالتزام بضد التکلیف عقلاً لیس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة ، مع ضرورة أن التکلیف لو قیل باقتضائه للالتزام ، لم یکد یقتضی إلّا الالتزام بنفسه عیناً ، لا الالتزام به أو بضده تخییراً.
ومن هنا قد انقدح إنّه لا یکون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأُصول 
 
الحکمیة أو الموضوعیة فی أطراف العلم لو کانت جاریة ، مع قطع النظر عنه ، کما لا یدفع (1) بها محذور عدم الالتزام به (2). إلّا أن یقال : إن استقلال العقل بالمحذور فیه إنّما یکون فیما إذا لم یکن هناک ترخیص فی الإقدام والاقتحام فی الأطراف ، ومعه لا محذور فیه ؛ بل ولا فی الالتزام بحکم آخر.
إلا أن الشأن حینئذ فی جواز جریان الأُصول فی أطراف العلم الإِجمالی ، مع عدم ترتب أثر علمی علیها ، مع إنّها أحکام عملیة کسائر الأحکام الفرعیة ، مضافاً إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه ، للزوم التناقض فی مدلولها على تقدیر شمولها ، کما ادعاه (3) شیخنا العلامة أعلى الله مقامه ، وأنّ کان محلّ تأمل ونظر ، فتدبرّ جیّداً.
الأمر السادس : لا تفاوت فی نظر العقل أصلاً فیما یترتب على القطع من الآثار عقلاً ، بین أن یکون حاصلاً بنحو متعارف ، ومن سبب ینبغی حصوله منه ، أو غیر متعارف لا ینبغی حصوله منه ، کما هو الحال غالباً فی القطّاع ، ضرورة أن العقل یرى تنجز التکلیف بالقطع الحاصل مما لا ینبغی حصوله ، وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنها بإنّه حصل کذلک ، وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه ، وعدم حسن الاحتجاج علیه بذلک ، ولو مع التفاته إلى کیفیة حصوله.
نعم (4) ربما یتفاوت الحال فی القطع المأخوذ فی الموضوع شرعاً ، والمتبع فی عمومه وخصوصه دلالة دلیله فی کلّ مورد ، فربما یدلّ على اختصاصه بقسم فی
__________________
1 ـ إشارة إلى ما فی فرائد الأصول / 19 ، عند قوله : وأما المخالفة الغیر العملیة ... الخ.
2 ـ هنا زیادة فی بعضٍ النسخ المطبوعة حذفها المصنف من نسختی « أ » و « ب ».
3 ـ فرائد الأصول / 429 ، عند قوله : بل لأن العلم الإِجمالی هنا بانتقاض ... الخ.
4 ـ قد نبه الشیخ فی فرائد الأصول / 3 ، على هذا الاستدراک. 
 
مورد ، وعدم اختصاصه به فی آخر ، على اختلاف الأدلة واختلاف المقامات ، بحسب مناسبات الأحکام والموضوعاًت ، وغیرها من الامارات.
وبالجملة القطع فیما کان موضوعاً عقلاً لا یکاد یتفاوت من حیث القاطع ، ولا من حیث المورد ، ولا من حیث السبب ، لا عقلاً ـ وهو واضح ـ ولا شرعاً ، لما عرفت (1) من إنّه لا تناله ید الجعل نفیاً ولا إثباتاً ؛ وأنّ نسب إلى بعضٍ الإخباریین إنّه لا اعتبارٍ بما إذا کان بمقدمات عقلیة ، إلّا أن مراجعة کلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ، بل تشهد بکذبها ، وإنّها إنّما تکون امّا فی مقام منع الملازمة بین حکم العقل بوجوب شیء وحکم الشرع بوجوبه ، کما ینادی به بأعلى صوته ما حکی (2) عن السید الصدر (3) فی باب الملازمة ، فراجع.
وإما فی مقام عدم جواز الاعتماد على المقدّمات العقلیة ، لأنّها لا تفید إلّا الظن ، کما هو صریح الشیخ المحدث الامین الاسترآبادی ; حیث قال ـ فی جملة ما استدل به فی فوائده (4) على انحصار مدرک ما لیس من ضروریات الدین فی السماع عن الصادقین ::
الرابع : أن کلّ مسلک غیر ذلک المسلک ـ یعنی التمسک بکلامهم ( علیهم الصلاة والسلام ) ـ إنّما یعتبر من حیث إفادته الظن بحکم الله تعالى ، وقد أثبتنا
__________________
1 ـ تقدم فی الأمر الأوّل : 258.
2 ـ راجع ما حکاه الشیخ عن السید الصدر : فرائد الأصول : 11 ، وکلام السید الصدر فی شرح الوافیة.
3 ـ السید صدر الدین بن محمد باقر الرضوی القمی ، أخذ من أفاضل علماء إصفهان ، کالمدقق الشیروانی والاقا جمال الدین الخونساری والشیخ جعفر القاضی ، ثم إرتحل إلى قُم ، فأخذ فی التدریس إلى أن اشتعلت نائرة فتنة الافغان ، فانتقل منها إلى موطن أخیه الفاضل بهمدان ثم منها إلى النجف الاشرف ، فاشتغل فیها على المولى الشریف أبی الحسن العاملی والشیخ أحمد الجزائری ، تلمذ علیه الأستاذ الاکبر المحقق البهبهانی ، له کتاب « شرح الوافیة » توفی فی عشر الستین بعد المئة والألف وهو ابن خمس وستین سنة ( الکنى والألقاب 2 / 375 ).
4 ـ الفوائد المدنیة : 129.
 
سابقاً إنّه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحکامه تعالى أو بنفیها ) وقال فی جملتها أیضاً ـ بعد ذکر ما تفطن بزعمه من الدقیقة ـ ما هذا لفظه (1) :
« وإذا عرفت ما مهدناه من الدقیقة الشریفة ، فنقول : إن تمسکنا بکلامهم : فقد عصمنا من الخطأ ، وأنّ تمسکنا بغیره لم یعصم عنه ، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فیه شرعاً وعقلاً ، إلّا ترى أن الامامیة استدلوا على وجوب العصمة بإنّه لولا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ ، وذلک الأمر محلّ ، لإنّه قبیح ، وأنت إذا تأملت فی هذا الدلیل علمت أن مقتضاه إنّه لا یجوز الاعتماد على الدلیل الظنی فی أحکامه تعالى » ، انتهى موضع الحاجة من کلامه.
وما مهده من الدقیقة هو الذی نقله شیخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ فی الرسالة (2).
وقال فی فهرست فصولها (3) أیضاً :
( الأوّل : فی إبطال جواز التمسک بالاستنباطات الظنیة فی نفس أحکامه تعالى شإنّه ، ووجوب التوقف عند فقد القطع بحکم الله ، أو بحکم ورد عنهم : ) ، انتهى.
وأنت ترى أن محلّ کلامه ومورد نقضه وإبرامه ، هو العقلی الغیر المفید للقطع ، وإنما همّه إثبات عدم جواز اتباع غیر النقل فیما لا قطع.
وکیف کان ، فلزوم اتباع القطع مطلقاً ، وصحة المؤاخذة على مخالفته عند إصابته ، وکذا ترتب سائر آثاره علیه عقلاً ، مما لا یکاد یخفى على عاقل فضلاً عن
__________________
1 ـ المصدر السابق : 130 ، مع اختلاف یسیر.
2 ـ فرائد الأصول / 9 مبحث القطع.
3 ـ الفوائد المدنیة / 90 ، باختلاف غیر قادح فی العبارة.  

 
فاضل ، فلابد فیما یوهم (1) خلاف ذلک فی الشریعة من المنع عن حصول العلم التفصیلی بالحکم الفعلّی (2) لأجل منع بعضٍ مقدماته الموجبة له ، ولو إجمالاً ، فتدبرّ جیّداً.
الأمر السابع : إنّه قد عرفت کون القطع التفصیلی بالتکلیف الفعلّی علّة تامة لتنجزه ، لا تکاد تناله ید الجعل إثباتاً أو نفیاً ، فهل القطع الإِجمالی کذلک؟
فیه إشکال ، ربما یقال : إن التکلیف حیث لم ینکشف به تمام الانکشاف ، وکانت مرتبة الحکم الظاهری معه محفوظة ، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالاً بل قطعاً ، ولیس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالاً [ إلّا ] (3) محذور مناقضة الحکم الظاهری مع الواقعی فی الشبهة الغیر المحصورة ، بل الشبهة البدویة (4) ، ضرورة عدم تفاوت فی المناقضة بین التکلیف الواقعی والإذن بالاقتحام فی مخالفته بین الشبهات أصلاً ، فما به التفصی عن المحذور فیهما کان به التفصّی عنه فی القطع به فی الأطراف المحصورة أیضاً ، کما لا یخفى ، [ وقد أشرنا إلیه سابقاً ، ویأتی (5) إن شاء الله مفصلاً ] (6).
نعم کان العلم الإِجمالی کالتفصیلی فی مجرد الاقتضاء ، لا فی العلّیة التامة (7) ، فیوجب تنجز التکلیف أیضاً لو لم یمنع عنه مانع عقلاً ، کما کان فی أطراف کثیرة غیر
__________________
1 ـ المحاسن / 286 ، الحدیث 430 ـ الکافی : 2 / 16 ، الحدیث 5. الوسائل : 18 / الباب 6 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 37.
2 ـ فی هامش « ب » عن نسخة أُخرى : العقلی.
3 ـ أثبتناه من « ب ».
4 ـ کان هنا اشکال آخر ضرب علیه المصنف فی نسختی « أ » و « ب ».
5 ـ تقدم فی الأمر الرابع / 267 ، عند قوله : قلت : لا بأس باجتماع ... الخ ، ویأتی فی أوائل البحث عن حجیة الامارات.
6 ـ شطب المصنف على هذه العبارة فی ( ب ).
7 ـ لکنه لا یخفى أن التفصی عن المناقضة ـ على ما یأتی ـ لما کان بعدم المنافاة بین الحکم الواقعی ما لم یصر فعلّیاً والحکم الظاهری الفعلّی ، کان الحکم الواقعی فی موارد الأصول والأمارات المؤدیة
 
محصورة ، أو شرعاً کما فی ما أذن الشارع فی الاقتحام فیها ، کما هو ظاهر ( کلّ شیء فیه حلال وحرام ، فهو لک حلال ، حتى تعرف الحرام منه بعینه ) (1).
وبالجملة : قضیة صحة المؤاخذة على مخالفته ، مع القطع به بین أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها ، أو مع الإذن فی الاقتحام فیها ، هو کون القطع الإِجمالی مقتضیاً للتنجز لا علّة تامة.
وأما احتمال (2) إنّه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعیة ، وبنحو العلّیة بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالیة وترک المخالفة القطعیة ، فضعیف جداً. ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضین کالقطع بثبوتهما فی الاستحالة ، فلا یکون عدم القطع بذلک معها موجباً لجواز الاذن فی الاقتحام ، بل لو صحّ الإذن فی المخالفة الاحتمالیة صحّ فی القطعیة أیضاً ، فافهم.
ولا یخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلک ، کما أن المناسب فی باب البراءة والاشتغال ـ بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثیره فی التنجز بنحو الاقتضاء لا العلّیة ـ هو البحث عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلاً وعدم ثبوته ، کما لا مجال بعد
__________________
إلى خلافه لا محالة غیر فعلّی ، فحینئذ فلا یجوّز العقل مع القطع بالحکم الفعلّی الإذن فی مخالفته ، بل یستقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو إجمالاً بلزوم موافقته وإطاعته.
نعم لو عرض بذلک عسر موجب لارتفاع فعلیته شرعاً أو عقلاً ، کما إذا کان مخلّاً بالنظام ، فلا تنجز حینئذ ، لکنه لأجل عروض الخلل فی المعلوم لا لقصور العلم عن ذلک ، کان الأمر کذلک فیما إذا أذن الشارع فی الاقتحام ، فإنّه أیضاً موجب للخلل فی المعلوم ، لا المنع عن تأثیر العلم شرعاً ، وقد انقدح بذلک إنّه لا مانع عن تأثیره شرعاً أیضاً ، فتأمل جیداً ( منه 1 ).
1 ـ باختلاف یسیر فی العبارة : الکافی 5 / 313 باب النوادر من کتاب المعیشة ، الحدیث 39. التهذیب 7 / 226 ، الباب 21 من الزیادات ، الحدیث 8 ، الفقیه 3 / 216 ، الباب 96 الصید والذبایح الحدیث 92.
2 ـ هذه إشارة إلى التفصیل فی حجیة العلم الإِجمالی کما یستفاد من کلمات الشیخ الانصاری فی مبحث العلم الإِجمالی / 21 ، عند قوله : ( وأمّا المخالفة العملیة فإن کانت ... ) ، ومبحث الإِشتغال / 242 ، عند قوله : ( نعم لو أذن الشارع ... ).  

 
البناء على إنّه بنحو العلّیة للبحث عنه هناک أصلاً ، کما لا یخفى.
هذا بالنسبة إلى إثبات التکلیف وتنجزه به ، وأما سقوطه به بأن یوافقه إجمالاً ، فلا إشکال فیه فی التوصلیات. وأما [ فی ] (1) العبادیات فکذلک فیما لا یحتاج إلى التکرار ، کما إذا تردد أمر عبادة بین الأقلّ والأکثر ، لعدم الإِخلال بشیء مما یعتبر أو یحتمل اعتباره فی حصول الغرض منها ، مما لا یمکن أن یؤخذ فیها ، فإنّه نشأ من قبل الأمر بها ، کقصد الإطاعة والوجه والتمییز فیما إذا أتى بالاکثر ، ولا یکون إخلال حینئذ إلّا بعدم إتیان ما احتمل جزئیته على تقدیرها بقصدها ، واحتمال دخل قصدها فی حصول الغرض ضعیف فی الغایة وسخیف إلى النهایة.
وأما فیما احتاج إلى التکرار ، فربما یشکل (2) من جهة الإِخلال بالوجه تارةً ، وبالتمییز أُخرى ، وکونه لعباً وعبثاً ثالثة.
وأنت خبیر بعدم الإِخلال بالوجه بوجه فی الإِتیان مثلاً بالصلاتین المشتملتین على الواجب لوجوبه ، غایة الأمر إنّه لا تعیین له ولا تمییز فالاخلال إنّما یکون به ، واحتمال اعتباره أیضاً فی غایة الضعف ، لعدم عین منه ولا أثر فی الأخبار ، مع إنّه مما یغفل عنه غالباً ، وفی مثله لا بدّ من التنبیه على اعتباره ودخله فی الغرض ، وإلاّ لأخل بالغرض ، کما نبهنا علیه سابقاً (3).
وأما کون التکرار لعباً وعبثاً ، فمع إنّه ربما یکون لداع عقلاًئی ، إنّما یضر إذا کان لعباً بأمر المولى ، لا فی کیفیة إطاعته بعد حصول الداعی إلیها ، کما لا یخفى ، هذا کله فی قبال ما إذا تمکن من القطع تفصیلاً بالامتثال.
وأما إذا لم یتمکن إلّا من الظن به کذلک ، فلا إشکال فی تقدیمه على الامتثال الظنی لو لم یقم دلیل على اعتباره ، إلّا فیما إذا لم یتمکن منه ، وأما لو قام على اعتباره
__________________
1 ـ من هامش ( ب ) عن نسخة أُخرى.
2 ـ راجع کلام الشیخ قدس فرائد الأصول / 299 ، فی الخاتمة فی شرائط الأُصول.
3 ـ فی مبحث التعبدی والتوصلی ، 76. 
 
مطلقاً ، فلا إشکال فی الاجتزاء بالظنی ، کما لا إشکال فی الاجتزاء بالامتثال الإِجمالی فی قبال الظنی ، بالظن المطلق المعتبر بدلیل الانسداد ، بناءً على أن یکون من مقدماته عدم وجوب الاحتیاط ، وأما لو کان من مقدماته بطلإنّه لاستلزامه العسر المخل بالنظام ، أو لأنّه لیس من وجوه الطاعة والعبادة ، بل هو نحو لعب وعبث بأمر المولى فیما إذا کان بالتکرار ، کما توهّم ، فالمتعین هو التنزل عن القطع تفصیلاً إلى الظن کذلک.
وعلیه : فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارک طریقی التقلید والاجتهاد ، وأنّ احتاط فیها ، کما لا یخفى.
هذا بعضٍ الکلام فی القطع مما یناسب المقام ، ویأتی بعضه الآخر فی مبحث البراءة والاشتغال.
فیقع المقام فیما هو المهمّ من عقد هذا المقصد ، وهو بیان ما قیل باعتباره من الأمارات ، أو صحّ أن یقال ، وقبل الخوض فی ذلک ینبغی تقدیم أمور :
أحدها : إنّه لا ریب فی أن الامارة الغیر العلمیة ، لیس کالقطع فی کون الحجیة من لوازمها ومقتضیاتها بنحو العلّیة ، بل مطلقاً ، وأنّ ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجیّة عقلاً ، بناءً على تقریر مقدمات الانسداد بنحو الحکومة ، وذلک لوضوح عدم اقتضاء غیر القطع للحجیة بدون ذلک ثبوتاً بلا خلاف ، ولا سقوطاً وأنّ کان ربما یظهر فیه من بعضٍ المحققین (1) الخلاف والاکتفاء بالظن بالفراغ ، ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل ، فتأمل.
ثانیها : فی بیان إمکان التعبد بالأمارة الغیر العلمیة شرعاً ، وعدم لزوم
__________________
1 ـ لعلّه المحقق الخوانساری (ره) کما قد یستظهر من بعضٍ کلماته فی مسألة ما لو تعدَّد الوضوء ولم یعلم محلّ المتروک ( الخلل ) ، راجع مشارق الشموس / 147.  

 
محال منه عقلاً ، فی قبال دعوى استحالته للزومه ، ولیس (1) الإِمکان بهذا المعنى ، بل مطلقاً أصلاً متّبعاً (2) عند العقلاء ، فی مقام احتمال ما یقابله من الامتناع ، لمنع کون سیرتهم على ترتیب آثار الإِمکان عند الشک فیه ، ومنع حجیتها ـ لو سلّم ثبوتها ـ لعدم قیام دلیل قطعی على اعتبارها ، والظن به لو کان فالکلام الآن فی إمکان التعبد بها وامتناعه ، فما ظنک به؟ لکن دلیل وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمکانه ، حیث یستکشف به عدم ترتب محال من تالٍ باطل فیمتنع مطلقاً ، أو على الحکیم تعالى ، فلا حاجة معه فی دعوى الوقوع إلى إثبات الإِمکان ، وبدونه لا فائدة فی إثباته ، کما هو واضح.
وقد انقدح بذلک ما فی دعوى شیخنا العلامة (3) ـ أعلى الله مقامه ـ من کون الإِمکان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلاً ، والإِمکان فی کلام الشیخ الرئیس (4) : ( کلّ ما قرع سمعک من الغرائب فذره فی بقعة الإِمکان ، ما لم یذدک عنه واضح البرهان ) ، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والإیقان ، ومن الواضح أن لا موطن له إلّا الوجدان ، فهو المرجع فیه بلا بینة وبرهان.
وکیف کان ، فما قیل أو یمکن أن یقال فی بیان ما یلزم التعبد بغیر العلم من المحال ، أو الباطل ولو لم یکن بمحال أُمور :
أحدها : إجتماع المثلین من إیجابین أو تحریمین مثلاً فیما أصاب ، أو ضدین من إیجاب وتحریم ومن إرادة وکراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتین بلا کسر وانکسار فی البین فیما أخطأ ، أو التصویب وأنّ لا یکون هناک غیر مؤدیات الأمارات أحکام.
__________________
1 ـ هذا تعریض بالشیخ (ره) حیث اعترض على المشهور بما لفظه : ( وفی هذا التقریر نظر ... ) ، فرائد الأصول / 24 ، فی إمکان التعبد بالظن.
2 ـ فی « أ » : بأصل متبع.
3 ـ فرائد الأصول / 24 ، فی إمکان التعبّد بالظن.
4 ـ راجع الإشارات والتنبیهات : 3 / 418 ، النمط العاشر فی أسرار الآیات ، نصیحة. 
 
ثانیها : طلب الضدین فیما إذا أخطأ وأدى إلى وجوب ضد الواجب.
ثالثها : تفویت المصلحة أو الإلقاء فی المفسدة فیما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب ، أو عدم حرمة ما هو حرام ، وکونه محکوماً بسائر الأًحکام.
والجواب : إن ما ادعی لزومه ، امّا غیر لازم ، أو غیر باطل ، وذلک لأن التعبد بطریق غیر علمی إنّما هو بجعل حجیته ، والحجیة المجعولة غیر مستتبعة لإِنشاء أحکام تکلیفیة بحسب ما أدى إلیه الطریق ، بل إنّما تکون موجبة لتنجز التکلیف به إذا أصاب ، وصحته الاعتذار به إذا أخطأ ، ولکون مخالفته وموافقته تجریاً وانقیاداً مع عدم إصابته ، کما هو شأن الحجة الغیر المجعولة ، فلا یلزم اجتماع حکمین مثلین أو ضدین ، ولا طلب الضدین ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الکراهة والإرادة ، کما لا یخفى.
وأما تفویت مصلحة الواقع ، أو الإلقاء فی مفسدته فلا محذور فیه أصلاً ، إذا کانت فی التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفویت أو الإلقاء.
نعم لو قیل باستتباع جعل الحجیة للأحکام التکلیفیة ، أو بإنّه لا معنى لجعلها إلّا جعل تلک الأحکام ، فاجتماع حکمین وأنّ کان یلزم ، إلّا إنّهما لیسا بمثلین أو ضدین ، لأن احدهما طریقی عن مصلحة فی نفسه موجبة لإِنشائه الموجب للتنجز ، أو لصحة الاعتذار بمجرده من دون إرادة نفسانیة أو کراهة کذلک متعلقة بمتعلقه فیما یمکن هناک انقداحهما ، حیث إنّه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتین فی فعل ، وأنّ لم یحدث بسببها إرادة أو کراهة فی المبدأ الأعلى ، إلّا إنّه إذا أوحى بالحکم الناشىء (1) من قبل تلک المصلحة أو المفسدة إلى النبی ، أو ألهم به الولیّ ، فلا محالة ینقدح فی نفسه الشریفة بسببهما (2) ، الإرادة أو الکراهة الموجبة للإنشاء بعثاً أو زجراً ، بخلاف ما لیس هناک مصلحة أو مفسدة فی المتعلق ، بل إنّما کانت فی نفس
__________________
1 ـ فی « ب » : الشانی.
2 ـ أثبتناها من « أ ».  

 
إنشاء الأمر به طریقیاً. والآخر واقعی حقیقی عن مصلحة أو مفسدة فی متعلقه ، موجبة لإِرادته أو کراهته ، الموجبة لإِنشائه بعثاً أو زجراً فی بعضٍ المبادئ العالیة ، وأنّ لم یکن فی المبدأ الأعلى إلّا العلم بالمصلحة أو المفسدة ـ کما أشرنا ـ فلا یلزم أیضاً اجتماع إرادة وکراهة ، وإنما لزم إنشاءً حکم واقعی حقیقی بعثاً وزجراً ، وإنشاء حکم آخر طریقی ، ولا مضادة بین الإنشاءین فیما إذا اختلفا ، ولا یکون من اجتماع المثلین فیما اتفقا ، ولا إرادة ولا کراهة أصلاً إلّا بالنسبة إلى متعلق الحکم الواقعی ، فافهم.
نعم یشکل الأمر فی بعضٍ الأُصول العملیة ، کأصالة الإِباحة الشرعیة ، فإن الإذن فی الاقدام والاقتحام ینافی المنع فعلاً ، کما فیما صادف الحرام ، وأنّ کان الاذن فیه لأجل مصلحة فیه ، لا لأجل عدم مصلحة ومفسدة ملزمة فی المأذون فیه ؛ فلا محیص فی مثله إلّا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الکراهة فی بعضٍ المبادئ العالیة أیضاً ، کما فی المبدأ الأعلى ، لکنه لا یوجب الالتزام بعدم کون التکلیف الواقعی بفعلّی ، بمعنى کونه على صفة ونحو لو علم به المکلف لتنجز علیه ، کسائر التکالیف الفعلیة التی تتنجز بسبب القطع بها ، وکونه فعلّیاً إنّما یوجب البعث أو الزجر فی النفس النبویّة أو الولویّة ، فیما إذا لم ینقدح فیها الإذن لأجل مصلحة فیه.
فانقدح بما ذکرنا إنّه لا یلزم الالتزام بعدم کون الحکم الواقعی فی مورد الأُصول والأمارات فعلّیاً ، کی یشکل تارةً بعدم لزوم الإِتیان حینئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ، ضرورة عدم لزوم امتثال الأحکام الإنشائیة ما لم تصر فعلیة ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإِتیان به مما لا یحتاج إلى مزید بیان أو إقامة برهان.
لا یقال : لا مجال لهذا الإِشکال ، لو قیل بإنّها کانت قبل أداءً الأمارة إلیها إنشائیة ، لإنّها بذلک تصیر فعلیة ، تبلغ تلک المرتبة.
فإنّه یقال : لا یکاد یحرز بسبب قیام الأمارة المعتبرة على حکم إنشائی لا حقیقة ولا تعبداً ، إلّا حکم إنشائی تعبداً ، لا حکم إنشائی أدّت إلیه الأمارة ؛ امّا 
 
حقیقة فواضح ، وأما تعبداً فلأنّ قصارى ما هو قضیة حجیة الامارة کون مؤدّاها (1) هو الواقع تعبداً ، لا الواقع الذی أدّت إلیه الامارة ، فافهم.
أللهم إلّا أن یقال : إن الدلیل على تنزیل المؤدّى منزلة الواقع ـ الذی صار مؤدّى لها ـ هو دلیل الحجیة بدلالة الاقتضاء ، لکنه لا یکاد یتم إلّا إذا لم یکن للأحکام بمرتبتها الإنشائیة أثر أصلاً ، وإلاّ لم تکن لتلک الدلالة مجال ، کما لا یخفى.
وأخرى بإنّه کیف یکون التوفیق بذلک؟ مع احتمال أحکام فعلیة بعثیّة أو زجریة فی موارد الطرق و الأُصول العملیة المتکلفة لأَحکام فعلیة ، ضرورة إنّه کما لا یمکن القطع بثبوت المتنافیین ، کذلک لا یمکن احتماله.
فلا یصحّ التوفیق بین الحکمین ، بالتزام کون الحکم الواقعی الذی یکون مورد الطرق ـ إنشائیاً غیر فعلّی ، کما لا یصحّ بأن الحکمین لیسا فی مرتبة واحدة بل فی مرتبتین ، ضرورة تأخر الحکم الظاهری عن الواقعی بمرتبتین ؛ وذلک لا یکاد یجدی ، فإن الظاهری وأنّ لم یکن فی تمام مراتب الواقعی ، إلّا إنّه یکون فی مرتبته أیضاً.
وعلى تقدیر المنافاة لزم اجتماع المتنافیین فی هذه المرتبة ؛ فتأمل فیما ذکرنا من التحقیق فی التوفیق ، فإنّه دقیق وبالتأمل حقیق.
ثالثها : إن الأصل فیما لا یعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا یحرز التعبد به واقعاً ، عدم حجیته جزماً ، بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة علیه قطعاً ، فإنّها لا تکاد تترتب إلّا على ما اتصف بالحجیة فعلاً ، ولا یکاد یکون الاتصاف بها ، إلّا إذا أحرز التعبد به وجعله طریقاً متّبعاً ، ضرورة إنّه بدونه لا یصحّ المؤاخذة على مخالفة التکلیف بمجرد إصابته ، ولا یکون عذراً لدى مخالفته مع عدمها ، ولا یکون
__________________
1 ـ فی « أ » : مؤداه.
 
 
مخالفته تجریاً ، ولا یکون موافقته بما هی موافقة انقیاداً ، وأنّ کانت بما هی محتملة لموافقة الواقع کذلک إذا وقعت برجاء إصابته ، فمع الشک فی التعبد به یقطع بعدم حجیته وعدم ترتیب شیء من الآثار علیه ، للقطع بانتفاء الموضوع معه ، ولعمری هذا واضح لا یحتاج إلى مزید بیان أو إقامة برهان.
وأما صحة الالتزام (1) بما أدى إلیه من الأحکام ، وصحة نسبته إلیه تعالى ، فلیسا من آثارها ، ضرورة أن حجیة الظن عقلاً ـ على تقریر الحکومة فی حال الانسداد ـ لا توجب صحتهما ، فلو فرض صحتهما شرعاً مع الشک فی التعبد به لما کان یجدی فی الحجیة شیئاً ما لم یترتب علیه ما ذکر من آثارها ، ومعه لما کان یضر عدم صحتهما أصلاً ، کما أشرنا إلیه آنفاً.
فبیان عدم صحة الالتزام مع الشک فی التعبد ، وعدم جواز إسناده (2) إلیه تعالى غیر مرتبط بالمقام ، فلا یکون الاستدلال علیه بمهم ، کما أتعب به شیخنا العلامة (3) ـ أعلى الله مقامه ـ نفسه الزکیة ، بما أطنب من النقض والإبرام ، فراجعه بما علقناه (4) علیه ، وتأمل. 
وقد انقدح ـ بما ذکرنا ـ أن الصواب فیما هو المهمّ فی الباب ما ذکرنا فی تقریر الأصل ، فتدبرّ جیداً.
إذا عرفت ذلک ، فما خرج موضوعاً عن تحت هذا الأصل أو قیل بخروجه یذکر فی ذیل فصول.
__________________
1 ـ هذا تعرض بالشیخ ، فرائد الأصول / 30 فی المقام الثانی.
2 ـ فی « ب » : الاستناد.
3 ـ راجع فرائد الأصول / 30.
4 ـ حاشیة فرائد الأصول / 44 ، عند قوله : ولا یخفى أن التعبد ... الخ. 
 
فصل
لا شبهة فی لزوم اتباع ظاهر کلام الشارع فی تعیین مراده فی الجملة ؛ لاستقرار طریقة العقلاء على اتباع الظهورات فی تعیین المرادات ، مع القطع بعدم الردع عنها ، لوضوح عدم اختراع طریقة أُخرى فی مقام الإِفادة لمرامه من کلامه ، کما هو واضح.
والظاهر (1) أن سیرتهم على اتباعها ، من غیر تقیید بإفادتها للظن فعلاً ، ولا بعدم الظن کذلک على خلافها قطعاً ، ضرورة إنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها ، بعدم إفادتها للظن بالوفاق ، ولا بوجود الظن بالخلاف.
کما أن الظاهر عدم اختصاص ذلک بمن قصد إفهامه ؛ ولذا لا یسمع اعتذار من لا یقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر کلام المولى ، من تکلیف یعمه أو یخصه ، ویصحّ به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج ، کما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من کلّ من سمعه ولو قصد عدم إفهامه ، فضلاً عما إذا لم یکن بصدد إفهامه.
ولا فرق فی ذلک بین الکتاب المبین وأحادیث سید المرسلین والأئمة الطاهرین ، وأنّ ذهب بعضٍ الأصحاب إلى عدم حجیة ظاهر الکتاب.
__________________
1 ـ إشارة إلى التفصیلین أشار إلیهما الشیخ فی رسائله. فرائد الأصول / 44.  

 
إما بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ، کما یشهد به ما (1) ورد فی ردع أبی حنیفة وقتادة (2) عن الفتوى به.
أو بدعوى (3) إنّه لأجل احتوائه على مضامین شامخة ومطالب غامضة عالیة ، لا یکاد تصل إلیه أیدی أفکار أولی الأنظار الغیر الراسخین العالمین بتأویله ، کیف؟ ولا یکاد یصل إلى فهم کلمات الاوائل إلّا الأوحدی من الأفاضل ، فما ظنک بکلامه تعالى مع اشتماله على علم ما کان وما یکون وحکم کلّ شئ.
أو بدعوى (4) شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر ، لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله.
أو بدعوى إنّه وأنّ لم یکن منه ذاتاً ، إلّا إنّه صار منه عرضاً ، للعلم الإِجمالی بطروء التخصیص والتقیید والتجوز فی غیر واحد من ظواهره ، کما هو الظاهر.
أو بدعوى شمول الإخبار الناهیة (5) عن تفسیر القرآن بالرأی ، لحمل الکلام الظاهر فی معنى على إرادة هذا المعنى.
ولا یخفى أن النزاع یختلف صغرویاً وکبرویاً بحسب الوجوه ، فبحسب غیر الوجه الأخیر والثالث یکون صغرویاً ، وأما بحسبهما فالظاهر إنّه کبروی ، ویکون
__________________
1 ـ وسائل الشیعة 18 : 29 ، الباب 6 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 527 ، الکافی 8 : 311 ، الحدیث 485.
2 ـ هو قتادة بن دعامة بن عزیز أبو الخطاب السدوسی البصری ، مفسر حافط ضریر أکمه ، قال أحمد بن حنبل : قتادة أحفظ أهل البصرة ، کان مع علمه بالحدیث رأساً فی العربیة ومفردات اللغة وأیام العرب والنسب ، وکان یرى القدر وقد یدلّس فی الحدیث ، مات بواسط فی الطاعون سنة 118 ه‍ ، وهو ابن ست وخمسین سنة. ( تذکرة الحفاظ 1 : 122 الرقم 107 ).
3 ـ حکی عن الإخباریین ، راجع فرائد الأصول / 34.
4 ـ حکاه الشیخ 1 عن السید الصدر ، فرائد الأصول / 38 ، شرح الوافیة.
5 ـ تفسیر العیاشی : 1 / 17 ـ 18 ، عیون أخبار الرضا : 1 / 59 ، الباب 11 ، الحدیث 4 ، أمالی الصدوق : 155 / الحدیث 3 ، التوحید : 905 ، الحدیث 5.
 
المنع عن الظاهر ، امّا لإنّه من المتشابه قطعاً أو احتمالاً ، أو لکون حمل الظاهر على ظاهره من التفسیر بالرأی.
وکل هذه الدعاوی فاسدة :
أما الأُولى ، فإنما المراد مما دلّ على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحکماته ؛ بداهة أن فیه ما لا یختص به ، کما لا یخفى. وردع أبی حنیفة وقتادة عن الفتوى به إنّما هو لأجل الاستقلال فی الفتوى بالرجوع إلیه من دون مراجعة أهله ، لا عن الاستدلال بظاهره مطلقاً ولو مع الرجوع إلى روایاتهم والفحص عما ینافیه ، والفتوى به مع الیأس عن الظفر به ، کیف؟ وقد وقع فی غیر واحد من الروایات (1) الإرجاع إلى الکتاب والاستدلال بغیر واحد من آیاته (2).
وأما الثانیة ، فلأن احتواءه على المضامین العالیة الغامضة لا یمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحکام وحجیتها ، کما هو محلّ الکلام.
وأما الثالثة ، فللمنع عن کون الظاهر من المتشابه ، فإن الظاهر کون المتشابه هو خصوص المجمل ، ولیس بمتشابه ومجمل.
وأما الرابعة ، فلان العلم إجمالاً بطروء إرادة خلاف الظاهر ، إنّما یوجب الإِجمال فیما إذا لم ینحل بالظفر فی الروایات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإِجمال.
مع أن دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما یخالفه لظفر به ، غیر بعیدة ، فتأمل جیداً.
__________________
1 ـ مثل روایة الثقلین ، راجع الخصال : 1 / 65 ، الحدیث 98 ، معانی الإخبار / 90 ، التهذیب : 1 / 363 ، الحدیث 27 من باب صفة الوضوء ، الوسائل : 1 / 290 الباب 23 من أبواب الوضوء ، الحدیث 1.
2 ـ فی « ب » : الآیات.
 
وأما الخامسة ، فیمنع کون حمل الظاهر على ظاهره من التفسیر ، فإنّه کشف القناع ولا قناع للظاهر ، ولو سلّم ، فلیس من التفسیر بالرأی ، إذ الظاهر أن المراد بالرأی هو الاعتبار الظنی الذی لا اعتبارٍ به ، وإنما کان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره ، لرجحإنّه بنظره ، أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدته ذاک الاعتبار ، من دون السؤال عن الأوصیاء ، وفی بعضٍ الإخبار (1) ( إنّما هلک الناس فی المتشابه ، لإنّهم لم یقفوا على معناه ، ولم یعرفوا حقیقته ، فوضعوا له تأویلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء فیعرفونهم ). هذا مع إنّه لا محیص عن حمل هذه الروایات الناهیة عن التفسیر به على ذلک ، ولو سلّم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ، ضرورة إنّه قضیة التوفیق بینها وبین مادل على جواز التمسک بالقرآن ، مثل خبر الثقلین (2) ، وما دلّ على التمسک به ، والعمل بما فیه (3) ، وعرض الإخبار المتعارضة علیه (4) ، ورد الشروط المخالفة له (5) ، وغیر ذلک (6) ، مما لا محیص عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه ، ضرورة أن الآیات التی یمکن أن تکون مرجعاً فی باب تعارض الروایات أو الشروط ، أو یمکن أن یتمسک بها ویعمل بما فیها ، لیست إلّا ظاهرة فی معانیها ، لیس فیها ما کان نصاً ، کما لا یخفى.
ودعوى العلم الإِجمالی بوقوع التحریف فیه بنحو : امّا بإسقاط ، أو
__________________
1 ـ وسائل الشیعة 18 / 148 ، الباب 13 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث 62.
2 ـ الخصال : 1 / 65 الحدیث 98 ، ومعانی الأخبار / 90 ، الحدیث 1.
3 ـ نهج البلاغة : باب الخطب ، الخطبة 176.
4 ـ الوسائل 18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضی ، الحدیث : 12 ، 15 ، 29.
5 ـ الوسائل 12 ، الباب 6 من أبواب الخیار ، الحدیث : 1.
6 ـ التهذیب : 1 / 363 ، الحدیث 27 من باب صفة الوضوء. الوسائل : 1 / 290 الباب 23 من أبواب الوضوء ، الحدیث : 1. الوسائل : 1 / 327 الباب 39 من أبواب الوضوء ، الحدیث : 
 
تصحیف (1) ، وأنّ کانت غیر بعیدة ، کما یشهد به بعضٍ الأخبار (2) ویساعده الاعتبار ، إلّا إنّه لا یمنع عن حجیة ظواهره ، لعدم العلم بوقوع خلل (3) فیها بذلک أصلاً. ولو سلّم ، فلا علم بوقوعه فی آیات الأحکام ، والعلم بوقوعه فیها أو فی غیرها من الآیات غیر ضائر بحجیة آیاتها ، لعدم حجیة ظاهر سائر الآیات ، والعلم الإِجمالی بوقوع الخلل فی الظواهر إنّما یمنع عن حجیتها إذا کانت کلها حجة ، وإلاّ لا یکاد ینفک ظاهر عن ذلک ، کما لا یخفى ، فافهم.
نعم لو کان الخلل المحتمل فیه أو فی غیره بما اتصل به ، لأخل بحجیته ؛ لعدم انعقاد ظهور له حینئذ ، وأنّ انعقد له الظهور لولا اتصاله.
ثم إن التحقیق أن الاختلاف فی القراءة بما یوجب الاختلاف فی الظهور مثل ( یطهرن ) بالتشدید والتخفیف ، یوجب الإِخلال بجواز التمسک والاستدلال ، لعدم إحراز ما هو القرآن ، ولم یثبت تواتر القراءات ، ولا جواز الاستدلال بها ، وأنّ نسب (4) إلى المشهور تواترها ، لکنه مما لا أصل له ، وإنما الثابث جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بینهما ، کما لا یخفى.
ولو فرض جواز الاستدلال بها ، فلا وجه لملاحظة الترجیح بینها بعد کون الأصل فی تعارض الأمارات هو سقوطها عن الحجیة فی خصوص المؤدى ، بناءً على اعتبارها من باب الطریقیة ، والتخییر بینها بناءً على السببیة ، مع عدم دلیل على الترجیح فی غیر الروایات من سائر الأمارات ، فلابد من الرجوع حینئذ إلى الأصل أو العموم ، حسب اختلاف المقامات.
__________________
1 ـ فی « ب » : بتصحیف.
2 ـ الاتقان : 1 / 101 ، 121. مسند أحمد : 1 / 47. صحیح مسلم : 4 / 167.
3 ـ فی « ب » : الخلل.
4 ـ نسبة الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول / 40.  

 
فصل
قد عرفت حجیة ظهور الکلام فی تعیین المرام : فإن أُحرز بالقطع وأنّ المفهوم منه جزماً ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو ذا فلا کلام.
وإلّا فإن کان لأجل احتمال وجود قرینة فلا خلاف فی أن الأصل عدمها ، لکن الظاهر إنّه معه یبنى على المعنى الذی لولاها کان اللفظ ظاهراً فیه ابتداء ، لا إنّه یبنى علیه بعد البناء على عدمها ، کما لا یخفى ، فافهم.
وإن کان لاحتمال قرینیة الموجود فهو ، وأنّ لم یکن بخال عن الإِشکال ـ بناءً على حجیة أصالة الحقیقة من باب التعبد ـ إلّا أن الظاهر أن یعامل معه معاملة المجمل ، وأنّ کان لأجل الشک فیما هو الموضوع له لغةً أو المفهوم منه عرفاً ، فالأصل یقتضی عدم حجیة الظن فیه ، فإنّه ظن فی إنّه ظاهر ، ولا دلیل إلّا على حجیة الظواهر.
نعم نسب (1) إلى المشهور حجیة قول اللغوی بالخصوص فی تعیین الأوضاع ، واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلک ، حیث لا یزالون یستشهدون بقوله فی مقام الاحتجاج بلا إنکار من أحد ، ولو مع المخاصمة واللجاج ، وعن بعضٍ (2) دعوى الإجماع على ذلک.
وفیه : أن الاتفاق ـ لو سلّم اتفاقه ـ فغیر مفید ، مع أن المتیقّن منه هو الرجوع إلیه مع إجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.
والإجماع المحصل غیر حاصل ، والمنقول منه غیر مقبول ، خصوصاً فی مثل
__________________
1 ـ نسبه الشیخ ( قده ) راجع فرائد الأصول / 45 ، فی القسم الثّانی من الظنون المستعملة لتشخیص الاوضاع.
2 ـ کالسید المرتضى على ما نسب إلیه ، الذریعة 1 / 13.  

 
المسألة مما احتمل قریباً أن یکون وجه ذهاب الجل لو لا الکلّ ، هو اعتقاد إنّه مما اتفق علیه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من کلّ صنعة فیما اختصّ بها.
والمتیقن من ذلک إنّما هو فیما إذا کان الرجوع یوجب الوثوق (1) والاطمئنان ، ولا یکاد یحصل من قول اللغوی وثوق بالأوضاع ، بل لا یکون اللغوی من أهل خبرة ذلک ، بل إنّما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أن همّه ضبط موارده ، لا تعیین أن أیّاً منها کان اللفظ فیه حقیقة أو مجازاً ، وإلاّ لوضعوا لذلک علامة ، ولیس ذکره أوّلاً علامة کون اللفظ حقیقة فیه ، للانتقاض بالمشترک.
وکون موارد الحاجة إلى قول اللغوی أکثر من أن یحصى ، لانسداد باب العلم بتفاصیل المعانی غالباً ، بحیث یعلم بدخول الفرد المشکوک أو خروجه ، وأنّ کان المعنى معلوماً فی الجملة لا یوجب اعتبارٍ قوله ، ما دام انفتاح باب العلم بالأحکام ، کما لا یخفى ، ومع الانسداد کان قوله معتبراً إذا أفاد الظن ، من باب حجیة مطلق الظن ، وأنّ فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصیلها فیما عدا المورد.
نعم لو کان هناک دلیل على اعتباره ، لا یبعد أن یکون انسداد باب العلم بتفاصیل اللغات موجباً له على نحو الحکمة لا العلة.
لا یقال : على هذا لا فائدة فی الرجوع إلى اللغة.
فإنّه یقال : مع هذا لا تکاد تخفى الفائدة فی المراجعة إلیها ، فإنّه ربما یوجب القطع بالمعنى ، وربما یوجب القطع بأن اللفظ فی المورد ظاهر فی معنى ـ بعد الظفر به وبغیره فی اللغة ـ وأنّ لم یقطع بإنّه حقیقة فیه أو مجاز ، کما اتفق کثیراً ، وهو یکفی فی الفتوى.
__________________
1 ـ فی « ب » : موجباً للوثوق.  

 
فصل
الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند کثیر ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص ، من جهة إنّه من أفراده ، من دون أن یکون علیه دلیل بالخصوص ، فلابد فی اعتباره من شمول أدلة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها.
وتحقیق القول فیه یستدعی رسم أمور :
الأول : إن وجه اعتبارٍ الاجماع ، هو القطع برأی الامام 7 ، ومستند القطع به لحاکیه ـ على ما یظهر من کلماتهم ـ هو علمه بدخوله 7 فی المجمعین شخصاً ، ولم یعرف عیناً ، أو قطعه باستلزام ما یحکیه لرأیه 7 عقلاً من باب اللطف ، أو عادةً أو اتفاقاً من جهة حدس رأیه ، وأنّ لم تکن ملازمة بینهما عقلاً ولا عادةً ، کما هو طریقة المتأخرین فی دعوى الإجماع ، حیث إنّهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلیة ولا الملازمة العادیة غالباً وعدم العلم بدخول جنابه 7 فی المجمعین عادةً ، یحکون الإجماع کثیراً ، کما إنّه یظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بإنّه معلوم النسب ، إنّه استند فی دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله 7 وممن اعتذر عنه بانقراض عصره ، إنّه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافاً إلى تصریحاتهم بذلک ، على ما یشهد به مراجعة کلماتهم.  

 
وربما یتفق لبعض الأوحدی وجه آخر من تشرفه برؤیته 7 وأخذه الفتوى من جنابه ، وإنما لم ینقل عنه ، بل یحکی الاجماع لبعض دواعی الاخفاء.
الأمر الثانی : إنّه لا یخفى اختلاف نقل الإجماع ، فتارة ینقل رأیه 7 فی ضمن نقله حدساً کما هو الغالب ، أو حساً وهو نادر جداً ، وأخرى لا ینقل إلّا ما هو السبب عند ناقله ، عقلاً أو عادةً أو اتفاقاً ، واختلاف ألفاظ النقل أیضاً صراحة وظهورا وإجمالاً فی ذلک ، أیّ فی إنّه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.
الأمر الثالث : إنّه لا إشکال فی حجیة الاجماع المنقول بأدلة حجیة الخبر ، إذا کان نقله متضمناً لنقل السبب والمسبب عن حس ، لو لم نقل بأن نقله کذلک فی زمان الغیبة موهون جدّاً ، وکذا إذا لم یکن متضمناً له ، بل کان ممحضاً لنقل السبب عن حس ، إلّا إنّه کان سبباً بنظر المنقول إلیه أیضاً عقلاً أو عادةً أو اتفاقاً ، فیعامل حینئذ مع المنقول معاملة المحصل فی الالتزام بمسببه بأحکامه وآثاره.
وأما إذا کان نقله للمسبب لا عن حس ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إلیه ففیه إشکال ، أظهره عدم نهوض تلک الادلة على حجیته ، إذ المتیقن من بناءً العقلاء غیر ذلک ، کما أن المنصرف من الآیات والروایات ذلک (1) ، على تقدیر دلالتهما ، خصوصاً فیما إذا رأى المنقول إلیه خطأ الناقل فی اعتقاد الملازمة ، هذا فیما انکشف الحال.
وأما فیما اشتبه ، فلا یبعد أن یقال بالاعتبار ، فإنّ عمدة أدلة حجیة الإخبار هو بناءً العقلاء ، وهم کما یعملون بخبر الثقة إذا علم إنّه عن حس ، یعملون به فیما یحتمل کونه عن حدس ، حیث إنّه لیس بناؤهم إذا أُخبروا بشیء على التوقف والتفتیش ، عن إنّه عن حدس أو حس ، بل العمل على (2) طبقه والجری على
__________________
1 ـ فی « ب » : قدم « على تقدیر دلالتهما » على « ذلک ».
2 ـ فی « أ » : على العمل طبقه. 
 
وفقه بدون ذلک ، نعم لا یبعد أن یکون بناؤهم على ذلک ، فیما لا یکون هناک أمارة على الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فیما لا یرون هناک ملازمة هذا.
لکن الإجماعات المنقولة فی ألسنة الأصحاب غالباً مبنیة على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلاً ، فلا اعتبارٍ لها ما لم ینکشف أن نقل السبب (1) کان مستنداً إلى الحس ، فلابدّ فی الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل ، فیؤخذ بذاک المقدار ویعامل معه کإنّه المحصل ، فإن کان بمقدار تمام السبب ، وإلاّ فلا یجدی ما لم یضم إلیه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ما به (2) تم ، فافهم.
فتلخص بما ذکرنا : أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حکایته رأی الامام 7 بالتضمن أو الالتزام ، کخبر الواحد فی الاعتبار إذا کان من نقل إلیه ممن یرى الملازمة بین رأیه 7 وما نقله من الأقوال ، بنحو الجملة والإِجمال ، وتعمّه أدلة اعتباره ، وینقسم بأقسامه ، ویشارکه فی أحکامه ، وإلاّ لم یکن مثله فی الاعتبار من جهة الحکایة.
وأما من جهة نقل السبب ، فهو فی الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التی نقلت إلیه على الإِجمال بألفاظ نقل الاجماع ، مثل ما إذا نقلت على التفصیل ، فلو ضم إلیه مما حصله أو نقل له (3) ـ من أقوال السائرین أو سائر الأمارات ـ مقدار کان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام ، کان المجموع کالمحصل ، ویکون حاله کما إذا کان کله منقولاً ، ولا تفاوت فی اعتبارٍ الخبر بین ما إذا کان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فیه وبه قوامه ، کما یشهد به حجیته بلا ریب فی تعیین حال السائل ، وخصوصیة القضیة الواقعة المسؤول عنها ، وغیر ذلک مما له دخل فی تعیین
__________________
1 ـ فی « ب » : المسبّب.
2 ـ فی « ب » : بإنّه.
3 ـ فی « أ » : إلیه ، وصححه المصنف. 
 
مرامه 7 من کلامه.
وینبغی التنبیه على أمور :
الأول : إنّه قد مرّ أن مبنى دعوى الاجماع غالباً ، هو اعتقاد الملازمة عقلاً ، لقاعدة اللطف ، وهی باطلة ، أو اتفاقاً بحدس رأیه 7 من فتوى جماعة ، وهی غالباً غیر مسلمة ، وأما کون المبنى العلم بدخول الإمام بشخصه فی الجماعة ، أو العلم برأیه للاطلاع بما یلازمه عادةً من الفتاوى ، فقلیل جداً فی الاجماعات المتداولة فی السنة الأصحاب ، کما لا یخفى ، بل لا یکاد یتفق العلم بدخوله 7 على نحو الإِجمال فی الجماعة فی زمان الغیبة ، وأنّ احتمل تشرف بعضٍ الاوحدی بخدمته ومعرفته أحیاناً ، فلا یکاد یجدی نقل الإجماع إلّا من باب نقل السبب بالمقدار الذی أحرز من لفظه ، بما اکتنف به من حال أو مقال ، ویعامل معه معاملة المحصل.
الثانی : إنّه لا یخفى أن الاجماعات المنقولة ، إذا تعرض إثنان منها أو أکثر ، فلا یکون التعرض إلّا بحسب المسبب ، وأما بحسب السبب فلا تعارض فی البین ، لاحتمال صدق الکلّ ، لکن نقل الفتاوى على الإِجمال بلفظ الاجماع حینئذ ، لا یصلح لأن یکون سبباً ، ولا جزء سبب ، لثبوت الخلاف فیها ، إلّا إذا کان فی أحد المتعارضین خصوصیة موجبة لقطع المنقول إلیه برأیه 7 لو اطلع علیها ، ولو مع اطّلاعه على الخلاف ، وهو وأنّ لم یکن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلاً ببعید ، إلّا إنّه مع عدم الاطلاع علیها کذلک إلّا مجملاً بعید ، فافهم.
الثالث : إنّه ینقدح مما ذکرنا فی نقل الاجماع حال نقل التواتر ، وإنّه من حیث المسبب لا بدّ فی اعبتاره من کون الإخبار به إخباراً على الإِجمال بمقدار یوجب قطع المنقول إلیه بما أخبر به لو علم به ، ومن حیث السبب یثبت به کلّ مقدار کان اخباره بالتواتر د إلّا علیه ، کما إذا أخبر به على التفصیل ، فربما لا یکون إلّا دون حد  
 
التواتر ، فلا بدّ فی معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الأخبار ، یبلغ المجموع ذاک الحد.
نعم ، لو کان هناک أثر للخبر المتواتر فی الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتیبه علیه ، ولو لم یدلّ على ما بحد التواتر من المقدار.
فصل
مما قیل باعتباره بالخصوص الشهرة فی الفتوى ، ولا یساعده دلیل.
وتوهمّ (1) دلالة أدلة حجیة خبر الواحد علیه بالفحوى ، لکون الظن الذی تفیده أقوى مما یفیده الخبر ، فیه مالا یخفى ، ضرورة عدم دلالتها على کون مناط اعتباره إفادته الظن ، غایته تنقیح ذلک بالظن ، وهو لا یوجب إلّا الظن بإنّها أولى بالاعتبار ، ولا اعتبارٍ به ، مع أن دعوى القطع بإنّه لیس بمناط غیر مجازفة.
وأضعف منه ، توهّم دلالة المشهورة (2) والمقبولة (3) علیه ، لوضوح أن المراد بالموصول فی قوله فی الأُولى : ( خذ بما اشتهر بین أصحابک ) وفی الثانیة : ( ینظر إلى ما کان من روایتهم عنا فی ذلک الذی حکماً به ، المجمع علیه بین أصحابک ، فیؤخذ به ) هو الروایة ، لا ما یعم الفتوى ، کما هو أوضح من أن یخفى.
نعم بناءً على حجیة الخبر ببناء العقلاء ، لا یبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجیته ، بل على حجیة (4) کلّ أمارة مفیدة للظن أو الاطمئنان ، لکن دون إثبات ذلک خرط القتاد.
__________________
1 ـ راجع تعلیقة المصنف على کتاب فرائد الأصول / 57.
2 ـ عوالی اللآلی 4 / 133 ، الحدیث 229.
3 ـ التهذیب 6 / 301 ، الحدیث 52 ، والفقیه 3 / 5 ، الحدیث : 2 ، باختلاف یسیر فی الروایة.
4 ـ فی « ب » : حجیته. 
 
فصل
المشهور بین الأصحاب حجیة خبر الواحد فی الجملة بالخصوص.
ولا یخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأُصولیة ، وقد عرفت فی أول الکتاب (1) أن الملاک فی الأصولیة صحة وقوع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط ، ولو لم یکن البحث فیها عن الأدلة الأربعة ، وأنّ اشتهر فی ألسنة الفحول کون الموضوع فی علم الأُصول هی الادلة ، وعلیه لا یکاد یفید فی ذلک ـ أیّ کون هذه المسألة أصولیة ـ تجشم دعوى (2) أن البحث عن دلیلیة الدلیل بحث عن أحوال الدلیل ، ضرورة أن البحث فی المسألة لیس عن دلیلیة الادلة ، بل عن حجیة الخبر الحاکی عنها ، کما لا یکاد یفید علیه تجشم دعوى (3) أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنّة ـ وهی قول الحجة أو فعله أو تقریره ـ هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلّا بما یفید القطع من التواتر أو القرینة؟ فإن التعبد بثبوتها مع الشک فیها لدى الأخبار بها لیس من عوارضها ، بل من عوارض مشکوکها ، کما لا یخفى ، مع إنّه لازم لما یبحث عنه فی المسألة من حجیة الخبر ، والمبحوث عنه فی المسائل إنّما هو الملاک فی إنّها من المباحث أو من غیره ، لا ما هو لازمه ، کما هو واضح.
__________________
1 ـ راجع ص 9.
2 ـ انظر دعوى صاحب الفصول ، الفصول / 12.
3 ـ راجع فرائد الأصول / 67 ، فی الخبر الواحد.  

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی