منابع ازمون وکالت 97

اصول فقه :: پرتال تخصصی فقه و حقوق

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

پرتال تخصصی فقه و حقوق

متون فقه | اصول فقه | حقوق اساسی | حقوق مدنی | حقوق تجارت | آیین دادرسی مدنی | آیین دادرسی کیفری

به پرتال تخصصی فقه و حقوق خوش آمدید

آمادگی برای آزمون وکالت

وبلاگ حقوقي نيما جهانشيري

پیوندها
کفایة الاصول - قسمت اول

بسم الله الرحمن الرحیم

نحمدک اللهم یا من أضاء على مطالع العقول والالباب ، وأنار علیها بسواطع السنة والکتاب ، فأحکم الفروع بأصولها فی کلّ باب ، ونصلّی على أفضل من اُوتی الحکمة وفصل الخطاب ، وعلى آله الطاهرین الأطیاب ، سیّما المخصوص بالاخوة سیّد أولی الالباب.
ربّنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول وآل الرسول ، فاغفر لنا ذنوبنا ، وقنا سوء الحساب ، واللعنة على أعدائهم من الیوم إلى یوم الحساب.
وبعد : فالعلم على تشعّب شؤونه ، وتفنّن غصونه ، مفتقر إلى علم الأصول افتقار الرعیة إلى السلطان ، ونافذ حکمه علیها بالوجدان ، ولا سیّما العلوم الدینیة ، وخصوصاً الأحکام الشرعیة ، فلولا الأصول لم تقع فی علم الفقه على محصول.
فیه استقرت قواعد الدین ، وبه صار الفقه کشجرة طیبة تؤتی أکلها کلّ حین ، فلذا بادر علماء الامصار ، وفضلاء الأعصار ـ فی کلّ دور من الأدوار ـ إلى تمهید قواعده ، وتقیید شوارده ، وتبیین ضوابطه ، وتوضیح روابطه ، وتهذیب اُصوله ، وإحکام قوانینه ، وترتیب فصوله.
لکنّه لما فیه من محاسن النکت والفقر ، ولطائف معانٍ تدق دونها الفکر ، جل عن أن یکون شرعة لکلّ وارد ، أو أن یطلع على حقائقه إلّا واحد
 
بعد واحد ، فنهض به من اُولی البصائر کابر بعد کابر ، فللّه دَرّهم من عصابة تلقّوا وأذعنوا ، وبرعوا فأتقنوا ، وأجادوا فجادوا ، وصنفوا وأفادوا ، أثابهم الله برضوإنّه وبّوأهم بحبوحات جنإنّه.
حتى انتهى الأمر إلى أوحد علماء العصر ، قطب فلک الفقاهة والاجتهاد ، ومرکز دائرة البحث والانتقاد ، الطود الشامخ ، والعلم الراسخ ، محیی الشریعة وحامی الشیعة ، النحریر الأوّاه ، والمجاهد فی سبیل الله ، خاتم الفقهاء والمجتهدین ، وحجّة الاسلام والمسلمین ، الوفی الصفی ، مولانا الآخوند ( ملا محمد کاظم الهروی الطوسی النجفی ) مد الله أطناب ظلاله على رؤوس الأنام ، وعمر بوجوده دوارس شرع الاسلام ، فقد فاز ـ دام ظله ـ منه بالقدح المعلى وجلّ عن قول أین وأنىّ ، وجرى بفکر صائب تقف دونه الأفکار ، ونظر ثاقب یکاد سنا برقه یذهب بالابصار ، فلذا أذعن بفضله الفحول ، وتلقوه بأنعم القبول. وأظهر صحفاً هی المنتهى فی التبیان ، ذوات نکت لم یطمثهن قبله إنس ولا جان ، ویغنیک العیان عن البیان ، والوجدان عن البرهان.
فما قدمته لک إحدى مقالاته الشافیة ، ورسائله الکافیة ، فقد أخذت بجزأیها على شطری الأصول الأصلیة ، من مباحث الألفاظ والادلة العقلیة ، وأغنت بالاشارة عن المطّولات ، فهی النهایة والمحصول ، فحریّ بأن یسمى ب‍ ( کفایة الأصول ) ، فأین من یعرف قدرها ، ولا یرخص مهرها ، وعلى الله قصد السبیل ، وهو حسبی ونعم الوکیل.
قال أدام الله ظله [ بعد التسمیة والتحمید والتصلیة ] (1) :
__________________
1 ـ نقلنا هذه المقدمة من « ب ». وهی من إنشاءً المتصدی لطبع النسخة الحجریة.
 
 
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرین ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعین.
وبعد فقد رتّبته على مقدّمة ، ومقاصد وخاتمة.
    أمّا المقدّمة
ففی بیان أمور :
 
 
 
 
الأول
إنّ موضوع کلّ علم ، وهو الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة ـ أیّ بلا واسطة فی العروض ـ هو نفس موضوعاًت مسائله عیناً ، وما یتّحد معها خارجاً ، وأنّ کان یغایرها مفهوماً ، تغایر الکّلی ومصادیقه ، والطبیعی وأفراده. والمسائل عبارة عن جملة من قضایا متشّتتة ، جمعها اشتراکها فی الدخل فی الغرض الذی لأجله دُوَّن هذا العلم ، فلذا قد یتداخل بعضٍ العلوم فی بعضٍ المسائل ، مما کان له دخل فی مهمین ، لأجل کلّ منهما دُوّن علم على حدة ، فیصیر من مسائل العلمین.
لا یقال : على هذا یمکن تداخل علمین فی تمام مسائلهما ، فیما کان هناک مهمان متلازمان فی الترتّب على جملة من القضایا ، لا یکاد انفکاکهما.
فإنّه یقال : مضافاً إلى بُعد ذلک ، بل امتناعه عادةً ، لا یکاد یصحّ لذلک تدوین علمین وتسمیتهما باسمین ، بل تدوین علم واحد ، یبحث فیه تارةً لکلا المهمّین ، واخرى لأحدهما ، وهذا بخلاف التداخل فی بعضٍ المسائل ، فان حسن تدوین علمین ـ کانا مشترکین فی مسألة ، أو أزید ـ فی جملة مسائلهما المختلفة ، لأجل مهمین ، مما لا یخفى.
 
 
وقد انقدح بما ذکرنا ، أن تمایَز العلوم إنّما هو باختلاف الاغراض الداعیة إلى التدوین ، لا الموضوعاًت ولا المحمولات ، وإلاّ کان کلّ باب ، بل کلّ مسألة من کلّ علم ، علماً على حدة ، کما هو واضح لمن کان له أدنى تأمّل ، فلا یکون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدد ، کما لا یکون وحدتهما سبباً لأن یکون من الواحد.
ثم إنّه ربما لا یکون لموضوع العلم ـ وهو الکلّی المتّحد مع موضوعاًت المسائل ـ عنوان خاص واسم مخصوص ، فیصحّ أن یعبّر عنه بکل ما دلّ علیه ، بداهة عدم دخل ذلک فی موضوعیته أصلاً.
وقد انقدح بذلک أن موضوع علم الأصول ، هو الکلّی المنطبق على موضوعاًت مسائله المتشتتة ، لا خصوص الأدلّة الأربعة بما هی أدلّة (1) ، بل ولا بما هی هی (2) ، ضرورة أن البحث فی غیر واحد من مسائله المهمّة لیس من عوارضها ، وهو واضح لو کان المراد بالسّنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقریره ، کما هو المصطلح فیها ، لوضوح عدم البحث فی کثیر من مباحثها المهمّة ، کعمدة مباحث التعادل والترجیح ، بل ومسألة حجیة خبر الواحد ، لا عنها ولا عن سائر الادلّة ، ورجوع البحث فیهما ـ فی الحقیقة ـ إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد ، فی مسألة حجّیة الخبر ـ کما اُفید ـ (3) وبأی الخبرین فی باب التعارض ، فإنّه أیضاً بحث فی الحقیقة عن حجیة الخبر فی هذا الحال غیر مفید فان البحث عن ثبوت الموضوع ، وما هو مفاد کان التامة ، لیس بحثاً عن عوارضه ، فإنّها مفاد کان الناقصة.
لا یقال : هذا فی الثبوت الواقعی ، وأمّا الثبوت التعبدی ـ کما هو
__________________
1 ـ کما هو المشهور بین الأصولیین.
2 ـ صرح به صاحب الفصول ، الفصول / 4.
3 ـ افاده الشیخ ( قده ) فی فرائد الأصول / 67 ، فی بدایة مبحث حجیة الخبر الواحد.  
 
المهم فی هذه المباحث ـ فهو فی الحقیقة یکون مفاد کان الناقصة.
فإنّه یقال : نعم ، لکّنه مما لا یعرض السنة ، بل الخبر الحاکی لها ، فإن الثبوت التعبدی یرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر کالسنة المحکیة به ، وهذا من عوارضه لا عوارضها ، کما لا یخفى.
وبالجملة : الثبوت الواقعی لیس من العوارض ، والتعبدی وأنّ کان منها ، إلّا إنّه لیس للسنة ، بل للخبر ، فتأمل جیداً.
وأما إذا کان المراد (1) من السنة ما یعم حکایتها ، فلان البحث فی تلک المباحث وأنّ کان عن أحوال السنة بهذا المعنى ، إلّا أن البحث فی غیر واحد من مسائلها ، کمباحث الألفاظ ، وجملة من غیرها ، لا یخص الادلة ، بل یعم غیرها ، وأنّ کان المهمّ معرفة أحوال خصوصها ، کما لا یخفى.
ویؤیّد ذلک تعریف الأصول ، بإنّه ( العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحکام الشرعیة ) ، وأنّ کان الأولى تعریفه بإنّه ( صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام ، أو التی ینتهى إلیها فی مقام العمل ) ، بناءً على أن مسألة حجیة الظنّ على الحکومة ، ومسائل الأصول العملیة فی الشبهات الحکمیة من الأصول ، کما هو کذلک ، ضرورة إنّه لا وجه لالتزام الاستطراد فی مثل هذه المهمّات.
الأمر الثانی
الوضع هو نحو اختصاص للّفظ بالمعنى ، وارتباط خاص بینهما ، ناش من تخصیصه به تارةً ، ومن کثرة استعماله فیه أُخرى ؛ وبهذا المعنى صحّ تقسیمه إلى التعیینی والتعیّنی ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ هذا مراد صاحب الفصول ، الفصول / 12.   

 
ثم إن الملحوظ حال الوضع : امّا یکون معنى عاماً ، فیوضع اللفظ له تارةً ، ولافراده ومصادیقه أُخرى ؛ وإما یکون معنى خاصاً ، لا یکاد یصحّ إلّا وضع اللفظ له دون العام ، فتکون الأقسام ثلاثة ، وذلک لأن العام یصلح لأن یکون آلة للحاظ أفراده ومصادیقه بما هو کذلک ، فإنّه من وجوهها ، ومعرفة وجه الشیء معرفته بوجه ، بخلاف الخاص ، فإنّه بما هو خاص ، لا یکون وجهاً للعام ، ولا لسائر الأفراد ، فلا یکون معرفته وتصوره معرفة له ، ولا لها ـ أصلاً ـ ولو بوجه.
نعم ربّما یوجب تصوّره تصوّر العام بنفسه ، فیوضع له اللفظ ، فیکون الوضع عاماً ، کما کان الموضوع له عاماً ، وهذا بخلاف ما فی الوضع العام والموضوع له الخاص ، فإن الموضوع له ـ وهی الأفراد ـ لا یکون متصوراً إلّا بوجهه وعنوإنّه ، وهو العام ، وفرق واضح بین تصوّر الشیء بوجهه ، وتصوّره بنفسه ، ولو کان بسبب تصوّر أمر آخر.
ولعل خفاء ذلک على بعضٍ الأعلام (1) ، وعدم تمیزه بینهما ، کان موجباً لتوهم امکان ثبوت قسم رابع ، وهو أن یکون الوضع خاصاً ، مع کون الموضوع له عاماً ، مع إنّه واضح لمن کان له أدنى تأمل.
ثم إنّه لا ریب فی ثبوت الوضع (2) الخاص والموضوع له الخاص کوضع الأعلام. وکذا الوضع (3) العام والموضوع له العام ، کوضع أسماء الاجناس وأما الوضع العام والموضوع له الخاص ، فقد توهّم (4) إنّه وضع الحروف ، وما ألحق بها من الأسماء ، کما توهّم (5) أیضاً ان المستعمل فیه فیها (6)
__________________
1 ـ الظاهر إنّه صاحب البدائع ، البدائع / 39 ، فی تقسیم الوضع إلى العام والخاص.
2 ـ 3 ـ فی « أ و ب » : وضع.
4 ـ صاحب الفصول ، الفصول / 16 ، فی الوضع.
5 ـ الفصول / 16 ، فی الوضع.
6 ـ فی « أ » : أن المستعمل فیها.  
 
خاصٌ (1) مع کون الموضوع له کالوضع عاماً.
والتحقیق ـ حسبما یؤدّی إلیه النظر الدقیق ـ أن حال المستعمل فیه والموضوع له فیها حالهما فی الأسماء ، وذلک لأن الخصوصیة المتوهمة ، إن کانت هی الموجبة لکون المعنى المتخصص بها جزئیاً خارجیاً ، فمن الواضح أن کثیراً ما لا یکون المستعمل فیه فیها کذلک بل کلیاً ، ولذا التجأ بعضٍ الفحول (2) إلى جعله جزئیاً إضافیاً ، وهو کما ترى. وأنّ کانت هی الموجبة لکونه جزئیاً ذهنیاً ، حیث إنّه لا یکاد یکون المعنى حرفیاً ، إلّا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ، ومن خصوصیاته القائمة به ، ویکون حاله کحال العرض ، فکما لا یکون فی الخارج إلّا فی الموضوع ، کذلک هو لا یکون فی الذهن إلّا فی مفهوم آخر ، ولذا قیل فی تعریفه : بإنّه ما دلّ على معنى فی غیره ، فالمعنى ، وأنّ کان لا محالة یصیر جزئیا بهذا اللحاظ ، بحیث یباینه إذا لوحظ ثانیاً ، کما لوحظ أولاً ، ولو کان اللاحظ واحداً ، إلّا أن هذا اللحاظ لا یکاد مأخوذاً فی المستعمل فیه ، وإلاّ فلا بدّ من لحاظ آخر ، متعلّق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ ، بداهة أن تصوّر المستعمل فیه مما لا بدّ منه فی استعمال الألفاظ ، وهو کما ترى.
مع إنّه یلزم أن لا یصدق على الخارجیات ، لامتناع صدق الکلّی العقلی علیها ، حیث لا موطن له إلّا الذهن ، فامتنع امتثال مثل ( سر من البصرة ) إلّا بالتجرید وإلغاء (3) الخصوصیة ، هذا.
مع إنّه لیس لحاظ المعنى حالة لغیره فی الحروف إلّا کلحاظه فی نفسه فی الأسماء ، وکما لا یکون هذا اللحاظ معتبراً فی المستعمل فیه فیها ، کذلک ذاک اللحاظ فی الحروف ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : خاصا.
2 ـ المراد من بعضٍ الفحول ، امّا صاحب الفصول ، الفصول / 16 ، وإما المحقق التقی ، هدایة المسترشدین / 30.
3 ـ فی « ب » : إلقاء.  
 
وبالجملة : لیس المعنى فی کلمة ( من ) ولفظ الابتداء ـ مثلاً ـ إلّا الابتداء ، فکما لا یعتبر فی معناه لحاظه فی نفسه ومستقلاً ، کذلک لا یعتبر فی معناها لحاظه فی غیرها وآلة ، وکما لا یکون لحاظه فیه موجباً لجزئیته ، فلیکن کذلک فیها.
إن قلت : على هذا لم یبق فرق بین الاسم والحرف فی المعنى ، ولزم کون مثل کلمة ( من ) ولفظ الابتداء مترادفین ، صحّ استعمال کلّ منهما فی موضع الآخر ، وهکذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانیها ، وهو باطل بالضرورة ، کما هو واضح.
قلت : الفرق بینهما إنّما هو فی اختصاص کلّ منهما بوضع ، حیث [ إنّه ] (1) وضع الاسم لیراد منه معناه بما هو هو وفی نفسه ، والحرف لیراد منه معناه لا کذلک ، بل بما هو حالة لغیره ، کما مرّت الإِشارة إلیه غیر مرّة ، فالاختلاف بین الاسم والحرف فی الوضع ، یکون موجباً لعدم جواز استعمال أحدهما فی موضع الآخر ، وأنّ اتفقا فیما له الوضع ، وقد عرفت ـ بما لا مزید علیه ـ أن نحو إرادة المعنى لا یکاد یمکن أن یکون من خصوصیاته ومقوماته.
ثم لا یبعد أن یکون الاختلاف فی الخبر والانشاء أیضاً کذلک ، فیکون الخبر موضوعاً لیستعمل فی حکایة ثبوت معناه فی موطنه ، والانشاء لیستعمل فی قصد تحققه وثبوته ، وأنّ اتفقا فیما استعملا فیه ، فتأمّل.
ثم إنّه قد انقدح مما حققناه ، إنّه یمکن أن یقال : إن المستعمل فیه فی مثل أسماء الإِشارة والضمائر أیضاً عام ، وأنّ تشخّصه إنّما نشأ من قبل طور استعمالها ، حیث انَّ أسماء الإِشارة وضعت لیشار بها إلى معانیها ، وکذا
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».  
 
بعض الضمائر ، وبعضها لیخاطب به (1) المعنى ، والإِشارة والتخاطب یستدعیان التشخص کما لا یخفى ، فدعوى : أن المستعمل فیه فی مثل ( هذا ) أو ( هو ) أو ( إیّاک ) إنّما هو المفرد المذکر ، وتشخصه إنّما جاء من قبل الإِشارة ، أو التخاطب بهذه الألفاظ إلیه ، فإن الإِشارة أو التخاطب لا یکاد یکون إلّا إلى الشخص أو معه ، غیر مجازفة.
فتلخصّ مما حققناه : ان التشخص الناشىء من قبل الاستعمالات ، لا یوجب تشخص المستعمل فیه ، سواء کان تشخصاً خارجیاً ـ کما فی مثل أسماء الإِشارة ـ أو ذهنیاً ـ کما فی أسماء الأجناس والحروف ونحوهما ـ من غیر فرق فی ذلک أصلاً بین الحروف وأسماء الأجناس ، ولعمری هذا واضح. ولذا لیس فی کلام القدماء من کون الموضوع له أو المستعمل فیه خاصاً فی الحرف عین ولا أثر ، وإنما ذهب إلیه بعضٍ من تأخّر ، (2) ولعلّه لتوهّم کون قصده بما هو فی غیره ، من خصوصیات الموضوع له ، أو المستعمل فیه ، والغفلة من أن قصد المعنى من لفظه على أنحائه ، لا یکاد یکون من شؤونه وأطواره ، وإلاّ فلیکن قصده بما هو هو وفی نفسه کذلک ، فتأمّل فی المقام فإنّه دقیق ، وقد زل فیه أقدام غیر واحد من أهل التحقیق والتدقیق.
الثالث
صحّة استعمال اللفظ فیما یناسب ما وضع له ، هل هو بالوضع ، أو بالطبع؟ وجهان ، بل قولان ، أظهرهما إنّه بالطبع بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فیه ولو مع منع الواضع عنه ، وباستهجان الاستعمال فیما لا یناسبه ولو مع ترخیصه ، ولا معنى لصحته إلّا حسنه ، والظاهر أن صحة الاستعمال
__________________
1 ـ فی « ب » : بها.
2 ـ صاحب الفصول ، الفصول / 16.  
 
اللفظ فی نوعه أو مثله من قبیله ، کما یأتی الإِشارة إلى تفصیله (1).
الرابع
لا شبهة فی صحة إطلاق اللفظ ، وإرادة نوعه به ، کما إذا قیل : ضرب ـ مثلاً ـ فعل ماض ، أو صنفه کما إذا قیل : ( زید ) فی ( ضرب زید ) فاعل ، إذا لم یقصد به شخص القول أو مثله ک‍ ( ضرب ) فی المثال فیما إذا قصد.
وقد أشرنا (2) إلى أن صحة الإِطلاق کذلک وحسنه ، إنّما کان بالطبع لا بالوضع ، وإلاّ کانت المهملات موضوعة لذلک ، لصحة الإِطلاق کذلک فیها ، والالتزام بوضعها کذلک کما ترى.
وأمّا إطلاقه وإرادة شخصه ، کما إذا قیل : ( زید لفظ ) وأرید منه شخص نفسه ، ففی صحته بدون تأویل نظر ، لاستلزامه اتحاد الدالّ والمدلول ، أو ترکب القضیة من جزءین کما فی الفصول (3).
بیان ذلک : إنّه إن اعتبر دلالته على نفسه ـ حینئذ ـ لزم الاتحاد ، وإلاّ لزم ترکبها من جزءین ، لأن القضیة اللفظیة ـ على هذا ـ إنّما تکون حاکیة عن المحمول والنسبة ، لا الموضوع ، فتکون القضیة المحکیة بها مرکبة من جزءین ، مع امتناع الترکب إلّا من الثلاثة ، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبین.
قلت : یمکن أن یقال : إنّه یکفی تعدَّد الدالّ والمدلول اعتباراً ، وأنّ اتَّحَدا ذاتاً ، فمن حیث إنّه لفظ صادر عن لافظه کان د إلّا ، ومن حیث أن
__________________
1 ـ فی الأمر الرابع.
2 ـ أشار إلیه فی الأمر الثالث.
3 ـ الفصول / 22 ، عند قوله : فصل قد یطلق اللفظ .. الخ.
 
نفسه وشخصه مراده کان مدلولاً.
مع أن حدیث ترکب القضیة من جزءین ـ لولا اعتبارٍ الدلالة فی البین ـ إنّما یلزم إذا لم یکن الموضوع نفس شخصه ، وإلاّ کان أجزاؤها الثلاثة تامة ، وکان المحمول فیها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه ، غایة الأمر إنّه نفس الموضوع ، لا الحاکی عنه ، فافهم ، فإنّه لا یخلو عن دقة. وعلى هذا ، لیس من باب استعمال اللفظ بشىء.
بل یمکن أن یقال : إنّه لیس أیضاً من هذا الباب ، ما إذا أطلق اللفظ واُرید به نوعه أو صنفه ، فإنّه فرده ومصداقه حقیقة ، لا لفظه وذاک معناه ، کی یکون مستعملاً فیه استعمال اللفظ فی المعنى ، فیکون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجاً ، قد أحضر فی ذهنه بلا وساطة حاک (1) ، وقد حکم علیه ابتداءً ، بدون واسطة أصلاً ، لا لفظه ، کما لا یخفى ، فلا یکون فی البین لفظ قد استعمل فی معنى ، بل فرد قد حکم فی القضیة علیه ـ بما هو مصداق لکلی (2) اللفظ ، لا بما هو خصوص جزئیّة.
نعم فیما إذا أُرید به فرد آخر مثله ، کان من قبیل استعمال اللفظ فی المعنى.
اللهم إلّا أن یقال : إن لفظ ( ضرب ) وأنّ کان فرداً له ، إلّا إنّه إذا قصد به حکایته ، وجعل عنواناً له ومرآته ، کان لفظه المستعمل فیه ، وکان ـ حینئذ ـ کما إذا قصد به فرد مثله.
وبالجملة : فإذا اُطلق واُرید به نوعه ، کما إذا أُرید به فرد مثله ، کان من باب استعمال اللفظ فی المعنى ، وأنّ کان فرداً منه ، وقد حکم فی القضیة بما یعمه ، وأنّ اُطلق لیحکم علیه بما هو فرد کلّیة ومصداقه ، لا بما هو لفظه وبه حکایته ، فلیس من هذا الباب ، لکن الإطلاقاًت المتعارفة ظاهراً
__________________
1 ـ فی « أ و ب » : حاکی.
2 ـ فی « أ » : لکلیه.  
 
لیست کذلک ، کما لا یخفى ، وفیها ما لا یکاد یصحّ أن یراد منه ذلک ، مما کان الحکم فی القضیة لا یکاد یعمّ شخص اللفظ ، کما فی مثل : ( ضرب فعل ماض ).
الخامس
لا ریب فی کون الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی ، لا من حیث هی مرادة للافظها ، لما عرفت بما لا مزید علیه ، من أن قصد المعنى على أنحائه من مقومات الاستعمال ، فلا یکاد یکون من قیود المستعمل فیه. هذا.
مضافاً إلى ضرورة صحة الحمل والإِسناد فی الجمل ، بلا تصرّف فی ألفاظ الأطراف ، مع إنّه لو کانت موضوعة لها بما هی مرادة ، لما صحّ بدونه ، بداهة أن المحمول على ( زید ) فی ( زید قائم ) والمسند إلیه فی ( ضرب زید ) ـ مثلاً ـ هو نفس القیام والضرب ، لا بما هما مرادان.
مع إنّه یلزم کون وضع عامة الألفاظ عاماً والموضوع له خاصاً ، لمکان اعتبارٍ خصوص إرادة اللافظین فیما وضع له اللفظ ، فإنّه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فیه ، کما لا یخفى ، وهکذا الحال فی طرف الموضوع.
وأما ما حکی (1) عن العلمین ( الشیخ الرئیس (2) ، والمحقق
__________________
1 ـ راجع الشفاء ، قسم المنطق فی المقالة الأولى من الفن الأوّل ، الفصل الثامن / 42 ، عند قوله ( وذلک لأن معنى دلالة اللفظ ، هو ان یکون اللفظ اسما لذلک المعنى على سبیل القصد الأوّل ) انتهى.
وحکى العلاّمة الحلّی (ره) فی الجوهر النضید فی شرح التجرید / 4. عن أستاذه المحقق الطوسی (ره) قوله بأن اللفظ لا یدلّ بذاته على معناه بل باعتبار الإرادة والقصد.
2 ـ الشیخ الرئیس أبو علی الحسین بن عبدالله بن سینا الحکیم المشهور ، أحد فلاسفة المسلمین ولد سنة 370 ه‍ بقریة من ضیاع بخارى ، نادرة عصره فی علمه وذکائه وتصانیفه ، لم یستکمل ثمانی عشرة سنة من عمره إلّا وقد فرغ من تحصیل العلوم بأسرها ، صنف کتاب « الشفاء » و « النجاة » و « الإشارات » و « القانون » وغیر ذلک ممّا یقارب مائة مصنّف ،
 
الطوسی (1) ) من مصیرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة ، فلیس ناظراً إلى کون الألفاظ موضوعة للمعانی بما هی مرادة ، کما توهمه بعضٍ الأفاضل (2) ، بل ناظر إلى أن دلالة الألفاظ على معانیها بالدلالة التصدیقیة ، أیّ دلالتها على کونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها ، وتتفرع علیها تبعیة مقام الإِثبات للثبوت ، وتفرع الکشف على الواقع المکشوف ، فإنّه لولا الثبوت فی الواقع ، لما کان للإثبات والکشف والدلالة مجال ، ولذا لا بدّ من إحراز کون المتکلّم بصدد الإِفادة فی إثبات إرادة ما هو ظاهر کلامه ودلالته على الإرادة ، وإلاّ لما کانت لکلامه هذه الدلالة ، وأنّ کانت له الدلالة التصوریة ، أیّ کون سماعه موجباً لإخطار معناه الموضوع له ، ولو کان من وراء الجدار ، أو من لافظ بلا شعور ولا اختیار.
إن قلت : على هذا ، یلزم أن لا یکون هناک دلالة عند الخطأ ، والقطع بما لیس بمراد ، أو الاعتقاد بإرادة شیء ، ولم یکن له من اللفظ مراد.
قلت : نعم لا یکون حینئذ دلالة ، بل یکون هناک جهالة وضلالة ، یحسبها الجاهل دلالة ، ولعمری ما أفاده العلمان من التبعیة ـ على ما بینّاًه ـ واضح لا محیص عنه ، ولا یکاد ینقضی تعجبی کیف رضی المتوهم أن یجعل کلامهما ناظراً إلى ما لا ینبغی صدوره عن فاضل ، فضلاً عمن هو عَلَم
__________________
وله شعر ، توفی بهمدان یوم الجمعة من شهر رمضان 428 ه‍ ودفن بها. ( وفیات الأعیان 2 / 157 رقم 190 ).
1 ـ المحقق خواجه نصیر الدین محمد بن محمد بن الحسن الطوسی الحکیم الفیلسوف ولد فی طوس عام 597 ه‍. ، درس فی صغره مختلف العلوم وأتقن علوم الریاضیات وکان لا یزال فی مطلع شبابه ، سافر إلى نیشابور وقضى فیها فترة ظهر نبوغه وتفّوقه ، باشر إنشاءً مرشد مراغة وأسس مکتبة مراغة ، حضر درس المحقق الحلّی عندما زار الفیحاء بصحبة هولاکو ، کتب ما یناهز 184 مؤلفاً فی فنون شتىّ ، توفی 682 ه‍ ودفن فی جوار الامام موسى الکاظم 7. ( أعیان الشیعة 9 / 414 ).
2 ـ صاحب الفصول 17 ، السطر الأخیر.
 
 
فی التحقیق والتدقیق؟!.
السادس
لا وجه لتوهّم وضع للمرکبات ، غیر وضع المفردات ، ضرورة عدم الحاجة إلیه ، بعد وضعها بموادها ، فی مثل ( زید قائم ) و ( ضرب عمرو بکراً ) شخصیاً ، وبهیئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعیا ، ومنها خصوص هیئات المرکبات الموضوعة لخصوصیات النسب والإضافات ، بمزایاها الخاصة من تأکید وحصر وغیرهما نوعیاً ؛ بداهة أن وضعها کذلک وافٍ بتمام المقصود منها ، کما لا یخفى ، من غیر حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها ، مع استلزامه الدلالة على المعنى : تارةً بملاحظة وضع نفسها ، وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها.
ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلک ، هو وضع الهیئات على حدة ، غیر وضع المواد ، لا وضعها بجملتها ، علاوة على وضع کلّ منهما.
السابع
لا یخفى أن تبادر المعنى من اللفظ ، وانسباقه إلى الذهن من نفسه ـ وبلا قرینة ـ علامة کونه حقیقة فیه ؛ بداهة إنّه لولا وضعه له ، لما تبادر.
ولا یقال : کیف یکون علامة؟ مع توقفه على العلم بإنّه موضوع له ، کما هو واضح ، فلو کان العلم به موقوفاً علیه لدار.
فإنّه یقال : الموقوف علیه غیر الموقوف علیه ، فإن العلم التفصیلی ـ بکونه موضوعاً له ـ موقوف على التبادر ، وهو موقوف على العلم الإِجمالی الارتکازی به ، لا التفصیلی ، فلا دور. هذا إذا کان المراد به التبادر عند المستعلم ، وأما إذا کان المراد به التبادر عند أهل المحاورة ، فالتغایر أوضح من أن یخفى.  
 
ثم إنّ هذا فیما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ ، وأما فیما احتمل استناده إلى قرینة ، فلا یجدی أصالة عدم القرینة فی إحراز کون الاستناد إلیه ، لا إلیها ـ کما قیل (1) ـ لعدم الدلیل على اعتبارها إلّا فی إحراز المراد ، لا الاستناد.
ثم إن عدم صحة سلب اللفظ ـ بمعناه المعلوم المرتکز فی الذهن إجمالاً کذلک ـ عن معنى تکون علامة کونه حقیقة فیه ، کما أن صحة سلبه عنه علامة کونه مجازاً فی الجملة.
والتفصیل : إن عدم صحة السلب عنه ، وصحة الحمل علیه بالحمل الأولی الذاتی ، الذی کان ملاکه الاتحاد مفهوماً ، علامة کونه نفس المعنى ، وبالحمل الشائع الصناعی ، الذی ملاکه الاتحاد وجوداً ، بنحو من أنحاء الاتحاد ، علامة کونه من مصادیقه وأفراده الحقیقیة (2). کما أن صحّة سلبه کذلک علامة إنّه لیس منها ، وأنّ لم نقل بأن إطلاقه علیه من باب المجاز فی الکلمة ، بل من باب الحقیقة ، وأنّ التصرف فیه فی أمر عقلی ، کما صار إلیه السکاکی (3).
واستعلام حال اللفظ ، وإنّه حقیقة أو مجاز فی هذا المعنى بهما ،
__________________
1 ـ قوانین الأصول / 13.
2 ـ فیما إذا کان المحمول والمحمول علیه کلیاً وفرداً ، لا فیما إذا کانا کلیین متساویین ، أو غیرهما ، کما لا یخفى. منه 1.
وفی نسخة « أ » لم یظهر کونه تعلیقاً بل الظاهر دخوله فی المتن.
3 ـ مفتاح العلوم / 156 ، الفصل الثالث فی الاستعارة.
أبو یعقوب یوسف بن أبی بکر بن محمد السکاکی الخوارزمی ، ولد سنة 555 ه‍ کان علامة بارعاً فی فنون شتّى خصوصا المعانی والبیان ، وله کتاب « مفتاح العلوم » فیه إثنا عشر علما من علوم العربیة ، وله النصیب الوافر فی علم الکلام وسائر الفنون مات بخوارزم سنة 626 ه‍. ) بغیة الوعاة 2 / 364 رقم 2204 ).   

 
 لیس على وجه دائر ، لما عرفت فی التبادر من التغایر بین الموقوف والموقوف علیه ، بالإِجمال والتفصیل ، أو الاضافة إلى المستعلم والعالم ، فتأمّل جیداً.
ثم إنّه قد ذکر الاطراد وعدمه علامة للحقیقة والمجاز أیضاً ، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذکورة فی المجازات ، حیث لا یطرد صحة استعمال اللفظ معها ، وإلاّ فبملاحظة خصوص ما یصحّ معه الاستعمال ، فالمجاز مطرد کالحقیقة ، وزیادة قید ( من غیر تأویل ) أو ( على وجه الحقیقة ) (1) ، وأنّ کان موجباً لاختصاص الاطراد کذلک بالحقیقة ، إلّا إنّه ـ حینئذ ـ لا یکون علامة لها إلّا على وجه دائر ، ولا یتأتىّ التفصی عن الدور بما ذکر فی التبادر هنا (2) ، ضرورة إنّه مع العلم بکون الاستعمال على نحو الحقیقة ، لا یبقى مجال لاستعلام (3) حال الاستعمال بالاطراد ، أو بغیره.
الثامن
إنّه للّفظ أحوال خمسة ، وهی : التجّوز ، والاشتراک ، والتخصیص ، والنقل ، والاضمار ، لا یکاد یصار إلى أحدها فیما إذا دار الأمر بینه وبین المعنى الحقیقی ، إلّا بقرینة صارفة عنه إلیه.
وأما إذا دار الأمر بینها ، ف الأصولیون ، وأنّ ذکروا لترجیح بعضها على بعضٍ وجوها ، إلّا إنّها استحسانیة ، لا اعتبارٍ بها ، إلّا إذا کانت موجبة لظهور اللفظ فی المعنى ، لعدم مساعدة دلیل على اعتبارها بدون ذلک ، کما لا یخفى.
__________________
1 ـ الزیادة من صاحب الفصول ، الفصول / 38 ، فصل فی علامة الحقیقة والمجاز.
2 ـ اشتباه من « أ ».
3 ـ فی « ب » : الاستعلام.  
 
التاسع
إنّه اختلفوا فی ثبوت الحقیقة الشرعیة وعدمه على أقوال ، وقبل الخوض فی تحقیق الحال لا بأس بتمهید مقال ، وهو : أن الوضع التعیینی ، کما یحصل بالتصریح بإنشائه ، کذلک یحصل بإستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له ، کما إذا وضع له ، بأن یقصد الحکایة عنه ، والدلالة علیه بنفسه لا بالقرینة ، وأنّ کان لا بدّ ـ حینئذ ـ من نصب قرینة ، إلّا إنّه للدلالة على ذلک ، لا على إرادة المعنى ، کما فی المجاز ، فافهم.
وکوُن إستعمال اللفظ فیه کذلک فی غیر ما وضع له ، بلا مراعاة ما اعتبر فی المجاز ، فلا یکون بحقیقة ولا مجاز ، غیر ضائر بعد ما کان مما یقبله الطبع ولا یستنکره ، وقد عرفت سابقاً (1) ، إنّه فی الاستعمالات الشایعة فی المحاورات ما لیس بحقیقة ولا مجاز.
إذا عرفت هذا ، فدعوى الوضع التعیینی فی الألفاظ المتداولة فی لسان الشارع هکذا قریبة جداً ، ومدعی القطع به غیر مجازف قطعاً ، ویدل علیه تبادر المعانی الشرعیة منها فی محاوراته ، ویؤیّد ذلک إنّه ربما لا یکون علاقة معتبرة بین المعانی الشرعیة واللغویة ، فأیّ علاقة بین الصلاة شرعاً والصلاة بمعنى الدعاء ، ومجرد إشتمال الصلاة على الدعاء لا یوجب ثبوت ما یعتبر من علاقة الجزء والکل بینهما ، کما لا یخفى. هذا کله بناءً على کون معانیها مستحدثة فی شرعنا.
وأما بناءً على کونها ثابتة فی الشرائع السابقة ، کما هو قضیة غیر واحد من الآیات ، مثل قوله تعالى ( کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِن
__________________
1 ـ راجع صفحة 14 الأمر الرابع.   

 
قَبْلِکُمْ ) (1) وقوله تعالى ( وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ ) (2) وقوله تعالى ( وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیًّا ) (3) إلى غیر ذلک ، فألفاظها حقائق لغویة ، لا شرعیة ، واختلاف الشرائع فیها جزءاً وشرطاً ، لا یوجب اختلافها فی الحقیقة والماهیة ؛ إذ لعله کان من قبیل الاختلاف فی المصادیق والمحققات ، کاختلافها بحسب الحالات فی شرعنا ، کما لا یخفى.
ثم لا یذهب علیک إنّه مع هذا الاحتمال ، لا مجال لدعوى الوثوق ـ فضلاً عن القطع ـ بکونها حقائق شرعیة ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التی ذکروها على ثبوتها ، لو سلّم دلالتها على الثبوت لولاه.
ومنه قد (4) إنقدح حال دعوى الوضع التعیّنی معه ، ومع الغض عنه ، فالانصاف أن منع حصوله فی زمان الشارع فی لسإنّه ولسان تابعیه مکابرة ، نعم حصوله فی خصوص لسإنّه ممنوع ، فتأمل.
وأما الثمرة بین القولین ، فتظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة على معانیها اللغویة مع عدم الثبوت ، وعلى معانیها الشرعیة على الثبوت ، فیما إذا علم تأخر الاستعمال ، وفیما إذا جهل التاریخ ، ففیه إشکال ، وأصالة تأخر الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع ، لا دلیل على اعتبارها تعبداً ، إلّا على القول بالأصل المثبت ، ولم یثبت بناءً من العقلاء على التأخر مع الشک ، وأصالة عدم النقل إنّما کانت معتبرة فیما إذا شک فی أصل النقل ، لا فی تأخره ، فتأمل.
__________________
1 ـ البقرة / 183.
2 ـ الحج / 27.
3 ـ مریم / 31.
4 ـ أثبتناه من « أ ».  
 
العاشر
إنّه وقع الخلاف فی أن الفاظ العبادات ، أساٍم لخصوص الصحیحة أو للأعم منها؟ وقبل الخوض فی ذکر أدلة القولین ، یذکر أمور :
منها : إنّه لا شبهة فی تأتّی الخلاف ، على القول بثبوت الحقیقة الشرعیة ، وفی جریإنّه على القول بالعدم إشکال.
وغایة ما یمکن أن یقال فی تصویره : إن النزاع وقع ـ على هذا ـ فی أن الأصل فی هذه الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع ، هو استعمالها فی خصوص الصحیحة أو الأعم ، بمعنى أن أیّهما قد اعتبرت العلاقة بینه وبین المعانی اللغویة ابتداء ، وقد استعمل فی الآخر بتبعه ومناسبته ، کی ینزّل کلامه (1) علیه مع القرینة الصارفة عن المعانی اللغویة ، وعدم قرینة أُخرى معینة للآخر.
وأنت خبیر بإنّه لا یکاد یصحّ هذا ، إلّا إذا علم أن العلاقة إنّما اعتبرت کذلک ، وأنّ بناءً الشارع فی محاوراته ، استقر عند عدم نصب قرینة أُخرى على إرادته ، بحیث کان هذا قرینة علیه ، من غیر حاجة إلى قرینة معینة أُخرى ، وأنّى لهم بإثبات ذلک.
وقد انقدح بما ذکرنا تصویر النزاع ـ على ما نسب (2) إلى الباقلانی (3) ،
__________________
1 ـ فی « أ » : تقدیم ( علیه ) على ( کلامه ).
2 ـ نسبه ابن الحاجب والعضدی : راجع شرح العضدی على مختصر الأصول : 1 / 51 ـ 52.
3 ـ هو القاضی أبو بکر محمد بن الطیب البصری البغدادی المالکی الأصولی المتکلم کان مشهوراً بالمناظرة وسرعة الجواب توفی سنة 403 ه‍ ببغداد ، ( الکنى والالقاب : 2 / 55 والعِبر فی خبر من غبر : 2 / 207 ).  
 
وذلک بأن یکون النزاع ، فی أن قضیة القرینة المضبوطة التی لا یتعدى عنها إلّا بالاخرى ـ الدالة على أجزاء المأمور به وشرائطه ـ هو تمام الإِجزاء والشرائط ، أو هما فی الجملة ، فلا تغفل.
ومنها : أن الظاهر أن الصحة عند الکلّ بمعنى واحد ، وهو التمامیة ، وتفسیرها بإسقاط القضاء ـ کما عن الفقهاء ـ أو بموافقة الشریعة ـ کما عن المتکلمین ـ أو غیر ذلک ، إنّما هو بالمهم من لوازمها ؛ لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار ، وهذا لا یوجب تعدَّد المعنى ، کما لا یوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر ، والحضر ، والاختیار ، والاضطرار إلى غیر ذلک ، کما لا یخفى.
ومنه ینقدح أن الصحة والفساد أمراًن إضافیان ، فیختلف شیء واحد صحة وفسادا بحسب الحالات ، فیکون تاماً بحسب حالة ، وفاسداً بحسب أُخرى ، فتدبرّ جیداً.
ومنها : إنّه لابد ـ على کلاّ القولین ـ من قدر جامع فی البین ، کان هو المسمى بلفظ کذا ، ولا إشکال فی وجوده بین الأفراد الصحیحة ، وإمکان الإِشارة إلیه بخواصه وآثاره ، فإن الاشتراک فی الأثر کاشف عن الاشتراک فی جامع واحد ، یؤثر الکلّ فیه بذاک الجامع ، فیصحّ تصویر المسمى بلفظ الصلاة مثلاً : بالناهیة عن الفحشاء ، وما هو معراج المؤمن ، ونحوهما.
والإشکال فیه (1) ـ بأن الجامع لا یکاد یکون أمراً مرکباً ، إذ کلّ ما فرض جامعاً ، یمکن أن یکون صحیحاً وفاسداً ؛ لما عرفت ، ولا أمراً بسیطاً ، لإنّه لا یخلو : امّا أن یکون هو عنوان المطلوب ، أو ملزوما مساویاً له ، والأول غیر معقول ، لبداهة استحالة أخذ ما لا یتأتّى إلّا من قبل الطلب فی متعلقه ،
__________________
1 ـ الإِشکال من صاحب التقریرات ، مطارح الأنظار / 6.  
 
مع لزوم الترادف بین لفظة الصلاة والمطلوب ، وعدم جریان البراءة مع الشک فی أجزاء العبادات وشرائطها ، لعدم الإِجمال ـ حینئذ ـ فی المأمور به فیها ، وإنما الإِجمال فیما یتحقق به ، وفی مثله لا مجال لها ، کما حقق فی محله ، مع أن المشهور القائلین بالصحیح ، قائلون بها فی الشک فیها ، وبهذا یشکل لو کان البسیط هو ملزوم المطلوب أیضاً ـ مدفوع ، بأن الجامع إنّما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المرکبات المختلفة زیادة ونقیصة بحسب إختلاف الحالات ، متحد معها نحو إتحاد ، وفی مثله تجری البراءة ، وإنما لا تجری فیما إذا کان المأمور به أمراً واحداً خارجیاً ، مسبباً عن مرکب مردد بین الأقلّ والأکثر ، کالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فیما إذا شک فی أجزائهما ، هذا على الصحیح.
وأما على الأعم ، فتصویر الجامع فی غایة الإِشکال ، فما قیل فی تصویره أو یقال : وجوه (1) :
أحدها (2) : أن یکون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة ، کالأرکان فی الصلاة مثلاً ، وکان الزائد علیها معتبراً فی المأمور به لا فی المسمىّ.
وفیه ما لا یخفى ، فإن التسمیة بها حقیقة لا تدور مدارها ، ضرورة صدق الصلاة مع الإِخلال ببعض الأرکان ، بل وعدم الصدق علیها مع الإِخلال بسائر الإِجزاء والشرائط عند الأعمی ، مع إنّه یلزم أن یکون الاستعمال فیما هو المأمور به ـ بأجزائه وشرائطه ـ مجازاً عنده ، وکان من باب إستعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکلّ ، لا من باب إطلاق الکلّی على الفرد والجزئی ، کما هو واضح ، ولا یلتزم به القائل بالأعم ، فافهم.
__________________
1 ـ راجع القوانین / 40 فی الصحیح والأعم ، ومطارح الأنظار / 7 فی الصحیح والأعم ، والفصول / 46.
2 ـ هذا ما یظهر من صاحب القوانین ، القوانین 1 / 44 فی الصحیح والأعم.
 
ثانیها : أن تکون موضوعة لمعظم الإِجزاء التی تدور مدارها التسمیة عرفاً ، فصدق الاسم کذلک یکشف عن وجود المسمى ، وعدم صدقه عن عدمه.
وفیه ـ مضافاً إلى ما أورد على الأوّل أخیراً ـ إنّه علیه یتبادل ما هو المعتبر فی المسمى ، فکان شیء واحد داخلاً فیه تارةً ، و خارجاً عنه أُخرى ، بل مردداً بین أن یکون هو الخارج أو غیره عند إجتماع تمام الإِجزاء ، وهو کما ترى ، سیمّا إذا لوحظ هذا مع ما علیه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.
ثالثها : أن یکون وضعها کوضع الأعلام الشخصیة ک‍ ( زید ) فکما لا یضر فی التسمیة فیها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والکبر ، ونقص بعضٍ الإِجزاء وزیادته ، کذلک فیها.
وفیه : أن الأعلام إنّما تکون موضوعة للاشخاص ، والتشخص إنّما یکون بالوجود الخاص ، ویکون الشخص حقیقة باقیاً ما دام وجوده باقیاً ، وأنّ تغیرت عوارضه من الزیادة والنقصان ، وغیرهما من الحالات والکیفیات ، فکما لا یضّر اختلافها فی التشخص ، لا یضّر اختلافها فی التسمیة ، وهذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما کانت موضوعة للمرکبات والمقیدات ، ولا یکاد یکون موضوعاً له ، إلّا ما کان جامعاً لشتاتها وحاویاّ لمتفرقاتها ، کما عرفت فی الصحیح منها.
رابعها : إن ما وضعت له الألفاظ إبتداءً هو الصحیح التام الواجد لتمام الإِجزاء والشرائط ، إلّا أن العرف یتسامحون ـ کما هو دیدنهم ـ ویطلقون تلک الألفاظ على الفاقد للبعض ، تنزیلاً له منزلة الواجد ، فلا یکون مجازاً فی الکلمة ـ على ما ذهب إلیه السکاکی (1) فی الاستعارة ـ بل یمکن دعوى
__________________
1 ـ مفتاح العلوم / 156 ، الفصل الثالث فی الاستعارة.  
 
صیرورته حقیقة فیه ، بعد الاستعمال فیه کذلک دفعة أو دفعات ، من دون حاجة إلى الکثرة والشهرة ، للأنس الحاصل من جهة المشابهة فی الصورة ، أو المشارکة فی التأثیر ، کما فی أسامی المعاجین الموضوعة ابتداءً لخصوص مرکبات واجدة لاجزاء خاصة ، حیث یصحّ إطلاقها على الفاقد لبعض الإِجزاء المشابه له صورة ، والمشارک فی المهمّ أثرا ، تنزیلاً أو حقیقة.
وفیه : إنّه إنّما یتم فی مثل أسامی المعاجین ، وسائر المرکبات الخارجیة مما یکون الموضوع له (1) فیها ابتداءً مرکباً ، خاصاً ، ولا یکاد یتم فی مثل العبادات ، التی عرفت أن الصحیح منها یختلف حسب إختلاف الحالات ، وکون الصحیح بحسب حالة فاسداً (2) بحسب حالة أُخرى ، کما لا یخفى ، فتأمل جیداً.
خامسها : أن یکون حالها حال أسامی المقادیر والأوزان ، مثل المثقال ، والحقة ، والوزنة إلى غیر ذلک ، مما لا شبهة فی کونها حقیقة فی الزائد والناقص فی الجملة ، فإن الواضع وأنّ لاحظ مقداراً خاصاً ، إلّا إنّه لم یضع له بخصوصه ، بل للأعم منه ومن الزائد والناقص ، أو إنّه وأنّ خص به أولاً ، إلّا إنّه بالاستعمال کثیراً فیهما بعنایة إنّهما منه ، قد صار حقیقة فی الأعم ثانیاً.
وفیه : إن الصحیح ـ کما عرفت فی الوجه السابق ـ یختلف زیادة ونقیصة ، فلا یکون هناک ما یلحظ الزائد والناقص بالقیاس علیه ، کی یوضع اللفظ لما هو الأعم ، فتدبرّ جیداً.
ومنها : ان الظاهر أن یکون الوضع والموضوع له ـ فی ألفاظ العبادات ـ عامین ، واحتمال کون الموضوع له خاصاً بعید جداً ، لاستلزامه کون
__________________
1 ـ فی « ب » : الموضوع فیها.
2 ـ فی « أ و ب » : فاسد.  
 
استعمالها فی الجامع ، فی مثل : ( الصلاة تنهى عن الفحشاء ) و ( الصلاة معراج المؤمن ) و [ ( عمود الدین ) ] (1) و ( الصوم جنة من النار ) مجازاً ، أو منع استعمالها فیه فی مثلها ، وکل منهما بعید إلى الغایة ، کما لا یخفى على أولی النهایة.
ومنها : أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول (2) الصحیحی ، وعدم جواز الرجوع إلى إطلاقه ، فی رفع ما إذا شک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته أصلاً ، لاحتمال دخوله فی المسمى ، کما لا یخفى ، وجواز الرجوع إلیه فی ذلک على القول الأعمی ، فی غیر ما إحتمل دخوله فیه ، مما شک فی جزئیته أو شرطیته ، نعم لا بدّ فی الرجوع إلیه فیما ذکر من کونه وارداً مورد البیان ، کما لا بدّ منه فی الرجوع إلى سائر المطلقات ، وبدونه لا مرجع أیضاً إلّا البراءة أو الإِشتغال ، على الخلاف فی مسألة دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطیین.
وقد إنقدح بذلک : إن الرجوع إلى البراءة أو الإِشتغال فی موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولین ، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم ، والاشتغال على الصحیح (3) ، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة ، مع ذهابهم إلى الصحیح.
وربما قیل (4) بظهور الثمرة فی النذر أیضاً.
قلت : وأنّ کان تظهر فیما لو نذر لمن صلّى إعطاء درهم فی البرء فیما لو أعطاه لمن صلّى ، ولو علم بفساد صلاته ، لاخلاله بما لا یعتبر فی الاسم على الأعم ، وعدم البرء على الصحیح ، إلّا إنّه لیس بثمرة لمثل هذه
__________________
1 ـ أثبتناها من ( ب ).
2 ـ وفی النسخ : القول.
3 ـ القوانین 1 / 40 ، مبحث الصحیح والأعم.
4 ـ القوانین 1 / 43 ، مبحث الصحیح والأعم.
 
المسألة ، لما عرفت من أن ثمرة المسألة الأصولیة ، هی أن تکون نتیجتها واقعة فی طریق استنباط الأحکام الفرعیة ، فافهم.
وکیف کان ، فقد استدل للصحیحی بوجوده :
أحدها : التبادر ، ودعوى أن المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحیح ، ولا منافاة بین دعوى ذلک ، وبین کون الألفاظ على هذا القول مجملات ، فإن المنافاة إنّما تکون فیما إذا لم تکن معانیها على هذا مبینة بوجه ، وقد عرفت کونها مبینة بغیر وجه.
ثانیها : صحة السلب عن الفاسد ، بسبب الإِخلال ببعض أجزائه ، أو شرائطه بالمداقة ، وأنّ صحّ الإِطلاق علیه بالعنایة.
ثالثها : الإخبار الظاهرة فی إثبات بعضٍ الخواص والآثار للمسمّیات مثل ( الصلاة عمود الدین ) (1) أو ( معراج المؤمن ) (2) و ( الصوم جنة من النار ) (3) إلى غیر ذلک ، أو نفی ماهیّتها وطبائعها ، مثل ( لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب ) (4) ونحوه ، مما کان ظاهراً فی نفی الحقیقة ، بمجرد فقد ما یعتبر فی الصحة شطراً أو شرطاً ، وإرادةُ خصوص الصحیح من الطائفة الأولى ، ونفی الصحة من الثانیة ؛ لشیوع إستعمال هذا الترکیب فی نفی مثل الصحة أو الکمال خلاف الظاهر ، لا یصار إلیه مع عدم نصب قرینة علیه ، واستعمال هذا الترکیب فی نفی الصفة ممکن المنع ، حتى فی مثل ( لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد ) (5) مما یعلم أن المراد نفی الکمال ، بدعوى استعماله
__________________
1 ـ دعائم الاسلام 1 : 133 ، جامع الإخبار / 85 ، الکافی 3 / 99 باب النفساء الحدیث 4 غوالی اللآلی 1 / 322 الحدیث 55.
2 ـ لم نجده فی کتب الحدیث ، ولکن أورده فی جواهر الکلام 7 / 2.
3 ـ الفقیه 2 / 44 باب فضل الصیام ، الحدیث 1 و 5 ، الکافی 4 / 62 باب ما جاء فی فضل الصوم والصائم الحدیث 1.
4 ـ غوالی اللآلی 1 : 196 ، الحدیث 2 وغوالی اللآلی 2 : 218 الحدیث 13.
5 ـ دعائم الاسلام 1 : 148 ، التهذیب 3 : 261 باب 25 فضل المساجد والصلاة فیها ،  
 
فی نفی الحقیقة ، فی مثله أیضاً بنحو من العنایة ، لا على الحقیقة ، وإلاّ لما دلّ على المبالغة ، فافهم (1).
رابعها : دعوى القطع بأن طریقة الواضعین ودیدنهم ، وضع الألفاظ للمرکبات التامة ، کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه ، والحاجة وأنّ دعت أحیاناً إلى إستعمالها فی الناقص أیضاً ، إلّا إنّه لا یقتضی أن یکون بنحو الحقیقة ، بل ولو کان مسامحة ، تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد.
والظاهر أن الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة.
ولا یخفى أن هذه الدعوى وأنّ کانت غیر بعیدة ، إلّا إنّها قابلة للمنع ، فتأمل.
وقد إستدل للأعمّی أیضاً ، بوجوه :
منها : تبادر الأعم.
وفیه : إنّه قد عرفت الإِشکال فی تصویر الجامع الذی لا بدّ منه ، فکیف یصحّ معه دعوى التبادر.
ومنها : عدم صحة السلب عن الفاسد.
وفیه منع ، لما عرفت.
ومنها : صحة التقسیم إلى الصحیح والسقیم.
وفیه إنّه إنّما یشهد على إنّها للأعم ، لو لم تکن هناک دلالة على کونها موضوعة للصحیح ، وقد عرفتها ، فلا بدّ أن یکون التقسیم بملاحظة ما یستعمل فیه اللفظ ، ولو بالعنایة.
__________________
الحدیث 55 وسائل الشیعة 3 / 478 الباب 2 من أبواب أحکام المساجد ، الحدیث 1.
1 ـ إشارة إلى أن الإخبار المثبتة للآثار وأنّ کانت ظاهرة فی ذلک ـ لمکان أصالة الحقیقة ، ولازم ذلک کون الموضوع له للاسماء هو الصحیح ، ضرورة اختصاص تلک الآثار به ـ إلّا إنّه لا یثبت بأصالتها کما لا یخفى ، لاجرائها العقلاء فی إثبات المراد ، لا فی إنّه على نحو الحقیقة لا المجاز ، فتأمّل جیداً ، منه 1.
 
ومنها : استعمال الصلاة وغیرها فی غیر واحد من الإخبار فی الفاسدة ، کقوله علیه الصلاة والسلام ( بنی الاسلام على خمس : الصلاة ، والزکاة ، والحج ، والصوم ، والولایة ، ولم یناد أحد بشیء کما نودی بالولایة ، فأخذ الناس بأربع ، وترکوا هذه ، فلو أن أحداً صام نهاره وقام لیله ، ومات بغیر ولایة ، لم یقبل له صوم ولا صلاة ) (1) ، فإن الأخذ بالاربع ، لا یکون بناءً على بطلان عبادات تارکی الولایة ، إلّا إذا کانت أسامی للاعم. وقوله 7 : ( دعی الصلاة أیام أقرائک ) (2) ضرورة إنّه لو لم یکن المراد منها الفاسدة ، لزم عدم صحة النهی عنها ، لعدم قدرة الحائض على الصحیحة منها.
وفیه : أن الاستعمال أعم من الحقیقة ،
مع أن المراد فی الروایة الأولى ، هو خصوص الصحیح بقرینة إنّها مما بنی علیها الإسلام ، ولا ینافی ذلک بطلان عبادة منکری الولایة ، إذ لعل أخذهم بها إنّما کان بحسب اعتقادهم لا حقیقة ، وذلک لا یقتضی استعمالها فی الفاسد أو الأعم ، والاستعمال فی قوله : ( فلو أن أحداً صام نهاره ) [ إلى آخره ] (3) ، کان کذلک ـ أیّ بحسب اعتقادهم ـ أو للمشابهة والمشاکلة.
وفی الروایة الثانیة ، الإِرشاد (4) إلى عدم القدرة على الصلاة ، وإلاّ کان الإِتیان بالأرکان ، وسائر ما یعتبر فی الصلاة ، بل بما یسمى فی العرف بها ،
__________________
1 ـ الکافی 2 / 15 باب 13 دعائم الاسلام ـ الخصال / 277 باب الخمسة ، الحدیث 21 غوالی اللآلی 1 / 82 ، الفصل الخامس ، الحدیث 4.
2 ـ التهذیب 1 / 384 باب 19 الحیض والاستحاضة والنفاس ، الحدیث 6 ـ الکافی 3 / 88 باب جامع فی الحائض والمستحاضة الحدیث 1. غوالی اللآلی 2 / 207 باب الطهارة الحدیث 124.
3 ـ أثبتنا هذه العبارة من « ب ».
4 ـ وفی بعضٍ النسخ المطبوعة ( النهی للإِرشاد ).  
 
ولو أخلّ بما لا یضر الإِخلال به بالتسمیة عرفاً. محرماً على الحائض ذاتاً ، وأنّ لم تقصد به القربة.
ولا أظن أن یلتزم به المستدل بالروایة ، فتأمل جیداً.
ومنها : إنّه لااشکال (1) فی صحة تعلق النذر وشبهه بترک الصلاة فی مکان تکره فیه. وحصول الحنث بفعلها ، ولو کانت الصلاة المنذور ترکها خصوص الصحیحة ، لا یکاد یحصل به الحنث أصلاً ، لفساد الصلاة المأتیّ بها لحرمتها ، کما لا یخفى ، بل یلزم المحال ، فإن النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحیح منها ، ولا یکاد یکون معه صحیحة ، وما یلزم من فرض وجوده عدمه محال.
قلت : لا یخفى إنّه لو صحّ ذلک ، لا یقتضی إلّا عدم صحة تعلق النذر بالصحیح ، لا عدم وضع اللفظ له شرعاً ، مع أن الفساد من قبل النذر لا ینافی صحة متعلقة ، فلا یلزم من فرض وجودها عدمها.
ومن هنا إنقدح أن حصول الحنث إنّما یکون لأجل الصحة ، لولا تعلقه ، نعم لو فرض تعلقه بترک الصلاة المطلوبة بالفعل (2) ، لکان منع حصول الحنث بفعلها بمکان من الأمکان.
بقی اُمور :
الأول : إن أسامی المعاملات ، إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم ، لعدم إتصافها بهما ، کما لا یخفى ، بل بالوجود تارةً وبالعدم أُخرى ، وأما إن کانت موضوعة للاسباب ،
__________________
1 ـ فی نسخة « أ » : لا شبهة.
2 ـ ولو مع النذر ، ولکن صحته کذلک مشکل ، لعدم کون الصلاة معه صحیحة مطلوبة ، فتأمل جیداً. منه [ 1].  
 
فللنزاع فیه مجال ، لکنه لا یبعد دعوى کونها موضوعة للصحیحة أیضاً ، وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر کذا شرعاً وعرفاً. والاختلاف بین الشرع والعرف فیما یعتبر فی تأثیر العقد ، لا یوجب الاختلاف بینهما فی المعنى ، بل الاختلاف فی المحققات والمصادیق ، وتخطئة الشرع العرف فی تخیّل کون العقد بدون ما اعتبره فی تأثیره ، محققاً لما هو المؤثر ، کما لا یخفى فافهم.
الثانی : إن کون ألفاظ المعاملات أسامی للصحیحة ، لا یوجب إجمالها ، کألفاظ العبادات ، کی لا یصحّ التمسک بإطلاقها عند الشک فی اعتبارٍ شیء فی تأثیرها (1) شرعاً ، وذلک لأن إطلاقها ـ لو کان مسوقاً فی مقام البیان ـ ینزّل على أن المؤثر عند الشارع ، هو المؤثر عند أهل العرف ، ولم یعتبر فی تأثیره عنده غیر ما اعتبر فیه عندهم ، کما ینزّل علیه إطلاق کلام غیره ، حیث إنّه منهم ، ولو اعتبر فی تأثیره ما شک فی اعتباره ، کان علیه البیان ونصب القرینة علیه ، وحیث لم ینصب ، بانَ عدم اعتباره عنده أیضاً. ولذا یتمسکون بالإِطلاق فی أبواب المعاملات ، مع ذهابهم إلى کون ألفاظها موضوعة للصحیح.
نعم لو شک فی اعتبارٍ شیء فیها عرفاً ، فلا مجال للتمسک بإطلاقها فی عدم اعتباره ، بل لابد من اعتباره ، لاصالة عدم الأثر بدونه ، فتأمل جیداً.
الثالث : إنّ دخل شیء وجودی أو عدمی فی المأمور به :
تارة : بأن یکون داخلاً فیما یأتلف منه ومن غیره ، وجعل جملته متعلقاً للأمر ، فیکون جزءا له وداخلاً فی قوامه.
وأخرى : بأن یکون خارجاً عنه ، لکنه کان مما لا یحصل الخصوصیة
 

 
المأخوذة فیه بدونه ، کما إذا اُخذ شیء مسبوقاً أو ملحوقاً به أو مقارناً له ، متعلقاً للأمر ، فیکون من مقدماته لا مقوماته.
وثالثة : بأن یکون مما یتشخص به المأمور به ، بحیث یصدق على المتشخص به عنوإنّه ، وربما یحصل له بسببه مزیة أو نقیصة ، ودخل هذا فیه أیضاً ، طوراً بنحو الشطرّیة وآخر بنحو الشرطیّة ، فیکون الإِخلال بما له دخل بأحد النحوین فی حقیقة المأمور به وماهیته ، موجباً لفساده لا محالة ، بخلاف ماله الدخل فی تشخصه وتحققه مطلقاً. شطراً کان أو شرطاً ، حیث لا یکون الإِخلال به إلّا إخلالاً بتلک الخصوصیة ، مع تحقق الماهیة بخصوصیة أُخرى ، غیر موجبة لتلک المزیة ، بل کانت موجبة لنقصإنّها ، کما أشرنا إلیه ، کالصلاة فی الحمام.
ثم إنّه ربما یکون الشیء مما یندب إلیه فیه ، بلا دخل له أصلاً ـ لا شطراً ولا شرطاً ـ فی حقیقته ، ولا فی خصوصیته وتشخصه ، بل له دخل ظرفاً فی مطلوبیّته ، بحیث لا یکون مطلوباً إلّا إذا وقع فی أثنائه ، فیکون مطلوباً نفسیاً فی واجب أو مستحب ، کما إذا کان مطلوباً کذلک ، قبل أحدهما أو بعده ، فلا یکون الإِخلال به موجباً للاخلال به ماهیة ولا تشخصاً وخصوصیة أصلاً.
إذا عرفت هذا کله ، فلا شبهة فی عدم دخل ما ندب إلیه فی العبادات نفسیاً فی التسمیة بأسامیها ، وکذا فیما له دخل فی تشخصها مطلقاً ، وأما ماله الدخل شرطاً فی أصل ماهیتها ، فیمکن الذهاب أیضاً إلى عدم دخله فی التسمیة بها ، مع الذهاب إلى دخل ما له الدخل جزءاً فیها ، فیکون الإِخلال بالجزء مخلاً بها ، دون الإِخلال بالشرط ، لکنک عرفت أن الصحیح اعتبارهما فیها.  
 
الحادی عشر
الحق وقوع الاشتراک ، للنقل والتبادر ، وعدم صحة السلب ، بالنسبة إلى معنیین أو أکثر للفظ واحد. وأنّ أحاله بعضٍ ، لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن ، لمنع الإِخلال أولاً ، لإمکان الاتکال على القرائن الواضحة ، ومنع کونه مخلاً بالحکمة ثانیاً ، لتعلق الغرض بالإِجمال أحیاناً ، کما أن استعمال المشترک فی القرآن لیس بمحال کما توهّم ، لأجل لزوم التطویل بلا طائل ، مع الاتکال على القرائن والإِجمال فی المقال ، لو لا الاتکال علیها. وکلاهما غیر لائق بکلامه تعالى جل شإنّه ، کما لا یخفى ، وذلک لعدم لزوم التطویل ، فیما کان الاتکال على حال أو مقال أتی به لغرض آخر ، ومنع کون الإِجمال غیر لائق بکلامه تعالى ، مع کونه مما یتعلق به الغرض ، وإلاّ لما وقع المشتبه فی کلامه ، وقد أخبر فی کتابه الکریم (1) ، بوقوعه فیه قال الله تعالى ( مِنْهُ آیَاتٌ مُّحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (2).
وربما توهّم وجوب وقوع الاشتراک فی اللغات ، لأجل عدم تناهی المعانی ، وتناهی الألفاظ المرکبات ، فلا بدّ من الاشتراک فیها.
وهو فاسد لوضوح (3) امتناع الاشتراک فی هذه المعانی ، لاستدعائه الأوضاع الغیر المتناهیة ، ولو سلّم لم یکد یجدی إلّا فی مقدار متناه ، مضافاً إلى تناهی المعانی الکلیة ، وجزئیاتها وأنّ کانت غیر متناهیة ، إلّا أن وضع الألفاظ بإزاء کلیاتها ، یغنىً عن وضع لفظ بإزائها ، کما لا یخفى ، مع أن المجاز باب واسع ، فافهم.
__________________
1 ـ لا توجد کلمة « الکریم » فی نسخة ( أ ).
2 ـ آل عمران / 7.
3 ـ فی « ب » : بوضوح.  
 
الثانی عشر
إنّه قد اختلفو فی جواز استعمال اللفظ ، فی أکثر من معنى على سبیل الانفراد والاستقلال ، بأن یراد منه کلّ واحد ، کما إذا لم یستعمل إلّا فیه ، على أقوال (1) :
أظهرها عدم جواز الاستعمال فی الأکثر عقلاً.
وبیإنّه : إن حقیقة الاستعمال لیس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل جعله وجهاً وعنواناً له ، بل بوجه نفسه کإنّه الملقى ، ولذا یسری إلیه قبحه وحسنه کما لا یخفى ، ولا یکاد یمکن جعل اللفظ کذلک ، إلّا لمعنى واحد ، ضرورة أن لحاظه هکذا فی إرادة معنى ، ینافی لحاظه کذلک فی إرادة الآخر ، حیث أن لحاظه کذلک ، لا یکاد یکون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانیاً فیه ، فناء الوجه فی ذی الوجه ، والعنوان فی المعنون ، ومعه کیف یمکن إرادة معنى آخر معه کذلک فی استعمال واحد ، ومع استلزامه للحاظ آخر غیر لحاظه کذلک فی هذا الحال.
وبالجملة (2) : لا یکاد یمکن فی حال استعمال واحد ، لحاظه وجهاً لمعنیین وفانیاً فی الاثنین ، إلّا أن یکون اللاحظ أحول العینین.
فانقدح بذلک امتناع استعمال اللفظ مطلقاً ـ مفرداً کان أو غیره ـ فی أکثر من معنى بنحو الحقیقة أو المجاز ، ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه فإن اعتبارٍ الوحدة فی الموضوع له واضح المنع.
وکون (3) الوضع فی حال وحدة المعنى ، وتوقیفیته لا یقتضی عدم
__________________
1 ـ القوانین 1 / 67 ، فی بیان الاشتراک ، معالم الدین فی الأصول / 32.
2 ـ فی « أ » : وفی الجملة.
3 ـ هذا ردّ على المحقق القمی ، القوانین 1 / 67.  
 
الجواز ، بعد ما لم تکن الوحدة قیداً للوضع ، ولا للموضوع له ، کما لا یخفى.
ثم لو تنزلنا عن ذلک ، فلا وجه للتفصیل (1) بالجواز على نحو الحقیقة فی التثنیة والجمع ، وعلى نحو المجاز فی المفرد ، مستدلا على کونه بنحو الحقیقة فیهما ، لکونهما بمنزلة تکرار اللفظ وبنحو المجاز فیه ، لکونه موضوعاً للمعنى بقید الوحدة ، فإذا استعمل فی الأکثر لزم إلغاء قید الوحدة ، فیکون مستعملاً فی جزء المعنى ، بعلاقة الکلّ والجزء ، فیکون مجازاً ، وذلک لوضوح أن الألفاظ لا تکون موضوعة إلّا لنفس المعانی ، بلا ملاحظة قید الوحدة ، وإلاّ لما جاز الاستعمال فی الأکثر ؛ لأن الأکثر لیس جزء المقید بالوحدة ، بل یباینه مباینة الشیء بشرط شیء ، والشیء بشرط لا ، کما لا یخفى.
والتثنیة والجمع وأنّ کانا بمنزلة التکرار فی اللفظ ، إلّا أن الظاهر أن اللفظ فیهما کإنّه کررّ واُرید من کلّ لفظ فرد من أفراد معناه ، لا إنّه أُرید منه معنى من معانیه ، فإذا قیل مثلاً : ( جئنی بعینین ) أُرید فردان من العین الجاریة ، لا العین الجاریة والعین الباکیة ، والتثنیة والجمع فی الأعلام ، إنّما هو بتأویل المفرد إلى المسمى بها ، مع إنّه لو قیل بعدم التأویل ، وکفایة الاتحاد فی اللفظ ، فی استعمالهما حقیقة ، بحیث جاز إرادة عین جاریة وعین باکیة من تثنیِة العین حقیقة ، لما کان هذا من باب استعمال اللفظ فی الأکثر ، لأن هیئتهما إنّما تدلّ على إرادة المتعدد مما یراد من مفردهما ، فیکون استعمالهما وإرادة المتعدد من معانیه ، استعِمالهما فی معنى واحد ، کما إذا استعملا وأرید المتعدد من معنى واحد منهما ، کما لا یخفى.
نعم لو أُرید مثلاً من عینین ، فردان من الجاریة ، وفردان من الباکیة ، کان من استعمال العینین فی المعنیین ، إلّا أن حدیث التکرار لا یکاد یجدی فی ذلک أصلاً ، فإن فیه إلغاء قید الوحدة المعتبرة أیضاً ، ضرورة أن التثنیة
__________________
1 ـ المفصَّل هو صاحب المعالم ، معالم الدین / 32.   

 
عنده إنّما یکون لمعنیین ، أو لفردین بقید الوحدة ، والفرق بینهما وبین المفرد إنّما یکون فی إنّه موضوع للطبیعة ، وهی موضوعة لفردین منها أو معنیین ، کما هو أوضح من أن یخفى.
وهم ودفع :
لعلک تتوهم أن الإخبار الدالّة على أن للقرآن بطوناً ـ سبعة أو سبعین ـ تدلّ على وقوع استعمال اللفظ فی أکثر من معنى واحد ، فضلاً عن جوازه ، ولکنک غفلت عن إنّه لا دلالة لها أصلاً على أن إرادتها کان من باب إرادة المعنى من اللفظ ، فلعله کان بارادتها فی أنفسها حال الاستعمال فی المعنى ، لا من اللفظ ، کما إذا استعمل فیها ، أو کان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فیه اللفظ ، وأنّ کان أفهامنا قاصرة عن إدراکها.
الثالث عشر
إنّه اختلفوا فی أن المشتق حقیقة فی خصوص ما تلبس بالمبدأ فی الحال ، أو فیما یعمه وما انقضى عنه على أقوال ، بعد الاتفاق على کونه مجازاً فیما یتلبس به فی الاستقبال ، وقبل الخوض فی المسألة ، وتفصیل الأقوال فیها ، وبیان الاستدلال علیها ، ینبغی تقدیم أمور :
أحدها : إن المراد بالمشتق هاهنا لیس مطلق المشتقات ، بل خصوص ما یجری منها على الذوات ، مما یکون مفهمومه منتزعا عن الذات ، بملاحظة اتصافها بالمبدأ ، واتحادها معه بنحو من الاتحاد ، کان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور والإیجاد (1) ، کأسماء الفاعلین والمفعولین والصفات المشبهات ، بل وصیغ المبالغة ، وأسماء الازمنة والأمکنة والآلات ، کما هو ظاهر العنوانات ، وصریح بعضٍ المحققین ، مع عدم صلاحیة ما یوجب
__________________
1 ـ وفی بعضٍ النسخ المطبوعة : أو الإیجاد.  
 
اختصاص النزاع بالبعض إلّا التمثیل به ، وهو غیر صالح ، کما هو واضح.
فلا وجه لما زعمه بعضٍ الأجلّة (1) ، من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما یلحق بها ، وخروج سائر الصفات ، ولعل منشأه توهّم کون ما ذکره لکلّ منها من المعنى ، مما اتفق علیه الکلّ ، وهو کما ترى ، واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادىء المشتقات ، بحسب الفعلیة والشأنیة والصناعة والملکة ـ حسبما نشیر إلیه (2) ـ لا یوجب تفاوتاً فی المهمّ من محلّ النزاع ها هنا ، کما لا یخفى.
ثم إنّه لا یبعد أن یراد بالمشتق فی محلّ النزاع ، مطلق ما کان مفهومه ومعناه جاریاً على الذات ومنتزعاً عنها ، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضی ولو کان جامدا ، کالزوج والزوجة والرق والحّر.
وإن (3) أبیت إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق ، کما هو قضیة الجمود على ظاهر لفظه ، فهذا القسم من الجوامد أیضاً محلّ النزاع.کما یشهد به ما عن الأیضاًح (4) فی باب الرضاع ، فی مسألة من کانت له زوجتان کبیرتان ، أرضعتا زوجته الصغیرة ، ما هذا لفظه : « تحرم المرضعة الأولى والصغیرة مع الدخول ب [ إحدى ] (5) الکبیرتین [ بالإِجماع ] وأما المرضعة الأخرى (6) ففی تحریمها خلاف ، فاختار والدی المصنّف ; (7) وابن ادریس تحریمها لأن هذه یصدق علیها [ إنّها ] اُم زوجته ، لإنّه لا یشترط فی [ صدق ] المشتق بقاء [ المعنى ] المشتق منه فکذا (8)
__________________
1 ـ صاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فی المشتق.
2 ـ إشارة إلى ما سیأتی من تفصیل الکلام فی الأمر الرابع صفحة : 43.
3 ـ فی « ب » : فإن أبیت.
4 ـ أیضاًح الفوائد 3 : 52 ، أحکام الرضاع.
5 ـ وردت الزیارات فی المصدر.
6 ـ فی الأیضاًح ( الأخیرة ) ، وفی النسخ ( الآخرة ).
7 ـ لم یوجد فی الأیضاًح.
8 ـ هکذا فی المصدر وفی النسخ ( هکذا هاهنا ).  
 
هنا ) (1). وما عن المسالک (2) فی هذه المسألة ، من ابتناء الحکم فیها على الخلاف فی مسألة المشتق.
فعلیه کلّ ما کان مفهومه منتزعاً من الذات ، بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتیات ـ کانت عرضاً أو عرضیا ـ کالزوجیة والرّقیّة والحریة وغیرها من الاعتبارات والإضافات ، کان محلّ النزاع وأنّ کان جامداً ، وهذا بخلاف ما کان مفهومه منتزعاً عن مقام الذات والذاتیات ، فإنّه لا نزاع فی کونه حقیقة فی خصوص ما إذا کانت الذات باقیة بذاتیاتها.
ثانیها : قد عرفت إنّه لا وجه لتخصیص النزاع ببعض المشتقات الجاریة على الذوات ، إلّا إنّه ربما یشکل بعدم إمکان جریإنّه فی اسم الزمان ، لأن الذات فیه وهی الزمان بنفسه ینقضی وینصرم ، فکیف یمکن أن یقع النزاع فی أن الوصف الجاری علیه حقیقة فی خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال ، أو فیما یعم المتلبس به فی المضی؟
ویمکن حل الإِشکال بأن انحصار مفهوم عام بفرد ـ کما فی المقام ـ لا یوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام ، وإلاّ لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة ، مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام ، مع انحصاره فیه تبارک وتعالى.
ثالثها : إنّه من الواضح خروج الأفعال والمصادر المزید فیها عن حریم النزاع ؛ لکونها غیر جاریة على الذوات ، ضرورة أن المصادر المزید فیها کالمجردة ، فی الدلالة على ما یتصف به الذوات ویقوم بها کما لا یخفى وأنّ الأفعال إنّما تدلّ على قیام للمبادئ بها قیام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو ترکها منها ، على اختلافها.
إزاحة شبهة :
قد اشتهر فی ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان ، حتى أخذوا
__________________
1 ـ أیضاًح الفوائد 52:3 ، أحکام الرضاع.
2 ـ المالک 1 / 475، کتاب النکاح.
 
الاقتران بها فی تعریفه. وهو اشتباه ، ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهی علیه ، بل على إنشاءً طلب الفعل أو الترک ، غایة الأمر نفس الإِنشاء بهما فی الحال ، کما هو الحال فی الإخبار بالماضی أو المستقبل أو بغیرهما ، کما لا یخفى ، بل یمکن منع دلالة غیرهما من الأفعال على الزمان إلّا بالإِطلاق والإِسناد إلى الزمانیات ، وإلاّ لزم القول بالمجاز والتجرید ، عند الإِسناد إلى غیرها من نفس الزمان والمجردات.
نعم لا یبعد أن یکون لکلّ من الماضی والمضارع ـ بحسب المعنى ـ خصوصیة أُخرى موجبة للدلالة على وقوع النسبة ، فی الزمان الماضی فی الماضی ، وفی الحال أو الاستقبال فی المضارع ، فیما کان الفاعل من الزمانیات ، ویؤیده أن المضارع یکون مشترکا معنویاً بین الحال والاستقبال ، ولا معنى له إلّا أن یکون له خصوص معنى صحّ انطباقه على کلّ منهما ، إلّا إنّه یدلّ على مفهوم زمان یعمهما ، کما أن الجملة الاسمیة ک‍ ( زید ضارب ) یکون لها معنى صحّ انطباقه على کلّ واحد من الأزمنة ، مع عدم دلالتها على واحد منها أصلاً ، فکانت الجملة الفعلیة مثلها.
وربما یؤید ذلک أن الزمان الماضی فی فعله ، وزمان الحال أو الاستقبال فی المضارع ، لا یکون ماضیاً أو مستقبلاً حقیقة لا محالة ، بل ربما یکون فی الماضی مستقبلاً حقیقة ، وفی المضارع ماضیاً کذلک ، وإنما یکون ماضیاً أو مستقبلاً فی فعلهما بالإضافة ، کما یظهر من مثل قوله : یجیئنی زید بعد عام ، وقد ضرب قبله بأیّام ، وقوله : ( جاء زید فی شهر کذا ، وهو یضرب فی ذلک الوقت ، أو فیما بعده مما مضى ) ، فتأمل جیداً.
ثم لا باس بصرف عنان الکلام إلى بیان ما به یمتاز الحرف عما عداه ، بما یناسب المقام ؛ لأجل الاطراد فی الاستطراد فی تمام الأقسام.
فاعلم إنّه وأنّ اشتهر بین الأعلام ، أن الحرف ما دلّ على معنى فی

 
غیره ، وقد بینّاًه فی الفوائد (1) بما لا مزید علیه ، إلّا أنک عرفت فیما تقدم (2) ، عدم الفرق بینه وبین الاسم بحسب المعنى ، وإنّه فیهما ما (3) لم یلحظ فیه الاستقلال بالمفهومیة ، ولا عدم الاستقلال بها ، وإنما الفرق هو إنّه وضع لیستعمل واُرید منه معناه حالة لغیره وبما هو فی الغیر ، ووضع غیره لیستعمل واُرید منه معناه بما هو هو.
وعلیه یکون کلّ من الاستقلال بالمفهومیة ، وعدم الاستقلال بها ، إنّما اعتبر فی جانب الاستعمال ، لا فی المستعمل فیه ، لیکون بینهما تفاوت بحسب المعنى ، فلفظ ( الابتداء ) لو استعمل فی المعنى الآلی ، ولفظة ( من ) فی المعنى الاستقلالی ، لما کان مجازاً واستعمالاً له فی غیر ما وضع له ، وأنّ کان بغیر ما وضع له ، فالمعنى فی کلیهما فی نفسه کلّی طبیعی یصدق على کثیرین ، ومقیداً باللحاظ الاستقلالی أو الآلی کلّی (4) عقلی ، وأنّ کان بملاحظة أن لحاظه وجوده ذهنا کان جزئیا ذهنیاً ، فإن الشیء ما لم یتشخص لم یوجد ، وأنّ کان بالوجود الذهنی ، فافهم وتأملّ فیما وقع فی المقام من الأعلام ، من الخلط والاشتباه ، وتوهمّ کون الموضوع له أو المستعمل فیه فی الحروف خاصاً ، بخلاف ما عداه فإنّه عام.
ولیت شعری إن کان قصد الآلیة فیها موجباً لکون المعنى جزئیاً ، فلم لا یکون قصد الاستقلالیة فیه موجباً له؟ وهل یکون ذلک إلّا لکون هذا القصد ، لیس مما یعتبر فی الموضوع له ، ولا المستعمل فیه بل فی الاستعمال ، فلم لا یکون فیها کذلک؟ کیف ، وإلاّ لزم أن یکون معانی المتعلقات غیر منطبقة على الجزئیات الخارجیة ؛ لکونها على هذا کلیات
__________________
1 ـ حاشیة کتاب فرائد الأصول ، کتاب الفوائد / 305.
2 ـ الأمر الثّانی من المقدمة ص 11.
3 ـ لم توجد «ما» فی بعضٍ النسخ المطبوعة
4 ـ فی ( أ ) : الآلی الکلی کلی ...  
 
عقلیة ، والکلّی العقلی لا موطن له إلّا الذهن ، فالسیر والبصرة والکوفة (1) ، فی ( سرت من البصرة إلى الکوفة ) (2) لا یکاد یصدق على السیر والبصرة والکوفة (3) ، لتقیّدها بما اعتبر فیه القصد فتصیر عقلیة ، فیستحیل انطباقها على الأمور الخارجیة.
وبما حققناه (4) یوفق بین جزئیة المعنى الحرفی بل الاسمی ، والصدق على الکثیرین (5) ، وأنّ الجزئیة باعتبار تقیّد المعنى باللحاظ فی موارد الإستعمالات آلیاً أو استقلالیاً ، وکلیته بلحاظ نفس المعنى ، ومنه ظهر عدم اختصاص الإِشکال والدفع بالحرف ، بل یعم غیره ، فتأمل فی المقام فإنّه دقیق ومزالّ الأقدام للأعلام ، وقد سبق فی بعضٍ الأمور بعضٍ الکلام ، والإِعادة مع ذلک لما فیها من الفائدة والإِفادة ، فافهم.
رابعها : إن اختلاف المشتقات فی المبادیء ، وکون المبدأ فی بعضها حرفة وصناعة ، وفی بعضها قوة وملکة ، وفی بعضها فعلّیاً ، لا یوجب اختلافاً فی دلالتها بحسب الهیئة أصلاً ، ولا تفاوتً فی الجهة المبحوث عنها ، کما لا یخفى ، غایة الأمر إنّه یختلف التلبس به فی المضی أو الحال ، فیکون التلبس به فعلاً ، لو أخذ حرفة أو ملکة ، ولو لم یتلبس به إلى الحال ، أو انقضى عنه ، ویکون مما مضى أو یأتی لو أخذ فعلّیاً ، فلا یتفاوت فیها أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات ، کما أشرنا إلیه (6).
خامسها : إن المراد بالحال فی عنوان المسألة ، هو حال التلبس
__________________
1 و 2 و 3 ـ فی ( أ ) : تقدیم الکوفة على البصرة.
4 ـ فی هامش ( ب ) : ثم إنّه قد انقدح بما ذکرنا أن المعنى بما هو معنى اسمی ، وملحوظ استقلالی ، أو بما هو معنى حرفی وملحوظ آلی ، کلّی عقلی فی غیر الأعلام الشخصیة ، وفیها جزئی کذلک ، وبما هو هو أیّ بلا أحد اللحاظین ، کلی طبیعی أو جزئی خارجی ، وبه ... ( نسخة بدل ).
5 ـ فی ( أ ) : على کثیرین.
6 ـ اشار إلیه فی الأمر الأوّل / 39.  
 
لا حال النطق ضرورة أن مثل ( کان زید ضارباً أمس ) أو ( سیکون غداً ضارباً ) حقیقة إذا کان متلبساً بالضرب فی الأمس ، فی المثال الأوّل ، ومتلبساً به فی الغد فی الثّانی ، فجری المشتق حیث کان بلحاط حال التلبس ، وأنّ مضى زمإنّه فی أحدهما ، ولم یأت بعد فی آخر ، کان حقیقة بلا خلاف ، ولا ینافیه الاتفاق على أن مثل ( زید ضارب غداً ) مجاز ، فإن الظاهر إنّه فیما إذا کان الجری فی الحال ، کما هو قضیة الإِطلاق ، والغد إنّما یکون لبیان زمان التلبس ، فیکون الجری والاتصاف فی الحال ، والتلبس فی الاستقبال.

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی