منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت پنجم

بحرام بلا کلام ، إلّا إنّه إذا لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، بأن یختار ما یؤدی إلیه لا محالة ، فإن الخطاب بالزجر عنه حینئذ ، وأنّ کان ساقطاً ، إلّا إنّه حیث یصدر عنه مبغوضاً علیه وعصیاناً لذاک الخطاب ومستحقاً علیه العقاب ، لا یصلح لأن یتعلق بها الإِیجاب ، وهذا فی الجملة مما لا شبهة فیه ولا ارتیاب.
وإنما الإِشکال فیما إذا کان ما اضطر إلیه بسوء اختیاره ، مما ینحصر به التخلص عن محذور الحرام ، کالخروج عن الدار المغصوبة فیما إذا توسطها بالاختیار فی کونه منهیاً عنه ، أو مأموراً به ، مع جریان حکم المعصیة علیه ، أو بدونه ، فیه أقوال ، هذا على الامتناع.
وأما على القول بالجواز ، فعن أبی هاشم (1) إنّه مأمور به ومنهی عنه ، واختاره الفاضل القمی (2) ، ناسبا له إلى أکثر المتأخرین وظاهر الفقهاء.
والحق إنّه منهی عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الاضطرار إلیه ، وعصیان له بسوء الاختیار ، ولا یکاد یکون مأموراً به ، کما إذا لم یکن هناک توقف (3) علیه ، أو بلا انحصار به ، وذلک ضرورة إنّه حیث کان قادراً على ترک
__________________
1 ـ راجع شرح مختصر الأصول / 94.
هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبّائی ، ولد عام 247 ه‍ من أبناء ابان مولى عثمان ، عالم بالکلام ، من کبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سمیّت « البهشمیة » نسبة إلى کنیته أبی هاشم وله مصنفات منها : « الشامل » فی الفقه و « تذکرة العالم » و « العدة » فی الأصول مات سنة 321 ه‍. « الأعلام للزرکلی 4 / 7 ».
2 ـ قوانین الأصول 1 / 153 ، فی التنبیه الثّانی ، من قانون دلالة النهی على الفساد.
3 ـ لا یخفى إنّه لا توقف ها هنا حقیقة ، بداهة أن الخروج إنّما هو مقدّمة للکون فی خارج الدار ، لا مقدّمة لترک الکون فیها الواجب ، لکونه ترک الحرام ، نعم بینهما ملازمة لأجل التضاد بین الکونین ، ووضوح الملازمة بین وجود الشیء وعدم ضدّه ، فیجب الکون فی خارج الدار عرضاً ، لوجوب ملازمه حقیقة ، فیجب مقدمته کذلک ، وهذا هو الوجه فی المماشاة والجری على أن مثل الخروج یکون مقدّمة لما هو الواجب من ترک الحرام ، فافهم. ( منه 1 ). 
 
الحرام رأساً ، لا یکون عقلاً معذوراً فی مخالفته فیما اضطر إلى ارتکابه بسوء اختیاره ، ویکون معاقبا علیه ، کما إذا کان ذلک بلا توقف علیه ، أو مع عدم الانحصار به ، ولا یکاد یجدی توقف انحصار التخلص عن الحرام به ، لکونه بسوء الاختیار.
إن قلت : کیف لا یجدیه ، ومقدمة الواجب واجبة؟
قلت : إنّما تجب المقدمة لو لم تکن محرمة ، ولذا لا یترشح الوجوب من الواجب إلّا على ما هو المباح من المقدّمات دون المحرمة مع اشتراکهما فی المقدمیة.
وإطلاق الوجوب بحیث ربما یترشح منه الوجوب علیها مع انحصار المقدمة بها ، إنّما هو فیما إذا کان الواجب أهم من ترک المقدمة المحرمة ، والمفروض هاهنا وأنّ کان ذلک إلّا إنّه کان بسوء الاختیار ، ومعه لا یتغیر عما هو علهى من الحرمة والمبغوضیة ، وإلاّ لکانت الحرمة معلقة على إرادة المکلف واختیاره لغیره ، وعدم حرمته مع اختیاره له ، وهو کما ترى ، مع إنّه خلاف الفرض ، وأنّ الاضطرار یکون بسوء الاختیار.
إن قلت (1) : إن التصرف فی أرض الغیر بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام ، بلا إشکال ولا کلام ، وأما التصرف بالخروج الذی یترتب علیه رفع الظلم ، ویتوقف علیه التخلص عن التصرف الحرام ، فهو لیس بحرام فی حال من الحالات ، بل حاله حال مثل شرب الخمر ، المتوقف علیه النجاة من الهلاک فی الاتصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات.
__________________
1 ـ إشارة إلى مختار الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 155 ، الهدایة 6 من القول فی جواز اجتماع الأمر والنهی. 
 
ومنه ظهر المنع عن کون جمیع انحاء التصرف فی أرض الغیر مثلاً حراماً قبل الدخول ، وإنّه یتمکن من ترک الجمیع حتى الخروج ، وذلک لإنّه لو لم یدخل لما کان متمکناً من الخروج وترکه ، وترک الخروج بترک الدخول رأساً لیس فی الحقیقة إلّا ترک الدخول ، فمن لم یشرب الخمر ، لعدم وقوعه فی المهلکة التی یعالجها به مثلاً ، لم یصدق علیه إلّا إنّه لم یقع فی المهلکة ، لا إنّه ما شرب الخمر فیها ، إلّا على نحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، کما لا یخفى.
وبالجملة لا یکون الخروج ـ بملاحظة کونه مصداقاً للتخلص عن الحرام أو سبباً له ـ إلّا مطلوباً ، ویستحیل أن یتصف بغیر المحبوبیة ، ویحکم علیه بغیر المطلوبیة.
قلت : هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریب الاستدلال على کون ما انحصر به التخلص مأموراً به ، وهو موافق لما أفاده شیخنا العلامة أعلى الله مقامه ، على ما فی تقریرات بعضٍ الاجلة (1) ، لکنه لا یخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترک الواجب ، إنّما یکون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً بالفعل ، وأنّ کان قبیحاً ذاتاً إذا لم یتمکن المکلف من التخلص بدونه ، ولم یقع بسوء اختیاره ، امّا فی الاقتحام فی ترک الواجب أو فعل الحرام ، وإما فی الاقدام على ما هو قبیح وحرام ، لولا [ أن ] (2) به التخلص بلا کلام کما هو المفروض فی المقام ، ضرورة تمکنه منه قبل اقتحامه فیه بسوء اختیاره.
وبالجملة کان قبل ذلک متمکناً من التصرف خروجاً ، کما یتمکن منه دخولاً ، غایة الأمر یتمکن منه بلا واسطة ، ومنه بالواسطة ، ومجرد عدم التمکن منه إلّا بواسطة لا یخرجه عن کونه مقدوراً ، کما هو الحال فی البقاء ، فکما یکون ترکه مطلوباً فی جمیع الأوقات ، فکذلک الخروج ، مع إنّه مثله فی
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 155. الهدایة 6 ، من القول فی جواز اجتماع الأمر والنهی.
2 ـ اثبتناها من بعضٍ النسخ المطبوعة. 
 
الفرعیة على الدخول ، فکما لا تکون الفرعیة مانعة عن مطلوبیّته قبله وبعده ، کذلک لم تکن مانعة عن مطلوبیّته ؛ وأنّ کان العقل یحکم بلزومه إرشاداً إلى اختیار أقل المحذورین وأخف القبیحین.
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاُ وتخلصاً عن المهلکة ، وإنّه إنّما یکون مطلوباً على کلّ حال لو لم یکن الاضطرار إلیه بسوء الاختیار ، وإلاّ فهو على ما هو علیه من الحرمة ، وأنّ کان العقل یلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعایة من ترکه ، لکون الغرض فیه أعظم ، [ فـَ ] (1) من ترک الاقتحام فیما یؤدی إلى هلاک النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا یقع فی أشد المحذورین منهما ، فیصدق إنّه ترکهما ، ولو بترکه ما لو فعله لادی لا محالة إلى أحدهما ، کسائر الأفعال التولیدیة ، حیث یکون العمد إلیها بالعمد إلى اسبابها ، واختیار ترکها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا یکفی فی استحقاق العقاب على الشرب للعلاج ، وأنّ کان لازماً عقلاً للفرار عما هو أکثر عقوبة.
ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفیة بانتفاء الموضوع ، فهو غیر ضائر بعد تمکنه من الترک ، ولو على نحو هذه السالبة ، ومن الفعل بواسطة تمکنه مما هو من قبیل الموضوع فی هذه السالبة ، فیوقع نفسه بالاختیار فی المهلکة ، أو یدخل الدار فیعالج بشرب الخمر ویتخلص بالخروج ، أو یختار ترک الدخول والوقوع فیهما (2) ، لئلا یحتاج إلى التخلص والعلاج.
إن قلت : کیف یقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعاً ومعاقباً علیه عقلاً ، مع بقاء ما یتوقف علیه على وجوبه ، و [ وضوح ] (3) سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ، ولو کان بسوء الاختیار ، والعقل قد استقل بان
__________________
1 ـ أثبتناه من بعضٍ النسخ المطبوعة.
2 ـ فی « ب » : فیها.
3 ـ أثبتناها من هامش « ب » المصححة. 
 
الممنوع شرعاً کالممتنع عادةً أو عقلاً.
قلت : أولاً : إنّما کان الممنوع کالممتنع ، إذا لم یحکم العقل بلزومه إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورین ، وقد عرفت لزومه بحکمه ، فإنّه مع لزوم الإِتیان بالمقدمة عقلاً ، لا بأس فی بقاء ذی المقدمة على وجوبه ، فإنّه حینئذ لیس من التکلیف بالممتنع ، کما إذا کانت المقدمة ممتنعة.
وثانیاً : لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإِیجاب لا لزوم إتیإنّه عقلاً ، خروجاً عن عهدة ما تنجز علیه سابقاً ، ضرورة إنّه لو لم یأت به لوقع فی المحذور الاشد ونقض الغرض الأهم ، حیث إنّه الآن کما کان علیه من الملاک والمحبوبیة ، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فیه أصلاً ، وإنما کان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلک إرشاداً کافٍ ، لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إلیه والإِیجاب له فعلاً ، فتدبرّ جیداً.
وقد ظهر مما حققناه فساد القول بکونه مأموراً به ، مع إجراء حکم المعصیة علیه نظراً إلى النهی السابق ، مع ما فیه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ، ولا یرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم والإِیجاب ، قبل الدخول وبعده ، کما فی الفصول (1) ، مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما ، وإنما المفید اختلاف زمإنّه ولو مع اتحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن یخفى ، کیف؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول ، عصیاناً للنهی السابق ، وإطاعة للأمر اللاحق فعلاً ، ومبغوضاً ومحبوباً کذلک بعنوان واحد ، وهذا مما لا یرضى به القائل بالجواز ، فضلاً عن القائل بالامتناع.
کما لا یجدی فی رفع هذه الغائلة ، کون النهی مطلقاً وعلى کلّ حال ، وکون الأمر مشروطاً بالدخول ، ضرورة منافاة حرمة شیء کذلک ، مع وجوبه
__________________
1 ـ الفصول / 138 ، الفصل الرابع من فصول النهی. 
 
فی بعضٍ الأحوال.
وأما القول (1) بکونه مأموراً به ومنهیا عنه ، ففیه ـ مضافاً إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فیما إذا کان بعنوانین ، فضلاً عما إذا کان بعنوان واحد کما فی المقام ، حیث کان الخروج بعنوإنّه سبباً للتخلص ، وکان بغیر إذن المالک ، ولیس التخلص إلّا منتزعا عن ترک الحرام المسبب (2) عن الخروج ، لا عنواناً له ـ أن الاجتماع ها هنا لو سلّم إنّه لا یکون بمحال ، لتعدد العنوان ، وکونه مجدیاً فی رفع غائلة التضاد ، کان محالاً لأجل کونه طلب المحال ، حیث لا مندوحة هنا ، وذلک لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقیقة بما هو واجب أو ممتنع ، ولو کان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختیار ، وما قیل أنَّ الامتناع أو الإِیجاب بالاختیار لا ینافی الاختیار ، إنّما هو فی قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غیر اختیاریة ، بقضیة أنَّ الشیء ما لم یجب لم یوجد.
فانقدح بذلک فساد الاستدلال لهذا القول ، بأن الأمر بالتخلص والنهی عن الغصب دلیلان یجب إعمالهما ، ولا موجب للتقیید عقلاً ، لعدم استحالة کون الخروج واجباً وحراماً باعتبارین مختلفین ، إذ منشأ الاستحالة : امّا لزوم اجتماع الضدین وهو غیر لازم ، مع تعدَّد الجهة ، وإما لزوم التکلیف بما لا یطاق وهو لیس بمحال إذا کان مسبباً عن سوء الاختیار ، وذلک لما عرفت من
__________________
1 ـ راجع قوانین الأصول 1 / 140 ، قانون اجتماع الأمر والنهی.
2 ـ قد عرفت ـ مما علقت على الهامش ـ أن ترک الحرام غیر مسبب عن الخروج حقیقة ، وإنما المسبب عنه إنّما هو الملازم له ، وهو الکون فی خارج الدار ، نعم یکون مسبباً عنه مسامحة وعرضاً ، وقد انقدح بذلک إنّه لا دلیل فی البین إلّا على حرمة الغصب المقتضی لاستقلال العقل بلزوم الخروج ، من باب إنّه أقل المحذورین وإنّه لا دلیل على وجوبه بعنوان آخر ، فحینئذ یجب إعماله أیضاً ، بناءً على القول بجواز الاجتماع کاحتمال [ کإعمال ] النهی عن الغصب ، لیکون الخروج مأموراً به ومنهیا عنه ، فافهم ( منه 1 ). 
 
ثبوت الموجب للتقیید عقلاً ولو کانا بعنوانین ، وأن اجتماع الضدین لازم ولو مع تعدَّد الجهة ، مع عدم تعددها هاهنا ، والتکلیف بما لا یطاق محال على کلّ حال ، نعم لو کان بسوء الاختیار لا یسقط العقاب بسقوط التکلیف بالتحریم أو الإِیجاب.
ثم لا یخفى إنّه لا إشکال فی صحة الصلاة مطلقاً فی الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ، وأما على القول بالامتناع ، فکذلک ، مع الاضطرار إلى الغصب ، لا بسوء الاختیار أو معه ولکنها وقعت فی حال الخروج ، على القول بکونه مأموراً به بدون إجراء حکم المعصیة (1) علیه ، أو مع غلبة ملاک الأمر على النهی مع ضیق الوقت ، امّا مع السعة فالصحة وعدمها مبنیان على عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضد واقتضائه ، فإن الصلاة فی الدار المغصوبة ، وأنّ کانت مصلحتها غالبة على ما فیها من المفسدة ، إلّا إنّه لا شبهة فی أن الصلاة فی غیرها تضادّها ، بناءً على إنّه لا یبقی مجال مع إحداهما للاخرى ، مع کونها أهمّ منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لکنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزید علیه ، فالصلاة فی الغصب اختیاراً فی سعة الوقت صحیحة ، وأنّ لم تکن مأموراً بها.
الأمر الثّانی : قد مرّ (2) ـ فی بعضٍ المقدّمات ـ إنّه لا تعارض بین مثل خطاب ( صلّ ) وخطاب ( لا تغصب ) على الامتناع ، تعارض الدلیلین بما هما دلیلان حاکیان ، کی یقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، بل إنّما هو من باب
__________________
1 ـ اختاره الشیخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 153 ، وابن الحاجب ، راجع شرح مختصر الأصول 94.
2 ـ فی الأمر التاسع من المقصد الثّانی فی النواهی / 155. 
 
تزاحم المؤثرین والمقتضیین ، فیقدّم الغالب منهما ، وأنّ کان الدلیل على مقتضى الآخر أقوى من دلیل مقتضاه ، هذا فیما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلاّ کان بین الخطابین تعارض ، فیقدّم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، وبطریق الإنّ یحرز به أن مدلوله أقوى مقتضیاً ، هذا لو کان کلّ من الخطابین متکفلاً لحکم فعلّی ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بالمتکفل لذلک منهما لو کان ، وإلاّ فلا محیص عن الانتهاء إلى ما تقتضیه الأصول العملیة.
ثم لا یخفى (1) أن ترجیح أحد الدلیلین وتخصیص الآخر به فی المسألة لا یوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً ، کما هو قضیة التقیید والتخصیص فی غیرها مما لا یحرز فیه المقتضی لکلا الحکمین ، بل قضیته لیس إلّا خروجه فیما کان الحکم الذی هو مفاد الآخر فعلّیاً ، وذلک لثبوت المقتضی فی کلّ واحد من الحکمین فیها ، فإذا لم یکن المقتضی لحرمة الغصب مؤثراً لها ، لاضطرار أو جهل أو نسیان ، کان المقتضی لصحة الصلاة مؤثراً لها فعلاً ، کما إذا لم یکن دلیل الحرمة أقوى ، أو لم یکن واحد من الدلیلین د إلّا على الفعلیة أصلاً.
فانقدح بذلک فساد الإِشکال فی صحة الصلاة فی صورة الجهل أو النسیان ونحوهما ، فیما إذا قدم خطاب ( لا تغصب ) کما هو الحال فیما إذا کان الخطابان من أول الأمر متعارضین ، ولم یکونا من باب الاجتماع أصلاً ؛ وذلک لثبوت المقتضی فی هذا الباب کما إذا لم یقع بینهما تعارض ، ولم یکونا متکلفین للحکم الفعلّی ، فیکون وزان التخصیص فی مورد الاجتماع وزان التخصیص العقلی الناشىء من جهة تقدیم أحد المقتضیین وتأثیره فعلاً المختص بما إذا لم یمنع عن
__________________
1 ـ هذا ردّ على الشیخ (1) ، مطارح الأنظار / 152. 
 
تأثیره مانع ، المقتضی لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فیما کان هناک مانع عن تأثیر المقتضی للنهی له ، أو عن فعلیته ، کما مرّ تفصیله.
وکیف کان ، فلا بدّ فی ترجیح أحد الحکمین من مرجح ، وقد ذکروا لترجیح النهی وجوها :
منها : إنّه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جمیع الأفراد ، بخلاف الأمر.
وقد أُورد علیه بأن ذلک فیه من جهة إطلاق متعلقه بقرینة الحکمة ، کدلالة الأمر على الاجتزاء بأی فرد کان.
وقد أورد علیه بإنّه لو کان العموم المستفاد من النهی بالإِطلاق بمقدمات الحکمة ، وغیر مستند إلى دلالته علیه بالالتزام ، لکان استعمال مثل ( لا تغصب ) فی بعضٍ أفراد الغصب حقیقة ، وهذا واضح الفساد ، فتکون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبیعة فی حیز النفی أو النهی ، یقتضی عقلاً سریان الحکم إلى جمیع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلّا بالانتهاء عن الجمیع أو انتفائه.
قلت : دلالتها على العموم والاستیعاب ظاهراً مما لا ینکر ، لکنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما کذلک ، إنّما هو بحسب ما یراد من متعلقهما ، فیختلف سعة وضیقاً ، فلا یکاد یدلّ على استیعاب جمیع الأفراد ، إلّا إذا أُرید منه الطبیعة مطلقة وبلا قید ، ولا یکاد یستظهر ذلک مع عدم دلالته (1) علیه بالخصوص ، إلّا بالإِطلاق وقرینة الحکمة ، بحیث لو لم یکن هناک قرینتها بأن یکون الإِطلاق فی غیر مقام البیان ، لم یکد یستفاد استیعاب أفراد الطبیعة ، وذلک لا ینافی دلالتهما على استیعاب أفراد ما یراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة على إنّه المقید أو المطلق.
__________________
1 ـ الظاهر أن أصل العبارة : عدم دلالة ، ( حقائق الأصول 1 / 412 ). 
 
اللهم إلّا أن یقال : إن فی دلالتهما على الاستیعاب کفایة ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق ، کما ربما یَّدعى ذلک فی مثل ( کلّ رجل ) ، وأنّ مثل لفظة ( کلّ ) تدلّ على استیعاب جمیع أفراد الرجل من غیر حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرینة الحکمة ، بل یکفی إرادة ما هو معناه من الطبیعة المهملة ولا بشرط فی دلالته على الاستیعاب وأنّ کان لا یلزم مجاز أصلاً ، لو أُرید منه خاص بالقرینة ، لا فیه لدلالته على استیعاب أفراد ما یراد من المدخول ، ولا فیه إذا کان بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فیما وضع له ، والخصوصیة مستفادة من دالً آخر ، فتدبر.
ومنها : إنَّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وقد أورد علیه فی القوانین (1) ، بإنّه مطلقاً ممنوع ، لأن فی ترک الواجب أیضاً مفسدة إذا تعیّن.
ولا یخفى ما فیه ، فإن الواجب ولو کان معیناً ، لیس إلّا لأجل أنَّ فی فعله مصلحة یلزم استیفاؤها من دون أن یکون فی ترکه مفسدة ، کما أنَّ الحرام لیس إلّا لأجل المفسدة فی فعله بلا مصلحة فی ترکه.
ولکن یرد علیه أنَّ الأولویة مطلقاً ممنوعة ، بل ربما یکون العکس أولى ، کما یشهد به مقایسة فعل بعضٍ المحرمات مع ترک بعضٍ الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما یتلو تلوها.
ولو سلّم فهو أجنبی عن المقام (2) ، فإنّه فیما إذا دار بین الواجب والحرام.
__________________
1 ـ قوانین الأصول 1 / 153 ، فی قانون اجتماع الأمر والنهی.
2 ـ فإن الترجیح به إنّما یناسب ترجیح المکلف واختیاره للفعل أو الترک ، بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحکام ، فإن المرجح هناک لیس إلّا حسنها أو قبحها العقلیان ، لا موافقة الاغراض ومخالفتها ، کما لا یخفى ، تأمل تعرف ( منه 1 ). 
 
ولو سلّم فإنما یجدی فیما لو حصل به القطع.
ولو سلّم إنّه یجدی ولو لم یحصل ، فإنما یجری فیما لا یکون هناک مجال لأصالة البراءة أو الإِشتغال ، کما فی دوران الأمر بین الوجوب والحرمة التعیینیین ، لا فیما تجری ، کما فی محلّ الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته فیحکم بصحته ، ولو قیل بقاعدة الإِشتغال فی الشک فی الإِجزاء والشرائط فإنّه لا مانع عقلاً إلّا فعلیة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً.
نعم لو قیل (1) بأن المفسدة الواقعیة الغالبة مؤثرة فی المبغوضیة ولو لم یکن الغلبة بمحرزة ، فأصالة البراءة غیر جاریة ، بل کانت أصالة الإِشتغال بالواجب لو کان عبادة محکمة ، ولو قیل بأصالة البراءة فی الإِجزاء والشرائط ، لعدم تأتی قصد القربة مع الشک فی المبغوضیة ، فتأمل.
ومنها : الاستقراء ، فإنّه یقتضی ترجیح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، کحرمة الصلاة فی أیام الاستظهار ، وعدم جواز الوضوء من الإِناءین المشتبهین.
__________________
1 ـ کما هو غیر بعید کله بتقریب أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتیة کافٍ فی تأثیرها بما لها من المرتبة ، ولا یتوقف تأثیرها کذلک على إحرازها بمرتبتها ، ولذا کان العلم بمجرد حرمة شیء موجباً لتنجز حرمته ، على ما هی علیه من المرتبة ولو کانت فی أقوى مراتبها ، ولاستحقاق العقوبة الشدیدة على مخالفتها حسب شدتها ، کما لا یخفى. هذا ، لکنه إنّما یکون إذا لم یحرز أیضاً ما یحتمل أن یزاحمها ویمنع عن تأثیرها المبغوضیة ، وأما معه فیکون الفعل کما إذا لم یحرز إنّه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا یستقل العقل بحسنه أو قبحه ، وحینئذ یمکن أن یقال بصحته عبادة لو أتى به بداعی الأمر المتعلق بما یصدق علیه من الطبیعة ، بناءً على عدم اعتبارٍ أزید من إتیان العمل قربیّاً فی العبادة ، وامتثالاً للأمر بالطبیعة ، وعدم اعتبارٍ کونه ذاتاً راجحاً ، کیف ویمکن أن لا یکون جل العبادات ذاتاً راجحاً ، بل إنّما یکون کذلک فیما إذا أتى بها على نحو قربی ، نعم المعتبر فی صحته عبادة ، إنّما هو أن لا یقع منه مبغوضاً علیه ، کما لا یخفى ، وقولنا : ( فتأمل ) إشارة إلى ذلک منه (1). 
 
وفیه : إنّه لا دلیل على اعتبارٍ الاستقراء ، ما لم یفد القطع.
ولو سلّم فهو لا یکاد یثبت بهذا المقدار.
ولو سلّم فلیس حرمة الصلاة فی تلک الأیام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فیها إنّما تکون لقاعدة الإِمکان والاستصحاب المثبتین لکون الدم حیضاً ، فیحکم بجمیع أحکامه ، ومنها حرمة الصلاة علیها لا لأجل تغلیب جانب الحرمة کما هو الُمدَّعى ، هذا لو قیل بحرمتها الذاتیة فی أیام الحیض ، وإلاّ فهو خارج عن محلّ الکلام.
ومن هنا انقدح إنّه لیس منه ترک الوضوء من الإِناءین ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس لیس إلّا تشریعیا ، ولا تشریع فیما لو توضّأ منهما احتیاطاً ، فلا حرمة فی البین غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو کذلک ، بل إراقتهما کما فی النص (1) ، لیس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحکم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الاناء الثانیة ، امّا بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانیة مواضع الملاقاة بالأولى.
نعم لو طهرت على تقدیر نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا یعلم تفصیلا بنجاستها ، وأنّ علم بنجاستها حین ملاقاة الأولى أو الثانیة إجمالاً ، فلا مجال لاستصحابها بل کانت قاعدة الطهارة محکمة.
الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدَّد الإِضافات ، بتعدد العنوانات والجهات ، فی إنّه لو کان تعدَّد الجهة والعنوان کافیاً مع وحدة المعنون وجوداً ، فی جواز الاجتماع ، کان تعدَّد الإِضافات مجدیاً ، ضرورة إنّه یوجب أیضاً
__________________
1 ـ التهذیب 1 / الباب 11 ، باب تطهیر المیاه من النجاسات ، الحدیث 43 ـ 44 ..  

 
اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً ، فیکون مثل ( أَکرم العلماء ) و ( لا تکرم الفساق ) من باب الاجتماع ک ( صلّ ) و ( لا تغصب ) لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم یکن للحکم فی أحد الخطابین فی مورد الاجتماع مقتض ، کما هو الحال أیضاً فی تعدَّد العنوانین ، فما یتراءى منهم من المعاملة مع مثل ( أَکرم العلماء ) و ( لا تکرم الفساق ) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنّما یکون بناءً على الامتناع ، أو عدم المقتضی لاحد الحکمین فی مورد الاجتماع.
فصل
فی أن النهی عن الشیء ، هل یقتضی فساده أم لا؟
ولیقدم أمور :
الأول : إنّه قد عرفت فی المسألة السابقة الفرق بینها وبین هذه المسألة ، وإنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها فی إحداهما ، بما هو جهة البحث فی الأخرى ، وأنّ البحث فی هذه المسألة فی دلالة النهی بوجه یأتی تفصیله على الفساد بخلاف تلک المسألة ، فإن البحث فیها فی أن تعدَّد الجهة یجدی فی رفع غائلة اجتماع الأمر والنهی فی مورد الاجتماع أم لا؟
الثانی : إنّه لا یخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنّما هو لأجل إنّه فی الأقوال قول بدلالته على الفاسد فی المعاملات ، مع إنکار الملازمة بینه وبین الحرمة التی هی مفاده فیها ، ولا ینافی ذلک أن الملازمة على تقدیر ثبوتها فی العبادة إنّما تکون بینه وبین الحرمة ولو لم تکن مدلولة بالصیغة ، وعلى تقدیر عدمها تکون منتفیة بینهما ، لإمکان أن یکون البحث معه فی دلالة الصیغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلک المسألة التی لا یکاد یکون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جیداً. 
 
الثالث : ظاهر لفظ النهی وأنّ کان هو النهی التحریمی ، إلّا أن ملاک البحث یعم التنزیهی ، ومعه لا وجه لتخصیص العنوان (1) ، واختصاص عموم ملاکه بالعبادات لا یوجب التخصیص به ، کما لا یخفى.
کما لا وجه لتخصیصه بالنفسی ، فیعم الغیری إذا کان أصلیا ، وأما إذا کان تبعیا ، فهو وأنّ کان خارجاً عن محلّ البحث ، لما عرفت إنّه فی دلالة النهی والتبعی منه من مقولة المعنى ، إلّا إنّه داخل فیما هو ملاکه ، فإن دلالته على الفساد على القول به فیما لم یکن للإِرشاد إلیه ، إنّما یکون لدلالته على الحرمة ، من غیر دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته فی ذلک ، کما توهمه القمی (2) 1 ویؤیّد ذلک إنّه جعل ثمرة النزاع فی أن الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه ، فساده إذا کان عبادة ، فتدبرّ جیداً.
الرابع : ما یتعلق به النهی ، امّا أن یکون عبادة أو غیرها ، والمراد بالعبادة ـ هاهنا ـ ما یکون بنفسه وبعنوإنّه عبادة له تعالى ، موجباً بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته ، کالسجود والخضوع والخشوع له وتسبیحه وتقدیسه ، أو ما لو تعلق الأمر به کان أمره أمراً عبادیاً ، لا یکاد یسقط إلّا إذا أُتى به بنحو قربى ، کسائر أمثاله ، نحو صوم العیدین والصلاة فی أیام العادة ، لا ما أمر به
__________________
1 ـ ذهب إلیه الشیخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 157.
2 ـ قوانین الأصول 1 / 102. فی المقدمة السادسة.
هو ابو القاسم ابن المولى محمد حسن الجیلانی المعروف بالمیرزا القمی. تولد سنة 1151 فی جابلق ، فرغ من تشیید مقدمات الکمال فی قم ، ثم انتقل إلى خونسار فاشتغل على المحقق الامیر سید حسین ثم توجه إلى العتبات العالیات ، تتلمذ عند العلامة المروج فاجاز له فی الروایة والاجتهاد ، له مؤلفات کثیرة منها « القوانین » و « الغنائم » و « المناهج ». توفی سنة 1231 ( روضات الجنات 5 / 369 رقم 547 ). 
 
لاجل التعبد به (1) ، ولا ما یتوقف صحته على النیة (2) ، ولا ما لا یعلم انحصار المصلحة فیها فی شیء (3) ، کما عرفّ بکل منها العبادة ، ضرورة إنّها بواحد منها ، لا یکاد یمکن أن یتعلق بها النهی ، مع ما أورد علیها بالانتقاض طرداً أو عکساً ، أو بغیره ، کما یظهر من مراجعة المطّولات (4) ، وأنّ کان الإِشکال بذلک فیها فی غیر محله ، لأجل کون مثلها من التعریفات ، لیس بحد ولا برسم ، بل من قبیل شرح الاسم ، کما نبهنا علیه غیر مرة ، فلا وجه لإِطالة الکلام بالنقض والإِبرام فی تعریف العبادة ، ولا فی تعریف غیرها کما هو العادة.
الخامس : إنّه لا یدخل فی عنوان النزاع إلّا ما کان قابلاً للاتصاف بالصحة والفساد ، بأن یکون تارةً تاماً یترتب علیه ما یترقب عنه من الأثر ، وأخرى لا کذلک ، لاختلال بعضٍ ما یعتبر فی ترتبه ، امّا ما لا أثر له شرعاً ، أو کان أثره مما لا یکاد ینفک عنه ، کبعض أسباب الضمان ، فلا یدخل فی عنوان النزاع ، لعدم طروء الفساد علیه کی ینازع فی أن النهی عنه یقتضیه أو لا ، فالمراد بالشیء فی العنوان هو العبادة بالمعنى الذی تقدم ، والمعاملة بالمعنى الأعم ، مما یتصف بالصحة والفساد ، عقداً کان أو إیقاعاً أو غیرهما ، فافهم.
السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافیان یختلفان بحسب الآثار والانظار ، فربما یکون شیء واحد صحیحاً بحسب أثر أو نظر ، وفاسداً بحسب آخر ، ومن هنا صحّ أن یقال : إن الصحة فی العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فیهما بمعنى واحد وهو التمامیة ، وإنما الاختلاف فیما هو المرغوب منهما من الآثار
__________________
1 ـ اختاره الشیخ ( قده ) مطارح الأنظار / 158 ، فی الأمر الثالث.
2 ـ مال إلیه المحقق القمی ، قوانین الأصول 1 / 154 ، فی المقدمة الأولى.
3 ـ یزین الرب تلمحقق القمی أیضاً ، المصدر السابق.
4 ـ راجع مطارح الأنظار 158 ، والفصول / 139. 
 
التی بالقیاس علیها تتصف بالتمامیة وعدمها ، وهکذا الاختلاف بین الفقیه والمتکلم فی صحة العبادة ، إنّما یکون لأجل الاختلاف فیما هو المهمّ لکلّ منهما من الأثر ، بعد الاتفاق ظاهراً على إنّها بمعنى التمامیة ، کما هی معناها لغةً وعرفاً. فلما کان غرض الفقیه ، هو وجوب القضاء ، أو الإِعادة ، أو عدم الوجوب ، فسّر صحة العبادة بسقوطهما ، وکان غرض المتکلم هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما یوافق الأمر تارةً ، وبما یوافق الشریعة أُخرى.
وحیث إِنّ الأمر فی الشریعة یکون على أقسام : من الواقعی الأولى ، والثانوی ؛ والظاهری ، والانظار تختلف فی أن الأخیرین یفیدان الإِجزاء أو لا یفیدان ، کان الإِتیان بعبادة موافقة الأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطاً للقضاء والإِعادة بنظر ، وغیر مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهری ، تکون صحیحة عند المتکلم والفقیه ، بناءً على أن الأمر فی تفسیر الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهری ، مع اقتضائه للإِجزاء ، وعدم اتصافها بها عند الفقیه بموافقته ، بناءً على عدم الإِجزاء ، وکونه مراعى بموافقة الأمر الواقعی [ و ] (1) عند المتکلم ، بناءً على کون الأمر فی تفسیرها خصوص الواقعی.
تنبیه : وهو إنّه لا شبهة فی أن الصحة والفساد عند المتکلم ، وصفان اعتباریان ینتزعان من مطابقة المأتیّ به مع المأمور به وعدمها ، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والإِعادة عند الفقیه ، فهی من لوازم الإِتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الأولی عقلاً ، حیث لا یکاد یعقل ثبوت الإِعادة أو القضاء معه جزماً ، فالصحة بهذا المعنى فیه ، وأنّ کان لیس بحکم وضعی مجعول بنفسه أو بتبع تکلیف ، إلّا إنّه لیس بأمر اعتباری ینتزع کما توهّم (2) ، بل مما یستقل به
__________________
1 ـ اثبتنا الزیادة من طبعة المشکینی.
2 ـ انظر مطارح الأنظار / 160 ، فی تذنیب الهدایة الأولى من القول فی اقتضاء النهی للفساد. 
 
العقل ، کما یستقل باستحقاق المثوبة به وفی غیره ، فالسقوط ربما یکون مجعولاً ، وکان الحکم به تخفیفاً ومنةً على العباد ، مع ثبوت المقتضی لثبوتهما ، کما عرفت فی مسألة الإِجزاء ، کما ربما یحکم بثبوتهما ، فیکون الصحة والفساد فیه حکمین مجعولین لا وصفین انتزاعیین.
نعم ، الصحة والفساد فی الموارد الخاصة ، لا یکاد یکونان مجعولین ، بل إنّما هی تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به ، هذا فی العبادات.
وأما الصحة فی المعاملات ، فهی تکون مجعولة ، حیث کان ترتب الأثر على معاملة إنّما هو بجعل الشارع وترتیبه علیها ولو إمضاءً ، ضرورة إنّه لولا جعله ، لما کان یترتب علیه ، لأصالة الفساد.
نعم صحة کلّ معاملة شخصیة وفسادها ، لیس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه ، کما هو الحال فی التکلیفیة من الأحکام ، ضرورة أن اتصاف المأتیّ به بالوجوب أو الحرمة أو غیرهما ، لیس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
السابع : لا یخفى إنّه لا أصل فی المسألة یعوّل علیه ، لو شک فی دلالة النهی على الفساد. نعم ، کان الأصل فی المسألة الفرعیة الفساد ، لو لم یکن هناک إطلاق أو عموم یقتضی الصحة فی المعاملة.
وأما العبادة فکذلک ، لعدم الأمر بها مع النهی عنها ، کما لا یخفى.
الثامن : إن متعلق النهی امّا أن یکون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها کالجهر والإِخفات (1) للقراءة ، أو وصفها الغیر الملازم کالغصبیة لاکوان الصلاة المنفکة عنها.
__________________
1 ـ فإن کلّ واحد منهما لا یکاد ینفک عن القراءة ، وأنّ کانت هی تنفکّ عن أحدهما ، فالنهی عن أیهما یکون مساوقاً للنهی عنها ، کما لا یخفى. ( منه 1 ). 
 
لا ریب فی دخول القسم الأوّل فی محلّ النزاع ، وکذا القسم الثّانی بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلّا أن بطلان الجزء لا یوجب بطلإنّها ، إلّا مع الاقتصار علیه ، لا مع الإِتیان بغیره مما لا نهی عنه ، إلّا أن یستلزم محذوراً آخر.
وأما القسم الثالث ، فلا یکون حرمة الشرط والنهی عنه موجباً لفساد العبادة ، إلّا فیما کان عبادة ، کی تکون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
وبالجملة لا یکاد یکون النهی عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم یکن موجباً لفساده ، کما إذا کانت عبادة.
وأما القسم الرابع ، فالنهی عن الوصف اللازم مساوق للنهی عن موصوفه ، فیکون النهی عن الجهر فی القراءة مثلاً مساوقاً للنهی عنها ، لاستحالة کون القراءة التی یجهر بها مأموراً بها ، مع کون الجهر بها منهیاً عنه (1) فعلاً ، کما لا یخفى.
وهذا بخلاف ما إذا کان مفارقاً ، کما فی القسم الخامس ، فإن النهی عنه لا یسری إلى الموصوف ، إلّا فیما إذا اتحد معه وجوداً ، بناءً على امتناع الاجتماع ، وأما بناءً على الجواز فلا یسری إلیه ، کما عرفت فی المسألة السابقة. هذا حال النهی المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
وأما النهی عن العبادة لأجل أحد هذه الأُمور ، فحاله حال النهی عن أحدها إن کان من قبیل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أُخرى : کان النهی عنها بالعرض ، وأنّ کان النهی عنها على نحو الحقیقة ، والوصف بحاله ، وأنّ کان بواسطة أحدها ، إلّا إنّه من قبیل الواسطة فی الثبوت لا العروض ، کان حاله حال النهی فی القسم الأوّل ، فلا تغفل.
__________________
1 ـ فی « ب » : عنها. 
 
 
ومما ذکرنا فی بیان أقسام النهی فی العبادة ، یظهر حال الأقسام فی المعاملة ، فلا یکون بیإنّها على حدة بمهم ، کما أن تفصیل الأقوال فی الدلالة على الفساد وعدمها ، التی ربما تزید على العشرة ـ على ما قیل (1) ـ کذلک ، إنّما المهمّ بیان ما هو الحق فی المسألة ، ولا بدّ فی تحقیقه على نحو یظهر الحال فی الأقوال ، من بسط المقال فی مقامین :
الأول فی العبادات : فنقول وعلى الله الاتکال : إن النهی المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو کانت جزء عبادة بما هو عبادة ـ کما عرفت ـ مقتض (2) لفسادها ، لدلالته على حرمتها ذاتاً ، ولا یکاد یمکن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشریعة مع الحرمة ، وکذا بمعنى سقوط الإِعادة ، فإنّه مترتب على إتیإنّها بقصد القربة ، وکانت مما یصلح لأن یتقرب به (3) ، ومع الحرمة لا تکاد تصلح لذلک ، ویتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها ، کما لا یخفى.
لا یقال : هذا لو کان النهی عنها د إلّا على الحرمة الذاتیة ، ولا یکاد یتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة علیها مع قصد القربة بها إلّا تشریعاً ، ومعه تکون محرمة بالحرمة التشریعیة لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أُخرى ، لامتناع اجتماع المثلین کالضدین.
فإنّه یقال : لا ضیر فی اتصاف ما یقع عبادة ـ لو کان مأموراً به ـ بالحرمة الذاتیة ، مثلاً صوم العیدین کان عبادة منهیاً عنها ، بمعنى إنّه لو أمر به کان عبادة ، لا یسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة ، کصوم سائر الأیام ، هذا فیما إذا لم یکن ذاتاً عبادة ، کالسجود لله تعالى ونحوه ، وإلاّ کان محرماً مع
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 162 ، فی الهدایة الثانیة من القول فی اقتضاء النهی للفساد.
2 ـ فی « أ و ب » : مقتضى.
3 ـ هکذا فی « أ و ب » : وفی بعضٍ النسخ المطبوعة « بها ». 
 
کونه فعلاً عبادة ، مثلاً إذا نهی الجنب والحائض عن السجود له تبارک وتعالى ، کان عبادة محرمة ذاتاً حینئذ ، لما فیه من المفسدة والمبغوضیة فی هذا الحال ، مع إنّه لا ضیر فی اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشریعیة ، بناءً على أن الفعل فیها لا یکون فی الحقیقة متصفاً بالحرمة ، بل إنّما یکون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، کما هو الحال فی التجری والانقیاد ، فافهم.
هذا مع إنّه لو لم یکن النهی فیها د إلّا على الحرمة ، لکان د إلّا على الفساد ، لدلالته على الحرمة التشریعیة ، فإنّه لا أقل من دلالته على إنّها لیست بمأمور بها ، وأنّ عمها إطلاق دلیل الأمر بها أو عمومه ، نعم لو لم یکن النهی عنها إلّا عرضاً ، کما إذا نهى عنها فیما کانت ضد الواجب مثلاً ، لا یکون مقتضیاً للفساد ، بناءً على عدم اقتضاء الأمر (1) بالشیء للنهی عن الضد إلّا کذلک أیّ عرضاً ، فیخصص به أو یقید.
المقام الثّانی فی المعاملات : ونخبة القول ، أن النهی الدالّ على حرمتها لا یقتضی الفساد ، لعدم الملازمة فیها ـ لغةً ولا عرفاً ـ بین حرمتها وفسادها أصلاً ، کانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إلیه ، وأنّ لم یکن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام ، وإنما یقتضی الفساد فیما إذا کان د إلّا على حرمة ما لا یکاد یحرم مع صحتها ، مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی بیع أو بیع شئ.
نعم لا یبعد دعوى ظهور النهی عن المعاملة فی الإِرشاد إلى فسادها ، کما أن الأمر بها یکون ظاهراً فی الإِرشاد إلى صحتها من دون دلالته على إیجابها أو استحبابها ، کما لا یخفى ، لکنه فی المعاملات بمعنى العقود والإِیقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن فی
__________________
1 ـ فی « ب » عدم الاقتضاء للأمر بالشیء .. الخ. 
 
خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محیص عن الأخذ بما هو قضیة صیغة النهی من الحرمة ، وقد عرفت إنّها غیر مستتبعة للفساد ، لا لغةً ولا عرفاً.
نعم ربما یتوهم استتباعها له شرعاً ، من جهة دلالة غیر واحد من الأخبار علیه ، منها ما رواه فی الکافی والفقیه ، عن زرارة ، عن الباقر 7 (1) : ( سأله عن مملوک تزوج بغیر إذن سیده ، فقال : ذلک إلى سیده ، إن شاء أجازه وأنّ شاء فرق بینهما ، قلت : أصلحک الله تعالى ، إن الحکم بن عتیبة (2) وإبراهیم النخعی وأصحابهما ، یقولون : إن أصل النکاح فاسد ، ولا یحل إجازة السید له ، فقال أبو جعفر 7 : إنّه لم یعص الله ، إنّما عصى سیده ، فإذا أجاز فهو له جائز ) حیث دلّ بظاهره ان النکاح لو کان مما حرمه الله تعالى علیه کان فاسداً. ولا یخفى أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیة المنفیة هاهنا ، أن النکاح لیس مما لم یمضه الله ولم یشرعه کی یقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصیة بهذا المعنى للفساد کما لا یخفى ، ولا بأس بإطلاق المعصیة على عمل لم یمضه الله ولم یأذن به ، کما أطلق علیه (3) بمجرد عدم إذن السید فیه إنّه معصیة.
وبالجملة : لو لم یکن ظاهراً فی ذلک ، لما کان ظاهراً فیما توهّم ، وهکذا
__________________
1 ـ الکافی / 478 ، الحدیث 3 ، باب المملوک یتزوّج بغیر إذن مولاه ، الفقیه 3 / 350 الحدیث 4 باب طلاق العبد ـ التهذیب 7 / 351 الحدیث 63 فی العقود على الإماء.
2 ـ فی « أ و ب » : حکم بن عتبة.
3 ـ وجه ذلک أن العبودیة تقتضی عدم صدور العبد إلّا عن أمر سیده وإذنه ، حیث إنّه کلّ علیه لا یقدّر على شیء ، فإذا استقل بأمر کان عاصیاً حیث أتى بما ینافیه مقام عبودیته ، لا سیما مثل التزوج الذی کان خطیراً ، وأما وجه إنّه لم یعص الله فیه ، فلاجل کون التزوج بالنسبة إلیه أیضاً کان مشروعاً ماضیاً ، غایته إنّه یعتبر فی تحققه إذن سیده ورضاه ، ولیس کالنکاح فی العدة غیر مشروع من أصله ، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصیإنّه ، فعصیإنّه لسیده. ( منه 1 ).  

 
حال سائر الأخبار الواردة فی هذا الباب (1) ، فراجع وتأمل.
تذنیب : حکی عن أبی حنیفة (2) والشیبانی (3) دلالة النهی على الصحة ، وعن الفخر (4) إنّه وافقهما فی ذلک ، والتحقیق (5) إنّه فی المعاملات کذلک إذا کان عن المسبب أو التسبیب ، لاعتبار القدرة فی متعلق النهی کالأمر ، ولا یکاد یقدّر علیهما إلّا فیما کانت المعاملة مؤثرة صحیحة ، وأما إذا کان عن السبب ، فلا ، لکونه مقدوراً وأنّ لم یکن صحیحاً ، نعم قد عرفت أن النهی عنه لا ینافیها.
وأما العبادات فما کان منها عبادة ذاتیة کالسجود والرکوع والخشوع والخضوع له تبارک وتعالى ، فمع النهی عنه یکون مقدوراً ، کما إذا کان مأموراً به ، وما کان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فیه لو کان مأموراً به ، فلا یکاد یقدّر علیه إلّا إذا قیل باجتماع الأمر والنهی فی شیء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهی فی هذا القسم إنّما یکون نهیاً عن العبادة ، بمعنى إنّه لو کان مأموراً به ، کان الأمر به أمر عبادة لا یسقط إلّا بقصد القربة ، فافهم.
__________________
1 ـ راجع وسائل الشیعة 14 ، الباب 23 إلى 25 من أبواب نکاح العبید والإِماء.
2 و 3 ـ شرح تنقیح الفصول ، 173.
4 ـ أیّ فخر المحققین (ره) نجل العلامة الحلّی (ره). مطارح الانظارءِ 16.
5 ـ ملخصه أن الکبرى وهی : ان النهی ـ حقیقة ـ إذا تعلق بشیء ذی أثر کان د إلّا على صحته وترتب أثره علیه ، لاعتبار القدرة فیما تعلق به النهی کذلک وأنّ کانت مسلمة ، إلّا أن النهی کذلک لا یکاد یتعلق بالعبادات ، ضرورة امتناع تعلق النهی کذلک بما تعلق به الأمر کذلک ، وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأوّل وأنّ کان ممکناً ، إلّا أن أثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غیر مترتب علیها مطلقاً ، بل على خصوص ما لیس بحرام منها وهکذا الحال فی المعاملات ، فإن کان الأثر فی معاملة مترتباً علیها ولازماً لوجودها کان النهی عنها د إلّا على ترتبه علیها ، لما عرفت. ( منه 1 ).
 
 
 
 

 
 
 
المقصد الثالث : فی المفاهیم
مقدمة
وهی : إن المفهوم ـ کما یظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیة المعنى الذی أُرید من اللفظ ، بتلک الخصوصیة ولو بقرینة الحکمة ، وکان یلزمه لذلک ، وافقه فی الإِیجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم ( إن جاءک زید فأکرمه ) مثلاً ـ لو قیل به ـ قضیة شرطیة سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضیة الشرطیّة التی تکون معنى القضیة اللفظیة ، وتکون لها خصوصیة ، بتلک الخصوصیة کانت مستلزمة لها ، فصحّ أن یقال : إن المفهوم إنّما هو حکم غیر مذکور ، لا إنّه حکم لغیر مذکور ، کما فسّر (1) به ، وقد وقع فیه النقض والإِبرام بین الأعلام (2) ، مع إنّه لا موقع له کما أشرنا إلیه فی غیر مقام ، لإنّه من قبیل شرح الاسم ، کما فی التفسیر اللغوی.
ومنه قد انقدح حال غیر هذا التفسیر مما ذکر فی المقام ، فلا یهمنا التصدی لذلک ، کما لا یهمنا بیان إنّه من صفات المدلول أو الدلالة وأنّ کان بصفات
__________________
1 ـ کما عن العضدی ، راجع شرح العضدی على مختصر المنتهى لابن الحاجب / 306 ، فی المنطوق والمفهوم.
2 ـ راجع تقریرات الشیخ مطارح الأنظار / 167 والفصول / 145 والقوانین 1 / 167.  
 
المدلول أشبه ، وتوصیف الدلالة [ به ] (1) أحیاناً کان من باب التوصیف بحال المتعلق.
وقد انقدح من ذلک أن النزاع فی ثبوت المفهوم وعدمه فی الحقیقة ، إنّما یکون فی أن القضیة الشرطیّة أو الوصفیة أو غیرهما هل تدلّ بالوضع أو بالقرینة العامة على تلک الخصوصیة المستتبعة لتلک القضیة الأخرى ، أم لا؟
فصل
الجملة الشرطیّة هل تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، کما تدلّ على الثبوت عند الثبوت بلا کلام ، أم لا؟ فیه خلاف بین الأعلام.
لا شبهة فی استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء فی غیر مقام ، إنّما الإِشکال والخلاف فی إنّه بالوضع أو بقرینة عامة ، بحیث لا بد من الحمل علیه لو لم یقم على خلافه قرینة من حال أو مقال. فلا بدّ للقائل بالدلالة من إقامة الدلیل على الدلالة ، بأحد الوجهین على تلک الخصوصیة المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.
وأما القائل بعدم الدلالة ففی فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسلیم اللزوم أو العلیة.
لکن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى کونها اتفاقیة ، فی غایة السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعاً ، وأما المنع عن إنّه بنحو الترتب على العلة فضلاً عن کونها منحصرة ، فله مجال واسع.
ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع کثرة
__________________
1 ـ أثبتناه من « أ ». 
 
استعمالها فی الترتب على نحو الترتب على الغیر المنحصرة منها بل فی مطلق اللزوم ـ بعیدة ، عهدتها على مدعیها ، کیف؟ ولایرى فی استعمالها فیهما (1) عنایة ، ورعایة علاقة ، بل إنّما تکون إرادته کإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عنایة ، کما یظهر على من أمعن النظر وأجال البصر (2) فی موارد الاستعمالات ، وفی عدم الإِلزام والأخذ بالمفهوم فی مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بإنّه لم یکن لکلامه مفهوم ، وعدم صحته لو کان له ظهور فیه معلوم.
وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومیة إلى ما هو أکمل افرادها ، وهو اللزوم بین العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جداً ، لعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلى الاکمل ، لاسیما مع کثرة الاستعمال فی غیره ، کما لا یکاد یخفى.
هذا مضافاً إلى منع کون اللزوم بینهما أکمل مما إذا لم تکن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا یوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لا بدّ منه فی تأثیر العلة فی معلولها آکد وأقوى.
إن قلت : نعم ، ولکنه قضیة الإِطلاق بمقدمات الحکمة ، کما أن قضیة إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی.
قلت : أولاً : هذا فیما تمت هناک مقدمات الحکمة ، ولا تکاد تتم فیما هو مفاد الحرف کما هاهنا ، وإلاّ لما کان معنى حرفیاً ، کما یظهر وجهه بالتأمل.
وثانیاً : تعینه من بین أنحائه بالإِطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معیّن ، ومقایسته مع تعیّن الوجوب النفسی بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق ، فإن النفسی هو الواجب على کلّ حال بخلاف الغیری ، فإنّه واجب على تقدیر دون
__________________
1 ـ فی « ب » : فیها.
2 ـ فی « ب » : البصیرة. 
 
تقدیر ، فیحتاج بیإنّه إلى مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر ، فیکون الإِطلاق فی الصیغة مع مقدمات الحکمة محمولاً علیه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن کلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج فی تعینه إلى القرینة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلاً ، کما لا یخفى.
ثم إنّه ربما یتمسک للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقریب إنّه لو لم یکن بمنحصر یلزم تقییده ، ضرورة إنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضیة إطلاقه إنّه یؤثر کذلک مطلقاً.
وفیه إنّه لا تکاد تنکر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه کذلک ، إلّا إنّه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.
فتلخص بما ذکرناه ، إنّه لم ینهض دلیل على وضع مثل ( إن ) على تلک الخصوصیة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم علیها قرینة عامة ، امّا قیامها أحیاناً کانت مقدمات الحکمة أو غیرها ، مما لا یکاد ینکر ، فلا یجدی القائل بالمفهوم ، إنّه قضیة (1) الإِطلاق فی مقام من باب الاتفاق.
وأما توهّم إنّه قضیة (2) إطلاق الشرط ، بتقریب أن مقتضاه تعینه ، کما أن مقتضى إطلاق الأمر تعیّن الوجوب.
ففیه : أن التعین لیس فی الشرط نحواً یغایر نحوه فیما إذا کان متعدداً ، کما کان فی الوجوب کذلک ، وکان الوجوب فی کلّ منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر ، لابد فی التخییری منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً کان أو متعدداً ، کان نحوه واحداً ودخله فی المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فیه ثبوتاً کی تتفاوت عند الإِطلاق إثباتاً ، وکان الإِطلاق مثبتا لنحو لا یکون له عدل لاحتیاج ما له العدل إلى زیادة مؤونة ، وهو ذکره بمثل ( أو کذا )
__________________
1 و 2 ـ فی « ب » : قضیته. 
 
واحتیاج ما إذا کان الشرط متعدداً إلى ذلک إنّما یکون لبیان التعدد ، لا لبیان نحو الشرطیّة ، فنسبة إطلاق الشرط إلیه لا تختلف ، کان هناک شرط آخر أم لا ، حیث کان مسوقاً لبیان شرطیته بلا إهمال ولا إجمال.
بخلاف إطلاق الأمر ، فإنّه لو لم یکن لبیان خصوص الوجوب التعیینی ، فلا محالة یکون فی مقام الإِهمال أو الإِجمال ، تأمل تعرف. هذا مع إنّه لو سلّم لا یجدی القائل بالمفهوم ، لما عرفت إنّه لا یکاد ینکر فیما إذا کان مفاد الإِطلاق من باب الاتفاق.
ثم إنّه ربما استدل المنکرون للمفهوم بوجوه :
أحدها : ما عُزی إلى السید (1) من أن تأثیر الشرط ، إنّما هو تعلیق الحکم به ، ولیس بممتنع أن یخلفه وینوب منابه شرط آخر یجری مجراه ، ولا یخرج عن کونه شرطاً ، فإن قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِن رِّجَالِکُمْ ) (2) یمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتى ینضم إلیه شاهد آخر ، فانضمام الثّانی إلى الأوّل شرط فی القبول ، ثم علمنا أن ضم أمراًتین إلى الشاهد الأوّل شرط فی القبول ، ثم علمنا أن ضم الیمین یقوم مقامه أیضاً ، فنیابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ أکثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا یلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قیام النار مقامها ، والأمثلة لذلک کثیرة شرعاً وعقلا.
والجواب : إنّه 1 إن کان بصدد إثبات إمکان نیابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ فی مقام الثبوت وفی الواقع ، فهو مما لا یکاد ینکر ، ضرورة أن الخصم یدعی عدم وقوعه فی مقام الإِثبات ، ودلالة القضیة الشرطیّة علیه ، وأنّ کان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا یضره ، ما لم یکن
__________________
1 ـ الذریعة : 1 / 406 ، فی جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2 ـ البقرة / 282. 
 
بحسب القواعد اللفظیة راجحاً أو مساویاً ، ولیس فیما أفاده ما یثبت ذلک أصلاً ، کما لا یخفى.
ثانیها : إنّه لو دلّ لکان بإحدى الدلالات ، والملازمة _ کبطلان التالی _ ظاهرة. وقد أُجیب عنه بمنع بطلان التالی ، وأنّ الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزید علیه ما قیل أو یمکن أن یقال فی إثباته أو منعه ، فلا تغفل.
ثالثها : قوله تبارک وتعالى (1) : ( وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیَاتِکُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ).
وفیه ما لا یخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطیّة فیما لا مفهوم له أحیاناً وبالقرینة ، لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة وغیرها ، وإنما القائل به إنّما یدعی ظهورها فیما له المفهوم وضعاً أو بقرینة عامة ، کما عرفت.
بقى هاهنا أمور :
الأمر الأوّل : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قیوده ، فلا (2) یتمشى الکلام ـ فی أن للقضیة الشرطیّة مفهوماً أو لیس لها مفهوم ـ إلّا فی مقام کان هناک ثبوت سنخ الحکم فی الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممکناً ، وإنما وقع النزاع فی أن النزاع فی أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا یکون لها دلالة.
ومن هنا انقدح إنّه لیس من المفهوم دلالة القضیة على الانتفاء عند الانتفاء فی الوصایا والاوقاف والنذور والإِیمان ، کما توهّم (3) ، بل عن الشهید
__________________
1 ـ النور / 33.
2 ـ فی « ب » : ولا.
3 ـ مطارح الأنظار / 173 ، الهدایة الثالثة من القول فی المفهوم والمنطوق. 
 
فی تمهید القواعد (1) ، إنّه لا إشکال فی دلالتها على المفهوم ، وذلک لأن انتفاءها عن غیر ما هو المتعلق لها ، من الأشخاص التی تکون بألقابها أو بوصف شیء أو بشرطه ، مأخوذة فی العقد أو مثل العهد لیس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب علیه ، بل لأجل إنّه إذا صار شیء وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له ، إلى غیر ذلک ، لا یقبل أن یصیر وقفا على غیره أو وصیة أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصیة عن غیر مورد المتعلق ، قد عرفت إنّه عقلی مطلقاً ولو قیل بعدم المفهوم فی مورد صالح له.
إشکال ودفع : لعلک تقول : کیف یکون المناط فی المفهوم هو سنخ الحکم ، لا نفس شخص الحکم فی القضیة؟ وکان الشرط فی الشرطیّة إنّما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحکم الحاصل بإنشائه دون غیره ، فغایة قضیتها انتفاء ذاک الحکم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهکذا الحال فی سائر القضایا التی تکون مفیدة للمفهوم.
ولکنک غفلت عن أن المعلّق على الشرط ، إنّما هو نفس الوجوب الذی هو مفاد الصیغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصیة الناشئة من قبل استعمالها فیه ، لا تکاد تکون من خصوصیات معناها المستعملة فیه ، کما لا یخفى ، کما لا تکون الخصوصیة الحاصلة من قبل الإخبار به ، ، من خصوصیات ما أخبر به
__________________
1 ـ تمهید القواعد / 14 ، القاعدة 25 ، عند قوله : ذهب جماعة من الأصولیین إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة ... الخ.
الشهید الثّانی هو الشیخ الاجل زین الدین بن نور الدین العاملی الجبعی ولد عام 911 ه‍ ، قرأ على والده جملة من الکتب العربیة والفقه ، ختم القرآن وعمره تسع سنین. ارتحل إلى بلاد عدیدة وقرأ على کثیر من العلماء منهم الشیخ علی بن عبد العالی المیسی ، ثم انتقل إلى بلده واشتغل بالتدریس والتصنیف ومصنفاته کثیرة مشهورة أولها « الروض » وآخرها « الروضة » ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارک ووالد البهائی وغیرهم ، استشهد سنة 966 ه‍ () الکنى والالقاب 2 / 344 ).
 
واستعمل فیه إخباراً لا إنشاءً.
وبالجملة : کما لا یکون المخبر به المعلّق على الشرط خاصاً بالخصوصیات الناشئة من قبل الإخبار به ، کذلک المنشأ بالصیغة المعلّق علیه ، وقد عرفت بما حققناه فی معنى الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فیه الحرف عام کالموضوع له ، وأنّ خصوصیة لحاظه بنحو الآلیة والحالیة لغیره من خصوصیة الاستعمال ، کما أن خصوصیة لحاظ المعنى بنحو الاستقلال فی الاسم کذلک ، فیکون اللحاظ الآلی کالاستقلالی ، من خصوصیات الاستعمال لا المستعمل فیه.
وبذلک قد انقدح فساد ما یظهر من التقریرات (1) فی مقام التفصی عن هذا الإِشکال ، من التفرقة بین الوجوب الإِخباری والإِنشائی ، بإنّه کلی فی الأوّل ، وخاص فی الثّانی ، حیث دفع الإِشکال بإنّه لا یتوجه فی الأوّل ، لکون الوجوب کلیاً ، وعلى الثّانی بأن ارتفاع مطلق الوجوب فیه من فوائد العلّیة المستفادة من الجملة الشرطیّة ، حیث کان ارتفاع شخص الوجوب لیس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فیها ، فإنّه یرتفع ولو لم یوجد فی حیال أداة الشرط کما فی اللقب والوصف.
وأورد (2) على ما تفُصّی به عن الإِشکال بما ربما یرجع إلى ما ذکرناه ، بما حاصله : إن التفصی لا یبتنی على کلیة الوجوب ، لما أفاده ، وکون الموضوع له فی الإِنشاء عاماً لم یقم علیه دلیل ، لو لم نقل بقیام الدلیل على خلافه ، حیث إن الخصوصیات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.
وذلک لما عرفت من أن الخصوصیات فی الإٍنشاءات والإِخبارات ، إنّما تکون ناشىء ة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بینهما. ولعمری ، لا یکاد ینقضی تعجبی ، کیف تجعل خصوصیات الانشاء من خصوصیات المستعمل
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 173 ، فی الهدایة الثالثة من القول فی المنطوق والمفهوم.
2 ـ المصدر المتقدم / 173 فی الهدایة الثالثة من القول فی المفهوم والمنطوق. 
 
فیه. مع إنّها کخصوصیات الإِخبار ، تکون ناشىء ة من الاستعمال ، ولا یکاد یمکن أن یدخل فی المستعمل فیه ما ینشأ من قبل الاستعمال ، کما هو واضح لمن تأمل.
الأمر الثّانی : إنّه إذا تعدَّد الشرط ، مثل ( إذا خفی الأذان فقصر ، وإذا خفی الجدران فقصر ) ، فبناء على ظهور الجملة الشرطیّة فی المفهوم ، لابد من التصرف ورفع الید عن الظهور.
إما بتخصیص مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر ، فیقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطین.
وإما برفع الید عن المفهوم فیهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلیة شیء آخر فی الجزاء ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإن فیهما الدلالة على ذلک.
وإما بتقیید إطلاق الشرط فی کلّ منهما بالآخر ، فیکون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً ، فإذا خفیا وجب القصر ، ولا یجب عند انتفاء خفائهما ولو خفی أحدهما.
وإما بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما ، بأن یکون تعدَّد الشرط قرینة على أن الشرط فی کلّ منهما لیس بعنوإنّه الخاص ، بل بما هو مصداق لما یعمهما من العنوان.
ولعل العرف یساعد على الوجه الثّانی ، کما أن العقل ربما یعین هذا الوجه ، بملاحظة أن الأمور المتعدِّدة بما هی مختلفة ، لا یمکن أن یکون کلّ منها مؤثراً فی واحد ، فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بین العلة والمعلول ، ولا یکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنین بما هما اثنان ، ولذلک أیضاً لا یصدر من الواحد إلّا الواحد ، فلا بدّ من المصیر إلى أن الشرط فی الحقیقة واحد ، وهو المشترک بین الشرطین بعد البناء على رفع الید عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط فی کلّ منهما على حاله ، وأنّ کان بناءً العرف والاذهان العامیة 
 
على تعدَّد الشرط وتأثیر کلّ شرط بعنوإنّه الخاص ، فافهم.
الأمر الثالث : إذا تعدَّد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشکال على الوجه الثالث ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الإِتیان بالجزاء متعدداً ، حسب تعدَّد الشروط؟ أو یتداخل ، ویکتفى بإتیإنّه دفعة واحدة؟.
فیه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساری (1) ـ التداخل ، وعن الحلّی (2) التفصیل بین اتحاد جنس الشروط وتعدده.
والتحقیق : إنّه لما کان ظاهر الجملة الشرطیّة ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بکشفه عن سببه ، وکان قضیته تعدَّد الجزاء عند تعدَّد الشرط ، کان الأخذ بظاهرها إذا تعدَّد الشرط حقیقة أو وجوداً محالاً ، ضرورة أن لازمه أن یکون الحقیقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هی واحدة ، فی مثل ( إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ) ، أو فیما إذا بال مکرراً ، أو (3) نام کذلک ، محکوماً بحکمین متماثلین ، وهو واضح الاستحالة کالمتضادین.
فلابد على القول بالتداخل من التصرف فیه : امّا بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت ، أو الالتزام بکون متعلق الجزاء وأنّ کان واحداً صورة ، إلّا إنّه حقائق متعددة حسب تعدَّد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وأنّ اشتغلت بتکالیف متعددة ، حسب
__________________
1 ـ مشارق الشموس 61 ، کتاب الطهارة فی تداخل الاغسال الواجبة ، قال : لأن تداخل الأسباب لا یوجب تعدَّد المسببات.
2 ـ السرائر / 55 ، فی باب أحکام السهو والشک فی الصلاة.
هو محمد بن احمد بن ادریس الحلّی ، فاضل فقیه ومحقق نبیه ، فخر الاجلة وشیخ فقهاء الحلة صاحب کتاب « السرائر » و « مختصر تبیان الشیخ » توفی سنة 598 وهو ابن خمس وخمسین ( الکنى والالقاب 1 / 201 )
3 ـ فی « ب » : و.
 
تعدد الشروط ، إلّا أن الاجتزاء بواحد لکونه مجمعاً لها ، کما فی ( أَکرم هاشمیاً وأضف عالماً ) ، فأکرم العالم الهاشمی بالضیافة ، ضرورة إنّه بضیافته بداعی الأمرین ، یصدق إنّه امتثلهما ، ولا محالة یسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وأنّ کان له امتثال کلّ منهما على حدة ، کما إذا أَکرم الهاشمی بغیر الضیافة ، وأضاف العالم الغیر الهاشمی.
إن قلت : کیف یمکن ذلک ـ أیّ الامتثال بما تصادق (1) علیه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحکمین المتماثلین فیه؟
قلت : انطباق عنوانین واجبین على واحد لا یستلزم اتصافه بوجوبین ، بل غایته أن انطباقهما علیه یکون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع إنّه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور فی اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا کان بعنوان واحد ، فافهم.
أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود کلّ شرط ، إلّا إنّه وجوب الوضوء فی المثال عند الشرط الأوّل ، وتأکد وجوبه عند الآخر.
ولا یخفى إنّه لا وجه لأن یصار إلى واحد منها ، فإنّه رفع الید عن الظاهر بلا وجه ، مع ما فی الأخیرین من الاحتیاج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وأنّ کان صورة واحداً سمی (2) باسم واحد ، کالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغیر الشرط الأوّل تؤکدّ ما حدث بالأول ، ومجرد الاحتمال لا یجدی ، ما لم یکن فی البین ما یثبته.
إن قلت : وجه ذلک هو لزوم التصرف فی ظهور الجملة الشرطیّة ، لعدم امکان الأخذ بظهورها ، حیث إنَّ قضیته اجتماع الحکمین فی الوضوء فی
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : تصادقا.
2 ـ فی « أ » مسمى. 
 
المثال ، کما مرت الإِشارة إلیه.
قلت : نعم ، إذا لم یکن المراد بالجملة ـ فیما إذا تعدَّد الشرط کما فی المثال ـ هو وجوب وضوء مثلاً بکل شرط غیر ما وجب بالآخر ، ولا ضیر فی کون فرد محکوماً بحکم فرد آخر أصلاً ، کما لا یخفى.
إن قلت : نعم ، لو لم یکن تقدیر تعدَّد الفرد على خلاف الإِطلاق.
قلت : نعم ، لو لم یکن ظهور الجملة [ الشرطیّة ] (1) فی کون الشرط سبباً أو کاشفاً عن السبب ، مقتضیاً لذلک أیّ لتعدد الفرد ، و (2) بیاناً لما هو المراد من الإِطلاق.
وبالجملة : لا دوران بین ظهور الجملة فی حدوث الجزاء وظهور الإِطلاق ضرورة أن ظهور الإِطلاق یکون معلّقاً على عدم البیان ، وظهورها فی ذلک صالح لأن یکون بیاناً ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا یلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل کما لا یخفى (3).
فتلخص بذلک ، أن قضیة ظاهر الجملة الشرطیّة ، هو القول بعدم التداخل عند تعدَّد الشرط.
وقد انقدح مما ذکرناه ، أن المجدی للقول بالتداخل هو أحد الوجوه
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ فی « أ » : وإلاّ کان بیانا. ولکن شطب علیه المصنف فی « ب ».
3 ـ هذا واضح بناءً على ما یظهر من شیخنا العلامة من کون ظهور الإِطلاق معلّقاً على عدم البیان مطلقاً ، ولو کان منفصلاً ، وأما بناءً على ما اخترناه فی غیر مقام ، من إنّه إنّما یکون معلّقاً على عدم البیان فی مقام التخاطب لا مطلقاً ، فالدوران حقیقة بین الظهورین حینئذ وأنّ کان ، إلّا إنّه لا دوران بینهما حکماً ، لأن العرف لا یکاد یشک بعد الاطلاع على تعدَّد القضیة الشرطیّة أن قضیته تعدَّد الجزاء ، وإنّه فی کلّ قضیة وجوب فرد غیر ما وجب فی الأخرى ، کما إذا اتصلت القضایا وکانت فی کلام واحد ، فافهم ( منه 1 ). 
 
التی ذکرناها ، لا مجرد کون الأسباب الشرعیة معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغیره ، من ابتناء المسألة على إنّها معرفات أو مؤثرات (2) ، مع أن الأسباب الشرعیة حالها حال غیرها ، فی کونها معرفات تارةً ومؤثرات أُخرى ، ضرورة أن الشرط للحکم الشرعی فی الجمل (3) الشرطیّة ، ربما یکون مما له دخل فی ترتب الحکم ، بحیث لولاه لما وجدت له علّة ، کما إنّه فی الحکم الغیر الشرعی ، قد یکون أمارة على حدوثه بسببه ، وأنّ کان ظاهر التعلیق أن له الدخل فیهما ، کما لا یخفى.
نعم ، لو کان المراد بالمعرفیة فی الأسباب الشرعیة إنّها لیست بدواعی الأحکام التی هی فی الحقیقة علل لها ، وأنّ کان لها دخل فی تحقق موضوعاًتها ، بخلاف الأسباب الغیر الشرعیة ، فهو وأنّ کان له وجه ، إلّا إنّه مما لا یکاد یتوهم إنّه یجدی فیما همّ وأراد.
ثم إنّه لا وجه للتفصیل (4) بین اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختیار عدم التداخل فی الأوّل ، والتداخل فی الثّانی ، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ فی الثّانی ، لإنّه من أسماء الاجناس ، فمع تعدَّد أفراد شرط واحد لم یوجد إلّا السبب الواحد ، بخلاف الأوّل ، لکون کلّ منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.
__________________
1 ـ فخر المحققین ابو طالب محمد بن جمال الدین حسن بن یوسف المطهر الحلّی ، ولد سنة 682 ، فاز بدرجة الاجتهاد فی السنة العاشرة من عمره الشریف کان والده العلامة یعظمه ویثنی علیه ، له کتب منها « غایة السؤل » و « شرح مبادىء الأصول ». توفی سنة 771 ه‍. () روضات الجنات 6 / 230 رقم 591 ).
2 ـ حکى الشیخ الاعظم (ره) نسبته إلى فخر المحققین (ره) واحتمل تبعة النراقی (ره) له فی العوائد / مطارح الأنظار / 175 فی الهدایة 6 من القول فی المفهوم والمنطوق.
3 ـ فی « ب » : الجملة.
4 ـ المفصل هو ابن إدریس فی السرائر / 55 ، عند قوله ( قده ) : فإن سها المصلی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات کثیرة ... الخ.  

 
فإن قضیة اطلاق الشرط فی مثل ( إذا بلتَ فتوضأ ) هو حدوث الوجوب عند کلّ مرة لو بال مرّات ، وإلاّ فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فیما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إلیه الإِشارة ، من أن الاشیاء المختلفة بما هی مختلفة لا تکون أسبابا لواحد ، هذا کله فیما إذا کان موضوع الحکم فی الجزاء قابلاً للتعدد.
وأما ما لا یکون قابلاً لذلک ، فلابد من تداخل الأسباب ، فیما لا یتأکد المسبب ، ومن التداخل فیه فیما یتأکد.
فصل
الظاهر إنّه لا مفهوم للوصف وما بحکمه مطلقاً ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغویة بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرینة أُخرى ملازمة له ، وعلّیته فیما إذا استفیدت غیر مقتضیة له ، کما لا یخفى ، ومع کونها بنحو الانحصار وأنّ کانت مقتضیة له ، إلّا إنّه لم یکن من مفهوم الوصف ، ضرورة إنّه قضیة العلة الکذائیة المستفادة من القرینة علیها فی خصوص مقام ، وهو مما لا إشکال فیه ولا کلام ، فلا وجه لجعله تفصیلا فی محلّ النزاع ، وموردا للنقض والابرام.
ولا ینافی ذلک ما قیل من أن الأصل فی القید أن یکون احترازیا ، لأن الاحترازیة لا توجب إلّا تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیة ، مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد ، فلا فرق أن یقال : (جئنی بإنسان ) أو ( بحیوان ناطق ) ، کما إنّه لا یلزم فی حمل المطلق على المقید ، فیما وجد شرائطه إلّا ذلک ، من دون حاجة فیه إلى دلالته على المفهوم ، فإنّه من المعلوم أن قضیة الحمل لیس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقید ، وکأنه لا یکون فی البین غیره ، بل ربما قیل (1) :
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 183. 
 
إنّه لا وجه للحمل لو کان بلحاظ المفهوم ، فإن ظهوره فیه لیس بأقوى من ظهور المطلق فی الإِطلاق ، کی یحمل علیه ، لو لم نقل بإنّه الأقوى ، لکونه بالمنطوق ، کما لا یخفى.
وأما الاستدلال على ذلک ـ أیّ عدم الدلالة على المفهوم ـ بآیة ( وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُم ) (1) ففیه أن الاستعمال فی غیره أحیاناً مع القرینة مما لا یکاد ینکر ، کما فی الآیة قطعاً ، مع إنّه یعتبر فی دلالته علیه عند القائل بالدلالة ، أن لا یکون وارداً مورد الغالب کما فی الآیة ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه على الاختصاص ، وبدونها لا یکاد یتوهم دلالته على المفهوم ، فافهم.
تذنیب : لا یخفى إنّه لا شبهة فی جریان النزاع ، فیما إذا کان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه ، فی مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما فی غیره ، ففی جریإنّه إشکال أظهره عدم جریإنّه ، وأنّ کان یظهر مما عن بعضٍ الشافعیة (2) ، حیث قال : ( قولنا فی الغنم السائمة زکاة ، یدلّ على عدم الزکاة فی معلوفة الابل ) جریإنّه فیه ، ولعل وجهه استفادة العلّیة المنحصرة منه.
وعلیه فیجری فیما کان الوصف مساویاً أو أعم مطلقاً أیضاً ، فیدل على انتفاء سنخ الحکم عند انتفائه ، فلا وجه فی التفصیل بینهما وبین ما إذا کان أخص من وجه (3) ، فیما إذا کان الافتراق من جانب الوصف ، بإنّه لا وجه للنزاع فیهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جریإنّه من بعضٍ الشافعیة فیه ، کما لا یخفى ، فتأمل جیداً.
__________________
1 ـ النساء / 23.
2 ـ راجع المنخول للغزالی / 222 ، فی مسائل المفهوم ، عند قوله : ( کقوله : فی عوامل الابل زکاة ... الخ ).
3 ـ التفصیل للشیخ ، مطارح الأنظار 182 ، عند قوله قده : ثم إن الوصف قد یکون مساویاً ... الخ. 

 
فصل
هل الغایة فی القضیة تدلّ على ارتفاع الحکم عما بعد الغایة ، بناءً على دخول الغایة فی المغّیا ، أو عنها وبعدها ، بناءً على خروجها ، أو لا؟
فیه خلاف ، وقد نسب (1) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع ، وإلى جماعة منهم السید (2) والشیخ (3) ، عدم الدلالة علیه.
والتحقیق : إنّه إذا کانت الغایة بحسب القواعد العربیة قیداً للحکم ، کما فی قوله : ( کلّ شیء حلال حتى تعرف إنّه حرام ) (4) ، و ( کلّ شیء طاهر حتى تعلم إنّه قذر ) (5) ، کانت دالّة على ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلک منها ، کما لا یخفى ، وکونه قضیة تقییده بها ، وإلاّ لما کان ما جعل غایة له بغایة ، وهو واضح إلى النهایة.
وأما إذا کانت بحسبها قیداً للموضوع ، مثل ( سر من البصرة إلى
__________________
1 ـ کما فی مطارح الأنظار / 186 ، فی مفهوم الغایة ، المقام الثانی.
2 ـ الذریعة 1 / 407 ، فی عدم الفرق بین الوصف والغایة.
3 ـ راجع عدة الأصول 2 / 24 ، تعلیق الحکم بالغایة.
هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علی الطوسی ، ولد سنة 385 ، قدم العراق سنة 408 ه‍ ، تتلمذ على الشیخ المفید والسید المرتضى وابی الحسین علی بن احمد بن محمد بن ابی الجید القمی ، ثم هاجر إلى مشهد امیر المؤمنین (ع) خوفاً من الفتنة التی تجددت ببغداد واحرقت کتبه وکرسی درسه ، بقی فی النجف إلى ان توفی سنة 460 ه‍ له مصنفات کثیرة منها : « التبیان » و « التهذیب » و « الاستبصار » و « المبسوط » و « الخلاف » و « العدة » فی الأصول. ( الکنى والالقاب 2 / 357 )
4 ـ الکافی : 5 / 313. الحدیث 40 من باب النوادر ، کتاب المعیشة. باختلاف یسیر.
5 ـ التهذیب : 1 / 284. الحدیث 119. باختلاف یسیر. 
 
الکوفة ) ، فحالها حال الوصف فی عدم الدلالة ، وأنّ کان تحدیده بها بملاحظة حکمه وتعلق الطلب به ، وقضیته لیس إلّا عدم الحکم فیها إلّا بالمغیّا ، من دون دلالة لها أصلاً على انتفاء سنخه عن غیره ، لعدم ثبوت وضع لذلک ، وعدم قرینة ملازمة لها ولو غالباً ، دلت على اختصاص الحکم به ، وفائدة التحدید بها کسائر أنحاء التقیید ، غیر منحصرة بإفادته کما مرّ فی الوصف.
ثم إنّه فی الغایة خلاف آخر ، کما أشرنا إلیه ، وهو إنّها هل هی داخلة فی المغیّا بحسب الحکم ، أو خارجة عنه؟ والاظهر خروجها ، لکونها من حدوده ، فلا تکون محکومة بحکمه ، ودخوله فیه فی بعضٍ الموارد إنّما یکون بالقرینة ، وعلیه تکون کما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأوّل ، کما إنّه على القول الآخر تکون محکومة بالحکم منطوقاً ، ثم لا یخفى أن هذا الخلاف لا یکاد یعقل جریإنّه فیما إذا کان قیداً للحکم ، فلا تغفل (1).
فصل
لا شبهة فی دلالة الاستثناء على اختصاص الحکم ـ سلباً أو إیجاباً ـ بالمستثنى منه ولا یعم المستثنى ، ولذلک یکون الاستثناء من النفی إثباتاً ، ومن الإِثبات نفیاً ، وذلک للانسباق عند الإِطلاق قطعاً ، فلا یعبأ بما عن أبی حنیفة (2) من عدم الإِفادة ، محتجاً بمثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) ضرورة ضعف احتجاجه :
__________________
1 ـ حیث أن المغیّا حینئذ هو نفس الحکم ، لا المحکوم به لیصحّ أن ینازع فی دخول الغایة فی حکم المغیّا ، أو خارج عنه ، کما لا یخفى ، نعم یعقل أن ینازع فی أن الظاهر هل هو انقطاع الحکم المغیّا بحصول غایته [ فی ] الاصطلاح ، أیّ مدخول إلى أو حتى. أو استمراره فی تلک الحال ، ولکن الأظهر هو انقطاعه ، فافهم واستقم ، ( منه 1 ).
2 ـ راجع شرح مختصر الأصول للعضدی / 265 ، والتقریر والتحبیر 1 / 313.
 
 
أولا : یکون المراد من مثله (1) إنّه لا تکون الصلاة التی کانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فیها صلاة ، إلّا إذا کانت واجدة للطهارة ، وبدونها لا تکون صلاة على وجه ، وصلاة تامة مأموراً بها على آخر.
وثانیاً : بأن الاستعمال مع القرینة ، کما فی مثل الترکیب ، مما علم فیه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلاً ، کما لا یخفى.
ومنه قد انقدح (2) إنّه لا موقع للاستدلال على المدَّعى ، بقبول رسول الله 9 إسلام من قال کلمة التوحید ، لإمکان دعوى أن دلالتها على التوحید کان بقرینة الحال أو المقال.
والاشکال فی دلالتها علیه ـ بأن خبر ( لا ) امّا یقدّر ( ممکن ) أو ( موجود ) وعلى کلّ تقدیر لا دلالة لها علیه ، امّا على الأوّل : فإنّه (3) حینئذ لا دلالة لها إلّا على إثبات إمکان وجوده تبارک وتعالى ، لا وجوده ، وأما على الثّانی : فلأنها وأنّ دلت على وجوده تعالى ، إلّا إنّه لا دلالة لها على عدم إمکان إله آخر ـ مندفع ، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود ؛ ونفی ثبوته ووجوده فی الخارج ، وإثبات فرد منه فیه ـ وهو الله ـ یدلّ بالملازمة البینة على امتناع تحققه فی ضمن غیره تبارک وتعالى ، ضرورة إنّه لو لم یکن ممتنعا لوجد ، لکونه من أفراد الواجب.
__________________
أبو حنیفة النعمان بن ثابت بن زوطی الکوفی ولد عام 80 ه‍ ، امام الحنفیة ،ـ احد الأئمة الأربعة عند اهل السنة ، قیل اصله من ابناء فارس ، ولد ونشأ بالکوفة ، وکان یبیع الخز ویطلب العلم فی صباه ثم انقطع للتدریس والافتاء ، توفی ببغداد عام 150 ه‍ ( ) الکنى والالقاب 1 / 50 )
1 ـ بل المراد من مثله فی المستثنى منه نفی الإِمکان ، وإنّه لا یکاد یکون بدون المستثنى ، قضیته لیس إلّا إمکان ثبوته معه لا ثبوته فعلاً ، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضایا العرفیة ، منه ( 1 ).
2 ـ ردّ على صاحب الفصول والشیخ 1 أنظر الفصول / 195 ، مطارح الأنظار / 187
3 ـ فی « ب » فلإنّه. 
 
ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحکم فی طرف المستثنى بالمفهوم ، وإنّه لازم خصوصیة الحکم فی جانب المستثنى منه التی دلت علیها الجملة الاستثنائیة ، نعم لو کانت الدلالة فی طرفه بنفس الاستثناء لا بتلک الجملة ، کانت بالمنطوق ، کما هو لیس ببعید ، وأنّ کان تعیین ذلک لا یکاد یفید.
ومما یدلّ على الحصر والاختصاص ( إنّما ) ، وذلک لتصریح أهل اللغة بذلک ، وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.
ودعوى ـ أن الإِنصاف (1) إنّه لا سبیل لنا إلى ذلک ، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا یعلم بما هو مرادف لها فی عرفنا ، حتى یستکشف منها (2) ما هو المتبادر منها ـ غیر مسموعة ، فإن السبیل إلى التبادر لا ینحصر بالانسباق إلى أذهاننا ، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أیضاً سبیل.
وربما یعد مما دلّ على الحصر ، کلمة ( بل ) الإِضرابیة.
والتحقیق أن الإِضراب على أنحاء :
منها : ماکان لأجل أن المضرب عنه ، إنّما أتى به غفلة أو سبقه به لسإنّه ، فیضرب بها عنه إلى ما قصد بیإنّه ، فلا دلالة له على الحصر أصلاً ، فکإنّه أتى بالمضرب إلیه ابتداء ، کما لا یخفى.
ومنها : ما کان لأجل التأکید ، فیکون ذکر المضرب عنه کالتوطئة والتمهید لذکر المضرب إلیه ، فلا دلالة له علیه أیضاً.
ومنها : ما کان فی مقام الردع ، وإبطال ما أثبت أولاً ، فیدل علیه (3) وهو
__________________
1 ـ المدعی هو الشیخ ( قدس ) مطارح الأنظار / 188.
2 ـ فی « ب » : منه.
3 ـ إذا کان بصدد الردع عنه ثبوتاً ، وأما إذا کان بصدده إثباتاً ، کما إذا کان مثلاً بصدد بیان إنّه إنّما أثبته أولاً بوجه لا یصحّ معه الإِثبات اشتباها ، فلا دلالة له على الحصر أیضاً ، فتأمل جیداً ( منه 1 )  

 
واضح.
ومما یفید الحصر ـ على ما قیل ـ تعریف المسند إلیه باللام.
والتحقیق إنّه لا یفیده إلّا فیما اقتضاه المقام ، لأن الأصل فی اللام أن تکون لتعریف الجنس ، کما أن الأصل فی الحمل فی القضایا المتعارفة ، هو الحمل المتعارف الذی ملاکه مجرد الاتحاد فی الوجود ، فإنّه الشائع فیها ، لا الحمل الذاتی الذی ملاکه الاتحاد بحسب المفهوم ، کما لا یخفى ، وحمل شیء على جنس وماهیة کذلک ، لا یقتضی اختصاص تلک الماهیة به وحصرها علیه ، نعم ، لو قامت قرینة على أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإِطلاق ، أو على أن الحمل علیه کان ذاتیا لاُفید حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.
وقد انقدح بذلک الخلل فی کثیر من کلمات الأعلام فی المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام ، ولا نطیل بذکرها فإنّه بلا طائل ، کما یظهر للمتأمل ، فتأمل جیداً.
فصل لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحکم عن غیر موردهما أصلاً ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه لیس بمفهوم ، کما أن قضیة التقیید بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه ، لإنّه لیس بذاک الخاص والمقید ، وأما الزیادة فکالنقیصة إذا کان التقیید به للتحدید بالإضافة إلى کلاّ طرفیه ، نعم لو کان لمجرد التحدید بالنظر إلى طرفه الأقلّ لما کان فی الزیادة ضیر أصلاً ، بل ربما کان فیها فضیلة وزیادة ، کما لا یخفى.
وکیف کان ، فلیس عدم الاجتزاء بغیره من جهة دلالته على المفهوم ، بل إنّما یکون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ فی المنطوق ، کما هو معلوم.
 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی